نحن والغرب.. ثراء التنوع الثقافي الصراع عبث والتعايش محتومالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2017-11-06 23:13:21

د. إدريس سلطان صالح

أستاذ جامعي - مصر

"يقولون أن الإسلام وحضارة الغرب نقيضان لا يمكن أن يجتمعا، لكن يبقى أنهما قد جاء كل منهما ليبقى، ولابد من تعايشهما إلى الأبد على الكرة الأرضية، ولا يمكن نفي أحدهما، فالتعايش محتوم عليهما، أما الصراع فعبث، لأنه لن ينتهي ولن ينهي وجود أي منهما."

كلمات قليلة لخص بها الجغرافي جمال حمدان رؤية ثاقبة لمعنى التنوع الثقافي، ودعم قيم التفاعل المشترك بيننا وبين الغرب، ذلك التفاعل القائم على مبدأ التعايش المشترك بين المجتمعات والثقافات المتباينة، ونبذ الصراع الذي لن ينتهي، لأنه لن يحقق استقرارًا أو سلامًا أو تنمية، سواء هنا أو هناك.

التنوع الثقافي والاهتمام به:

تُعبر الثقافة عن نمط الحياة الذي يميز المجتمعات عن بعضها البعض، نظرًا لاختلاف الطرق التي يسلكها أفراد كل مجتمع في حياتهم، سواء أفكارهم أو معتقداتهم، أو علاقاتهم ببعضهم البعض، أو طرق استخدامهم لبيئاتهم ومواردهم. ولذلك تتنوع الثقافة من مجتمع إلى أخر، مما جعل ذلك التنوع سمة بشرية أساسية لا يمكن التغافل عنها.

ولذلك نال موضوع التنوع الثقافي اهتمامًا عالميًّا كبيرًا، وخاصة مع التطور المعرفي والتكنولوجي الذي جعل العالم قرية صغيرة متشابكة المصير، تتعاون مجتمعاته مع بعضها البعض، ويعتمد كل مجتمع منها على إنجازات الآخرين في تحقيق تطوره وتقدمه.

وقد انعكس ذلك الاهتمام في الإعلانات الصادرة عن المنظمات المهتمة بالثقافة والتربية والعلوم، مثل إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة حول التنوع الثقافي عام 2002م، وإعلان المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الإسلامي عام 2004م، وانعكس كذلك في عقد كثير من المؤتمرات والمبادرات التي تعمل على نشر المفاهيم والقيم الثقافية المرتبطة بثقافات الآخرين وتقدير واحترام تنوعها، مثل: المؤتمر العربي الأوروبي للحوار بين الثقافات، والذى عقدته الإيسيسكو بعنوان: مرتكزات التعرف على الآخر من أجل العيش معًا عام 2002م، ومؤتمر "تعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات"، الذي عقدته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بالمغرب عام 2005م، ومؤتمر "حوار الحضارات والتنوّع الثقافي" الذي عقدته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة عام 2009م في تونس، ومبادرة الاتحاد الجغرافي الدولي بالتعاون مع الاتحادات الدولية للعلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية والفلسفة، بعنوان: 2016 السنة الدولية للفهم العالمي، التي تهدف إلى تحقيق فهم متبادل لمشكلات العالم، ودعم دور الثقافات المحلية في تحقيق ذلك الفهم المتبادل.

وقد أكدت كل تلك الجهود على أهمية التنوع الثقافي وضرورة احترامه وتقديره، وذلك باعتبار التنوع الثقافي تراثًا مشتركًا للإنسانية، ولا يخص ثقافة بعينها، وأنه عاملًا من عوامل التنمية، ومصدرًا أساسيًّا للإبداع البشري في العالم.

نحن والغرب.. رؤى متباينة:

رغم أهمية التنوع الثقافي، والاهتمام العالمي بضرورة الاحترام والتقدير المتبادل لثقافات الآخرين، إلا أنه تنتاب كثير من المثقفين في عالمنا العربي والإسلامي والمهتمين بالتنوع الثقافي، والعلاقات بيننا وبين الغرب مخاوف متنوعة بشأن طبيعة تلك العلاقة، وخاصة نظرة الغرب لنا كعرب وكمسلمين، ويدور في أذهانهم تساؤلات حول حقيقة كراهية الغرب لنا، ومصداقيته فيما يطرحه من مبادرات عن التنوع الثقافي، والاحترام والاعتماد المتبادل بين ثقافات العالم.

حيث نقرأ لبعض الكُتّاب والمثقفين مقالات وتحليلات تتناول العلاقة بين الثقافة العربية والإسلامية والثقافة الغربية، ولكن قد لا يمكن الحكم من خلالها على النظرة الحقيقية الشاملة لكل جوانب العلاقة بينهما؛ لأنها قد تكون نابعة من خبرة البعض الشخصية، أو قراءاتهم عن الغرب، أو إقامتهم لبعض الوقت في مجتمعات غربية، أو علاقات صداقة مع بعض مثقفي الغرب.

ولتنوع تحليلات الكُتّاب والمثقفين، فقد احتار المواطن البسيط في العالم العربي والإسلامي، نظرًا لتناقض تلك التحليلات، فتارة يؤكد بعض الكُتاب نظرية المؤامرة الغربية، التي تتمحور حول كراهية الغرب لكل ما هو عربي وكل ما هو إسلامي، بل وصل الحد ببعض الكُتّاب إلى تناول مصطلحات صراع الحضارات، وحروب الأجيال المتعاقبة، كحرب الجيل الرابع أو حرب الجيل الخامس...إلخ، وذلك في تفسير كل الأحداث والمشكلات والقضايا التي مر بها العالم العربي والإسلامي في الماضي، ويمر بها في الوقت الحاضر. وتارة يتناول بعضهم الآخر العلاقات الحميمية بين الدول العربية والإسلامية وبين الغرب، سواء بين الحكومات، أو نجاح كثير من أبناء العرب والمسلمين في الغرب في مجالات الحياة المتنوعة، كالطب والهندسة والبرمجيات والسياسة والاقتصاد ...إلخ.

ويغيب عن أذهاننا بُعد آخر للعلاقة بيننا وبين الغرب، وهو ماذا يعتقد الغرب بشأن صورته في العالم العربي والإسلامي؟ فما يعتقده الغرب عن الصورة التي نراه بها قد يكون له تأثير وتشكيل لصورتنا نحن العرب والمسلمون في العالم الغربي.

فالمتأمل لواقع المجتمعات العربية والإسلامية يجد شيوع أفكار سلبية وهدامة لدى العامة عن الغرب وثقافته، وقد تكون كتابات بعض المتطرفين أو ما تبثه بعض وسائل الإعلام له دور في تشكيل ثقافة العامة عن الغرب وثقافته، من خلال التركيز على الأنماط السلوكية السلبية من وجهة نظر ثقافتنا العربية والإسلامية، أو طرحها لتوجهات سياسية سلبية ضد الغرب أو بعض دوله، مستجيبة لقرارات ورؤى الحكومات المرتبطة بمصالحها السياسية، أو رغبات ومشاعر جماعات بعينها لها أهداف ومصالح خاصة بها.

والحقيقة أن المجتمعات الغربية شأنها شأن مجتمعاتنا العربية والإسلامية، تعج بأنماط ثقافية متنوعة، بعضها إيجابي كانت له إسهاماته في تطور الحضارة الإنسانية في العالم، والتي نعتبر نحن العرب والمسلمون جزءًا من صانعيها، وبعضها سلبي، وقد تكون السلبية من وجهة نظرنا؛ لعدم اتساقها مع ثقافتنا العربية والإسلامية، بينما ينظرون هم إليها في الغرب في إطار ثقافتهم، ويرون أنها لا تحمل أي مظاهر للسلبية التي نراها نحن.

وخير دليل على وجود الإيجابيات ما تشهده مجتمعاتنا العربية والإسلامية من مظاهر تطور للثقافة الغربية، مثل استفادتنا من ثوراتهم الصناعية، وتطورهم المعرفي والتكنولوجي، الذي لم نستطع نحن الانعزال عنه أو تجاهله، بل أننا نسعى جاهدين للحاق بركب هذا التطور، واستغلاله في تطوير أنماط حياتنا وطرق معيشتنا.

والحقيقة أن مظاهر كثيرة من رؤيتنا للغرب تصل إليهم، وجعلتهم يشكلون صورة سلبية عن رؤيتنا لهم، إذ يعتقد الغرب أن بعض العرب والمسلمين يعتبرونهم أعداء، والبعض الآخر يرى فيهم الانحلال الأخلاقي والفكري لإباحتهم المحرمات أو تناولهم لقضايا معينة من منظور مختلف عن منظورنا. ولعل ما يعزز ذلك هو تصرفات بعض العرب والمسلمين معهم، أو ما تطلقه الجماعات المتطرفة من تصريحات وأفعال تعبر عن كراهية الغرب، ووجوب قتلهم من وجهة نظر تلك الجماعات، فضلًا عما تفعله بعض الحكومات والأجهزة الأمنية تجاه عمليات تأمين السائحين الغربيين، والتي تجعلهم يشعرون بالخطر أثناء زيارتهم للعالم العربي.

ولذلك إذا كنا نحن العرب والمسلمين لدينا تصور عن وجود صورة سلبية لنا في العالم الغربي، وتعمد تشويه لكل ما هو عربي وإسلامي وفق نظرية المؤامرة، كذلك الغرب له رؤية لصورته في العالم العربي والإسلامي، ويعتقد أنها صورة غير دقيقة، وبها مغالطات كثيرة، مما يعني أن صورة كل منا لدى الآخر صورة سلبية، وكل منا يعتقد بظلم وتشويه الآخر له، مما يحتم علينا وعليهم بذل جهود حقيقية لنشر ثقافة إيجابية تبرز الصورة الإيجابية لثقافات العالم، ودورها في تحقيق التقدم الإنساني.

التفاعل المشترك والتعايش المحتوم:

العالم الآن قرية صغيرة، بفضل التكنولوجيا المتطورة يومًا بعد يوم، مما جعلنا لا نستطيع الانعزال عن الآخر، بل فرض علينا ضرورة فهم الواقع العالمي الجديد، الذي يتطلب منا الانفتاح على كل ثقافات الآخر، انفتاح واع يراعي طبيعتنا وثقافتنا وشخصيتنا العربية والإسلامية المتميزة، انفتاح ناقد يميز الإيجابي من السلبي، بحيث ندرك نحن ويدرك الغرب أن لكل منا ثقافة مميزة، لها من الإيجابيات ما يمكن أن يستفيد منه الآخر، وتساهم في تطور الحضارة الإنسانية العالمية، تلك الحضارة التي لم تتشكل بفضل ثقافة بعينها، بل بتضافر كل الثقافات الممثلة لكل المجتمعات عبر العصور الماضية.

فإذا كان الواقع الحالي يشهد تطورًا للغرب، وأننا نلهث وراء هذا التطور للاستفادة من انجازاته المعرفية والتكنولوجية، والبناء عليها لتطوير مجتمعاتنا، فإن التاريخ يشهد لفترات قوتنا وتطورنا، والتي سعى الغرب للاستفادة منها، وهذا ما يوضح الاعتماد المتبادل بين الثقافات والمجتمعات، وأن الحضارة العالمية لا يمكن أن تكون حكرًا لثقافة بعينها.

ولذلك أصبحت النظم التعليمية والمؤسسات الثقافية والاعلامية في عالمنا العربي والإسلامي مطالبة أكثر من ذي قبل بالتعامل مع الواقع العالمي الذي يفرض الوعى بالتنوع واحترام ثقافات الآخرين، وذلك من خلال إعادة التفكير في معنى التربية وفلسفتها، وما يرتبط بها من مناهج تعليمية، وتطوير رسالتها الاعلامية ومحتواها، وتطوير أهداف وجهود مؤسساتها الثقافية، وذلك للتأكيد على القيم الثقافية العربية والإسلامية، والحفاظ على هوية مجتمعاتنا في إطار تفاعل إيجابي بناء مع ثقافات الآخرين، والعمل على  دعم قيم التعاون والسلام والمسؤولية والقدرة على حل الصراعات والنزاعات، وإزالة كل أشكال التعصب والعنصرية، والتأكيد على كيفية التعلم للعيش معًا في عالم واحد، مستفيدين بإيجابيات ثقافات الآخرين.

 

المصادر:

1 - تقرير اللجنة الدولية للقرن الحادى والعشرين (1997). التعليم ذلك الكنز المكنون. تعريب جابر عبدالحميد جابر، القاهرة: دار النهضة العربية.

2 - جمال حمدان (1996). صفحات من آوراقه الخاصة مذكرات في الجغرافيا السياسية، إعداد وتقديم: عبدالحميد صالح حمدان، القاهرة: دار الغد العربي.

3 - المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (2004). اﻹﻋﻼن اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺣﻮل اﻟﺘﻨﻮع اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ، الرباط، المغرب.

4 - المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (2005). المؤتمر الدولي حول "تعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات، الرباط، المغرب.

5 - المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (2009). المؤتمر الدولي حول حوار الحضارات والتنوع الثقافي، القيروان، تونس.

6 - منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة  (1992). التربية الدولية، خطوط توجيهية لتطوير منهج كتاب مدرسي للتربية الدولية، عمان: مكتب اليونسكو.

7 - منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (2002). إعلان اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي.

8 - المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة (2002). المؤتمر العربي الأوروبي للحوار بين الثقافات: مرتكزات التعرف على الآخر من أجل العيش معا، باريس، فرنسا.

9- 2016 International Year of Global understanding, Proclaimed by the international councils of the natural, social, and human sciences, Available online at:

 http://www.global-understanding.info


عدد القراء: 18539

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-