شيبوبالباب: نصوص

نشر بتاريخ: 2020-02-01 15:20:07

د. أحمد الزعبي

قسم اللغة العربية وآدابها، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية ـ جامعة الإمارات العربية المتحدة

[حين أصاب السهم الغادر عنترة في مقتل، نادى عبلة وقال لها وهو يلفظ أنفاسه: ارتدي ملابسي واحملي سيفي وامتطي صهوة جوادي والحقي بالقاتل، ثم سقط عنترة بعد ذلك جثة هامدة. وفعلت عبلة ما قيل لها ولحقت بالقاتل فما أن رآها مقبلة من بعيد وقد ظنها عنترة حتى سقط القاتل ميتًا خوفًا وفزعًا] 

                                                                                             - من حكايات عنترة العبسي-

ومات عنترة دون أن يعطي لعبلة فرصة لتفهم قصده من مطاردة القاتل، إذ ظنت في أول الأمر أنه يطلب منها الانتقام لمقتله وهي تعرف أنها لا تقدر على فعل ذلك حتى لو تقنعت بقناع عنترة وسيفه وفرسه، إذ من السهل أن يكشف القاتل حقيقتها عند بداية المبارزة ثم يقضي عليها. غير أن حبها لعنترة كان أقوى من أن تضعف أو تتلكأ. وفعلا نفذت ما طلب منها واعتلت صهوة جواد عنترة ولحقت بالقاتل وهي مصممة على الانتقام لحبيبها مهما كان الثمن وقررت أنه لا بد من المواجهة فإما أن تُقتَل وإما أن تَقتُل.

وانطلق الجواد بها ينهب الأرض نهبا وراء القاتل الهارب الخائف. وتشجعت عبلة في تلك اللحظات وقويت عزيمتها حين أبصرت "شيبوب" ينطلق كالسهم وراء القاتل ويتجاوزها عدوا على قدميه، لم تستطع أن تحادثه وتشد على يده إذ مر من جانبها كلمح البصر. زادت ثقتها وزادت سرعتها لتشارك "شيبوب" شرف الانتقام لأخيه من القاتل. وكان شيبوب يسابق الخيل ويسبقها على قدميه فلم تستطع اللحاق به. وفرحت حين لمحت القاتل هاربا بسرعة جنونية أمامها ويكاد شيبوب يلتحم معه، فسلت سيفها –سيف عنترة- من غمده واستعدت للطعن وهاجمت القاتل. أدرك شيبوب القاتل، فاستدار الأخير لمواجهته ومقاتلته، لكن "شيبوب" رفع يديه وأشار برأسه أنه لا يريد القتال، فدهش القاتل من أمر شيبوب، وقال بلهجة فيها تحذير وتهديد: لا تقترب وإلا قتلتك كما قتلت أخاك. ثم أبصر فجأة حصان عنترة يشق الطريق والغبار من بعيد فاتسعت عيناه واضطرب قلبه وارتجفت يداه. فعاجله شيبوب قبل أن ينهار خوفا وذعرا بالقول: إن عنترة قد مات، وأن عبلة هي التي تمتطي صهوة جواده بعد أن ارتدت ملابسه لكي تموت أنت خوفا حين تراه يلاحقك وكأنه لم يمت. وقد جئت كالريح لأكشف لك الأمر وأنقذ حياتك قبل فوات الأوان. تنفس القاتل الصعداء، وخف اضطرابه وارتجافه وقد أصبحت عبلة على مقربة منه، فوجئت أنه لم يهرب ولم يرتعش خوفا منها، كما فوجئت من عدم بدء العراك بينه وبين شيبوب، ثم أدركت أن المشهد لا ينبئ بمعركة قادمة ولا باشتباك وشيك بين شيبوب والقاتل. لكنها لم تتراجع بل رفعت سيفها إلى الأعلى وانقضت على القاتل تنوي طعنه بكل قوة وغضب، وضحك القاتل ساخرا وقد تفادى الطعنة ثم قال: عنترة لا يكر ضعيفا هكذا.. وسيف عنترة لا يتمايل مرتعشا بين يديه كما يرتعش بين يديك يا عبلة، فلا ملابس عنترة ولا سيفه ولا حصانه يجعل منحك أيتها الحسناء البلهاء صورة عنه، كفي عن المحاولة فقد انكشف أمرك، ترجلي عن فرسه وضعي سيفه جانبا واشكري أخاه "شيبوب" إذ سأعفو عنك إكراما له. جن جنون عبلة، حملقت غير مصدقة بشيبوب، كان يبتسم كالأبله بضعف وخجل حين عاجله القاتل بضربة سيف فصلت رأسه عن جسده. أصيبت عبلة بذهول وهلع، تقدم منها القاتل، ضرب سيفها بسيفه فطار من يدها، أنزلها عن ظهر جوادها، نزع ملابس عنترة عن جسدها وطوح بها بعيدا، ثم حملها بقوة بين يديه وأركبها أمامه فوق ظهر جواده وتابع طريقه دون خوف أو قلق.


عدد القراء: 3336

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

التعليقات 1

  • بواسطة فاضل العباس من العراق
    بتاريخ 2020-08-29 22:48:25

    هي الخيانة والحسد وضعف صلة الرحم

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-