مقدمات لدراسة المجتمع العربي .. المثقف كما نعرفهالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2016-11-25 09:12:40

حمزة شباب

ناقد فلسطيني

هو عنوان كتاب للمفكر والأكاديمي الفلسطيني هشام شرابي ( 1927 – 2005 ) الذي عمل أستاذًا لتاريخ الفكر الأوروبي والعلوم السياسية في جامعة جورج تاون بواشنطن، ساهم في إنشاء عدد من المؤسسات التي تُعنى بشؤون الوطن العربي والقضية الفلسطينية، منها: مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون، ومركز التحليلات السياسية حول فلسطين في واشنطن، وصندوق القدس الذي هو منظمة فلسطينية تقدم منحًا دراسية للطلاب الفلسطينيين، وله مؤلفات عديدة في العلوم السياسية، والنظام الاجتماعي العربي، والنقد الحضاري، والسمات الفنية والعلمية للمثقف بين العرب والغرب.

يبدأ هشام شرابي في عرض المظاهر المتكونة عند الفرد داخل بنية المجتمع وأثر هذه البنية عليه، معتمدًا على نظرية التحليل النفسي ومطبقًا نتائجها على سلبيات التربية في العائلة العربية التي تخلف أولادًا اتكاليين، عاجزين، يفتقرون إلى الحد الأدنى من حرية المبادرة الذاتية، ومرتكزًا على محاور خمس في شخصياتنا الاجتماعية وبتحليل نفسي نقدي عنيف.

يتناول في محوره الأول سلوكنا الاجتماعي وبنية العائلة في المجتمع العربي، ولا يتأتى ذلك إلا بتغيير في الذات حيث إن العائلة هي الوسيط الرئيسي بين شخصية الفرد والحضارة الاجتماعية، وما ينقص الطفل العربي من القدرة على التعامل، ثم يتناول في المحور الثاني بعض نتائج التربية البرجوازية الإقطاعية كالاتكالية والعجز والتهرب التي تتسم بنفي الخصائص العرضية عنها بوصفها محاور ذات أصول اجتماعية وثقافية عميقة تجسم شعورًا بعدم المقدرة.

يدعو شرابي في المحور الثالث إلى الوعي والتغيير، حيث إن الأسرة العربية تنظر إلى أبنائها على أساس تفوقهم في قدراتهم العلمية والاجتماعية، لأننا نسعى بغية جعلهم على الصورة المرصودة لهم بما يسمى النزعة المثالية في التربية، ويعلق الكاتب محاوره الثلاثة الأولى على المحور الرابع وهو الإنسان العربي والتحدي الحضاري، ويذكر أسلوبين لمعالجة التحدي الحضاري، هما: الفكر الخطابي المجرد المتمثل بالوعظ و التبشير، والتحليل العلمي في صلب الواقع من أجل تغييره وتجاوزه، وينحو تجاه الخيار الثاني في دراسة علاقاتنا بأطفالنا ونسائنا وعلاقات بعضنا بعضًا، ولا تستكين قواه في الوصول إلى المحور الخامس الذي هو لب هذا الكتاب وهو المثقف العربي والمستقبل، مشيرًا إلى أن المثقف ليس من نال قسطًا وافرًا من العلم، فيقول صراحة "هناك أميون بين حملة شهادة الدكتوراه" لأن العلم اكتساب موضوعي فقط، وإن ما يميز المثقف صفتان أساسيتان هما: الوعي الاجتماعي الذي يمكن الفرد من رؤية المجتمع وقضاياه من زاوية شاملة، وتحليل هذه القضايا على نحو نظري متماسك، والدور الاجتماعي الذي يمكن أن يلعبه الوعي بالإضافة إلى القدرات الخاصة التي تضفيها الكفايات الفكرية أو الاختصاص المهني.

يقسم كاتبنا في مقدماته البحثية للمجتمع العربي المثقفين إلى أربع فئات: الأولى هي طبقة المثقفين الملتزمين الذين يتطابق لديهم الفكر والممارسة، ويتبنون قضية واحدة يعيشون من أجلها بعيدًا عن التنظير الفارغ، والثانية هي طبقة (أهل القلم) من الكتاب والمفكرين العاملين اجتماعيًّا بالكلمة لا بالممارسة العملية، وتعتمد هذه الفئة في عملية التغيير الاجتماعي على تأثيرها في الرأي العام وقدرتها في تغيير الوعي الاجتماعي ودفعه نحو آفاق جديدة، وأما الفئة الثالثة هم أصحاب الالتزام الفكري المعنوي من الأساتذة والمعلمين، ويتشاركون مع الفئة الثانية في أنهم يمارسون العمل الاجتماعي دون الانخراط المباشر في صراعات المجتمع وانهماكاته، والفئة الأخيرة هي فئة المهنيين من الأخصائيين والتكنوقراطيين العاملين في الحقول العلمية والصناعية والإدارية المختلفة، وهذه الفئة تعد الأكثر بعدًا عن الوعي الأيديولوجي والسياسي، والتزام هذه الفئة التزام مهني محض، لأن تأثيرها ينبع من ممارساتها المهنية ونتائج عملها في حقول اختصاصاتها، ونلاحظ أن هذا التقسيم قد بني على أساس القدرة على التأثير في المجتمع، وتكوين التغيير المجتمعي وزيادة الوعي لدى الغالبية فيه، وإن الفئات الأكثر تأثيرًا هي الفئات المتناقضة الأولى والرابعة، فالأولى تتميز بالتزامها الأيديولوجي وممارساتها السياسية، والرابعة تتميز ببعدها عن الأيديولوجيا وعن الممارسة السياسية والتزامها بالقطاع المهني، لأن التغيير المبنثق من العلم والتكنولوجيا يؤدي إلى تحول جذري في بنيان المجتمع المادي وفي علاقاته الاجتماعية.

يسلط هشام شرابي الضوء على دور المثقفين ومزاياهم، وعلى أبرز ما يهددهم في مجتمعنا العربي من نزعات التذبذب الفكري التي تجعلهم غير قادرين على الثبات في موقع فكري معين و التبعثر بين منطلقات واتجاهات مختلفة ومتضاربة، فيعيش حالة من الاقتلاع النفسي والاجتماعي، وفي دراسته الموضوعية يؤكد الكاتب على أن المجتمعات المتخلفة عاجزة عن توفير البيئة اللازمة للمثقف أو القيمة اللائقة به تمامًا كعجزها عن استغلال مواردها المادية والبشرية بشكل سليم، ثم إنه غالبًا ما ينتمي – في مجتمعنا العربي – إلى الطبقة المتوسطة أو المتوسطة الدنيا فتراه بحاجة إلى أكثر من مجرد العيش، فليس الكبت الفكري وحده ما يدعوه إلى الهجرة، لأنه لا يستطيع تحمل الحرمان المادي، والمؤثر الأقوى في سلوك المثقف ليس أفكاره أو أهدافه ومثله بل وضعه المادي ومركزه الاجتماعي، فعندما يتخطى المثقف مرحلة الشباب، ويصبح ذا مسؤوليات عائلية يجد نفسه سجين صراع عيشه اليومي وبعيدًا عن مواضع الفكر.

إن عملية التغيير الاجتماعي وإنتاج التحرر الفكري لا تتفتق كما الزهرة، ولا يتأتى لذلك صدفة، فهي محصلة محطات طويلة من المؤسسات الاجتماعية والممارسات السياسية، فقد بدأ كاتبنا بنقد الذات نقدًا واقعيًّا لا فلسفيًّا تقوم على اكتشاف العلوم الإنسانية ببعدها الاجتماعي وتأسيسها على نحو علمي، ويدعو الكتاب إلى إقامة تحالف بين الأسرة العربية والمجتمع الذي يحيطها للسيطرة على الثقافة المجتمعية كتوزيع الثروات والحرمان المادي والاتكالية والعجز والتهرب عن طريق تشخيص الداء وتطويقه بالدواء، إلى أن وصل إلى الانعتاق من الحضارة الغربية التي هيمنت علينا بالمثل العليا (الحرية والمساواة والعدل) لكنها أظهرت وجها آخر في ممارساتها معنا أدى إلى تخلفنا وضياعنا وبؤسنا.

يبعث هشام شرابي أحد أبرز المفكرين العرب إضافاته الفكرية القائمة على الفكر النقدي للقارئ العادي بغية التعليقات الإيجابية البناءة، وإيمانًا برفع القداسة عن آرائه، فيقول في مقدمة الكتاب: "أصبحت أدرك بفضل هذه التجربة أن القارئ العربي قادر على استيعاب الفكر وقبول النقد مهما كان عنيفًا، إذا كان يشعر أنه ينبثق من موقف صادق يرفض التمويه ويهدف إلى كشف الواقع على حقيقته، والقارئ العادي لا المثقف فقط هو الذي يستطيع أن يحدد الاتجاه الذي يتوجب على التغيير الاجتماعي أن يتجه فيه، إني أضع نفسي بين يدي القارئ العادي، له أكتب ومنه أتقبل الحكم الأخير".


عدد القراء: 6081

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-