الخط العربي في الفنون الأوروبيةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2017-05-11 17:57:44

خلف أحمد محمود أبوزيد

مصر

الخط العربي، سمة التميز الأولي للفن العربي الإسلامي عن باقي الفنون نجده في الأواني وعلي الأبواب والحيطان والقبب والمنابر، وفي الأسمة والستائر والسجاد وفي الصور وعلى شواهد القبور، ويندر أن نجد تحفة من التحف العربية الإسلامية الرائعة، غير مدموغة بالخط العربي، ونظرًا لمظهر الخط العربي البديع وجماله الفني، وقيمته التشكيلية الفائقة، فقد بهر أنظار العديد من فناني الغرب، الذين استعملوا الخط العربي لغايات زخرفية "كما في الأعمال البيزنطية وفي الرسوم الإيطالية الباكرة، وفي واجهات الكنائس العائدة للقرون الوسطي، كما نقشت حروفه على كافة الصناعات والفنون الأوروبية بأشكالها المختلفة" (1)

وخلفت لنا العصور التاريخية العشرات من اللوحات والقطع الفنية القائمة كليًّا على الكتابة والزخرفة العربية، التي ألهمت الفنانين الغربيين، الذين استخدموا الخط العربي حروفًا وكلمات وجملاً كعناصر تشكيلية، تساهم في بناء العمل الفني، هذا ما سوف نلقي عليه الضوء عبر هذه السطور. 

الإمكانات الجمالية للخط العربي:

وقبل أن نخوض في أثر الخط العربي في إثراء الفنون الأوروبية، نعرض للخط العربي من حيث كونه قيمة جمالية، حيث تمتاز الحروف العربية بأنها تكتب متصلة أكثر الأحيان، وهذا ما أعطي لها أمكانيات تشكيلية كبيرة، دون أن تخرج عن الهيكل الأساسي لها، ولذلك كانت عملية الفصل بين الحروف المتجاورة، ذات قيمة مهمة في إعطاء الكتابة العربية جمالية من نوع خاص، "من حيث تراصف الحروف، وتراكبها وتلاحقها، كما أن المدات بين الأحرف، والتي يمكن التكيف بها في بعض الحروف مثل ب، ن، ف، ق، س، ش وغيرها تأخذ دورًا في إعطاء الكتابة العربية تناسقًا ورشاقة عندما تكون هذه المدات متقنة وفي مواضعها الصحيحة" (2) يضاف إلى ذلك الغنى الذي يمكن أن يضيفه التشكيل والزخرفة الملحقة بالحروف، فعلامات الفتح والكسر والضم والسكون والتنوين والمدد والإدغام والشدة، كلها عناصر تزينية زخرفية لا غنى عنها، لاتمام التناسق وملء الفراغات، إضافة إلى ضبط الكلمات وصحة قراءتها، وذلك في خطوط النسخي والثلث والديواني الجلي، وللزخرفة أيضًا دور كبير في تجميل الخط العربي، حيث تضيف إليه والخطوط السابقة نوعًا من الأبهة والفخامة، كل ذلك أعطي للكتابة العربية، تفردًا في جمالها بين الكتابات العالمية، وجعلها محط أنظار العديد من فناني الغرب الذين وجدوا فيه بغيتهم المنشودة إلى طريق الإبداع والتميز، ويكفينا في هذا الصدد، أن نشير إلى ما ذكره جوستاف لوبون، عن انبهار الفنان الأوروبي بالخط العربي فيقول: "لقد بلغ الخط العربي من الصلاحية للزينة حدًّا عظيمًا، مما جعل رجال الفن في القرون الوسطى، وفي عصر النهضة يكثرون من استنساخ ما كان يقع تحت أيديهم من قطع الكتابات العربية، فيزينون بها المباني المسيحية" (3)، ويمكن لنا أن نتناول هذا الأثر فيما يلي:

1ـ المنسوجات الحريرية:

لقد ظهر أثر الخط العربي جليًّا في الكتابة على المنسوجات، خاصة المنسوجات الحريرية، التي صنعت في أوروبا، والتي كانت تستخدم لحفظ مخلفات القديسين المسيحيين، أو عباءات تتخذ لحفلات التتويج، أو كطرح أسقفية للصلوات وغيرها، ومن أهم الأمثلة على ذلك عباءة التتويج التي نسجت للملك روجر الثاني، ملك صقلية، وهي محفوظة الآن في أحد متاحف فيينا، حيث نسجت على حافة، هذه العبارة كتابة بالخط الكوفي تتضمن العبارة التالية "مما عمل بالخزانة الملكية المعمورة بالسعد والإجلال والكمال والطول والإفضال والقبول والإقبال والسماحة والجلال والفخر والجمال وبلوغ الأماني والآمال، وطيب الأيام والليالي بلا زوال، ولا انتقال بالعز والرعاية، والحفظ والحماية، والسعد والسلامة والنصر والكفاية، بمدينة صقلية سنة ثمان وعشرين وخمس مئة"(4) وهكذا نجد نصًّا عربيًّا وتاريخيًّا هجريًّا على تحفة صنعت لملك أوروبي يلبسها عند تتويجه، كما هناك عباءة أخرى من صناعة أوروبية، ذات طابع عربي، وهي عباءة لقس يدعي (أوتو الثاني المتوفي عام 1196م، حيث نجد بهذه العباءة شريطًا زخرفيًّا مؤلفًا من كتابة بالخط الكوفي غير مقروءة.

2ـ العمارة:

لقد لعب الحرف العربي، دورًا كبيرًا في زخرفة العمائر والقصور الأوروبية، وتوجد شواهد عديدة على استخدام الخط العربي في زخرفة وتزيين العديد من واجهات الكنائس والمباني الأوروبية، ومن أشهر الأمثلة على ذلك، ما نجده من كتابات باللغة العربية، وبالخط الكوفي في كنيسة "الكابلاتينا" في بليرمو، التي شيدها الملك النورمندي روجر الثاني، صاحب عبارة التتويج المشهورة، وذلك سنة ( 1151ـ 1154) ، وهذه الكتابات "لم تكن باللغة العربية بحسب، بل كانت ذات روحية إسلامية أيضًا، فعلى سبيل المثال نجد أن مزولة القصر تحمل دعاءً بأن يمد الله في عمر الحاكم ويؤيد بيارقه، وقد دون تاريخ ذلك بالتقويم الهجري"(5)، هذا إلى جانب تغلغل الحرف العربي في العمارة الأوروبية في العصور الوسطى، ونلمس ذلك جليًّا فيما شيده مستغربو الأندلس من عمائر، ومنها على سبيل المثال كنيسة (ماري لابلانش بطليطلة عام 1200م، حيث تؤكد الكتابات العربية على جدرانها تأثر مسيحي الأندلس بالحرف العربي، ومن كنائس طليطلة أيضًا والتي نقشت واجهاتها بالرخام العربي، كنيسة والترانسيتو، التي تحتشد بالكتابات العربية والنقوش ذات الموضوعات الإسلامية، كما من الشواهد التي تؤكد تغلغل الحرف العربي، في فن العمارة الأوروبية، ما وجد مكتوبًا بالأحرف العربية علي قصر أشبيلية، الذي أنشئ عام 1345م، الذي يظهر جليًّا أثر الحرف العربي، في الفن الأوروبي من خلال الكتابات العربية على جدران القصر، والتي من أبرزها عبارة "لا غالب إلا الله" (6)، وإذا تتبعنا أثر الخط العربي في مجال العمارة الأوروبية، نجد هذا الأثر أيضًا على بعض المصنوعات العربية، التي نقلها الأوروبيون من العالم العربي، واستخدموها في عمائرهم، ومن أمثلة ذلك "باب كنيسة "ورتيرج" بألمانيا، والذي نقل إلي الكنيسة من عمارة إسلامية، ولهذا الباب مطرقة عليها كتابة دائرية تتضمن أدعية وألقابًا مكتوبة بخط عربي زخرفي جميل" (7)

3 ـ النحت:

كما استخدم بعض الفنانين الأوروبيين الخط العربي، في مجال النحت، ومن أشهر هؤلاء الفنان فيروكيو (1435 ـ 1488)، والذي يعد أستاذ ليوناردوا دافنشي، حيث نجح هذا الفنان في استخدم الخط العربي في أحد تماثيله المحفوظة في (البارهيلو) في فلورنسا، وذلك على هيئة أشرطة كتابية تزخرف حواشي الثوب الذي يمثل ذلك التمثال" (8) وكذلك الأمر في أسبانيا، حيث عثر علي أفريز في مذبح كنيسة أو فبيدوا، عليه نحت للبسملة بالخط الكوفي. 

4 ـ اللوحات والرسوم:

كما استفاد العديد من فناني الغرب من إمكانيات الحروف العربية، في لوحاتهم التشكيلية، ومن أشهر هؤلاء الرساميين الذين أدخلوا الخط العربي في أعمالهم الفنية الرسام "جنيلي افيربانوجين"، حيث استخدم هذا الرسام الخط العربي في زخرفة وشاح يرتديه أحد السياسيين في لوحته الشهيرة تبجيل المحبوس، وأيضًا الفنان فراليبويتي الذي ظهر استعمال الحروف العربية بوصفه عنصرًا زخرفيًّا، كما في لوحته التي تمثل تتويج العذراء شريطًا زخرفيًّا تحليه حروف عربية، وذلك في الوشاح الذي تحمله الملائكة" (9) كما استوحى بعض الرساميين الأوروبيين في العصر الحديث الخط العربي في رسم لوحاتهم، ومن أشهر هؤلاء الألماني "باول كليه" الذي ظهر تأثره بالخط العربي في الصور والرسوم التي أطلق عليها اسم الصور الرمزية، أو الصور بالكتابة النباتية، التي يظهر فيها تأثره الكبير بالخط العربي، وباتجاهه من اليمين إلى الشمال، واستدارة حروفه، مع أنه لم يكن يستطيع قراءتها، أو فهمها، وأننا بحيازة عدد من التصاوير المجردة المركبة من أحرف تثبت لنا علاقة كلية بالخط العربي" (10)، وأيضًا الرسام كارل جورج هوخر، والذي ولد سنة 1914م، في ولاية سييلسيا، وشغل منصب رئيس شعبة الخط في مكتب الصنعة في أوفتياج، حيث تأثر هوفر بقوة الحركة الجميلة في الخط العربي عمومًا، وخط النسخ خصوصًا، حيث يظهر في رسوماته تأثره الواضح بصنعة الخط العربي" (11)، وكذلك الفنان المجري فازاريللي، الذي حاول الاستفادة من أساليب الخط العربي في لوحاته التي تنتمي إلى الفن البصري" (12).

5 - التحف:

لعبت التحف دورًا مهمًّا في نقل الخط العربي إلى أوروبا، وذلك لما يتميز به الخط العربي علي هذه التحف من طابع زخرفي وجمالي، يلفت الأنظار، حيث استخدم الأوربيون مختلف التحف الإسلامية من نسيج وعاج وزجاج ومعادن وبلور صخري وأحجار ورخام وأخشاب وغيرها، حيث كانت الحروف العربية تمثل إحدى الزخارف الرئيسية لهذه التحف، وحيث عثر على زخارف مستمدة من الخط العربي، من أشهرها" مطرقة باب من البرونز في كتائيدائية بوهيموند الجنائزية في كانوسا" (13) ولم تتوقف الزخرفة المستمدة من الخط العربي عند ذلك، بل أننا نجد أيضًا على بعض الصلبان، فنون من الزخرفة العربية بالخط العربي، كما هو الحال في صليب من أيرلندا محفوظ بالمتحف البريطاني "تزخرف وسطه عبارة مكتوبة على الزجاج بالخط الكوفي تقرأ "باسم الله" وفي تورني صلب آخر تزخرفه حروف كوفية محفورة، ومن المرجح أن هذا الخط كان يقصد به مجرد الزينة الزخرفية" (14)

6 ـ العملات:

كما ظهر التأثر بالخط العربي واضحًا علي العملات الأوروبية، حيث يوجد في المتحف البريطاني بلندن دينار ذهبي، يحمل على أحد وجهيه، كتابة بالخط الكوفي نصها "لا اله إلا الله، محمد رسول الله، وعلى الوجه الآخر كتابة لاتينية باسم الملك أوفا ملك مرسيه (757ـ 766) (15) كما وجد الخط العربي على عملات مسيحية أخرى، ترجع إلى النورمانديين في صقلية، ومن أشهر أمثلة ذلك ربع دينار باسم الملك (غليالم) ملك صقلية، جاء على نصها كتابة بالخط الكوفي نصها "الملك غليالم المستعين بالله" (16) كما كان من أثر الخط العربي في أوروبا أن سك البنادقة نقودًا ذهبية تشتمل علي كتابات وآيات قرآنية بالخط العربي، بالإضافة إلى التاريخ الهجري، وقد أطلق على هذه النقود اسم العملة البيزنطية العربية. 

الهوامش:

(1) البعد الصوفي لجمالية الخط العربي، د/ أنور أبي خزام، مجلة الفكر العربي، العدد السابع والسبعون، ص 83

(2) عبقرية الخط العربي، علي محمد أمين، مجلة الوحدة عدد مارس عام 1992، 91

(3) حضارة العرب، جوستاف لوبون، ترجمة، أكرم زعيتر، ص 521

(4) مكانة الفن الإسلامي بين الفنون، محمد عبدالعزيز مرزوق، مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة، المجلد 19، سنة 1957، ص 128

(5) الخط العربي في الفن الأوروبي، عبدالجبار محمود السامرائي، مجلة المورد، العدد رقم (4)، اكتوبر عام 1986م

(6) المصدر السابق

(7) المصدر السابق 

(8) المصدر السابق 

(9) المصدر السابق 

(10) الحروف الهجائية في الزخرفة الحديثة الإلمانية، ألبرت تايلا، مجلة فكر وفن، عدد يناير عام 1964م

(11) المصدر السابق 

(12) عبقرية الخط العربي، مصدر سابق

(13) أثر الخط العربي علي الفنون الأوروبية، حسن باشا، مجلة المجلة، العدد 121 ، القاهرة عام 1968م

(14) المصدر السابق

(15) مكانة الفن الإسلامي بين الفنون، مصدر سابق

(16) مجلة المورد، مصدر سابق


عدد القراء: 11959

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-