قراءة في كتاب سيكولوجية الجماهير لغوستاف لوبونالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2018-02-11 19:57:40

رنا القفاري

كاتبة وشاعرة - القصيم – بريدة

الكتاب: "سيكولوجية الجماهير"

المؤلف: غوستاف لو بون

المترجم: هاشم صالح

الناشر: دار الساقي

 

 

غوستاف لوبون، طبيب ومؤرّخ فرنسي، كتب في علم الآثار وعلم الأنثروبولوجيا واهتمّ بعلم الحضارات بشكلٍ عام، ومن أوائل المؤرخين الأوربيين الذين اعترفوا بوجود فضلٍ للحضارة الإسلامية على العالم الغربي، ولد في فرنسا عام 1841م، درس الطب واهتم بالطب النفسي وخصوصًا السلوك الجماعي الذي أصدر فيه العديد من الأبحاث إلى أن كتب كتابه "سيكولوجية الجماهير" الذي حقق له سمعة علمية عالية وكان الأسبق فيه، توفي في فرنسا عام 1931م.

يقدم غوستاف لوبون منهجه هذا بدراسة شاملة عن الجماعات وطبيعتها وكيفية توجيهها من قبل السلطة سواء كانت سلطة إعلامية، سياسية، اجتماعية…إلخ ويُعد هذا الكتاب الأسبق بدراسته لعلم النفس بطريقة تحليلية من وجهة نظر اجتماعية حيث إنه لا يقتصر على دراسة سلوك الفرد، نموه، ومشاكله لذلك فيطلق على هذا العلم مصطلح "علم النفس الاجتماعي" والذي من أهدافه دراسة سلوك الفرد داخل المجتمع ومدى انسجامه معه وطبيعة الصراع الذي يعيشها هذا الفرد لنصل إلى حقيقةٍ مفادها أن علم النفس الفردي وعلم النفس الاجتماعي ما هما إلا مكملين لبعضهما حيث أنهما في حالة تداخل وتنافر في آن واحد ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنهما أضداد.

قال هاشم صالح إن فرنسا حاولت اللحاق بالركب وتفادي ما فات خلال العشرين سنة الماضية لذا ركزت اهتمامها على محورين هما: بحوث متمحورة حول مسألة تكوين الشخصية ودمجها في الوسط الاجتماعي، وبحوث متمحورة حول دراسة الخلافات والتمايزات الموجودة بين الشعوب المختلفة.. فمن هذا المنطلق يعتقد هاشم إن علم النفس الجماعي المهتم بدراسة سلوك المجموعات والجماهير ما هو إلا جزء من علم النفس الاجتماعي مما يستدعي ضرورة التفريق بين الاثنين، ويوجه هاشم صالح نقدًا لاذعًا إلى لوبون بسبب تأويله لبعض سلوكيات الشعب بأنها عائدة على العرق كقوله: "كل فرد ينتمي إلى عدة أرواح جماعية: روح عرقه، وروح طبقته، وروح طائفته".

ولكن يبقى السؤال الأهم الذي يطرحه الكتاب على لسان علم الجماهير أو علم النفس الجماعي "كيف يمكن للقادة أن يجيشوا الجماهير بمثل هذا الحجم؟" هنا الإجابة .. باحثوا اليوم لم يتوجهوا بالبحث عن آليات السيطرة على الجماهير كما يفعل لوبون بل على العكس فهم ركزوا على الأسباب والاشتراطات التي تجعل من ولادة السلوك الجماهيري الجمعي أمرًا ممكن في خطابٍ ألقي بتاريخ 28 يوليو 1885 صرّح جول فيري أمام البرلمان بخطاب يقول فيه أن للأعراق العليا حقًا على الأعراق الدنيا ويجب عليها دمجها في الحضارة مروجًا ومعترفًا بحقيقة ووجود الطبقية العرقية بطريقة لا تغيض الطرفين وكما هو السائد في القرن التاسع عشر حيث إنه لم ينجو مفكر من الوقوع في أزمة العنصرية.. هذه أحد السياسات المتبعة لتوجيه الجماعات من خلال الخطابات التي تروج لأفكار بطريقة لا تبدو فيها أنها تروج لها كذلك قد تتبع الترويج بشكله الأكثر تأثيرًا عن طريق الصور مثلاً كما يفعل في الجماهير الإعلامية والصور هي أكثر الأدوات تأثيرًا على نفس المتلقي أو ما يسمى بالقطيع.

صنف غوستاف لوبون الأشخاص الذين ينتمون إلى جمهور معين إنهم هامشيين وشاذين عن المجتمع كالذين يعانون من نقص في الانتماء والذي هو حاجة طبقًا لهرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية فيلجؤون للانتماء إلى فريق كروي حيث يسميهم لوبون "القطيع، الرعاع" وغيرها من المسميات التي تنتقص منهم فتفسير لوبون لمثل هذا الاتهام إن الجماهير تنصهر روحها الفردية داخل جماعة لتصبح روحًا واحدة تخفض من الملكات العقلية والتمايزات الشخصية والاختلاف فيما بينها بالقناعات والمبادئ فيسهل عليها أن تقوم بتصرفات سلبية لا تستطيع القيام بها إن كانت وحدها كالجماعات التي تقوم بتحرشات أو عمليات إجرامية.

يعترض لوبون على آراء الباحثين والإيطاليين بقولهم إن الجماهير هم فئة شغب بطبعها تحب النهب والسلب بل في بعض الأحيان هي مستعدة أن تقدم تضحيات بلا مقابل كما يحدث في الجماعات الإرهابية وذلك بسبب ترويج شعارات وأفكار إيمانية على شكل صور معتقدية وخطابات مدروسة تجعلهم يتحركون ضد السلطة ويغوصون بروح الجماعة دون الوعي لما هم عليه وماهية الخطاب الموجه إليهم لذلك فهم من السهل تعديلهم وتوجيههم للمسار الصحيح في حال كان الخطاب الموجه إليهم سليم في فحواه فلقد قدم جورج أورويل نموذج واضح وصريح في روايته "مزرعة الحيوان" كدليل على سياسة الجماهير وتوجيهها لتصدق ما نرغب بتصديقه حيث إنها عندما تكتشف الحقيقة المخفية وتقف ضدها لا تتردد في أن تكون نسخة منها في المستقبل - الكتاب لا يتجاوز المئة صفحة وهو مناسب لقراءته في جلسة واحدة يساعدك على فهم سيكولوجية الجماهير بشكل سلس وواضح - أي إنه باختصار يمكن للجمهور بسهولة أن يكون جلادًا أو ضحية بنفس النسب تمامًا لأنه كالإنسان الهمجي لا يهتم إلا بالوصول إلى رغباته مهما حال بينه وبينها لذلك يقول لوبون إننا لا نستطيع تحريك جمهور إلى عن طريق عاطفته وعاطفته المتطرفة فقط أي أن نجذبه إلى أحد التيارين لذلك فالحيادي الموضوعي لا يمكن أن يكون داخل القطيع أبدًا.

أيضًا يعتقد لوبون إن الجماهير التي هي فوضوية بطبعها تميل إلى حب السلطة القوية وتخاف من فقدانها حيث إنها تتنمر وتنقلب على السلطة الضعيفة وفي حال كانت السلطة تتأرجح بين هذا وذاك فإن الجمهور أيضًا يتأرجح بين الالتزام والفوضى ولكن تبقى الغريزة الثورية والانتماء إلى قضية أمرًا مهيمنًا على روح الجماعة بشكلٍ كامل فالأفكار كما يقول لوبون لا تفعل فعلها في الجماهير إلا إذا دخلت إلى اللاوعي وتحولت إلى شكل عواطف لذلك فإن السامع المثقف أيضًا ما إن تتلو عليه حقيقة وتعود إليه بعد وأيام تجده قد عاد إلى خزعبلاته القديمة بصفتها رسخت وتحولت إلى عواطف بداخله لا يستطيع الحياد عنها فالإنسان بطبعه منذ أن وجد لا يكف عن إيجاد عادات وتقاليد خاصة به ليقوم بتدميرها وبناء أخرى بديلة وهكذا والمشكلة هنا هي إيجاد التوازن بين الثبات والتحول كما افترض لوبون فإن الشعوب ترفض تمامًا أن تدمر خاصية الجماهير هذه ولا تستطيع العيش دون الخضوع لفكرة أو قضية لأنك باختصار لن تقدم لهم مثلاً أعلى يعيشون من أجله وإن حاولت فأنت الضحية وهذا سبب عدم اقتناع الجماهير عادة بالمحاجات العقلية كما الحال في المحاجات العاطفية وتجد العقلاني يستغرب دائمًا من عدم استيعاب المجتمع له عندما يعارضهم بقضية معينة.

وأريد أن أنوه هنا إنه ليس بالضرورة أن يكون الجمهور في مكان واحد بل قد يكونون جمهورًا خاضعين لنفس الفكرة في مختلف الأماكن في العالم بينما قد يجتمع العديد من الأشخاص في مكان واحد صدفة دون أن يربطهم شيء.

أنهي المقالة باقتباسين تختصر الكتاب كاملاً:

 "إن معرفة فن التأثير على مخيلة الجماهير تعني معرفة فن حكمها"

"العاطفة في صراع أبدي ضد العقل"

متمنيةً أن أكون قد وفقت في طرحي هذا

قراءة ممتعة.


عدد القراء: 6817

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-