تقنيات جديدة صديقة للبيئة والاقتصادالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2016-08-19 04:12:21

منة الله عبدالمنعم

كاتبة ومترجمة علمية وفيزيائية بمعهد الكبد القومي - جامعة المنوفية - مصر

منذ بدء الخليقة واكتشاف الإنسان للنار وما أحدثته في حياته من تغيير وراحة، ولم تتوقف البشرية لحظة واحدة عن سباقها المحموم، لإيجاد المزيد من التقنيات والاكتشافات، لتوفير حياة أكثر راحة ورفاهية، لكن لا يوجد شيء بلا مقابل، ودفع الإنسان ثمن ذلك من بيئته فكانت النهضة الصناعية الكبيرة اعتمادًا على البترول الحفري ومشتقاته، سواء في وسائل النقل أو إنتاج الطاقة أو المواد المطاطية، التي ينتج عنها أكاسيد الكربون والنيتروجين الضارة، التي  تعد السبب الأول للاحتباس الحراري، وهي المشكلة التي تؤرق دول العالم، وأقيمت لها قمة ضخمة هي قمة المناخ في باريس، أقيم في مطلع ديسمبر 2015 التي حظيت بالكثير من الاهتمام الإعلامي والسياسي، وتعهدت أغلب دول العالم بالتكاتف لتقليل انبعاثاتها الكربونية لمنع زيادة درجات الحراة هذا القرن وبرغم تواجد توجهات منذ أعوام عديدة إلى الطاقة النظيفة وإعادة تدوير المخلفات سعيًا لبيئة أفضل، إلا أن هذه التقنيات كانت مكلفة للغاية، وليس بإمكان جميع الدول اتباعها، لذا فالتحدي الحقيقي هو الموازنة مابين تقنيات صديقة للبيئة والاقتصاد في آن واحد، ونستعرض في هذا المقال تقنيات حديثة مدهشة تجمع بين هذين الشقين :

بطاريات الهاتف تضئ المنازل بطاقة شمسية

في ظل انتشار الهواتف المحمولة والهواتف الذكية زاد استهلاك بطاريات الليثيوم المستخدمة لها بشكل واسع، وحيث إن الهواتف المحمولة والذكية تحديدًا متوسط عمرها يصل لثلاث سنوات، فإن متوسط عمر البطارية يصل لخمس سنوات، أي أن الهاتف قد ينتهي استعماله ولا زالت البطارية تعمل، ما يمثل إهدارًا لها بجانب تحولها لنفايات إلكترونية ضارة للبيئة، ولا يمكنها التحلل أو إعادة التدوير ولحل هذه المشكلة البيئية والاقتصادية قام فريق من الباحثين بجامعة كيونغ هي بكوريا الجنوبية يرأسهم العالم بوكار ديوف الأستاذ بالجامعة نفسها بإستغلال هذه البطاريات بتحويلها لوحدات تخزين طاقة لمصابيح LED تعمل بالطاقة الشمسية، وذلك لإضاءة المنازل في المناطق الريفية، بدلاً من الشموع ومصابيح الكيروسين المستخدمة في تلك المناطق، التي تعد تكلفتها أعلى من الإضاءة الكهربائية.

ويعلق ديوف على تجربته قائلاً: "إن هذا النظام كي يكتمل يمر بخمس خطوات: جمع البطاريات، اختبارها، صناعة النظام، والتسويق التجاري والتشغيل ما يمكنه توفير فرص عمل جديدة".

ومن مميزات هذا الابتكار أن توفير البطارية المناسبة لتخزين الطاقة الشمسية أمر مكلف للغاية، وكان يتم  استبدالها  ببطارية السيارات، لكنها لا تستمر طويلاً. أما بطارية الليثيوم المستخدمة بالهواتف المحمولة بإمكانها أن تنتج كهرباء تشغل مصباح LED لمدة تصل لثلاث ساعات أو ست ساعات بإضاءة منخفضة، لكن تكفي للقراءة أو الكتابة بوضوح، وعند دمج البطارية والمصباح بالطاقة الشمسية قد تصل فاعليتها لثلاث سنوات. والنموذج الذي اخترعه الفريق الكوري اعتمد على لوح شمسي ومصباح LED بسعة 12 فولت ووحدة تخزين تتكون من ثلاث بطاريات لهواتف سامسونج الذكية، وتكلفتها أقل من خمس وعشرين دولار أمريكي، ويمكن للنموذج في مراحله الأولية أن يضئ غرفة لمدة خمس ساعات يوميًّا مع عمر إفتراضي يصل لثلاث سنوات، ويخطط الفريق مستقبلاً للعمل على رفع كفاءة النظام، ليعمل لمدة أطول مع خفض التكلفة أكثر، لتناسب المناطق الريفية وغير الحضرية بالدول النامية وينوون البدء بتسويق المشروع بالسنغال ودول الصحراء الأفريقية العام المقبل1.

الكهرباء الهيدروجينية: هل يحل قصور الطاقة الشمسية؟

تعد الطاقة الشمسية من أهم مصادر الطاقة المتجددة في وقتنا الحالي، وتوجهت دول أوروبية كالمانيا لاعتمادها بالكامل، والعديد من الدول العربية  التي لها مشروعات طموحة في هذا المجال، وبرغم أن الطاقة الشمسية تعد من أفضل وسائل الطاقة إلا أن من عقباتها الحالية ارتفاع تكلفتها الاقتصادية وصعوبة تخزينها. لذا قام فريق دولي بتطوير مصدر طاقة جديد أطلقوا عليه hydricity  وهو يعتمد على إنتاج الطاقة الشمسية مع الوقود الهيدروجيني.

وهناك طريقتان لاستخلاص الطاقة الشمسية إما من خلال الخلايا الشمسية وهي خلايا كهربية تحول أشعة الشمس لكهرباء أو من خلال الخزانات الشمسية، وهي تقوم بتجميع الحرارة من أشعة الشمس لتسخين المياه بشكل مباشر أو في نطاق أكبر تستخدم البخار الناتج من المياه لتشغيل توربينات وإنتاج الكهرباء بالشكل التقليدي، وهي الطريقة المعتمدة أكثر في المحطات الشمسية العملاقة, والطريقة الأولى تعد فعالة أكثر حيث تلتقط أشعة شمس أكثر، ولكنها تحتاج لضوء شمس مباشر لذا هي أقل استخدامًا في المحطات الشمسية، وتقتصر أكثر على الأجزاء المشمسة في العالم.

والتقنية الجديدة اعتمدت على محطة شمسية تعمل بالسخانات الشمسية لإنتاج الكهرباء مباشرة، وتنتج الهيدروجين بعد ذلك، حيث تحتاج التوربينات إلى العمل في أثناء شروق الشمس، وأن تتوقف ليلاً، ثم يعاد تشغيلها مرة أخرى في الصبح التالي، مما يهدر الكثير من الطاقة والوقت، لذا التقنية الجديدة تعمل 24 ساعة يوميًّا، وتنتج الشمس في أثناء النهار، وتستمر في إنتاج الهيدروجين بعد ذلك وبرغم ان استخدام الهيدروجين في مجال النقل بديلاً للوقود إلا أنه يمكن استخدامه في الصناعات الكيميائية، وهو سهل التخزين ولا يتاثر بطول تخزينه لذا تمثل هذه الطريقة نقلة مدهشة في مجال الطاقة البديلة2.

البلاستيك الحيوي صديق البيئة والاقتصاد

البلاستيك وبالرغم أنه  يعد من أهم النقلات الصناعية في العالم حيث تكلفته الإنتاجية بخسة، ويدخل في أغلب الصناعات والمنتجات المستخدمة في الحياة اليومية، إلا أنه في المقابل من أخطر المشكلات البيئية بسبب تكونه من مواد نفطية وعند حرقه يساهم في بعث أكاسيد الكربون الضارة التي لها ضررها المباشر على البيئة, لكن بخصوص البلاستيك تحديدًا كان هناك توجه باعادة تدويره في صناعات أخرى منذ سنوات طويلة،  لكن اختراع بلاستيك صديق للبيئة يتكون من مواد عضوية بالكامل وخالي من المواد النفطية وعند حرقه يعود لأصله العضوي دون ملوثات للبيئة يعد حلاًّ جذريًّا لمشكلة بيئية مزمنة.

 و الاكتشاف قام به علماء من جامعة كولورادوالأمريكية، حيث اعتمدوا في صناعته على مادة تدعى جاما بوتيرولاكتون)، وهي مادة كيميائية معروفة تدخل في صناعة مزيلات الغراء ومحاليل التنظيف. وببلمرة المادة المذكورة يتكون البلاسيتك الحيوي– (المواد البوليمرية مواد تتكون من وحدات أصغر تسمى مونومر، وهي مواد صغيرة تتركب من الكاربون و الهيدروجين عند دمجها معًا بعمليات كيميائية تترابط بسلاسل جزيئية، وهي البوليمرات التي من أنواعها البلاستيك)، لذا عند غلي أو حرق البلاستيك الجديد يتحول مجددًا إلى مونومر جاما بوتيرولاكتون، الذي يمكن إعادة بلمرته مرة أخرى إلى أشكال وأنواع جديدة من البلاستيك، وفريق جامعة كولورادو ويرأسه الكيميائي يوجين تشين أتموا محاولتهم بعد 10 سنوات من دراسات رشحت المادة المذكورة لصناعة بلاستيك صديق للبيئة، ولكن لم يتمكنوا من معالجته بطريقة مناسبة ويعلق تشين على اكتشافهم أن البلاستيك الخاص بفريقه ليس أول بلاستيك عضوي، حيث هناك نوع متداول يصنع من مادة تدعى P4HB، ولكنها تشتق فقط من أحد أنواع البكتيريا، لذا فالبلاستيك الجديد قد يحل محلها بسبب سهولة صنعه وانخفاض تكلفته، وهو مايعطي قيمة اقتصادية هائلة لهذا الإكتشاف بجوار فائدته البيئية 3.

 

المصادر:

http://www.asianscientist.com/2016/04/tech/lithium-ion-batteries-solar-powered-led-lamps-recycling

 

http://www.sciencealert.com/hydricity-is-a-new-power-source-combining-solar-energy-and-hydrogen

 

http://www.nature.com/nchem/journal/v8/n1/full/nchem.2391.html


عدد القراء: 5116

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-