قراءة في رواية أولاد الناس.. ثلاثية المماليكالباب: مقالات الكتاب
د. داليا حمامي الولايات المتحدة الأمريكية |
الكتاب: "أولاد الناس/ ثلاثية المماليك"
المؤلف: د. ريم بسيوني
الناشر: دار نهضة مصر
تاريخ النشر: نوفمبر 2018 - القاهرة
عدد الصفحات: 759 صفحة
ليس من السهل كتابة رواية تاريخية، فنهاية الأحداث معروفة ونتائج المعارك أيضًا لا تخفى على أحد، لذلك نجد من الصعب كتابة رواية تاريخية مشوقة، لأنها لا تعتمد على الحبكات الرئيسية التي هي حبكات الحروب، بل تعتمد فقط على الحبكات الجانبية الخاصة بشخصيات القصة، فهي إذًا تحدٍ كبير واجهته الكاتبة ريم بسيوني، وقدمته للقراء في روايتها، الفائزة بجائزة نجيب محفوظ لأفضل رواية مصرية لعام 2019 - 2020، أولاد الناس/ثلاثية المماليك، إذ تبلغ صفحاتها سبعمائة وستين صفحة، مقسمة إلى ثلاث روايات منفصلة، بشخصيات منفصلة، لكن بوجود شيخ أو قاضي في كل رواية، هو أحد أحفاد سلالة الشيخ المذكور في الرواية الأولى، الشيخ "عبدالكريم"، وهذه الجملة تختصر زمن الثلاثية:
«الشیخ شهاب الدين.. جده الكبیر كان الشیخ عبدالكريم المناطي، وأحد جدوده بعد ذلك كان قاضي قضاة الشافعیة عمرو بن أحمد بن عبد الكريم المناطي، جاء من عائلة كريمة وتقیة، وعرف عنه العدل والعلم، وكان لم يزل يعیش من وقف لأمیر مملوكي اسمه الأمیر محمد المحسني».
اللغة عمومًا جيدة، لكن يعيب عليها التكرار الكثير للمفردات مثل: (السحر، الجان، أقدار مكتوبة، لو تعلمين، لو تعرفين، يعتدل العمر، يعتدل الكون) كما أن هناك دائمًا تكرارًا في الكلمة أو التعبير نفسه في صفحتين متتاليتين، وكأن الكاتبة أعجبت بهذه المفردة فأعادتها مباشرة بعد عدة أسطر، والرواية طافحة بأمثلة عن هذا التكرار:
(سحر لي هذا العبد المملوك) وبعد عدة أسطر: (وكأن جسدي ليس مني.. سحر لي) وفي الصفحة التي تليها: (المماليك تسحر طوال الوقت.. يتقنون السحر، ولديهم تمائمهم المؤثرة، ليس ذنبك.. عندما تبتعدين عنه يختفي السحر) وبعد صفحتين: (اتفقت مع نفسها على أن يوسف لن يعرف ما يحدث بينها وبين الأمير، ولا السحر ولا الشيطان الذي يسكن جسدها، فمشاعرها نتاج سحر من جان قوي وشرير).
وأحيانًا يحدث التكرار في الجملة الواحدة والمقطع الواحد:
«ولكنه عرف وفهم بمرور الوقت، قيمة وسحر الوصول وسكينة الحب، وكانت عيناها المبتسمتان هما الوصول والرضا، أيقن منذ البداية أن الرضا والسكينة لا يستحقهما أحد…»
وفي مواضع أخرى يحدث تضاد صارخ في جملتين متتاليتين مثل: «كنت أريد البقاء في مصر، ولم أجرؤ على قول هذا لملك الملوك، وخفت أن يقطع رقبتي لحظتها، وكان يعاقب كل جندي يتزوج من أرامل الممالیك، وتزوج الكثیرون من الجنود من أرامل الممالیك».
النص زاخر بتعابير غريبة وغير مستساغة، وتشابيه غير مفهومة مثل: «خطوط ومثلثات تسيطر على عينيه، تتجلى منها براءة المبدع وجبروته، تفتح العمر وتغلقه، وتسجّل أسى الأيام واستمرار الإنسان في البحث الدائم عن الخلود».. أو مثل تعبير «في الابداع فناء» الذي تكرر عشرات المرات.. فناءٌ لماذا بالتحديد؟ هل المبدع حين يبدع مرة يفنى إبداعه وينتهي؟
لكن لا يخلو الأمر بالتأكيد من مقاطع جميلة، بلغة بسيطة معبرة مثل وصفها لمدينة قوص:
«قوص هي حیاة ودنیا، تختلف فیها الألسنة والعملات، وتمتزج الألوان كلها الصارخة والباهتة، ويصبح العالم صغیرًا وكبیرًا في آن، كالكوكب المضيء والكوكب المظلم، يمتزج حب المال بالاستعداد لرحلة الروح، يتكلم أهلها عن الجن في الصحراء وفي أعماق البحار، ويحكون عن الأبطال والمحاربین والشعراء والصوفیین، ومن عرف المستقبل ومن اختفى من بین حنايا الأرض ولم يظهر بعد، يتبادلون القصص والأسفار، ويبدو المستحیل ممكنًا والممكن بعیداً، والرحلات تبدأ لتنتهي، والأيام تخون وتغدر كعادتها».أو كما في الرواية الثالثة، عندما طلب الأمير "سلار" من المؤرخ "أبو البركات" أن يكتب عما رآه، عندما قاوم المماليك والعامة السلطان "سليم" فقال: «يا أبا البركات أتمنى أن تكتب هذا في كتابك، اكتب الحقیقة ولو أغضبت الممالیك، وستغضب العثمانیین لا محالة، ولكن في كتابة الحق جهاد وانتصار، وفي تدوين الوقائع وصول إلى الیقین وثبات للنفس، الدهر يتلاعب بنا وبمصائرنا، ولكن القدم تقف ثابتة على الأرض العتیقة، لو كتبنا الحقیقة ولم نخف ضعفًا ولا قوة، ولم نحاب أخًا ولا عشیرة؛ فالتاريخ يا أبا البركات يحول دون الفناء، ويدفئ الصروح الباردة..».
العيب الهائل في الرواية هو اعتماد الكاتبة على الاغتصاب والتعامل المهين مع المرأة لكسب عشقها للرجل.. ففي القصة الأولى تُجبر "زينب" على الزواج من الأمير المملوكي "محمد"، الذي يسجنها ويذلها ويقهرها، ويجبرها على معاشرته بالقوة، فتقع في غرامه بجنون يصل لحد تقبيل قدميه بِوَلَه، وفي القصة الثالثة يسترقق الأمير "سلار" صبية مصرية مسلمة حرة اسمها "هند"، لتصير جاريته ويعاشرها بالقوة، بعد إجبارها على ممارسة أعمال شاقة، وأيضًا تحبه وتغرم به حد الهوس! كيف تصبح الحرة، جارية عند أمير مملوكي مسلم، يعرف العادات والتقاليد، ويتقن لغة الفلاحين المصريين، ويعرف تمامًا أن نساء مصر لا يمكن أن يصبحن جوارٍ؟ وكيف أمير ذو أخلاق عالية وشرف، وفروسية ونبالة، أن يقدم على معاملة "هند"، بطريقة لا يقبلها شرف الفارس المستأمن على البلاد؟ وذات الشيء مع الأمير "محمد" و"زينب"، إذ أن الأمير" محمد" كان مُهابًا، وصاحب دين وبصيرة قوية، ولا يمكن أن يعامل زوجته كما عامل "زينب"، نلاحظ إذاً ترويج الكاتبة في قصتين من أصل ثلاث، لفكرة إهانة المرأة وحبسها، وإجبارها على العلاقة الجسدية والتهديد بجلدها، كي يحظَ الرجل منها على أقصى درجات الغرام والعشق، فإذا كان هذا هو النموذج المعرفي وخبرة الكاتبة بالنساء، فالمسألة بحاجة إلى ضبط، فما حدث هنا هو عقدة نفسية تدعى عقدة ستوكهولم، عندما يقع المخطوف المعذَّب في حب الخاطف والتعاطف معه، وحتى القصة الباقية (وهي الثانية في الترتيب)، التي تتحدث عن قصة حب قاضي قوص وابنة التاجر، نجد أن زوجة التاجر تعامل معاملة البهائم من قبل زوجها، الذي هجرها إلى جاريته الرومية، ومع ذلك هي متعلقة به ولا تقو على فراقه، كما أن هذه القصة فيها الكثير من اللامعقولية، والكثير من الرغبة في حل الحبكة، والوصول إلى النهاية وختم النص كيفما اتفق، على طريقة الأفلام الهندية القديمة.
الحوارات كانت جيدة عمومًا ومناسبة لمستوى وثقافة كل شخصية، لكن تطور الشخصيات كان في الغالب مفاجئًا، فنجد الشخصية تنتقل من الكره والبغض الشديدين، إلى العشق والهيام فجأة، أو من الحب والشوق الجامح إلى البرود والخجل، ولأسباب واهية لا تتناسب ولا تليق بنفسية المرأة السوية.
في الرواية معلومات تاريخية جميلة، و وصف لأجمل وأعظم المساجد التي بنيت في تلك الحقبة، ويتضح من خلال النص بحث الكاتبة وجهدها الكبير، الذي يثمّن عاليًا، في تحويل التاريخ الجاف والممل عند البعض، إلى قصة مثيرة ومشوقة، فعلى الرغم من تفاوت اللغة، إلا أنها لا تخلو من عنصر التشويق، وبرأيي لو أن الكاتبة اهتمت أكثر بتحرير النص، أو لو عاملت رواياتها الثلاث على أنها رواية واحدة، لا يجوز فيها هذا الكم الهائل من التكرار، في المفردات والسياقات والأفكار، لخرجت إلينا رواية متكاملة من جميع النواحي، فأنت حين تقرأ النص، تشعر أن الكاتبة قد عاملت كل رواية وكأنها منفصلة، لغويًا و فكريًا، و في موعد نشرها حتى، عن الرواية التي تليها، فجاء التكرار ملحوظًا بشدة وغير مقبول، بالإضافة إلى الأخطاء الجانبية التي كان من الواجب على المحررين أن يُنبهوا الكاتبة لها، مثل خشوع المصلين بسبب صوت الشيخ عندما صلى بهم الظهر، مع أن صلاة الظهر سرية، أو حين وضوح صوت الكاتبة على لسان بعض الشخصيات، إذ يستشعر القارئ أن الرأي المكتوب هو ليس رأي الشخصية، إنما رأي الكاتبة وقناعتها، مثل قولها على لسان الشخصية "زينب" متحدثة عن زوجها الأمير" محمد":
«العامة لا يعرفون ولا يفهمون، يقضون أوقاتهم مع خیال الظل والنكات التي تنتقد الممالیك، ولا يفهمون حجم تضحیات الممالیك ولا صراعاتهم، ولا حیاتهم البائسة وسط الرفاهیة»
أو في كلام الشيخ عبدالكريم: «غريب أمر أهل مصر، اعتادوا الحكام و تربوا على طاعتهم، أما الأعراب فلا يؤمنون بالدول والسلاطين» ففي المثالين السابقين، كان الكلام صادر عن شخصيتين مصريتين من العامة، تذكر الشخصية الأولى غياب الحكمة عند أهل مصر، وعدم وعيهم بالأخطار المحيطة بهم التي يردها عنهم المماليك، والشخصية الثانية تؤكد على خنوع العامة واعتيادهم على حكم أمراء المماليك، بالإضافة لذكرها في مواقع أخرى، أن أهل مصر لا يمكن أن يحكمهم أحد وينجح في ذلك، إلا إذا كان محاربًا قويًا، أو بكلمات أخرى، لن تستقر مصر إلا إذا كانت تحت " حكم العسكر"، وبالتأكيد لا يمكن لشيخ جليل متنور أن يقول هذا الرأي، ولا لمصرية من العامة أن تتهم شعبها وأهلها بعدم المعرفة، أو الجهل وعدم الفهم، على حساب تمجيد أمراء المماليك الذين يعانون البؤس والشقاء، وسط القصور والجواري والأموال الطائلة.
عن المؤلفة:
ولدت ريم بسيوني في محافظة الاسكندرية، وحصلت على ليسانس آداب قسم اللغة الإنجليزية من جامعتها، وعلى الماجستير والدكتوراه من جامعة أكسفورد في بريطانيا في "علم اللغويات"، عملت لفترة قصيرة في المملكة المتحدة، ثم انتقلت إلى جامعة جورج تاون في أمريكا، عادت إلى مصر عندما انضمت إلى الجامعة الأمريكية في القاهرة في عام 2013.
تقوم بكتابة القصة والرواية باللغتين العربية والإنجليزية، وصدر لها عدة روايات هي (بائع الفستق)، (رائحة البحر)، (الدكتورة هناء)، (الحب على الطريقة العربية)، (أشياء رائعة)، (مرشد سياحي)، (أولاد الناس/ثلاثية المماليك)، (سبيل الغارق/الطريق والبحر).
تغريد
اكتب تعليقك