أسئلة الكتابة: كتابة الحياة وكتابة العدمالباب: مقالات الكتاب
شدري معمر علي الجزائر |
أسئلة الكتابة: كتابة الحياة وكتابة العدم * المشتغلون بالأدب يثيرون بين الفينة والأخرى أسئلة حول الكتابة والهوية، ومن أسئلة الكتابة الجوهرية قدرتها على التواصل والتوصيل، التواصل عن طريق الأفكار التي يطرحها الكاتب وتوصيل رسالة معينة إلى قارئ ما وأجمل التواصل بين الأصدقاء هو التواصل عبر الكتابة فيشعر الكاتب بسعادة غامرة عندما يجد قارئا في بقعة من البقاع يتواصل معه ويناقشه ويحاوره والكتابة في أقصى مداها هي التي لها حظ من الوعي، التي تؤدي إلى المعرفة، يقول الدكتور (عمر مهيبل) في كتابه القيم (من النسق إلى الذات قراءات في الفكر الغربي المعاصر): «إننا نباشر الكتابة ليس بمقتضى قانون العرض والطلب هذا ولكن باعتبارها هما أبدياً ونهما لا يروى كما ذكرت سابقاً، نباشر الكتابة بوصفها تحقيقاً لوجود طبيعي وتصوراً عقلياً واعياً أيضاً هذا النمط من الكتابة أسميه» الكتابة المرئية «وهي الكتابة التي ينطلق فيها شعاع الوعي من الذات إلى البنية الطبيعية والعكس أي أن الكتابة تكون بمثابة اختراق مزدوجة للبنية وللمخيلة في آن واحد فتحصل الكتابة بالمعنى المرئي وهي ليست إلا الكتابة المؤدية إلى المعرفة الدلالية الإرادية والواعية» الكتابة الخالدة التي تحدت الأزمنة وواجهت كل الإشكاليات والتهم هي هذه الكتابة المرئية.
فأبو حيان التوحيدي الذي عاش الفقر وأكل الحشيش وأحرق كتبه في لحظة ألم لم يكن يعلم أن كل أغنياء عصره سينساهم التاريخ ويبقى هو صفحة مشرقة في سجل الإنسانية لأنه كتب بصدق بعيداً عن الأطماع والحسابات والمصالح.
وأبو العلاء المعري «رهين المحبسين» في سجنه الاختياري أطلق العنان لخياله فأبدع (رسالة الغفران) التي تأثر بها دانتي Dante alighieri فألف كتابه (ladivina comedia) الملهاة الإلهية.
عندما نتأمل كتابات أدباءنا نتساءل أسئلة بريئة: ماذا تضيف إلينا ؟ هل تخرجنا من الأزقة الموحلة إلى رحابة الإنسانية ؟، من ضيق المكان إلى سعة الدنيا ؟ هل تدفعنا إلى مطاردة المعرفة والبحث عن كنه الأشياء ؟ أنا أتساءل كقارئ قبل أن أكون كاتباً من كتاب الهامش يؤمن بقيم الخير والعدل والجمال بعيداً عن التعصب الفكري والانغلاق والتحزب، ماذا تضيف لي رواية كاتب مفعمة بالجنس «كتابة إروتيكية» إباحية بدعوى الرواية الجديدة وفي المقابل أقرأ أن رواية (الكوخ عم توم) لكاتبة أمريكية مغمورة تشعل ثورة وبفضلها يتحرر العبيد، رواية تدفع إلى الحرية والانعتاق ورواية (الشيخ والبحر) للكاتب الأمريكي أرنست همنجواي يقرأها الرئيس الكوبي (فيدال كاسترو) فيقاوم، رواية تحدي الصعاب ومقاومة القهر والتشبث بالأمل في دماسة الليالي.
وهناك الكتابة اللامرئية وندخل ضمنها هاته الكتابات العابرة الباهتة «هل نكتب وفقاً لمبدأ العرض والطلب فنسقط في العبودية المقننة والبذاءة اللفظية والتبسيط الممل فتفقد الكتابة عنفوانها وينطمس رونقها وتنحسر دلالتها حتى تلامس مراتب العدم».
الكتابة الكونية:
أنا لا أتصور الكاتب مهما كانت عقيدته وديانته إلا كاتباً كونياً حتى لو انطلق من بيئته الصغيرة، هناك قيم إنسانية جوهرية يدافع عنها باستماتة: قيم الخير والعدل والجمال كما قلت سابقاً، فالكاتب الحقيقي هو الذي ينفتح على الآخر ويدافع عن الإنسان مهما كان لونه وجنسه، وأنا عندما أتأمل في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) أتساءل أليس هدف الكاتب هو التعارف الإنساني وكيف يصل إلى هذا التعارف وعن أي طريق؟ لنتصور الكاتب العربي المسلم يريد أن يتعارف مع أمريكي، إن أفضل وسيلة للتعارف هو أن يتقن لغته ويعرف ثقافته وحضارته والعكس صحيح.
من هنا نعلم أن في ثقافتنا العربية الإسلامية دعوة للحوار الثقافي والديني والجدال بالتي هي أحسن وليس بالتي هي أخشن «التطرف بكل أنواعه» وهي دعوة تفند أفكار بعض منظري الحروب والدمار (صمويل هنتجتون) صاحب نظرية (صدام الحضارات).
من أجل إعادة النظر في مسألة الكتابة الجزائرية:
قد يستغرب القارئ من هذا الطرح لكن الواقع يفرض ذلك، هزالة الإبداع الجزائري ورداءته وغيابه عن الساحة الإبداعية العربية والعالمية، ما هو السبب ؟ إني متيقن بعد متابعة سنوات طويلة للإبداع العربي أن السبب الرئيسي هو غربة الكاتب، الكاتب الجزائري يكتب لقارئ غير جزائري «لا يدرس الكاتب ميولات القارئ ورغباته أي يقوم بدراسة نفسية واجتماعية لهذا القارئ» فالكاتب الذي لا يطرح على نفسه هذه الأسئلة: لمن أكتب؟ وكيف أكتب ؟ هو كاتب فاشل فالكتاب العالميون يضعون في الحسبان القارئ فيستعملون معه أحسن الطرق والأساليب فلا نتعجب إذن إذا وجدنا في أمريكا معهداً وطنياً لتكوين الأدباء، يتعلمون فيه أفضل التقنيات وأحدثها، وهذا أمبيرتو إيكو «بعد عشرين عاماً من نشر روايته الشهيرة» اسم الوردة «نشر روايته الجديدة baudilino» فيقول إيكو: «أنه غير من أسلوبه في هذه الرواية إلى الأسلوب الشعبي» هل فكر كتابنا في تغيير الأسلوب والأفكار فالكتابة علم قبل أن تكون موهبة «ولعل كتاب الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا» (jacques derrida) علم الكتابة delagrammatologie «هو من أطرف الكتب في الفكر الغربي المعاصر التي طرحت علاقة الكتابة بالكلام أو اللفظ وأيهما أكثر تأثيرا في الآخر» وقد أكد الكاتب رابح خيدوسي: «أن الرواية الجزائرية من حيث الموضوع لم تصل بعد إلى قمة نضج الرواية الإنسانية المواكبة حضارياً إذ يقول: غالباً ما نجد روائياً يسقط في فخ إيديولوجي فمرة تجدها تقدس الثورة، القوة على حساب العقل والحرية ومرة أخرى تشيد اتجاه حزبي يساري وأخرى تغرق في الذاتية الرومانسية وأخرى رواية استعراضية تقريرية» وقد صدق عمر مهيبل عندما دعا إلى نمط كتابي جديد فهو يقول في نفس المرجع: «فإن التجربة بينت لنا انه يتحتم علينا في زمن التقاطع هذا أن نبلور نمطاً كتابياً جديداً يتعدى الكتابات الساذجة التي هي أقرب ما تكون إلى السجال الإيديولوجي ونمط يتعدى الكتابات التي تحاول اختزالنا في رموز لغوية منتظمة في قواعد رياضية كما يتعدى الكتابات التي تجعلنا نسبح في عالم الميثولوجيا والأوهام لنصل إلى نمط جديد أسميه (الكتابة المتدفقة).
ختاماً فهذه دعوة إلى كتابنا أن يراجعوا أفكارهم وكتاباتهم، أن يفتحوا نقاشاً فكرياً حول موضوع الكتابة، فليست الكتابة عبثاً ولا نزوات عابرة، إنها لحظة وعي واحتراق واختراق إنها مرفأ لتجميع قوارب الرحلة وبسط شراعاتها المطوية مع ما في ذلك من مجازفة، إنها مغامرة غير مضمونة النتائج كما يراها المرحوم بختي بن عودة.
الهوامش:
( 1) من النسق إلى الذات : قراءات في الفكر الغربي المعاصر ص 14 منشورات الاختلاف.
(2 ) جريدة أخبار الأدب ص 13يناير 2002، العدد 444.
( 3) من النسق إلى الذات ص 13.
(4) ملحق جريدة أخبار (الأخبار الثقافي) ص 12.
العدد 06 مقال (واقع الرواية) لحسينة . ع.
( 5) من النسق إلى الذات.
تغريد
اكتب تعليقك