أنور العطَّار .. شاعر الجَمَال والطبيعةالباب: وجوه
هاني أنور العطّار الرياض |
حياة الشاعر "أنور العطار" لم تكن طويلة قياسًا لما ترك لنا من إرث أدبي هائل، ولد الشاعر "أنور العطـّار" عام 1913م بمدينة بعلبك من أبوين دمشقيين، وتوفي عن تسـع وخمسـين عامًا، في صباح يوم الأحد الموافق لـ 23 تموز/يوليو عام 1972م في مسـتشفى المواساة، ودفن في مقبرة الدحداح بدمشق، أي أنه عاش فقط تسعًا وخمسـين سـنة فقط ، وهو زمن قصير في عمر العبقرية ولا شك.
تلقى دراسته الابتدائية وأكملها في مدرسة البحصة في دمشـق، ثم انتقل إلى "مكتب عنبر" لإكمال دراسته الثانوية، وبعد ذلك انتسب إلى دار المعلمين حيث نال شهادة أهلية التعليم الثانوي التي أهلته للعمل مديرًا لمدرسة "منين" الابتدائية في ريف دمشق.
أتمّ دراسته في دمشق وتخرج من كلية الآداب من قسم اللغة العربية في الجامعة السورية، وكانت شهادته هذه خامس شهادة تعطى من كلية الآداب بدمشق عام 1935م.
زاول التدريس في مدارس حلب و دمشق ثمّ انتدب لتدريس اللغة العربية في العراق لمدة خمس سنوات، وعاد الى دمشق حيث زاول التدريس والإدارة، ثمّ عمل مفتشًا أولاً لمادة اللغة العربية في سورية.
سافر إلى المملكة العربية السعودية حيث درّس الأدب العربي في كلية اللغة العربية في جامعة الرياض، ما بين الأعوام 1965،1964، 1966م.
أحبّ الشاعر أنور العطار جمال الطبيعة وغنـّاها أعذب الشعر، واهتم في الفكرة والكلمة معًا، وهو بحتري الأسلوب، وقد أحبَّ اثنين من الأدباء المعاصرين له رأى في نثريهما صورًا حيّة من الشاعرية فنهج نهجيهما – وهما "معروف الأرناؤوط " صاحب جريدة "فتى العرب"، وجريدة "سيد قريش"، و" أحمد حسن الزيّات" صاحب مجلة "الرسالة" المصرية التي كانت المجلة الأدبية الذائعة الصيت، والواسعة الانتشار في العالم العربي في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، كما أنه أحب وحفظ الكثير من شعر أمير الشعراء "أحمد شوقي"، وتعقب نشر أشعاره في الصحف والمجلات حتى إنه أسـتطاع إحصاءها ومعرفة ما لم يطبع منها آنذاك، وهيئ مخطوطًا لها للطباعة سماه" الشوقيات التي لم تنشرها الشوقيات".
تأثر بالأدب الفرنسي وأحب "لامارتين Lamartine Alphonse de و"ألفرد دو موســِّه de Musset-Pathay Louis Charles Alfred، وترجم نظمًا كثيرًا من أشعارهما.
مجّد البطولة العربية وأنشد لها قصائد رائعة بالحماسة منها: فلسطين، ثورة مصر، ثورة الجزائر، النازح العربي وغيرها كثير.
أصدر في عام 1948م ديوانه الشعري الأول، الذي أسماه "ظلال الأيَّام" وقد ضمّنه قصائد رائعة في الوصف والتأمل والمناجاة والبطولات.
وللشاعر "أنور العطـّار" الكثير من الدواوين الشعرية والدراسات الأدبية المخطوطة، التي هي قيد التجهيز للطباعة بإذن الله منها: "البواكير" و"وادي الأحلام" و"الشاعر" و"الليل المسحور" و"ربيع بلا أحبة" و"منعطف النهر" و "مع قصائد الخالدين" و"ألف بيت وبيت" وديوان "ألف بيت و بيت" لم يكمله، وقد كانت فكرته مبنية على أساس قدرته في انتقاء أجمل بيت شعـر من قصـيدة ما من قصائد أحد فحول الشعراء المختارين من قبله، ومن بيت الشعر المنتقى هذا يدخل إلى شـرح القصـيدة ومعارضتها وذكر شاعرها وعصره إلى آخره.
وديوان "علمتني الحياة"، وهو من أواخر ما نظم الشاعر "أنور العطـّار" من الدواوين الشعرية، وهو عبارة عن خلاصة تجربته في رحلة حياته، حيث ضمنه رؤيته وفهمه وفلسفته للكثير من الجوانب العقائدية والوطنية والأخلاقية والجمالية التي صاغها جميعها بحلة بهية من شاعريته المرهفة وإبداعه اللغوي العالي، وقد كتبها على شـكل رباعيات كرباعيات "عمر الخيـّام" المشهورة من الإرث الأدبي الفارسي، حيث تنتظم كل رباعية منها فكرة واحدة يبتدئها بالشطر الأول من كل رباعية بـ: علمتني الحياة أنّ حياتي ... ولو شاء القدر في أن تطول حياة الشـاعر أنور أكثر من مشيئة الله له، لكان هذا الديوان أكثر تنوعًا، وكثافة، وإغناءً ... وأود أن أذكر للقارئ إحدى الرباعيات الشعرية التي تتضمنها مخطوطة ديوان "علمتني الحياة" ، والتي يصف الشاعر أنور فيها كبير عمق حبه لأرضه وافتنانه ببلاده وهي:
علمتني الحياة أنّ حياتي ملكُ
أرضي عزّتْ على الدهر أرضي
من ينابيعها تعلمتُ قرضي
من شـَـحاريرها تلقيتُ شـــدوي
فجرتني هوى فبُغضي حُبٌّ
يا لحب ٍ ما إن يلمُ ببغض
هي نجواي إن جنحتُ لصحو ٍ
والخيالاتُ إن جنحتُ لغمض
ومن نثر أنور العطـّـار: كتاب "الوصف والتذويق عند البحتري" و "أسـرة الغزل في العصـر الأموي" وله دراسة كاملة لنثر أمير الشعراء أحمد شوقي ولكتابه "أسواق الذهب"، وكتاب "الشوقيات التي لم تنشرها الشوقيات".
ومن بواكير مسرحياته الشعرية المخطوطة: مسـرحية آخر ملوك العرب في الأندلس "أبو عبد الله الصغير" سنة 1930م، ومسـرحية "مصـرع أبي فراس الحمداني" سـنة 1961م، وقد تعرض للحديث عنهما الأستاذ "عدنان بن ذريل" في كتابه "الأدب المسرحي في سورية".
وله أيضًا دراسة عن الشاعر الباكستاني "محمد إقبال"، ودراسة عن شاعر الهند العظيم "طاغور".
ترجمت بعض قصائد الشاعر أنور العطـَّار إلى الإنكليزية في كتاب (الشعر العربي الحديث - أزهار الشعر ) للمستشرق الإنكليزي وأستاذ الأدب العربي في جامعة كامبريدج "آرثر. ج. آربري Arthur J.Arberry"
وترجمت أشعاره أيضًا إلى الفرنسية في كتاب (مختارات من الأدب العربي المعاصـر) لأستاذ العربية في جامعة السوربون في فرنسا المستشرق "إدوارد تاراباي Edouard Tarabay" و"لوك نورين "Luc Norin.
وله من الكتب المدرسية: كتاب "الزاد" في الأدب العربي، وقد صحح و نقح لغويًّا قصصًا مترجمة للعربية من المقررات المدرسية منها قصة "جودي والطفل".
وبالاشتراك مع الأستاذ "نسيب سعيد" ألفا كتاب "الخلاصة في الأدب والنصـوص"، وهو تغطية أدبية ملخصة من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث مناسبة للتلامذة وهم على مقاعد الدرس.
وقد ضُمن اسم "أنور العطار" في الموسوعة التوثيقية للشخصيات العربية في مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض في المملكة العربية السعودية، تكريمًا لتلك الشخصيات التي عملت وشاركت في بدايات النهضة الثقافية والحضارية في المملكة.
ترك الشاعر أنور بعد وفاته في مكتبته الخاصة في داره في دمشق، المئات والمئات مما جمع وما أُهدي إليه من أعلام الفكر والأدب المعاصرين له في حياته من كتب ومخطوطات ودواوين من عيون الأدب العربي والأدب العالمي وعلى الأخص الأدب الفرنسي، بالإضافة للكثير والكثير من الدراسات والمراجع الأدبية والتفاسير وكتب الفقه الديني، مع الكثير من الأوسمة وكتب التقدير لشعره وأدبه.
كتب وحاضر وترجم عن الشاعر أنور العطَّار الكثير من الأدباء و الشعراء والباحثين والإعلاميين، وكانت سيرة وأدب أنور العطـَّار موضوعًا لأطروحات لنيل شهادة الدكتوراه في الأدب العربي في عديد من الدول العربية، كما كانت دومًا أشعاره في المقررات المدرسية في سورية، وبعضًا من الدول العربية الأخرى.
وديوان الرباعيات هذا ما هو إلا دوحة باسـقة الأشجار، ريَّانة الأغصان، ندية الأزهار، تمثلت في رباعيـَّات شعرية رائعة السـبك عميقة المعنى، اختزل بها الشاعر المبدع أنور العطـَّــار في أســـلوبه الشـــيِّق الأخاذ الذي كان فيها نسـيج وحده أفكاره ومشاعره وفهمه و فلسفته للحياة، فخرجت توثيقاً لتجاربه في الحياة، وسجلاً لمخالطته الأحياء ... لذا صدر جميع هذه الرباعيات بقوله: "علمتني الحياة" أو "علمتني" ، فضلاً عن أن الديوان بحد ذاته يحمل هذا العنوان و من ثمَّ كان الشـــعر لدى الشــاعر خير معبر عن تجاربه وخير ناقل لها وخير أمين على مكنوناتها : ظناً وحدسًا، شكاية وأنسًا، سـرًا وعلنًا، كل ذلك نراه مجسدًا في هذه الرباعية الســينية من رباعياته الشــائقة يقول:
علمتني الحياة أنَّ من الشــــــ
ـعر لســـاناً يعي أحاديث نفســي
مفصح عن تجاربي ترجمان
صـادق في أداء ظني و حدســي
إن تشــكيت كان باب شـكاتي
أو تســــليت كان مـفتاح أنســـي
لم أحاول إخفاء نفســـي عنه
فهو ســري الذي أصون و همسـي
ولقد اختار الشـــاعر أنور العطـَّــار لكلِّ رباعية عنوانها وموضـوعها المتفرد والمميَّز فجاءت كلِّ واحدة منها ماتعة القراءة، متشحة بجمال الكلمة وانتقائية العبارة، متضمنة عمق الحكمة ، و مغلفة بثراء المعرفة ...
وقدمها مغلفة بحلة بهية من صـنعته الشـــعرية الحاذقة، وملكته الأدبية الأخاذة، فكشـــفت عن تملك الشـــاعر لناصية القريض و لملكته الشــــعرية المرهفة ...
ولنســتمع له هنا في هذه الرباعية التي تعكس مقدارَ كبير حبه لأرضه ولتملكها لجميع مشـاعره وعواطفه ومن كون ينابيعها وشـحاريرها هم الذين من علموه الشـدو والشــعر، وكيف أنها قلبت مشـــاعر البغض عنده إلى مشــاعر الحب، و كيف أنها هي التي يناجيها في نهاراته و يراها في لياليه و أحلامه يقول في رباعيته :
أرضي الطيبة
علمتني الحياة ُ أنَّ حياتي
ملك أرضي ،عزتْ على الدهر أرضي
من ينابيعها تلقيتُ شــــدوي
من شــــحــاريـرهــا تـعـلـمتُ قـرضـي
فجرتني هوى فبُغضي حبُّ
يا لــحُــبٍّ مــا إن يُلـــِمُ بــبُــغــــض
هي نجوايَ إن جنحتُ لصحو ٍ
و الـخـيالاتُ إن جـنـحـتُ لـغـَمض
وعن الأيام يقول :
الأيّام
علـمـتني لـحـيــاة ُ أنَّ مـــن الأيـَّ
ـام ِ ما يُســـعدُ النفوسَ ويرضي
و يصّبُ النعيمَ صَـــبًّا ، و منها
ما يثيرُ الأســى ويُضـنـي ويُـضـــوي
كُلما مرتِ الليالي عِـجـالاً
خِلتُ أني أمُرُّ وحــدي وأمــضي
آذنتنا بينها مُتعُ العيـ
ـش وهمّت أحــلامُـهــا بالتقضي
أما حنينه لدياره فنراه مجســــدًا في هذه الرباعية التالية :
الحنين إلى الدار
عـلـمـتـني أنّ الـحـنـينَ الــــــدَّا
ار ِ غرامٌ مُأججٌ في ضُلوعي
إنْ طافَ بالفكر ِ بلبلت الفكـ
ـرَ فيا دارُ أنت ِ سِـــرُّ وَلــوعـي
إنها الأهلُ والأحبة ُ والصـَّحـْ
ـبُ ومَســــرى تلــفــُتي و نزوحـي
هاجت النفسُ فاســـتفاضت أنينًا
وتراءت في واكِفات الدمـــوع
وفي المحبة شــــفاء عند الشــــاعر أنور فهي طبـُّه و طبيبه يقول :
المَحَبـَّة ُ شـِــفـَاءٌ
علمتني أنَّ المَحبـّة َ طِبٌّ
و ســـــبيل ٌ إلى الشــــفـــاء ودربُ
يتداوى بها الأُولى نـَشـَــدوا البـُرْ
ءَ و أشـَــقاهم من العيش كـَربُ
أنبلُ الــحــب ظــاهــرًا وخـفــيـــًا
أنَّ يموتَ المُحِبُّ فيمنْ يُحبُّ
يا لـنـفـس ٍ ترعى على النفسِ نـفـسـًا
يا لقلب ٍ يحييه في البُعد قلبُ
تغريد
التعليقات 1
اخي هاني السﻻم عليكم ورحمة الله قرأت كثيرا لعلي النطاوي صديق والدك انوالعطار وقدكان يذكره كثيرا وانت في المقال السابق لم تذكره ارجوا ان تحدثنا عنهما وهل التقيا في السعودية وهل فرقتهم الضروف او اختلفا . ثانيا لم نعرف عن اسرة انور العطار كثيرا ارجوا ان تبين لنا واشكرك محب ﻷنور العطار
اكتب تعليقك