الكارنيكا،1937 هكذا أصبح بيكاسو فنانًا ملتزمًاالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2020-10-01 14:38:12

محمد الحبيب بنشيخ

المغرب

منويلا فرانس  Manuela France

ترجمة: محمد الحبيب بنشيخ

لقد دمرت مدينة كارنيكا الإسبانية تدميرًا شاملاً إبان الحرب، فما كان على المايسترو إلا أن يأخذ ريشته ليفضح الهمجية.

إنها مجزرة حقيقية، ففي 26 أبريل 1937، بكارنيكا، المدينة الصغيرة بمنطقة الباسك الإسبانية، ساعة التسوق، أطلق 50 طنًا من القنابل الألمانية والإيطالية على السكان، مخلفة 1654 قتيلاً والعديد من الجرحى. وابتداءً من 1936، ستصبح اسبانيا فريسة حرب أهلية بين المعسكر الجمهوري ومعسكر فرانكو الوطني، الذي تدعمه ألمانيا وإيطاليا. لقد

أصبحت المدينة خرابًا. وبعد يومين، اكتشف بيكاسو هذه التراجيديا بالصفحة الأولى من جريدة L’Humanité: «أطلقت طائرات هتلر وميسوليني ألف قنبلة حارقة محوّلة مدينة كارنيكا رمادًا». صدم الفنان صدمة عنيفة… وهكذا ستبدأ بالنسبة لأبي التكعيبية عشرية حاسمة سيتناول خلالها معارك زمانه الكبرى.

مرافعة ضد الحرب

ابتداءً من فاتح مايو، سيباشر المعلم الإسباني عمله. لقد أصبح الأمر مستعجلاً لفضح هذه الهمجية. نقّب عن الصور الفوتوغرافية للحادث واغترف من أرشيفه الصور الأكثر عنفًا: مصارعة الثيران، والصلب. كان يصور، وهو على كرسيه، بهوس أشلاء الأجسام المبتورة لنساء يصرخن، وهن خارجات من لهيب النيران، وحصانا مبقورًا، ورأس ثور مخيف. لقد أتمّ في الرابع من يونيو، الكارنيكا الشهيرة، «صرخة ألم»، كما يصفها، مرافعة شرسة، من 8 أمتار على 3,5، ضد الفاشية والحرب. وفي 12 يوليو 1937، قدمت تحفته التذكارية رسميًا أثناء تدشين جناح الجمهورية الإسبانية بالمعرض الدولي للفنون والتقنيات بباريس الذي يقابل جناح ألمانيا النازية. وعن سؤال ضابط ألماني «أأنت رسمت هذا؟»، أجاب بيكاسو، «لا. أنت!» وبعد عام، سيهب لوحته لإيقاظ الضمائر… وجني الأموال للجمهوريين الإسبان. لقد سافرت اللوحة الى العالم بأسره قبل أن تجد ملاذها بمتحف الفن المعاصر بنيويورك حيث يجب أن تبقى ما دام أن اسبانيا غير ديمقراطية، وذلك حسب رغبة الفنان.

وإذا كانت الكارنيكا هي الأولى والأكثر شهرة في أعمال بيكاسو الملتزمة، فمن المستبعد أن تكون الأخيرة. وبرفضه فن الدعاية، استطاع المايسترو أن يخترع فنًّا للمقاومة، فنا رمزيًا، عنيفًا، محمومًا، وَذَا مستوى عالمي. وكما يؤكد ذلك، «إن فن الرسم لم يوجد لتزيين الشقق، إنه أداة حرب، هجومية ودفاعية ضد العدو». وعن قنبلة ليريدا Lerida بكاطالونيا، أجاب بلوحة المرأة التي تبكي ولوحة المبتهلة 1937؛ وعن معسكرات الإبادة النازية بركام الجثث Le chamier 1945؛ وعن حرب كوريا بمذبحة كوريا Massacre en Corée  1951.

إن النضال ضد الفرانكوية هو الذي كان يحرك بيكاسو، المهووس بصور بلده المعذب.

ولتمويل معركة المحاربين رسم مجموعة وهْم فرانكو وكذبهSonge et Mensonge de Franco التي طبعها على شكل بطائق بريدية، وكما يقول، «لنضرب بقوة أكثر من المثقفين الثرثارين». لم يبخل الفنان أبدًا عن مساعدة الميليشيات الجمهورية، ونهاية 1938، واستجابة لدعوة جريدة صوت مدريد La voz de Madrid، أرسل 1,5 مليون فرنك لدعم

أسر المحاربين. وفي فبراير 1939، ساعة الانسحاب La retrada  - هجرة 500000  مهاجر إسباني نحو فرنسا بعد انتصار فرانكو-، كثف الفنان جهده وضاعف هبات لوحاته لجمعيات دعم المعتقلين الإسبان بمعسكرات بربينيون Perpignan ، أرجليس Argelès، وسان سيبريان Saint -cyprien  . بل كان في بعض الأحيان ضامنًا لإخراج البعض منهم.

مراقبة الكيستابو La Gestapo الشديدة لبيكاسو

إن بيكاسو يعرف المنفى جيّدًا. وبمجرد وصوله إلى فرنسا العام 1901، في سن العشرين سجلته الشرطة لأنه كان يتردد في شبابه على البوهيمية الفوضوية لبرشلونة. وفي العام 1940، رُفض طلبه للتجنّس. كان عليه أن يحتاط احتياطًا كبيرًا وهو بفرنسا المحتلة. لقدكان مستهدفًا باستمرار من قبل صحافة بيتان Petain، ومراقبًا عن قرب من الكستابو، ومبلغًا عنه لتعاطفه مع الشيوعيين. كما كان يستقبل دائمًا بورشته الباريسية شخصيات ضد الفاشية وجمهوريين إسبان. وفي يناير 1943 زارته الكستابو. يقول بيكاسو: «لقد شتموني، وعاملوني كشيوعي منحط، ويهودي. كما ركلوا لوحاتي». ولكن المايسترو الإسباني ليس من طينة المستسلمين، رفض دائمًا الفرار ولم يجعل موهبته أبدا في خدمة المحتل.

النجم المنتسب إلى الحزب الشيوعي الفرنسي

اجتاز بيكاسو مع نهاية الحرب، مرحلة جديدة. إنها الفرحة بإدارة تحرير جريدة L’Humanité يوم 5 أكتوبر 1944. لقد أصبح الرسام منتسبًا إلى الحزب الشيوعي الفرنسي، وخصصت اليومية صفحتها الأولى لهذا الانتساب الجديد. وهكذا أصبح بيكاسو في سن 63، الشيوعي الأكثر شهرة في العالم. إن التزامه داخل الحزب الشيوعي الفرنسي وفي حركة السلام Mouvement de la paix  - أسسها المقاومون العام 1948 لمنع  أي عودة إلى الفاشية والديكتاتورية – جعلا منه شخصية كبيرة في الحياة السياسية والثقافية لما بعد الحرب. «إن انخراطي نتيجة منطقية لحياتي كلها، لعملي كله». لقد أثبت هذا فعلاً!

كان بيكاسو يحضر إلى كل مؤتمرات الحزب الشيوعي الفرنسي، ويقدم توصيات إلى الحزب، ويترأس اللجنة المديرية للجبهة الوطنية للفنون التي كانت تفحص حالات الفنانين الآخرين المشتبه في تعاونهم. وفي العام 1946 وعرض فن ومقاومة Art et Résidence  بالمتحف الوطني للفن المعاصر الباريسي، وهب لوحته ركام الجثث Le charnier لـ«القناصة والمناصرين الفرنسيين»، منظمة شيوعية تساعد المقاومين الفرنسيين. ولمساندة إضراب المنجميين العام 1948، حمل حقيبة تحتوي على مليون فرنك فرنسي إلى مقر L’Humanité. لقد كان في قلب كل أحداث الحزب الشيوعي خلال سنوات الحرب الباردة. وفي العام 1949 تنازل عن نموذجه المقدس، الحمامة لحركة السلام. لقد أصبح طائر بيكاسو الذي اختاره الشاعر أركون Aragon يزين كل الملصقات على جدران أوروبا للإعلان عن المؤتمر العالمي لمناصري السلام.

رمز السلام العالمي

ولكن البعض، داخل الحزب الشيوعي الفرنسي، انتقد في الكواليس، فن المعلم الذاتي الذي لا يطابق الجمالية الواقعية التي تمتدحها موسكو. وفي 1953 أحدثت الصورة التي أنجزها بيكاسو لجوزيف ستالين بعد موت حاكم الاتحاد السوفياتي، والتي حكم عليها بأنها متواضعة جدًا، أحدثت فضيحة داخل الحزب واعلنت مرحلة نهاية الالتزام. إن بيكاسو حر وسيبقى حرًا. وسيوقع العام 1956 عريضة للاحتجاج على اجتياح الاتحاد السوفياتي لهنغاريا وسيبتعد نهائيًا عن الشيوعيين، وسيعيش بعد ذلك منعزلاً بفالوري Valloris بالألب البحري Alpes Maritimes، ولكن تحفته الكارنيكا لم تقل كلمتها الأخيرة. انها ستتبع مجرى سياسيًا ودوليًا وستصبح ملهما لكل معارك السلام. لقد عادت أخيرًا إلى اسبانيا الديمقراطية العام 1981، ست سنوات بعد موت فرانكو، ولم تخرج أبدًا من مدريد، ومع ذلك، تتصدر نسخة منها قاعة مجلس الأمن الدولي.

بيكاسو في 10 تواريخ

25 أكتوبر 1881

ميلاد بابلو رويز بيكاسو بمالقة بإسبانيا. أبوه رسّام، أستاذ ومحافظ متحف المدينة. أنجز الطفل لوحته الزيتية الأولى El Picador في الثامنة من عمره. إنها بداية موهبته.

1895

وفاة أخته كونشيتا أثرت فيه إلى الأبد. درس بيوتخا Llotja مدرسة الفنون الجميلة ببرشلونة، وتردد مبكرًا على مواخير باريو تشينو Bario Chino، والفنانين الرافضين

والإباحيين بمقهى Els Quatre Gats.

1901

قام برحلات مكوكية بين باريس وبرشلونة واستقر بشارع كليشي Clichy عند صديقه الرسام كازا جيماس  Casagemas. تبنى اسم أسرة أمه بيكاسو.

1904

استقر بباريس نهائيًا بمونمارتر Montmartre حيث عاش مع فيرناند أولفيي Fernand Olivier، النموذج. التقى أبولينير Appolinaire، ماتيسMatisse، وبراك Braque وهواة المجموعات جارترود Gertrude وليو ستين Léo Stein. إنها بداية مرحلته الوردية.

1907

رسم لوحة آنسات أفنيون Les Demoiselles D’Avignon مدشنا بذلك ثورة في عالم الرسم، تجمع بين تأثيرات عديدة، من الفن البدائي الإبيري الى الأقنعة الافريقية، مرورًا بتحف تاريخ الفن.

1908

يكتشف التكعيبية مع صديقه جورج براك. لقد قضى تيار التكعيبية على المنظور التقليدي ووقَّع على ميلاد الحداثة ثم ترك المكان لتفكيك الأشكال.

1918

تزوج بأولكا خوخولوفا، راقصة البالي الروسية، وولادة ابنهما باولو ثلاث سنوات بعد ذلك.

1936

لقاء الفنانة دورا مارDora Maar، التي أصبحت ملهمته وعشيقته. سنة بعد ذلك، ستصور كل مرحلة من مراحل ابداع الكارنيكا.

1948

الاستقرار بفالوريوس Vallauris) Les Alpes Maritimes) مع رفيقته الجديدة فرانسواز جيلو وابنهما كلود. وفي السنة الموالية، كان ميلاد بالوما Paloma.

بعد الرسم والنحت واللصق وفن الحفر، سينطلق بيكاسو نحو نشاط جديد، إنه فن السيراميك.

18 أبريل 1973

وفاة بيكاسو في 91 من عمره بسبب انسداد رئوي في منزله بموجان Mougins)Alpes Maritimes) حيث كان يقيم مع جاكلين روك، زوجته الأخيرة. لم يترك أية وصية.

سيدوم جرد أعماله ثلاث سنوات وسيحصي 120.000 قطعة مختلفة الأنواع.

 

المصدر:

مجلة  Ça m’interesse Histoire  عدد يوليو- أغسطس 2018.


عدد القراء: 4206

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-