كتاب (تيسير البلاغة) للشَّيخ أحمد القلَّاش (ت 2009م) دراسةٌ وَصْفيَّةٌ تحليليَّةٌالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2022-02-01 06:07:21

د. قاسم عثمان جبق

سوريا

الكتاب: "تيسبر البلاغة"

المؤلف: أحمد القلّاش

الناشر: رابطة العلماء السوريين

سنة النشر: 2017

عدد الصفحات: 159 صفحة

مُقدِّمة

سعى كثير من العلماء قديمًا وحديثًا إلى تصنيف كتب في علم البلاغة العربية بغية تسهيل دراستها من مثل عبد المتعال الصعيدي الذي ألف كتاب (البلاغة العالية)، والسيد أحمد الهاشمي الذي وضع كتاب (جواهر البلاغة)، وعلي الجارم ومصطفى أمين اللذين صنفا كتاب (البلاغة الواضحة)، وأحمد مصطفى المراغي الذي صنف كتاب(علوم البلاغة)، والدكتور فضل حسن عباس الذي كتب كتابه (البلاغة فنونها وأفنانها)، وعبد الرحمن حسن حبنكة الميداني الذي ألف كتابه (البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها)، ويعد الكتاب الذي سندرسه من أشهرها في العصر الحديث، لكنه كان أخصرها، ولئن كان من المستحسن تيسير العلوم بمختلف أنواعها فإن من غير المفضل ذاك التيسير الذي يعتمد الاختصار الشديد الذي يفضي في كثير من الأحيان إلى الغموض.   

المبحث الأول: التعريف بالكتاب

بين المؤلف -رحمه الله- في مقدمة كتابه أنه ألفه تيسيرًا لفهم البلاغة وإغناء القارئ عن مطالعة الكتب التي وصفها بالموسوعات!(1).

قسم المؤلف كتابه بعد المقدمة وبعد كلامه على الفصاحة والبلاغة وعلوم البلاغة الثلاثة: المعاني والبيان والبديع، إلى ثلاثة أقسام، أما القسم الأول فقد خصه لعلم المعاني ومباحثه، واشتمل على المباحث الآتية:

1 - مبحث الكلام: الكلام وأقسامه، ركنا الجملة.

2 - الخبر: أقسامه وأغراضه. 3 - الإنشاء وأنواعه: الأمر، النَّهي، الاستفهام، التَّرجِّي، التَّمنِّي، النِّداء.

4 - القَصْر. 5 - الفصل والوصل. 6 - المُساواة والإطناب والإيجاز. 7 - أثر علم المعاني في البلاغة. 

وأمَّا القسم الثَّاني فقد جعله لعلم البيان، واشتمل على المباحث الآتية:

1 - التَّشبيه وأغراضه وأنواعه. 2 - الحقيقة والمَجاز اللُّغويّ. 3 - الاستعارة وأقسامها. 4 - المَجاز المُرْسَل.

5 - المجاز العقليّ. 6 - الكِناية وأقسامها.

7 - بلاغة الكناية.

 وأمَّا القسم الثَّالث فقد جعله لعلم البديع، وضمَّ المباحث الآتية:

1 - المُحَسِّنات اللَّفظيَّة:

أ- الجِناس. ب- الاقتباس والتَّضمين. ج- السَّجْع والمُوازنة.

2 - المُحَسِّنات المعنويَّة:

أ- التَّوْرِية. ب- الالتفات. ج- الاستخدام.

د- المُشَاكلة. هـ- مُراعاة النَّظير (التَّناسب).

و- الطِّباق (التَّضاد). ز- المُقابلة. ح- حُسْن التَّعليل.

ط- تأكيد المدح بما يُشْبِه الذَّمَّ وعَكْسُهُ.

ي- أُسلوب الحكيم. ك- المُبالغة. م- التَّوْشيح.

ن- حُسْن الابتداء والتَّخلُّص.   

وكان المؤلف في كل بحث يورد الكثير من الشواهد القرآنية والأمثلة المتنوعة التي توضح الفكرة وتدعمها، وكان يعقب كل بحث من البحوث بأسئلة يطلب حلها، وفي جل الأسئلة شواهد من القرآن الكريم أو الحديث النبوي الشريف أو الشعر العالي الرفيع أو النثر الفصيح البليغ.   

المبحث الثاني: دراسة وصفية تحليلية لمبحث الفصاحة والبلاغة

إن الحديث عن الفصاحة والبلاغة من الأمور الرئيسة في كتب البلاغة القديمة والحديثة، ولا بد لمن يضع كتابًا في البلاغة أن يذكر كلامًا جامعًا مستوفيًا مستوعبًا جل ما كتب عنهما، ومعظم الكتب التي ذكرت في المقدمة نحت ذاك النحو، ولقد جاء هذا المبحث مقتضبًا مجملاً لا يشفي الغليل، وكان الأولى أن يعرض للفصاحة والبلاغة بشيء من التفصيل والتبيان، إذ لم يبدأ المؤلف كلامه عن الفصاحة والبلاغة بالتعريف بهما لغة ثم اصطلاحًا، لكنه دون سابق تمهيد بدأ كلامه بشروط فصاحة الكلام دون أن يذكر شاهدًا واحدًا على ما أجمله، وإنما تذكر فصاحة الكلام بعد فصاحة الكلمة وما الذي ينبغي أن يتوافر فيها لتكون فصيحة، ثم بعد أن تذكر فصاحة الكلام وشروطه مع بعض الأمثلة، تذكر فصاحة المتكلم، ولننقل كلامه لنرى كيف اختصر الكلام اختصارًا شديدًا دون أن يحقق الهدف المنشود، قال الشيخ أحمد القلاش بعد عنوان الفصاحة: "يشترط لفصاحة الكلام أن يكون جيد السبك، سهل اللفظ، واضح المعنى، منسجم التركيب، عذبًا فراتًا سائغًا، يحسن وقعه على السمع، ويستحليه الذوق والطبع، سليمًا من التعقيد، لا يخالف قواعد النحو والصرف، لا تنافر في حروفه، ولا غرابة في كلماته"(2). ثم ينتقل مباشرة دون سابق تمهيد إلى تبيان هدف علوم البلاغة قبل أن يعرف القارئ بهذه العلوم، فذكر أن المراد منها تنمية الذوق الفطري وصقله وترويضه ليستطيع اللسان التعبير عن الإحساس بنواحي الجمال في الشعر والنثر الفني(3).

لقد كان الأولى أن يبدأ الفقرة الأولى من هذا المبحث على النحو الآتي:

الفصاحة لغة: الظهور والبيان، أفصح الرجل عما في نفسه إذا أظهره وأبانه(4).

الفصاحة اصطلاحًا: صفة يوصف بها المفرد والكلام والمتكلم(5).

فصاحة الكلمة

لكي تكون الكلمة فصيحة لا بد أن تتحقق فيها الأمور الثلاثة الآتية(6):

1 - ألا تكون غريبة، أي أن تكون ظاهرة المعنى، ولا يحتاج المرء لمعرفة معناها إلى الرجوع إلى المعاجم، فقول عيسى بن عمر النحوي لما سقط عن حماره، واجتمع الناس حوله: ما لكم تكأكأتم علي تكأكؤكم على ذي جنة، افرنقعوا عني(7)، ضم كلمتين غريبتين، هما: تكأكأتم، أي اجتمعتم، وافرنقعوا، أي ابتعدوا. وذو جنة: المصاب بالجنون.

2 - ألا تكون مخالفة للقياس، فكلمة (الأجلل) في قول أبي النجم العجلي:

الحمد لله العلي الأجلل       

                الواهب الفضل الوهوب المجزل(8)

مخالفة للقياس، فقد اضطر الشاعر إلى فك الإدغام، وهذه ضرورة قبيحة في الشعر، وحق الكلمة أن تبقى اللام فيها مدغمة في الثانية(الأجل).

3 - ألا تكون متنافرة الحروف، ذلك أن تنافرها يؤدي إلى صعوبة نطقها، وهذا التنافر سببه تقارب مخارج حروف الكلمة، مثل كلمة (الهعخع)، وهو نبات ترعاه الإبل، وكلمة (مستشزرات) بمعنى مرتفعات، في قول امرئ القيس في وصف شعر محبوبته:

غدائره مستشزرات إلى العلا       

                 تضل المدارى في مثنى ومرسل(9)

فصاحة الكلام

لكي يكون الكلام فصيحا لا بد أن تتحقق فيه الأمور الآتية(10):

1 - أن يخلو من التعقيدين اللفظي والمعنوي، فاللفظي مثل قول الفرزدق:

 إلى ملك ما أمه من محارب        

                  أبوه ولا كانت كليب تصاهره(11)

وهو يريد إلى ملك أبوه ما أمه من محارب،فقدم وأخر دون ضوابط، مما أدى إلى الغموض. والمعنوي مثل قول العباس بن الأحنف:

 سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا 

               وتسكب عيناي الدموع لتجمدا(12)

فقد جعل البكاء وسيلة إلى السرور الذي عبر عنه بجمود العين، وجمود العين ليس دليلاً على السرور، بل هو كناية عن الحزن الشديد.

2 - ضعف التأليف، ومثاله قول حسان بن ثابت:

ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدًا      

        من الناس أبقى مجده الدهر مطعما(13)

فرجوع الضمير في(مجده) إلى (مطعما) مخالف للقاعدة النحوية، فهو غير فصيح.

3 - تنافر الكلمات

وهو ألا تكون الكلمات مجتمعة ثقيلة على السمع، يعسر النطق بها، ولو كانت بمفردها فصيحة، مثل قول الشاعر:

وقبر حرب بمكان قفر   وليس قرب قبر حرب قبر(14)

وجاء الثقل من تكرار حرفي الراء والباء.

وقول أبي تمام:

كريم متى أمدحه أمدحه والورى        

                   معي وإذا ما لمته لمته وحدي(15)

وجاء الثقل من تكرار أمدحه، وقرب الحاء والهاء. 

فصاحة المتكلم

هي ملكة يستطيع بها صاحبها التعبير عما يريد بكلام فصيح في أي غرض من الأغراض، والملكة هي كيفية متأصلة في نفس صاحبها.   

ولما انتقل إلى الكلام على البلاغة اكتفى بتعريفها لغة فقط، ثم بين أن بلاغة الكلام تكون إن كان الكلام فصيحًا قويًا فنيًا يترك في النفس أثرًا خلابًا ويلائم الموطن الذي قيل فيه، والأشخاص الذين يخاطبون، ثم ضرب مثالين وضح فيهما بلاغة الكلام(16). ويرى الباحث أن الأولى أن يبدأ بتعريف البلاغة لغة واصطلاحًا، فالبلاغة لغة: الوصول إلى المكان والانتهاء إلى الغاية التي يقصدها العرب في ترحالهم، وتقول: بلغت ما أصبو إليه، أي حققت ما أريد(17)، والبلاغة اصطلاحًا: مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته(18).

المبحث الثالث: دراسة وصفية تحليلية لمبحث علم المعاني

علم المعاني هو العلم الأول الذي عرضه المؤلف، وقد اشتمل هذا المبحث على مطالب، هي: الكلام الخبري والكلام الإنشائي، والاستفهام، والترجي والتمني، والقصر.  

المطلب الأول: أقسام الكلام، ركنا الجملة، أقسام الخبر وأغراضه

عرض المؤلف في هذا المبحث قسمي الكلام الخبر والإنشاء، فعرف الكلام الخبري والكلام الإنشائي وضرب مثالاً لكل منهما، ولو استدرك وأضاف إلى تعريف الكلام الخبري هذه الجملة: باستثناء القرآن الكريم، فهو صدق مطلق، لكان التعريف جامعًا. ثم ذكر ركني الجملة المسند والمسند إليه، وأحسن في ضرب الأمثلة التي توضح حقيقتهما، وأما ما سواهما فيسمى في اصطلاح البلاغيين فضلة(19).

ولما ذكر أقسام الخبر، وهي: الابتدائي والطلبي والإنكاري، كان عليه أن يوضح أن الخبر الطلبي هو ما فيه مؤكد واحد فقط، وأن الخبر الإنكاري هو ما كان فيه أكثر من مؤكد.        

ثم ذكر بعض أدوات التوكيد من نحو: إن، وأن، ولام الابتداء، وقد، وأحرف التنبيه والحروف الزائدة، ويا ليته ذكر أن للتوكيد أدوات وطرقًا، والطرق ثلاثة(20)، وهي:

1 - الجملة الاسمية: وهي تدل على الثبوت بخلاف الجملة الفعلية، نحو قوله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) النور: 35، وقوله: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) الفتح: 29.

2 - تقديم الفاعل من حيث المعنى: الفاعل إذا تقدم على فعله أعرب مبتدأ، نحو: قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ) الرحمن: 2،1، وهذا لا خلاف فيه، لكن علماء البلاغة يعدون (الرحمن) فاعلاً من حيث المعنى، ويفرقون بين جملة (علم الرحمن القرآن) وجملة (الرحمن علم القرآن)، فالجملة الثانية عندهم تفيد التوكيد لتكرار الإسناد فيها، ذلك أن كلمة (الرحمن) ذكرت مرتين فأسند إليها مرتين، مرة اسما ظاهرًا (الرحمن)، ومرة ضميرا مستترًا تقديره (هو) فاعلاً للفعل علم.  

3 - أسلوب القصر، من نحو قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات: 10، وله طرق ست معروفة، وقد ذكرها المؤلف في مبحث خاص. 

ثم انتقل المؤلف إلى تبيان غرضي الخبر الأصليين، ومثل لهما بمثالين، وأتبعهما ببعض أغراض الخبر البلاغية التي تفهم من السياق، فالخبر لا يقتصر على الغرضين الأصليين، بل يخرج عنهما كثيرا بحسب ما يقصد إليه المتكلم.     

المطلب الثاني: الإنشاء وأنواعه

تكلم المؤلف في هذا المبحث على نوعي الإنشاء الطلبي والإنشاء غير الطلبي، لكنه لم يبين لماذا لم يهتم علماء البلاغة بالإنشاء غير الطلبي (التعجب، والمدح، والذم، والقسم، وصيغ العقود، والرجاء) اهتمامهم بالإنشاء الطلبي؟ والمعلوم أن بعضهم يعد أساليب الإنشاء غير الطلبي أخبارا نقلت إلى الإنشاء، وما عليه جمهور علماء البلاغة أنها تقتصر على معانيها الأصلية، أما أساليب الإنشاء الطلبي فتخرج عن معانيها الأصلية إلى معان جديدة تفهم من السياق، ومن أجل هذا لا يعيرونها أهمية في مصنفاتهم. 

المطلب الثالث: الاستفهام

في هذا المبحث تناول المؤلف معنى الاستفهام وأقسامه وأدواته وخروجه عن معناه، وقد أكثر من شواهد خروجه عن معناه، وجلها كانت آيات قرآنية كريمة، وهذا مما يحسب له، ولكن ثمة ملاحظة واحدة على هذا المبحث، هي أنه لم يعرف الاستفهام لغة واصطلاحًا، بل اكتفى بقوله: "معناه الأصلي: طلب العلم بشيء مجهول، ويحتاج إلى جواب"(20). ويرى الباحث أنه لو قال: الاستفهام لغة: طلب الفهم، والاستفهام اصطلاحًا: طلب العلم بشيء لم يكن معلومًا قبل ذلك بأداة خاصة، وهو السؤال عن مجهول، لكان أولى.

المطلب الرابع: الترجي والتمني

في هذا المبحث جعل المؤلف الترجي من الإنشاء الطلبي، وفرق بينه وبين التمني بقوله: "الأمر المحبوب-كالنجاح والرباح- إن كان حصوله قريبًا متوقعًا يسمى طلبه ترجيًا وله أداتان: (لعل وعسى). والأمر المحبوب إن كان لا يرجى حصوله لاستحالته أو بعده يسمى طلبه تمنيًا. وله أداة واحدة (ليت)"(21)، وعند التحقيق ليس الترجي من الإنشاء الطلبي، وله حرف واحد هو (لعل) وثلاثة أفعال هي: عسى واخلولق وحرى، أما أنه ليس إنشاء طلبيًا، فلأنه ليس طلبًا، بل هو ترقب حصول أمر ممكن وقوعه، ولعل الدكتور فضل حسن عباس أول من نبه إلى ذلك من المحدثين، كما أنه بين الفرق بين التمني وبين الترجي، وسأورد كلامه على طوله لأهميته، فالتمني" هو طلب شيء محبوب دون أن يكون لك طمع وترقب في حصوله، وذلك لأن الشيء الذي يحبه إن كان قريب الحصول مترقب الوقوع كان ترجيًا، ولا يسمى تمنيًا... ولهذا تدرك أن ما استقر عند بعض الناس من أن التمني طلب المستحيل، والترجي طلب الممكن، خال من الدقة، التمني إذن طلب الشيء المحبوب، وقد يكون ممكنًا، وقد يكون مستحيلاً، فالنفس كثيرًا ما تطلب المستحيل، فإذا كان الشيء المتمنى ممكنًا، فيجب أن لا يكون مما تتوقعه نفسك؛ لأنك إذا توقعته كان ترجيًا، فإذا قلت: ليت لي دارًا، فينبغي أن لا تكون متوقعًا لما تتمناه؛ لقلة ذات اليد، ولكثرة التكاليف، وغيرها من الأسباب، وهذا أمر ممكن غير مستحيل، لكن صعوبة تحققه تجعلك غير متوقع له. أما إذا كانت الأسباب مهيأة لك، وكنت تتوقع الحصول على تكاليف هذه الدار، فإنك تستعمل (لعل)، فتقول: لعل لي دارًا. ولعلك قد أدركت الآن دقة الفرق بين التمني والترجي"(22).

المطلب الخامس: القصر 

جاء هذا المبحث مستوفيًا جميع أفكار القصر، فقد عرف المؤلف القصر، وتكلم على طرقه، وطرفيه وأقسامه وأسمائه، بيد أن لدى الباحث ملاحظة واحدة هي أنه لو جعل أقسامه على النحو المتعارف عليه، وهي: أقسامه باعتبار طرفيه، وباعتبار الحقيقة والواقع، وباعتبار حال المخاطب لسهل على الدارس ووقاه الخلط بين أقسامه وأسمائه وطرفيه. 

المبحث الرابع: دراسة وصفية تحليلية لمبحث علم البيان

بدأ المؤلف هذا القسم بتبيان أن التعبير عن معنى من المعاني يكون من خلال أربعة طرق، هي: الحقيقة المجردة، والحقيقة المشبهة، والمجاز، والكناية، ثم أورد تعريف علم البيان الذي هو علم يبحث فيه عن طريق تبيين المعنى المراد بصيغة الحقيقة المجردة أو المشبهة أو المجاز أو الكناية(23).

ويرى الباحث أنه لو بدأ بتعريف البيان لغة، وهو الكشف والوضوح والظهور، ثم أتبعه بتعريف علم البيان الذي يبحث في الطرق التصويرية لإظهار المعاني إظهارًا يزيدها جمالاً وتأثيرًا، لكان أفضل. ولا بأس في عقد مقارنة مثلاً بين علم النحو الذي يبحث في المعاني الأصلية للكلام وبين علم المعاني الذي يبحث فيما وراء المعاني الأصلية من مقاصد وأسرار بلاغية، وبين علم البيان، فإن تلك المقارنة تزيد الفكرة وضوحًا وتقريبًا إلى ذهن المتلقي.     

المطلب الأول: التشبيه وأغراضه وأنواعه

وقد أحسن المؤلف في هذا المبحث الذي ضمنه أهم الأفكار، فعرف التشبيه وذكر عناصره، ثم تكلم على أغراضه مستشهدًا بشواهد وأمثلة توضح تلك الأغراض، ثم تكلم على أنواعه وأجاد في توظيف الشواهد القرآنية والشعرية على أنواع التشبيه.

المطلب الثاني: الاستعارة وأقسامها       

عرف المؤلف الاستعارة وتكلم على أقسامها من حيث ذكر المشبه والمشبه به (التصريحية والمكنية)، ثم تكلم على أنواعها من حيث الاشتقاق والجمود (الأصلية والتبعية)، ثم تكلم على أنواعها من حيث القوة والضعف (المرشحة والمجردة والمطلقة)، ثم تكلم على الاستعارة التمثيلية. وكان حسبه في مبحث الاستعارة الاكتفاء بالاستعارة التصريحية والمكنية والتمثيلية، أما الأنواع الأخرى التي أوردها فهي استطراد غير نافع، ويمكن عدها من غير الضرورية، ولا ضرر في عدم معرفة تلك التقسيمات.

أما ما تبقى من مباحث علم البيان، وهي المجاز بنوعيه، والكناية وأقسامها، فقد استوفى المؤلف الأفكار كلها، ولا حاجة لعرض شيء منها، وأما القسم الثالث من الكتاب، وهو علم البديع، فقد أورد أهم فنونه، فذكر المحسنات اللفظية كلها، كما أورد أهم المحسنات المعنوية، وليس لدى الباحث عليها أي استدراك أو نقد. 

الخاتمة

ثمة ملاحظات عامة على الكتاب، هي:

1 - لو أفرد كل علم من علوم البلاغة في كتاب مستقل لتمكن الطالب من إتقان كل منها على حدة، فيدرس الطالب أولا علم المعاني، وهو عظم البلاغة وعصبها ثم يدرس علم البيان ثم علم البديع.

2 - من محاسن الكتاب وجود تمرينات بعد كل مبحث من مباحثه، وهذه التمرينات تعزز الأفكار وتزيدها وضوحا وتقربها إلى ذهن الطالب.

3 - من المآخذ على الكتاب أن المؤلف لم يذكر في الكتاب بعض كتب البلاغة المهمة القديمة أو الحديثة، وهي كثيرة، وليست بالمطولات كما زعم، ويا ليته قصد كتاب (المطول) لسعد الدين التفتازاني، فهو مثل كتاب سيبويه في تعليمه العقل إضافة إلى البلاغة، إلا ما كان من اقتباسات من كتاب البلاغة الواضحة لعلي الجارم ومصطفى أمين(24).

4 - من المآخذ أنه لم يبين الباعث الأساس على سبب نشأة علم البلاغة، ولا سيما علم المعاني.

5 - من المآخذ إيراده بعض الشواهد منقوصة، كأن يستشهد بآية لا يمكن أن يفهم المراد منها تمام الفهم إلا إذا وردت كاملة أو ذكر ما قبلها أو ما بعدها، وكذلك استشهاده ببعض الأبيات الشعرية، فيذكر شطرًا من البيت فقط، فيخيل إلى القارئ أن الشاهد نثري لا شعري، وتختل فكرة البيت ويبتر المعنى، وسنضرب بعض الأمثلة:

أ- في الصفحة الثانية والعشرين ذكر جزءًا من الآية (اعملوا ما شئتم)، ولم يكملها ليتضح المعنى المراد من الأمر، والأولى ذكر ما بعد هذا الجزء (اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير) فصلت: 40.

ب- في الصفحة الرابعة والعشرين: (لا تعتذروا اليوم)، والآية بتمامها (يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون) التحريم: 7.

ج- في الصفحة السابعة والعشرين: (أنى لك هذا)، وينبغي ذكر يا مريم قبلها، آل عمران: 37.

د- في الصفحة الحادية والثلاثين ذكر شطر بيت، وهو: لعلي إلى من قد هويت أطير

والبيت للعباس بن الأحنف، وهو:

أسرب القطا هل من يعير جناحه         

                   لعلي إلى من قد هويت أطير(25)

5 - في الصفحة الثانية والثلاثين أورد جزءًا من آيتين كريمتين من سورة غافر: (صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ)، وكان عليه إيراد الآية الأولى بتمامها وإيراد الجزء الذي يحسن السكوت عليه من الآية التالية، فيتم المعنى ويتضح المراد، قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ).

و- في الصفحة الرابعة والثلاثين أورد شطر بيت، هو: فيا قبر معن كيف واريت جوده

وهذا هو الشطر الأول من بيت للشاعر الحسين بن مطير في رثاء معن بن زائدة المشهور بكرمه وشجاعته وفصاحته، والبيت بتمامه:

فيا قبر معن كيف واريت جوده       

                   وقد كان منه البر والبحر مترعا(26)

ز- في الصفحة الثالثة والخمسين أورد جملة: (هذا قيء الزنابير) دون يشير إلى أنها مأخوذة من بيت شعري، والمعنى في البيت الشعري أوضح وأجمل، والبيت لابن الرومي، وهو:

تقول هذا مجاج النحل تمدحه         

               وإن تعب قلت ذا قيء الزنابير(27)

ح- في الصفحة الرابعة والستين أورد شطر بيت، وهو: إذا اعتل سيف الدولة اعتلت الأرض دون أن يشير إلى أنه مأخوذ من بيت شعري للمتنبي، هو:

إذا اعتل سيف الدولة اعتلت الأرض       

               ومن فوقها والبأس والكرم المحض(28)

ط- في الصفحة الثانية والسبعين أورد الشطر الأول لبيت للمتنبي في وصف قلم: يمج ظلاما في نهار لسانه، والبيت هو:

يمج ظلامًا في نهار لسانه      

                   ويفهم عمن قال ما ليس يسمع(29)

نتائج البحث:

بعد هذا الذي عرضه الباحث يمكن تبيان أهم النتائج التي توصل إليها، وهي:

1 - ضم الكتاب معظم مباحث علم البلاغة.

2 - قصر المؤلف في مبحث الفصاحة والبلاغة وما يتصل بفصاحة الكلمة وبفصاحة الكلام وبلاغة المتكلم، وينبغي استدراك ذلك التقصير. 

3 - اكتفى المؤلف بذكر بعض أدوات التوكيد ولم يذكر طرق التوكيد، وهي من الأهمية بمكان. 

4 - جعل المؤلف الترجي من الإنشاء الطلبي، وهو غير صحيح كما بين الباحث آنفا، بل هو من الإنشاء غير الطلبي.

5 - الأفضل أن يقسم القصر كما هو متعارف عليه باعتبار طرفيه المقصور والمقصور عليه(قصر موصوف على صفة، وقصر صفة على موصوف)، وباعتبار الحقيقة والواقع (قصر حقيقي، وقصر إضافي)، وباعتبار حال المخاطب (قصر إفراد، وقصر تعيين، وقصر قلب).

6 - حسب الطالب في باب الاستعارة أن يعرف أنها قد تكون مكنية أو تصريحية أو تمثيلية، ولا ضرورة لذكر بقية الأنواع، وإرهاق الطلاب فيما لا خير فيه ولا نفع، وتعد التقسيمات الأخر من باب نوافل النوافل إن جاز التعبير.

7 - كان المؤلف مجرد ناقل، فقد نقل الكثير من كتاب (البلاغة الواضحة) دون أن يشير إلى ذلك، ولاسيما شواهد التمرينات وأمثلتها، ولم يكن ممحصًا ولا مبينًا لرأيه في جل مواضع الكتاب.

8 - بناء على النتائج والملاحظات السابقة يمكن القول: إن الكتاب لا يصلح مقررًا دراسيًا أكاديميًا في المعاهد أو الجامعات، فهناك كتب بلاغية حديثة وقديمة لمتخصصين برعوا في التأليف العلمي المنهجي، واتسمت مصنفاتهم بسلامة المنهج وجودة العرض ودقة الكلمة وإشراق العبارة، وقد أشير إلى بعضها في أثناء البحث.

 

الهوامش:

(1) أحمد القلَّاش، تيسير البلاغة، ص5.

(2) تيسير البلاغة، ص6. 

(3) تيسير البلاغة، ص6. 

(4) ابن منظور، لسان العرب، 2/544(فصح). 

(5) السبكي، عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،1/55. 

(6) القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة،1/21-27.

(7) القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، 1/24.

(8) ديوان أبي النجم العجلي، ص337.

(9) ديوان امرئ القيس، ص17. جاء التنافر في كلمة مستشزرات من اجتماع أحرف التاء والشين والزاي.

(10) القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، 1/28-34.

(11) الفارسي، الشعر، ص 109. وابن جني، الخصائص، 2/394.

(12) ديوان العباس بن الأحنف، ص106.

(13) ديوان حسان بن ثابت، ص235. ومطعم هو مطعم بن عدي زعيم بني نوفل في الجاهلية، وهو الذي أجار رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعد عودته من الطَّائف. توفي2ه.  

 (14) قائله مجهول، وقيل هو من شعر الجن، الجاحظ، البيان والتبيين، 1/65.  والباقلاني، إعجاز القرآن، ص 269. وحرب: هو حرب بن أمية بن عبد شمس والد أبي سفيان.

(15) الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 58.

(16) تيسير البلاغة ص 8.

(17) ابن منظور، لسان العرب، 8/419(بلغ). 

(18) الإيضاح في علوم البلاغة، ص41.

(19) تيسير البلاغة، ص14، 15. 

(20) البلاغة فنونها وأفنانها، ص122.

(21) تيسير البلاغة، ص 26.

(22) تيسير البلاغة، ص31.

(23) البلاغة فنونها وأفنانها، ص 156، 157.

(24) تيسير البلاغة، ص50.

(25) تيسير البلاغة، ص47، 91.

(26) ديوان العباس بن الأحنف، ص143.  

(27) القزويني، الإيضاح، 1/182. والبغدادي، خزانة الأدب، 5/479.

(28) ديوان ابن الرومي،2/169.

(29) شرح ديوان أبي الطيب المتنبي لأبي العلاء المعري، 3/362.

(30) المعري، شرح ديوان المتنبي، 1/117.

المصادر والمراجع:

1 - القرآن الكريم.

2 - ابن الرومي، ديوانه، شرح أحمد حسن بسج، دار الكتب العلمية، بيروت،ط3، 2002م.

3 - ابن جني، عثمان بن جني، الخصائص، تح محمد علي النجار، دار الكتب المصرية، د. ط، 1952م.

4 - ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي بن منظور، لسان العرب، تح نخبة من العاملين بدار المعارف، القاهرة، د. ط، د. ت.

5 - أبو النجم العجلي، ديوانه، تح د. محمد أديب عبد الواحد جمران، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 2006م.

6 - امرؤ القيس، ديوانه، تح محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، ط5، د.ت.

7 - الباقلاني، أبو بكر محمد بن الطيب، إعجاز القرآن، تح السيد أحمد صقر، دار المعارف، مصر ط5، 1997م.

8 - البغدادي، عبد القادر بن عمر، خزانة الأدب ولب لباب لسان، تح عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط4، 1997م.

9 - الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر، البيان والتبيين، تح عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط7، 1998م.

10 - الجرجاني، عبد القاهر، دلائل الإعجاز، تح محمود شاكر، مكتبة الخانجي، القاهرة، د.ط، د.ت.

11 - حسان بن ثابت، ديوانه، شرحه وكتب هوامشه عبدأ. مهنا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1994م.

12 - الزبيدي، محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، تح مجموعة من المحققين، دار الهداية، د.ت، د.ط.

13 - السبكي، بهاء الدين أحمد بن علي بن عبد الكافي، عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، تح د. عبد الحميد هنداوي، المكتبة العصرية للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 2003م. 

14 - العباس بن الأحنف، ديوانه، شرح وتحقيق عاتكة الخزرجي، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، ط1، 1954م.

15 - عباس، فضل حسن، البلاغة فنونها وأفنانها- علم المعاني، دار الفرقان، إربد، ط4، 1997م.

16 - الفارسي، أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار، كتاب الشعر، تح د. محمود محمد الطناحي، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1988م.

17 - القزويني، جلال الدين أبو المعالي محمد بن عبد الرحمن بن عمر، الإيضاح في علوم البلاغة، تح محمد عبد المنعم خفاجي، دار الجيل، بيروت، ط3، 1993م.

18 - القلاش، أحمد، تيسير البلاغة، رابطة العلماء السوريين، المناهج المقررة لمعهد مكة المكرمة، 2017م.

19 - المعري، أبو العلاء، شرح ديوان أبي الطيب المتنبي، تح د. عبد المجيد دياب، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1992م.


عدد القراء: 3856

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-