هل تحدّث خُوسِّيه سَارَامَاغُو في كتاباته عن الرّبِيع العَرَبي..؟!الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2017-05-11 18:34:05

د. محمّد محمّد خطّابي

مدريد - (إسبانيا)

في مجال رصد استقراءات، وتنبّؤات بعض الرّوائيين، والكتّاب، والمفكّرين الغربييّن حول ما عُرف أو أُطلق عليه بـ "الربيع االعربي" ! نَسْتحْضِرُ، أو نُذكّر في هذا السّياق بما كانت قد صرّحتْ به "أرملة الكاتب والرّوائي البرتغالي الرّاحل" خوسّيه ساراماغو" (نوبل في الآداب عام 1998)  الكاتبة، والمترجمة الإسبانية "بِيلاَرْ دِيلْ رِييُّو" حيث سبق لها أن أكّدت فى إحدى تصريحاتها للصحافة الإسبانية أنّ  زوجها كان قد  تنبّأ (!) أو بالأحرى أن تحدّث في إحدى رواياته التي كانت قد نُشرت عام 2004 والتي تحملُ عنوان: "بحث في الوضوح" أو" البصيرة" والتي (صدرت ترجمتها إلى العربية عن الهيئة المصرية العامة للكتاب - سلسلة الجوائز)، تحدّث، واستقرأ - حسب منظورها وبناءً على تصريحها- برياح التغييرات التي عصفت، وهبّت على بعض البلدان العربية، والثورات التي عرفتها، وشهدتها، أو ما أمسى يُعرف اليوم بـ: (الربيع العربي) الذي سرعان ما أضحىَ فى عُرْف البعض، أو أصبحَ، أو كاد أن يصبح خريفًا عربيًّا، شاحبًا، حزينًا، كئيبًا، رديئًا، مُدلهمًّا، وفى بعض الأحيان مُخيّبًا للآمال..!

الاعتصام ..

 رواية خوسّيه ساراماغو الآنفة الذّكر"بحث فى الوضوح" أو "البصيرة" حسب أرملة الكاتب "بيلار ديل  رييّو"  تحكي قصّة، أو حكايةَ شعب قرّر بالإجماع مقاطعة الانتخابات فى البلاد، ممّا أشاع نوعًا من الهلع، والفزع، والذّعر، والرّعب، والتخوّفات لدى المسؤولين، حيث اعْتُبِر هذا التصّرف بمثابة شكلٍ من أشكال التحدّي، والمواجهة، أو إعلان العصيان، أو أمارات، أو إرهاصات تُنذر بقرب قيام الجماهير بتمرّد عام على السّلطة الحاكمة.

 وتقول: "بلار ديل رييّو" فى نفس السّياق: "إنّ هناك فقرةً في هذا العمل الأدبي الرّوائي تشير إلى ما مفاده: "أنّ المواطنين يظلّون معتصمين لعدّة أيام في السّاحة الرئيسية، أو الميدان الكبير للمدينة حيث يتمكّنون بالفعل تحت ضغط التظاهر، والاحتجاج المتواصليْن من الإطاحة بالحاكم الطاغية المُستبدّ - كما تصفه الرّواية -. وعندما ينتهي كلّ شئ، ويعود المتظاهرون إلى أعمالهم الاعتيادية، ومزاولة نشاطاتهم اليومية المتواترة، يقرّرون فيما بعد تنظيم أنفسهم ويبدأون - قبل كلّ شئ- بتنظيف المكان الذي كانوا مُعتصمين  فيه"..!.

 وتشير أرملة خوسيه ساراماغو "بيلار ديل ريّو" أنّ ذلك ما حدث بالضبط أو ما يشبهه الى حدّ بعيد في مصرَ، وفي بعض البلدان العربية أو فى أماكن، ومدن أخرى من العالم العربي، التي طالتها رياحُ الغضب، وأعاصيرالتغيير فى المدّة الأخيرة".

وتؤكّد هذه الكاتبة الإسبانية، وهي مترجِمة أعمال زوجها "ساراماغو" من اللغة البرتغالية إلى لغة  سيرفانتيس: "أنّ زوجها لم يكن قارئَ طالع، كما أنه لم يكن يتنبّأ بالمستقبل، بل إنّه كان مثقفًا يعيش عصره، ويعيه جيّدًا ويتفاعل مع أحداثه والتطوّرات التي يشهدها بدون انقطاع، ومن ثم فهو كان يرصد عيوبَ العالم، ونواقصَه، وزلاّته بالتأمّل فيه، وإعمال النظر بمجرياته"- على حدّ تعبيرها -.

وتضيف "بيلار ديل رييّو" قائلة عن زوجها: "إنّه كان رجلاً دائمَ التفكير في كلّ ما يحيط به ويعايشه، مُمْعْنًا النظرَ في العالم، ومتتبّعًا لكلّ ما يعتريه من تغيّرات، أو تعثّرات، أو نواقص، وعيوب، وقصور". وتَزْعُم "بيلار ديل ريّو" فى السّياق نفسه أنّ ساراماغو: "كان يعرف - خلافًا لما كان يُعتقد فى ذلك الإبّان - أنّه لم تكن هناك أزمة إقتصادية حادّة إجتاحت العالم ، بقدر ما كانت هناك أزمة أخلاق، وسلوك، ومبادئ، وعليه فانّ البشرية سوف تتأخّر كثيرًا للخروج والتخلّص من هذه المُعضلات العويصة، والأزمات الحادّة التي تعصف بها وببلدانها"- حسب منظوره -.

 ساراماغُو وروايته العَمىَ

يرى بعضُ الكتّاب منهم بلديُّه لأو مواطنه الباحث البرتغالي"كَارْلُوسْ رِيَّاسْ" عميد جامعة "أبيرتا" البرتغالية أنّ خوسّيه ساراماغو أثار خلال حياته غيرَ قليلٍ من الزّوابع، والتوابع، والجَدل حول مختلف القضايا المعاصرة سياسيةً كانت، أم أدبية، أو فلسفية، أو تاريخية، أو اجتماعية، أو دينية، التي لم تخلُ في بعضها من بعض الأباطيل، والمبالغات، والترّهات، والمغالطات. وإثارة النقع، والعجاج على صفحات الجرائد، والمجلات، والكتب دون طائل يُذكر. ولعلّ روايته الشهيرة "العَمىَ" التي نال بها  أو عنها (جائزة نوبل فى الآداب..) قد جعلتِ الأمورَ  تدلهمّ أمام ناظريه، هذا فى الوقت الذي كانت له من جهة أخرى مواقف مشرّفة على الصعيد العربي كموقفه الدّاعم لقضيّة فلسطين، وانتقاده العنيف لإسرائيل بعد الممارسات الوحشية التى قامت بها ضدّ الفلسطينيين العزّل والتنكيل بهم. وقد قام عام 2002 بزيارة لرام الله متضامنًا مع الفلسطينيين في أثناء الحصار الذي فرضته أو بالأحرى ضربته إسرائيل عليهم بعد انتفاضة الأقصىَ آنذاك، حيث هاجمتْه الصهيونيةُ العالمية وطالته حِرَابُها، وغشتْه سِنَانُها بعد تصريحاته،وانتقاداته التي أدلى بها أمام الملأ ضدّ إسرائيل.

بعض الإبداع فتنة !

ويشير الباحث الجامعي "كَارْلُوسْ رِيَّاسْ" من جهة أخرى: إن بعض الإبداع فتنة كما يُقال، فعندما صدرتْ رواية خوسّيه ساراماغو "الإنجيل حسب يسوع المسيح" عام 1991 أثارت ضجّة كبيرة انقلبت إلى نقمة عارمة عليه، إذ يوجّه فيها الكاتبُ انتقاداتٍ لاذعة للكنيسة الكاثوليكية، ممّا حدا به إلى التفكير فى الاغتراب والهجرة بصفة نهائية من بلاده ، خاصّة بعد أن قامت الحكومة البرتغالية بحجز كتابه، وحظره، واتّهام رجال الدّين والفاتيكان له بالإساءة، وبالمساس بالتراث الديني للبرتغاليين، ومنذ مغادرته البرتغال 1998 (وهو عام حصوله على جائزة نوبل العالمية فى الآداب) بدأ يُبدي نوعًا من الافتخار والتباهي بأصوله الأمازيغيّة - حسب ادّعائه - إذ  كان يزعُم أنّ أجدادَ جدّه ينحدرون من شمال إفرقيا، وذلك - حسب رواية البّاحث الجامعي البرتغالي الآنف الذكر -.

 وقد استقرّ خوسّيه ساراماغو بعد ذلك في جزيرة "لانثاروطي" بالأرخبيل الكنارى (الخالدات) بشكل دائم حتى آخر أيام حياته مولّيًا وراء ظهرَه الغربَ والشمال، ومُعانِقًا هذه الجزيرة الكنارية الضائعة في غياهب بحر الظلمات، والغارقة في متاهات المحيط الهادر، وتشكّل هذه الجزيرة البركانية- كما هو معروف - إحدي سلسلة الجزر السّبع التي تشكّل أرخبيل الخالدات ذي الأصول والجذور الأمازيغية قبل وصول الإسبان إليها في القرن الخامس عشر، حسب معظم الدّارسين، والكتّاب، والباحثين، والمؤرّخين الثقات فى هذا الشّأن من مختلف الجنسيات بمن فيهم الإسبان والكناريون أنفسهم الذين يعرفون هذه الحقيقة التاريخية، بل ويتباهى بعضُهم بها..! 

الظلَاَمُ المُلْتَهِب

وينبغي الإشارة فى هذا الصّدد أنّ للكاتب الإسباني المسرحي الكبير"أنطونيُو بْوِيرُو بَايّيِخُو" مسرحية ناجحة من تأليفه تحت عنوان "الظلام الملتهب" وهي تدور حول العَمىَ كذلك، حيث تُعد هذه المسرحية تقصّيًا مَهْوُوسًا للظرف التراجيدي للإنسان بوصفه عنصرًا بارزًا من عناصر التاريخ، وبذلك تتحوّل الدراما، أو التراجيديا عنده إلى حقيقة تاريخية ملموسة، عاش "أنطونيو بويرو بايخو" سنتين من عمره في مدينة العرائش (شمال المغرب)، حيث كان والده عسكريًّا يعمل بالجيش الأسباني هناك. ولا يُستبعد أن يكون ساراماغو قد قرأ هذه المسرحية أو تأثّر بها ولا شكّ، ومع ذلك نال بروايته (العَمىَ) الآنفة الذّكر إيّاها أعلى، وأرقى تكريم أدبي فى العالم (نوبل فى الآداب) كما سبق القول..!

 من أعمال خوسّيه ساراماغو الرّوائية الأخرى "أرض الخطيئة" (1947)، "تاريخ حصار لشبونة"(1989)"، " الإنجيل حسب يسوع المسيح"(1991) "كلّ الأسماء" (1998) "رحلة الفيل" (2008) "قابيل" (2009) وسواها من الأعمال الروائية والإبداعية الأخرى. هذا وتجدر الإشارة كذلك فى هذا القبيل أن رواية ساراماغو "العّمىَ" ( 1995)، قد تحوّلت إلى فيلم سينمائي عام 2008. توفّي خوسّيه سراماغو عام 2010 عن سنّ تناهز 87 سنة فى مقرّ إقامته بجزيرة "لانثاروطي" الكنارية بأرخبيل الخالدات.

 

* كاتب، وباحث، ومترجم، وقاصّ من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية- الأمريكية للآداب والعلوم - بوغوتا - كولومبيا.


عدد القراء: 5040

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-