قراءة في رواية «خريف شجرة الرمان»الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2019-02-05 16:51:09

د. داليا حمامي

الولايات المتحدة الأمريكية

الكتاب: "خريف شجرة الرمان"

المؤلف: محمود ماهر

الناشر: دار البشير، القاهرة

تاريخ النشر: 27 يناير2018

عدد الصفحات: 580 صفحة

يبدأ المؤرخ محمود ماهر مشواره الأدبي بروايته الأولى "خريف شجرة الرمان" الصادرة عن دار البشير، محاولاً فيها المزج بين معلومات تاريخية موثّقة و بين الأسلوب الروائي، وإذ بنا نقرأ كتابًا تاريخيًا قد بُهّر ببعض التوابل الروائية!.

إخراج النص بشكل عام ضعيف، وغير محبوك بلغة أدبية روائية ترقى لمستوى العمل، بل أقرب لِلُّغة التاريخية التوثيقية، لكن يُشكر الكاتب على المعلومات الصحيحة التي زودنا بها، فقد دفعتني للاستزادة والبحث في تاريخ كل شخصية تم ذكرها.

العنوان قريب من عنوان رواية الأديب سنان أنطون (وحدها شجرة الرمان)، كان بإمكان الكاتب اختيار عنوان آخر مثل (خريف غرناطة) أو (خريف الأندلس)، عوضًا عن استعمال كناية غرناطة بشجرة الرمان، الواردة على لسان الملك فرناندو، والتي تكررت كثيرًا خلال الرواية.

يقوى السرد حين التحدث عن التاريخ الصرف ووصف الأماكن، ويضعف عند التحول للسرد الروائي، ويزخر بالوعظ المباشر والجمل والتشابيه والاستعارات التي عفى عليها الزمن، كما يظهر فيه تحيز الكاتب للجانب المسلم من الصراع، أذكر هنا أحد مقاطع السرد كمثال: «أما الجنود فكانوا متشوقين إلى سفك دماء المسلمين وأما التجار فكانوا متشوقين لشراء غنائمهم وأولادهم ونسائهم يأخذونهم عبيدًا وسبايا» هنا يظهر الجانب القشتالي كمحور للشر الخالص، أما في هذا المقطع: «دخل أبو الحسن غرناطة دخول الفاتحين وما كاد يصل إلى الحمراء حتى خف إليه السادة والأمراء للتهنئة ولمشاهدة الأسرى وهم منكسوا الرؤوس يجرّون خلفهم سنوات تعذيبهم للمسلمين، كان يومًا مشهودًا أعاد إلى غرناطة أيامًا من أيام الله العظيمة»، هنا يظهر المسلمون كمحور للخير يحق لهم أخذ الأسرى، سعداء بنصر الله لهم، وحتى بمحاربة الملائكة معهم، على رأي إحدى الشخصيات في مقطع لاحق، إذ أنّ تكرار السرد الغير محايد، يوحي بأن الحوارات، المليئة بالكره والحقد على القشتاليين، لا ترد بشكل عفوي على لسان الشخصيات، فغياب الحيادية أضاع الكثير من مصداقية العمل وهو يتضح منذ بداية الرواية، في إهدائها: «إلى أولئك الذين يحلمون بالعودة .. إلى أحفاد المطرودين من  ديارهم...الحاملين مفاتيح دورهم في غرناطة وباقي أنحاء الأندلس»، وكأن الكاتب يعطي الأمل بأن ملك اسبانيا سيتنازل عن عرشه لنا، أو سيهجر بيوت غرناطة أهلها، حتى يعود أصحابها إليها!

إلى متى نستمر في اجترار الأحلام والأماني والأوهام في استعادة الأندلس الضائع؟ الترويج لهذا الفكر يدفع للانفصال عن الواقع وسط الخيبات التي يعيشها شبابنا، ويدفعهم لحلم لا يمكن الوصول إليه.

أيضًا، تغيب الحبكات المعتمدة عادة على ذكاء وخيال الكاتب، وتظهر حبكات المعارك المعتادة والتلقائية، التي لا يظهر فيها أي جهد من طرف المؤلف، إنما توثيق وسرد للتاريخ، أقرب للمراجع المختصة، منه إلى الرواية وأسلوبها.

تقنية الراوي الخارجي العليم بكل شيء، صادرت رأي القارئ بشكل مسبق، أذكر هنا هذا المثال: «قالت له عائشة هذا الكلام منحية بالملامة على أبيه، بينما كان الصواب أن تلقي لومها على ابنها الضعيف».

نلحظ في الرواية أيضًا تكرارًا لعديدٍ من الجمل والأفكار، مثل جملة "كذب المنجمون ولو صدقوا".. و"نحن لا نقتل الرسل".. و"غرناطة يا مولاي تؤيد من يأتي بالنصر على الأعداء"، كما ذُكر في الصفحة 218: «المسلمون يعرفون أهمية المرتفعات بالنسبة إلى المدينة والقشتاليين يريدون الانتقام من فشلهم السابق في احتلال البهاقين».. لتأتي نفس الجملة تقريبًا، مكررة بلا مبرر في الصفحة التالية مباشرةً: «استمر التطاعن بين المسلمين والأوروبيين بضراوة شديدة فالمسلمون يعرفون جيدًا أهمية المرتفعات والأوروبيون يعلمون أن تلك المرتفعات شهدت من قبل هزيمتهم».

الحوارات غير مقنعة ذات لغة فقيرة بالمفردات، يرافق غالبًا كل حوار جملة على غرار: قال عامر(يظهر ازدراءه لجهل العامة)، أو قال علي (ينظر مستفسرًا)، أوقال دون خوان دي سيفيل (يتنهد قبل أن يبدأ تعقيبه في لهجة مستغربة)، أو قال فرناندو (مبتسمًا ومتعجبًا) و(مستدركًا ومستهجنًا) و(يقهقه في حنق عجيب)، وقال محمد (متعاطفًا ومتعجبًا).. هذه الجمل المعترضة قبل كل حوار مرهقة للقارئ وتستخف بذكائه، لأن جملة الحوار يتضح فيها التعجب والتساؤل والاستدراك والاستهزاء دون أن يملي الكاتب علينا هذه الجمل التي أضافت ركاكة للحوار، وأما الشخصيات، فعلى كثرتها، تفتقد للوصف العضوي، فلم يتح الكاتب لخيالنا، الفرصة لتجسيد الشخوص وكأنها موفورة بالحياة أمامنا، مما جعلها بعيدة عن الإقناع والتعاطف.

الروايات عامةً، تتجه لكل شرائح المجتمع وأديانه، وفي العمل الأندلسي علينا أن نتوخى الحيادية قدر الإمكان، ونراعي تطور الفكر العربي وأنظمة الدول وظروفها السياسية الحالية، ولم ينجح الكاتب هنا في عدم استفزاز الطرف الآخر من المعادلة، وجذْبه ودفعه للإنصاف تاريخيًا على الأقل.

أجد أن توقيت هكذا روايات، مليئة بالحقد على القشتاليين والأوروبيين والصليبيين وبالظلم الذي وقع على المسلمين في الأندلس، غير مناسب، لما يمر به عالمنا العربي من تفرقة وبغض بين الطوائف المختلفة، كما يزيد تأجيج مشاعر الغبن عند المسلمين ضد الآخر المختلف عنه عقائديًا، ونحن الآن أحوج الى أعمال تدلنا على مكامن الخلل في مجتمعنا، وتهدئ نفوسنا، لا أن تشعلها بنيران قديمة خمدت من خمسة قرون أو تزيد، كما أن موضوع سقوط غرناطة قد تمت معالجته في عدة روايات، منها "ثلاثية غرناطة" لرضوى عاشور، و"البشرات" لإبراهيم أحمد عيسى، وكتاب "تذكّروا من الأندلس الإبادة" لأحمد رائف، ربما لو قُدّمت لنا روايات تحكي قصصًا من زمن ما قبل سقوط غرناطة أو بعده حتى، لتنوّع لدينا الحصيل الروائي عن الحقبة الأندلسية، وتعرفنا على حكايات جديدة فريدة من نوعها.

مؤلف الكتاب الدكتور محمود ماهر، مصري الجنسية، وهو باحث في التاريخ الأندلسي ومؤسس صفحة المسلمون في الأندلس على الفيس بوك.


عدد القراء: 7027

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-