فلسفة الفيسبوكالباب: مقالات الكتاب
مروة نبيل مصر |
الكتاب: "الفيسبوك والفلسفة بم تفكر"
المؤلف: دي اي وتركوور
المترجم: ربيع وهبه
الناشر: المركز القومي للترجمة والمحروسة
تاريخ النشر: 2018
عدد الصفحات: 372 صفحة
منذ دخلنا عالم الفضاء الإلكتروني، بكل ما فيه من زخم، فرّق الفيسبوك بين أناس، وجمع بين آخرين. قلب معايرًا وموازينًا، وأتاح أشياءً لم تكن متاحة من قبل، وأبان الكثير مما كان محتجبًا، وأظهر المزيد من المكنون. لذلك يذهب البعض إلى أن "الفيسبوك" طعن "الخصوصية" في أعز ما تملك. ولكن، من الثابت أن الفيسبوك مثلما أثر في العلاقات، ومسارات الحياة، على المستوى الأسري، والشخصي، كان عاملاً مساعدًا ومباشرًا في حشد الجهود، والمضي قدمًا نحو تحقيق التغيير الاجتماعي. وفي هذا المقال، نعرض لأغلب الأفكار الواردة في كتاب "الفيسبوك والفلسفة، بم تفكر"، والذي كتبه مجموعة من المؤلفين في تخصصات مختلفة، وترجمه وقدم له "ربيع وهبه"، وقد صدرت الطبعة الأولى من الكتاب في مصر، ومن خلال المركز القومي للترجمة، عام 2018. يسلط الكتاب الضوء على الجهد الفلسفي والعلمي لتشريح هذا الطابع الجدلي للفيسيوك، منذ أن تأسس في عام 2004، كما يحلل الكيفية التي تسنى للفيسبوك من خلالها؛ أن يكون وسيلة لها كل هذا التأثير.
يتسع الكتاب لرؤى فلسفية، وعلمية، وعملية، ومنطقية، وإحصائية، وسياسية، واقتصادية، لكننا لدواعي التخصص والاختصار؛ سنولي عنايتنا الشق النظري الفلسفي للكتاب، وهو الشق الأكبر والأهم، والذي يؤسس بدوره فلسفة متماسكة للفيسبوك، سماتها الأساسية التعدد، والتشعب، و"الاختلاف".
في البداية، مهد "المترجم" للكتاب بمحاولة لتوصيف الموقف الأخلاقي للفيسبوك، مستعينًا بالنقد الذي قدمه "النُسويون" في بداية الثمانينيات؛ للمقاربات الأخلاقية التقليدية، تلك الأخلاق التي تحكم على أفعال الفرد بمعياري "الصواب" و"الخطأ"، مع ضرورة مراعاة "الحيادية"، ذاهبون بنقدهم إلى أن معياري الصواب والخطأ لا يمسكان بلب الأخلاق التي نجدها في أفضل علاقاتنا حيادية، بل أننا نرى حضور الحيادية كلها في علاقة "العناية"، أو "الاهتمام" Caring، لذا فهم ذهبوا إلى أن هذه العلاقة في حد ذاتها، تعد موقفًا أخلاقيًا. وأنه ليس من الضروري أن يجعل الفيسبوك من الإنسان شخصًا مثاليًا، خلوقًا، فاضلاً، بل يدعم الفيسبوك- فقط- التواصل الأفضل بين أطراف العلاقات.
كما حاول "المترجم" تحليل ماهية الفيسبوك كوسيط إعلامي، فذهب- مستعينًا برأي "مكلوهان" Mcluhan مؤلف كتاب "قوانين الميديا" – إلى أن الفيسبوك يحتل مكانًا فريدًا بين الوسائط الإعلامية الحديثة. ودفع "مكلوهان" حجته بأن الوسائط الإعلامية تعد امتدادات للجسد والعقل، أي أنها تؤثر في الطرق التي يدرك بها الناس، ويهتمون، ويرتبطون بالعالم. كما ذهب إلى أن "الوسيط" أكثر من مجرد نظام إرسال. والوسائط الإعلامية متنوعة تنوع الطرق، والأعداد، والمال، ومصابيح الإنارة، والإعلانات في الشوارع"1
كما أشار "المترجم" إلى السرعة في إدمان الإنسان الفيسبوك، فالأخير يغذي "الأنا"، ويشبع "النرجسية"، فأنت تتحكم في مظهرك وخطابك بشكل غير مسبوق، وتنسج عالمًا أنت عماده، ومحرك الأول. معززًا هذا الرأي باقتباس من "نيتشه" حين أعلن موت الإله، في كتاب "العلم المرح" قائلاً: "ألا ترانا نتحرك بعيدًا عن كل الشموس؟ ألا ترانا نغرق دون توقف خلينا وأمامًا، وفي جميع الاتجاهات؟"، ووجد المؤلف أن هذا بالتحديد ما نشعر به عندما نتسكع مع الفيسبوك لنجد أنفسنا في متاهة، (التهمت الوقت، وجارت على الغث والثمين في حياتنا).
في المقال الأول من الكتاب، والموسوم بـ "ردًا على انتقادات الفيسبوك"؛ يشير أستاذ الفلسفة الأمريكي "دى. إي. ويتكوار" D. E. Witkower إلى أن الكثير من أفعالنا على الفيسبوك قد تبدو بلا معنى، لكنها قد تؤخذ بشكل معين لتعني شيئًا ما. وقد تبدو أنها تعني شيئًا ما، وهي في الحقيقة تعني شيئًا آخر؛ فلو تأملنا خاصية "النكز"poke ، فإنها قد تكون طريقة غير لفظية لقول مرحبًا، أو مغازلة، أو مشاكسة، أو تذكير. وهذا- من وجهة نظر "ويتكوار"- أهم ما ينطوي عليه الفيسبوك من قيمة ثمينة، أي ذلك المعنى غير المحدد، وغير القاطع؛ لكينونته وفعله. ويذهب إلى "أنها حالة من عدم القطعية، تتيح لنا كمُستخدِمين مساحة شاسعة، كي نجعل الأشياء تحمل المعنى الذي نريده لها"2. وقد استند رأي "ويتكوار" إلى زعم الفيلسوف الفرنسي "سارتر" بأن حياتنا ليس لها معنى معطى، أو محدد، بل أن معنى حياتنا مسألة متروك لنا تحديدها. ومن وجهة نظر "ويتكوار"، يدعم "الفيسبوك" عدة مفاهيم مثل "الصداقة"، و"السعادة"، فعندما نحاول النظر إلى حياتنا نظرة موضوعية، غالبًا ما تبدو كل التفاصيل سخيفة، لكنني (عندما اهتم وأكترث بإعلان صديقتي عن ما تناولته أمس على العشاء، فإنني أهتم أكثر للسبب نفسه الذي أهتم لأجله بما أتناوله أنا، لا لأنه مهم، أو ذو معنى، أو جدير بالملاحظة، بل لأنني أراه من الداخل). الفيسبوك، في معظمه هو الناس، الناس الذين نعرفهم جيدًا، أو من لا نعرفهم على الإطلاق. لهذا يدعونا "ويتكوار" للتشكك في الإقرار بأن الفيسبوك مضيعة للوقت، فهل تكون الناس، والصداقة غير ضروريين، ومجرد مضيعة للوقت؟
من ناحية أخرى، يناقش أستاذ الحقوق بـ"جامعة نيويورك"؛ "جيمس جريملمان" James Garimmelmann مدى محافظة الفيسبوك على معايير الخصوصية، فيلاحظ أن ثمة معلومات قد يعتبرها القانون الفيدرالي شديدة الخصوصية، ويعتبر أنه من غير القانوني أن يسألك أحد عنها، حتى عند التقدم إلى وظيفة، مثل السن، والجنس، ومحل الميلاد، والديانة؛ لكننا من ناحية أخرى، نجد أن جميع هذه المعلومات موجودة في مستهل الصفحة الشخصية على الفيسبوك، فهل من الممكن القول بأن الخصوصية قد ماتت؟.. في سبيل الإجابة عن هذا السؤال؛ يحاول "جريملمان" التمييز بين مفهومي "الخاص"، و"العام"، وتتركز فكرته الأساسية لهذا التمييز في أن العالم يمكن تقسيمه إلى مجالين، الأول مجال عام، خارجي، انبساطي، ومشترك مع الآخرين، حيث تكون السياسة، والأخبار، والعمل، والإعلام. أما عالم "الليل" فهو المجال الخاص، وهو مجال هادئ، وانطوائي، وخفي، حيث يكون المنزل، والأسرة، والأصدقاء المقربين. ومن خلال هذا التقسيم، وبالنظر إلى الفيسبوك، فإننا لا نجده كغرفة نوم، أو غرفة طعام، أو مطعم، أو أي مساحة مادية. لكننا نستطيع القول أن جهاز الكمبيوتر يقع في إطار المجال الخاص، أما الفيسبوك فهو مجال عام.. ومن ثم، يُشكك "جريملمان" في مفهوم الخصوصية ذاته، ويرى أن المشكلة تكمن "في أن الناس يستخدمون الفيسبوك استخدامًا اجتماعيًا، ويجلبون إليه الأنواع نفسها من الآمال، والتوقعات، التي يستحضرونها في سياقات اجتماعية أخرى. إنهم يريدون امتلاك الثراء نفسه، والصداقات المركبة نفسها، على الإنترنت، تمامًا كما في حياتهم الواقعية، ونظرًا لأنهم يعبئون بالخصوصية، فإنهم يعتمدون على القواعد نفسها التي يستخدمونها لتقييم مخاطر الخصوصية في حياتهم اليومية"3
أما "جراهام ميكل"Graham Meikl، محاضر قسم السينما والإعلام والصحافة بجامعة "ستيرلنج" بالمملكة المتحدة، يتوقف كثيرًا في مقاله المعنون بـ"الأمر أشبه بالتحدث إلى حائط"، عن خاصتي "التجميع" و"التحديث" في الفيسبوك، ففي كل يوم، تمضي الأمور بغرابة متزايدة على، إذ يظهر على حائط الفيسبوك خليط من الأخبار، والتحديثات الشخصية، والتوافه العشوائية، والإعلانات، والصور، والاعترافات، والمناشدات، والروابط الإلكترونية، وغير ذلك. يذهب "ميكل" إلى أن هذا التنوع ما هو إلا "سمة التجمع، أو التلاقي التي تميز إعلام القرن الحادي والعشرين، فإذا كانت "نظرية الإعلام" تفترض في معظمها- نموذج لبث الاتصال، ترسل فيه المعلومات في اتجاه واحد فقط، حيث تكون المنظمات الإعلامية هي الوحيدة المخولة لإنتاج المضمون، وتحديد كيفية وتوقيت بث هذا المضمون. الآن، ومن خلال الفيسبوك، صارت للجماهير أيضًا القدرة على تقرير كيفية وتوقيت وصولها إلى أي مضمون إعلامي، أي صار للجماهير درجة ما من التحكم في المضمون"4، وعلى هذا؛ يتحدى الفيسبوك كثيرًا مما فهمناه حول الإعلام والاتصال.
أما "إيان بوجست" Ian Bogost أستاذ التكنولوجيا بـ"معهد جورجيا للتكنولوجيا"، يطرح مقاربة مؤسسة على "الزمانية" وأجزائها الثلاثة؛ لمناقشة فلسفة الفيسبوك، فالفيسبوك من وجهة نظره يعزز "الآنية"، ويقلل من أهمية الأحداث التي وقعت في الماضي. لكنه- من ناحية أخرى- قد ينشط ذاكرتنا بإظهار تواريخ بدايات الصداقة، وأعياد الميلاد، وبعض الأحداث البارزة التي مضت، وقد يخلق هذا اللعب بأجزاء الزمان نوعًا من التشتت أو التشوش، لكن يظل البعد الأساسي للفيسبوك هو بُعد آني حاضر، حيث توجد الشبكة فقط. هذا لا يمنع أن الفيسبوك في مجمله " يستحضر خبرة مر بها مجتمع ما، مع جيران مباشرة، أو غير مباشرة، كقرية صغيرة، أو شارع رئيسي، حيث تكتسب التسكعات فيه حياة رقمية جدية"5.
كما تعرض "ميمي مارينوشي" Mimi Marinucci أستاذة الفلسفة ودراسات المرأة والجندر بـ"جامعة واشنطن الشرقية" لوجهة نظر الأخصائي النفسي "جون سولر" John Suler في الاستعداد الذي يكون لبعض مستخدمي الفيسبوك للتخلي عن "التحفظ"، حيث يكون مستخدمي الاتصال أكثر تحررًا وانفتاحًا، وبحسب "سولر"، هناك عدة عوامل تسبب الاستعداد لهذا التخلي عن التحفظ؛ كالقدرة على أن يصير المستخدم مجهولاً، أو أن يكون مختفيًا، والقدرة على تحدي "التزامن" وإمكانية الوجود خارجه، والشعور بحضور كل الأشياء معًا في الذهن، والخروج من الواقع والعيش في عالم الخيال، والتقليل من المكانة والسلطة. ومن ناحية أخرى، تدفع "ماريان ثالوس"، أستاذة الفلسفة بـ"جامعة أوتا" في مقالها الموسوم بـ"لماذا لا أكون صديقًا؟" بأسباب تؤكد فائدة الفيسبوك في اختبار قدرات الفرد على التكيف مع الآخرين، فعلى الرغم من أن الفيسبوك يفقدنا الكثير من فوائد التفاعل مع الآخرين وجه لوجه، إلا أنه يحقق اتصالاً بأشخاص بعيدين لكنهم أكثر كفاءة، وبلا أدنى تكلفة، أي "يتجاوز الفيسبوك الكثير من العوائق المادية والسيكولوجية، وهذا قد يعزز الديمقراطية كثيرًا"6.
في حين يحذرنا "جريج كونديلا" Graig Condella من الإفراط في "الصداقة"، ومحاولة التكيف مع الآخرين. وفي هذا الصدد، يتساءل: ماذا لو زاد شيء جيد عن حده؟ ثم يحاول الإجابة من خلال تحليله لتقسيم "أرسطو" الثلاثي لأنواع "الصداقة"، فهناك صداقات المتعة، وصداقات المصلحة، والمستوى الأعلى من الصداقة التي يرتبط بالفضيلة والخير. كما رأى "أرسطو" أن "الصداقة" لا يمكن تحققها بسهولة؛ وهنا يتجدد تساؤل "كونديلا" حول صحة زعم "أرسطو" في عصرنا الراهن، حيث صار متوسط عدد الأصدقاء لمستخدمي الفيسبوك يتجاوز 281 صديقًا، بحسب إحدى الدراسات. وبناء على هذا التشكك أكد "كونديلا" ثقته في أن "مسألة "الصداقة"، تتجاوز في جزء كبير منها الزمن، والإعلام التكنولوجي. وأن عناصرها الأساسية تظل كما كانت عليه في الماضي، وكما ستكون في المستقبل"7.
يتوسع محاضر ومروج الفلسفة الشعبية الإنجليزي "كريس بلور" Chris Bloor في تحليل المعنى السلبي لصداقة الفيسبوك. فأغلب مستخدمي الفيسبوك معرضين للاحتيال، والإساءة، والرشوة، والانتحار، وغير ذلك، مما قد يسبب نفورًا ورُهابًا تكنولوجيا، بدلا من التوازن، والتناغم المنشودين من وجود مواقع التواصل في الأساس. لذا يجدر بنا أن نتساءل قبل الخوض في الصداقات، عن الغرض الأساسي من وجود أصدقاء. يقارب "بلور" بين رأي "هيدجر" حين قصد بـ"العدمية" غياب حكم مركزي مشترك، يمكنه الإشارة إلى ما يهم حقًا في الشؤون الإنسانية، وبين رأيه الشخصي في أن "العدمية" الآن تتمثل في الافتقار إلى عنصر ثقافي ما يجمع الأشياء معًا، (إذ لا يوجد مركز تعريفي، يساعد المستخدمين على تحديد المبادئ العامة ذات الأهمية المحورية؛ للوجود داخل هذا الفضاء الافتراضي). كما يلفت "بلور" النظر إلى أن "السرعة والإتاحة التي يشجع عليها الفيسبوك في التعامل مع الأصدقاء؛ تزيد الجانب العفوي من الصداقة عن الحد" هنا يعود "بلور" مجددًا لمخاوف "هيدجر"، وتوجسه من أن تنمحي "الأنا"، ويصير الكل إنسان واحد، أو (أنا) واحدة مجمعة، ليست أصيلة، و(تبدو حمقاء، وخطيرة، لا جدوى منها).
من ناحية أخرى، تُحدِّثنا "مارجريت كونزو" Margaret A. Cuonzo أستاذة الفلسفة بـ"جامعة بروكلن" عن دور الفيسبوك في تطوير استخدام "اللغة"، إذ ترتبط اللغة البشرية- بطبيعة الحال- بتشكيل روابط اجتماعية، ومما لا شك فيه أن سرعة لغة الحوار، قد وفرت كثيرًا من الجهد والوقت، والمسافة. وأضافت الكثير من التنوع اللغوي، العائد بدوره على تنوع الجنسيات والثقافات. وهناك فوائد مشابهة، تنتج عن آليات الروابط الاجتماعية المتزايدة في الفيسبوك. "كما أن الكثير من تعبيرات الفيسبوك ليست لغوية، كالأحضان الافتراضية، أو المشاركة بصور طعام كرمز لمدينة معينة، وغير ذلك. وكلها تعبيرات تدل على تحسن في كفاءة الفيسبوك في تكوين روابط اجتماعية، وبالتالي تطور اللغة البشرية في العموم"9.
أما "ديانا لاتيمور" فقد ذهبت إلى أن الفيسبوك يساعد في بناء المجتمعات الخاصة، تلك التي لا تبنى إلا على أفكار مشتركة، أفكار تؤسس بدورها قيمًا وأعرافًا تحدد انتماء الأفراد إلى مجتمع بعينه. لكنها تُنبِّه إلى أن "الانضمام إلى مجتمع أو جماعة ما، قد يجعلك منبوذًا من جماعات أخرى. وبسبب التحديثات المستمرة؛ قد ينتقم منك البعض، في عصر تندمج فيه الاتصالات، فقد يرسل أحدهم لمديرك صورتك وأنت تقود دراجة في حي شعبي، أو تشارك إحدى الصديقات الرقص"10 إن الفيسبوك من وجهة نظر "لاتيمور" عبارة عن عدة عوالم، تنعكس في عيون كثيرة، يردنا انتماءنا لفهم أفضل لهذه العوالم المتعددة، ولاستيعاب السياقات الاجتماعية المختلفة، بما فيها من أفراد غير مُكتملين، ونحن من بينهم.
ينظر كل من آبرول فيرويدز" و"جودي هالبرن" إلى الفيسبوك بوصفه تعاطف شامل لكائنات الفضول الاجتماعي، ويستشهدان بالمبادئ الرئيسية التي وضعها "الفيلسوف ال.."ديفيد هيوم" للفضول الاجتماعي في نظريته "التعاطف الطبيعي"، حيث يؤكد "هيوم" على أننا عادة نشعر بتعاطف قوي تجاه الأشخاص والأشياء التي نهتم بها. ومن وجهة نظر "هيوم"؛ فإن هذا التعاطف ينشأ في الأصل عن تعاطف لا ينطوي على أي اهتمام، إننا فقط نبحث عن أفكار تسبب لنا الشعور بالطمأنينة، والرضا، والاستمتاع. كما يذهب "هيوم" إلى "أن التوحد مع، والمشاركة، من المنظور النفسي؛ لأعضاء آخرين من الفصيلة البشرية؛ يجلب لنا نوعا فريدًا من السرور، حتى إن كانت المشاعر سلبيه فيما نتشارك"11.
يربط "أسأف بار- تورا" Asaf Bar-Tura بين التواصل الاجتماعي، والتغير الاجتماعي، ويرى أن الأمر يعود لمستخدمي الفيسبوك أنفسهم، في جعله مساحة عامة، تطرح فيها القضايا الاجتماعية للمناقشة. قد يكون نشر الفيديوهاتد ومشاركة الروابط، والتعليق على التحديثات؛ كلها أشكال وطرق استخدام الفيسبوك كوسيلة للتغيير الاجتماعي، لكن لا يجب أن يتوقف الفيسبوك على ذلك، فالفيسبوك مثل أي مجال عام آخر في الفضاء الإلكتروني، "يقدم طرقًا سلبية نسبيًا للمشاركة المدنية، قد تمنحنا حس مزيف بالحراك، والتحقق، قد نشعر أننا عظماء حين نمرر فيديو إلى صديق، أو حين ننضم إلى مجموعة، أو قضية ما؛ وعلى الرغم من ذلك، قد لا تكون لهذه الأنشطة أهمية حقيقية، إلا إذا كانت أداة لجمع الناس معًا بالفعل"12.
أخيرًا، يدعونا "تربور شولتس" إلى استخدام الفيسبوك كملعب، أو كمصنع، مستعيرين قيمة الفيسبوك في إيجاد الألفة، والتعاطف، ولفت انتباه أشخاص؛ نادرًا ما ينتبهوا أو يتعاطفوا مع أي تجمع في الواقع. كما ينبغي أن نتسامح مع حقيقة أننا في الفيسبوك مُستخدمِين، ومُستخدَمين أيضًا، فحين نسمح للفيسبوك باستخدام الطاقة الناجمة عن تفاعلاتنا العادية؛ نصبح نحن محل العمل وموضوعه، ونقدم قيمة اقتصادية ملموسة. إننا نشارك دون أن ندري لمشاركتنا ومن هنا تأتي القوة، بمعنى أننا "نتحول إلى طاقة، يمكن تخزينها واستخدامها"13 وبدورنا، علينا أن نجعل الفيسبوك فضاء لتحرك مفيد، واتحاد يمنح القوة، والفرصة لعمل شيء جدير بالتحدث عنه، ومثلما يحقق الفيسبوك فائدة من خلالنا، علينا أن نجعل منه مساحة لاكتشاف الذات.
ختامًا، ومن خلال ما عرضناه من آراء حول الفيسبوك وطبيعته وملامحه العامة، فإننا قد نلاحظ مقاومة الفيسبوك لإغوائنا بأن نطلق عليه أحكامًا، نظرًا لطبيعته الجدلية المراوغة. فلا نستطيع القول بأنه خير مطلق، أو أنه شر مطلق. ليس جيدًا في كل الأحوال، ولا يمكننا تعميم فكرة أنه سيء. أو أنه هادف وبناء، أو أنه عدمي ومُشتِّت. ولا يمكننا القطع بأنه وسيلة للتمكين، ولا التأكيد على أنه يشكل نوعًا من الخطر، شأنه في ذلك شأن أي موضوع تكنولوجي، يمكن النظر إليه كقوة تحقق التقدم، أو قوة تكون سببًا في التدمير.
الهوامش:
1 - الفيسبوك والفلسفة بم تفكر، دي اي وتركوور، ترجمة: ربيع وهبه، المركز القومي للترجمة والمحروسة، 2018، ص13.
2 - المصدر نفسه ص 30.
3 - المصدر نفسه ص 64.
4 - المصدر نفسه ص 96.
5 - المصدر نفسه ص 87، 88.
6 - المصدر نفسه ص 142.
7 - المصدر نفسه ص 187.
8 - المصدر نفسه ص 225.
9 - المصدر نفسه ص 264.
10 - المصدر نفسه ص 264.
11 - المصدر نفسه ص 260.
12 - المصدر نفسه ص 318.
13 - المصدر نفسه ص 326.
تغريد
اكتب تعليقك