قصيدة النثر والموقف من الذات والشعر والعالم مجموعة «أهب النهر مصباحي» أنموذجًا الباب: مقالات الكتاب
أ. د. أحمد زياد مُحَبِّـك أستاذ الأدب العربي الحديث في جامعة حلب |
هل تستطيع قصيدة النثر أن تقدم رؤية جديدة للعالم؟ هل تستطيع أن تؤكد حضور الذات حضورًا جديدًا يختلف عن حضورها الغنائي في أغلب الشعر العربي؟ هل تستطيع قصيدة النثر أن تقدِّم فهمًا جديدا للشعر في طبيعته وفي وظيفته؟ وبالأحرى هل تستطيع قصيدة النثر أن تملك مسوِّغات وجودها أمام التحديات الكبيرة التي تواجهها حتى الآن مِن كثير مِن المثقفين؟ على الرغم من أن قصيدة النثر قد استطاعت أن تشغل مساحة كبيرة في النتاج الشعري الجديد، وعلى الرغم من أنها قد حظيت بدراسات نقدية ليست بالقليلة.
ستحاول هذه القراءة النقدية أن تجيب عن بعض تلك الأسئلة، وأن تكشف عن موقف قصيدة النثر من الذات والشعر والعالم، وتم اختيار مجموعة شعرية عنوانها "أهب النهر مصباحي"1 أنموذجًا، للشاعرة رولا عبدالحميد، والمجموعة صادرة عن اتحاد الكتاب العرب عام 2022، وتقع في 160 صفحة، وتضم اثنتين وخمسين قصيدة من قصائد النثر، وهي المجموعة الشعرية الحادية عشرة التي تصدر للشاعرة خلال خمسة عشر عامًا، مما يدلّ على شاعرة نذرت حياتها للشعر، وهو ما يجعل تجربتها الشعرية جديرة بالدراسة.
وبعد، فما رؤية الشاعرة إلى العالم؟ ما موقفها من الآخر؟ كيف تحس بذاتها؟ وكيف تفهم الشعر؟ هذه هي أبرز الموضوعات التي ستحاول هذه القراءة النقدية استبصارها في هذه المجموعة الشعرية، وهذه الموضوعات لا تعالجها الشاعرة، ولا تقصد إليها، إنما القراءة النقدية هي التي تتقصَّدها، وتحاول استكشافها من خلال بعض النصوص الشعرية، ولا بدَّ من الإشارة إلى أن هذه النصوص الشعرية تمثل تجربة شعرية بعيدة البعد كلَّه عن المباشرة والتقرير، وهي أبعد ما تكون أيضًا عن تقديم أفكار، أو تصريح بمواقف، هي تعبير عن تجربة شعرية تملك خصوصيتها وفرادتها.
*
في القصيدة الأولى من قصائد المجموعة، وعنوانها "في صناديقنا براعم خضر"، تثق الشاعرة بالكلمة، وتؤمن بأنها هي صانعة الحب والحياة، وأنها هي الخلاص من الموت والحرب والنار والحديد، لأنها تخبئ في صناديقها براعمَ خضرًا، فهي تستوحي من القمر كلماتها لا من الأرض والتراب والمال، ولا من الجسد أو الحرب:
حصان أشهب
يطل من القمر كل مساء
أَهَبُهُ حرفًا
يهبني لغة لؤلؤية الأردان
وبهذه اللغة تتطلع الشاعرة إلى مجتمع ترتجي الوصول إليه، فتقول:
يا أشجار القلب هناك
اعتلى صهوته
وجوبي الحقول
ففي الروابي البعيدة
كتابان لي
وثُلَّة أتراب
أودعتُ لديهم سراجي
أودعتُ لديهم دربًا للزيزفون.
فهي تتطلَّع إلى مجتمع فيه كتابان، وهما رمز الحضارة والمعرفة، وهو مجتمع يزرع الزيزفون، وليس مجتمعَ آلاتٍ ومصانع، وقد أودعتْ في ناس هذا المجتمع سراج النور والحب، وهذا هو مجتمع السلم والأمان والخير والحضارة، وهو بعيد كل البعد عن مجتمع الحديد والنار والمال والحرب، حيث تتشوه الوجوه ويعلوها القتام والظلال:
لا أسمع صليل مواكب الحديد
لا أرى وجوها شابتها ظلال.
هي تبني عالمًا يوحِّد الجهات، ويُلغي المسافات، تصنع عالمًا من الجمال قوامه الكلمة لصنع المحبة والسلام:
نحن هنا
في الفُلْكِ القصِيِّ
نرتق الجهاتِ الأربع
بمُخمل مِن كلمات
في صناديقنا أصوات النايات
وبراعم خضر
وماء زلال.
وتتميز صناديق الشاعرة بما فيها من أصوات النايات، وبراعم خضر، وماء زلال، أي في صناديقها الهواء والتراب والماء، وليس فيها النار، وليس فيها الحديد، وليس فيها المال، وإذن، وهي مع أترابها من الطيبين في فُلْكٍ مِنْ مثل فلك نوح، وهو فُلك بعيد عن الناس المشوهين، وكأنهم قد نجَوْا من الطوفان، طوفان الفساد، والماء من حولهم زلال.
والشاعرة تمضي في هذا الموكب من الجمال والخيال في طريقها لا تبالي بمشقَّات الطريق ولا بالحصى، لأنها متجهة إلى الأمهات اللواتي يلدن المستقبل ويصنعن الحياة:
سنمضي لن نلقي بالًا لحصى الطريق
ففي ناصيته
أمهاتُنا الحِسان
يبتهلن وفي أجيادهن العقيق يغنّي
وفي أيديهن أقلام
وفي سلالنا الأوراق.
والتزيُّن بقلادة من عقيق رمز الارتباط بالأرض، ورمز التراث الذي لا يموت، ورمز البراءة والعفوية، وكانت المرأة في الريف تزيِّن جيدها بحبات من العقيق، وهو حجارة شبه كريمة من حجارة الأرض، زهيدة الثمن، تورثها الأمهات للبنات والحفيدات، وما هن بالأمهات الأميات، إنما هن أمهات مثقفات بأيديهن أقلام وبأيدي الأحفاد أوراق، ولا شك في أنهن يُملين على الأحفاد الحكمة والمعرفة، ويكون بين الأجيال تواصل.
وهي تثق بالخلاص وتحقيق المجد للأرض والإنسان، فهي تكاد تسمع هديل الأمهات، وتكاد تسمع الخلاخيل، فالأرض ترقص طربًا:
أسمع هديلهن وأطرب
أسمع رنين خلاخيل الأرض.
وكيف لا تثق، وهي التي انطلقت في بدء القصيدة من الكلمة التي وهبها إياها الحصان الأشهب، وهي في الختام تسير مع ذلك الحصان، وهي في مسيرة العزة والثقة والتفاؤل بالوصول إلى مجتمع الخير والحب والعطاء، مجتمع تبنيه أمهات، ويسير إليه الأجيال، بِهَدْيٍ مِن كلمة جميلة، مستوحاة من القمر، رمز النور والمحبة والخير، رمز الشرق، وهكذا يكون الختام الذي يوحِّد القصيدة:
سنسير ومعنا الحصان الأشهب
وتشرع أمهاتنا الباب
ويصهل الحصان.
هذه هي قصيدة الافتتاح، وهي بصوت الشاعرة، ولكنها تنطلق من صوتها المفرد إلى صوت المجتمع، مجتمع النور والسلم والحب، وعنه تعبِّر، وإليه تنتمي، متمسكة بالأمهات، اللواتي هن رمز التراث ورمز الأرض ورمز الخصب والخير والعطاء، وواثقة بما تملك من مخمل الكلمات، وبما في الصندوق من براعم خضر، وصوت نايات، وماء زلال، هو صندوق واعد بالخصب والخير والعطاء، واعد بما سوف يتفتح وينمو ويثمر.
الشعر هنا أمانة ومسؤولية، وليس مجرَّد كلمات ملونة مستوحاة من القمر، وليس لعبًا ولا تسلية، الشعر نور يضيء الدرب، يحقق ذات الإنسان، ويتطلع إلى مسيرة للبناء، وصنع مستقبل للوطن، هذه أمانة الكلمة وهذه هي مسؤوليتها، وجميل جدًّا أن تكون هذه القصيدة هي قصيدة الافتتاح مما يدلَّ على وعي الشاعرة لما تكتب، وإدراكها لحقيقة الشعر، ولكن بلغة فنية عالية الأداء، مجنَّحة بأضواء القمر، لا للهرب من الواقع، ولكن للحلم بواقع أجمل.
يقول الشاعر هولدرلن في رسالة إلى صديقه2: "والشعر يتبدى للناس لعبًا، ولكنه ليس كذلك، إن اللعب يقرّب ما بين الناس، ولكن على نحو يجعل كلَّ واحد ينسى نفسه فيه، أما في الشعر، فالإنسان يركز ذاته على وجوده الإنساني، ويصل هنالك إلى الطمأنينة، لا إلى تلك الطمأنينة الوهمية المتولدة من البطالة، وفراغ الفكر، بل إلى تلك الطمأنينة الضافية التي يصحبها نشاط في جميع القوى والعلاقات".
وإذا كانت تلك المرأة التي اسمها باندورا3 في الأساطير الإغريقية قد حملتْ صندوقًا فيه شرور البشرية من حقد وبغض وحسد وكراهية وأذى، فإن أتراب الشاعرة يحمِلْن صناديقَ فيها براعمُ خضر، تورق حبًّا وخيرًا وعطاء، وفيها ماء زلال، وأصوات نايات، هذا هو المجتمع الذي تحلم به الشاعرة، وتتطلع إلى الوصول إليه.
والخلاخيل وعقود العقيق والجدات والأوراق والجدات هي عناصر متماسكة متلاحمة تشكل في مجموعها بنية ترمز إلى الانتماء إلى الأرض والتراث والإنسان، وهي أشبه ما تكون بالمعادل الموضوعي، "The Objective Correlative" الذي قال عنه إليوت4: "إن السبيل الوحيد للتعبير عن الوجدان في الفن هو إيجاد معادل موضوعي، أو بعبارة أخرى: إيجاد مجموعة أشياء، أو موقف، أو سلسلة من الأحداث لتصبح قاعدة لهذا الوجدان، بنوع خاص، حتى إذا ما اكتملت الحقائق الخارجية التي لا بد وأن تنتهي إلى خبرة حسية، تحقق الوجدان المراد إثارته".
والصندوق هو خزانة الإنسان، ومَكْمَن أسراره، هو نفس الإنسان وقلبه، وكانت العروس تهتمّ أكثر ما تهتم قديمًا بصندوقها والمرآة، ولم يكن ثمة خزائن من الخشب الفاخر، أو ما يسمى "الموبيليا"، ولكن مع ذلك كانت تلك الصناديق تزخرف بالرسوم، وبعضها يكون من خشب الساج ومطعَّمًا بالعاج، وللمرأة في داخل الصندوق صندوقٌ آخر أصغر منه، تضع فيه حُلِيَّها وأساورَها وعقودَها، وكل ما لها من أمور خاصة، فالصندوق هو مكمن الأسرار وموضع الخصوصيات، وإذا كان ما تحتويه الصناديق هي براعم خضراء، فمما لا شك فيه أنها تتفتح عن كل ما هو جميل وستثمر الخير.
والصناديق مضافة إلى ضمير الجماعة، وما يوحي به هذا الضمير هو عودتُه على ناس طيبين، ولا سيما من أبناء الأرض، أي الريف النقي، بدليل أن القصيدة تشير في النهاية إلى أن هؤلاء يمضون في طريقهم غير مبالين بالعقبات، وهم يؤمنون بأن أمهاتهم في نهاية الطريق، ينتظرْن، وهن متزيِّنات بعقود من عقيق، وهي العقود المعروفة عند نساء الريف في العصور الخالية، مما يدل على عراقتهن وأصالتهن، والبراعم الخضر رمز للتفتح في المستقبل والإزهار والإثمار والعطاء.
وهكذا تعبر الشاعرة في مفتتح المجموعة عن ثقتها بالكلمة، وإيمانها بقدرة الكلمة على بناء مجتمع الخير والمحبة.
*
وقصيدة "أهب النهر مصباحي" (ص 150 – 151) هي القصيدة قبل الأخيرة في المجموعة بقصيدتين، وهي تلتقي في رؤيتها مع القصيدة الأولى في مفتتح المجموعة، وبذلك يلتقي تقريبًا منتهى المجموعة بمبتدئها، لتدلّا مًعا على أن الشعر هو الخلاص الفردي والجماعي من بؤس العالم وقسوة الحياة، هو الخلاص الجميل من القبح الطاغي والمسيطر، ولكن هذا التلاقي لا يقوم على التشابه أو التكرار، إنما يقوم على اللقاء والتكامل، واحتفاظ كل قصيدة بخصوصيتها.
وفي القصيدة تصور الشاعرة ذاتها، وقد نهضتْ مع الفجر، لتسير بموازاة النهر مخلِّفةً وراءها الأرض اليباب، وتهب النهر مصباحها:
في الفجر
والناس نيام
والعصافير ما زالت في الوكنات
أسير على ضفة النهر
وبيدي مصباحي
أسير وجديلتان تغنِّيان للضوء
أهب النهر مصباحي.
وهي تنشر حيث تسير الورد والجمال مخلفة وراءها التصحر واليباس:
أسير وعلى موطئ أقدامي تتفتح زهرات
وأنسى أنِّي تركت خلفي
أوراقًا صفراء
وأغصانًا يابسة.
فالشاعرة تهجر الواقع البائس، وتخلفه وراء ظهرها، وتسير مع النهر، مع الخصب والخير والعطاء، وتصنع الجمال، ناسية اليباس والجدب، لأنها تحمل في داخلها النور:
أسير وألتحف العتمة
وفي شرياني يتنفس النور
خلف عباءتي اللؤلؤية
واريتُه
لن يراه أحد
لن يسلبَه أحد.
وهي تخبئ ضوءها، أي ذاتها، تصونها وتحميها، ثم تمنح هذا الضوء إلى النهر، وتحسُّ به يملأ العالم نورًا وجمالًا، وتحسّ بتحقيق الذات، فتُزْهَى بشعرها، وترى الكون كلَّه يردَّد أصداء شعرِها، فتسمع قيثارةً خلف المدى البعيد، تتغنّى بكلماتها، فتفخر قائلة:
أسير على الضفة
والمصباحُ يضيء اليمّ
وقيثارةٌ خلفَ المدى البعيد
تعزف كلماتي.
وتأخذها النشوة، ويمتلكها الطرب، فتريد مِنْ كاهنات المعبد أن يشاركنها لذَّتَها:
يا كاهنات المعبد
ألا تسمعن العزف
شراييني هناك
تراقص الضوء وتعزف.
وهكذا تنتصر ذات الشاعرة، على اليباس والجدب، وتحقق ذاتها، إذ تمنح ضوءَها إلى النهر، مؤكِّدة صفاء هذه الذات ونقاءها وطهرها إذ تشبهها بالمصباح.
وهي تطلب من كاهنات المعبد أن يُصغين إلى العزف على أنغام شعرها في المدى البعيد، حيث شرايينُها تراقص النغم والنور، وهي تريد أن يشاركنها فرحتها وأن يرقصن طربًا، وتعبر عن نزوع إنساني، فمن طبيعة الإنسان أنه يريد من الآخرين دائمًا مشاركته مشاعره وانفعالاته، حزنًا أو فرحًا، ولذلك استُعْمِلَتْ كلمة المأتم قديمًا لتدل على مجلس العزاء أو مجلس الفرح، خصصت في الاستعمال بمجلس العزاء.
واستنجاد الشاعرة بكاهنات المعبد كي يشاركنها فرحتَها بل نشوتَها في انتصار شعرها دليلٌ على أنها تحس بأنها حققت ذاتها بالشعر وبَنَتْ لنفسها معبدَها الخاص، فإذا كانت الكاهنات قد نذَرْنَ أنفسهنَّ للمعبد فهي قد نذرت نفسها للشعر، وأصبح الشعر لها معبدًا تحمي فيه نفسها وتصونها، مثلما يصون المعبد الكاهنات ويحميهن، ومثلما تحقق الكاهنات ذواتهن في المعبد، فكذلك تحقق الشاعرة ذاتها في معبد شعرها، فكاهنات المعبد ناسكات متعبدات في معبدهن، وهن منقطعات إلى الصلاة والطهر، وكذلك الشاعرة في معبد شعرها ناسكة متعبدة، في عالم الشعر، بما فيه من ضياء وطهر ونقاء.
وفي هذه القصيدة تهب الشاعرة ذاتها للنهر، أي تهب وجودها وكيانها وشعرها للصفاء والنقاء والطهر، تهب ذاتها للخلود والحياة النقية، تهب شعرَها للوجود المتجدِّد، وهي ذاتٌ مضيئة كالنور في الصفاء والنقاء والسمو.
وفي الحضارة البابلية وفي عهد حمورابي، واسمه يَعْني المتعالي، توفي 1750 ق.م، نصت شريعته على إلقاء الرجل المتَّهم في نهر الفرات، فإن غرق ثبتَتْ عليه التهمة، وصارت أموالُه إلى مَنْ اتهمه، وإذا خرج من النهر فهذا يعني بطلان التهمة، ويقتل الرجل الذي اتهمه، وتصير أمواله للمتهم البريء5، ولم يكن النهر مجرد نهر، بل كان ربًّا، يهب الموت ويهب الحياة، وكل الناس على ضفافه يجيدون السباحة منذ نعومة أظفارهم، ولكنهم في حضرة الرب قد يغرقون خوفًا من الإثم، وقد ينجُون لا بمهارة السباحة، بل لأنهم أطهار غير آثمين، وكذلك يُفْعَلُ بالمرأة المتَّهمة بالزنا.
وها هي ذي الشاعرة لا تُلقي بنفسها بالنهر، لأنها غير متَّهمة، بل هي بريئة طهور، بل إنها لترسل مصباحها إلى النهر، فيرقص الكون كله طربًا، وتتلألأ الحياة وتتألق.
وفي الألف الثالثة قبل الميلاد في الحضارة السومرية في بلاد الرافدين كانت ثمة معابد للكاهنات، وكانت الكاهنات يتقنَّ الكتابة ويُجِدْنَ الحساب ويبْرَعْنَ في العزف على الآلات الموسيقية، وكُنَّ مِن مختلف الطبقات، بعضُهن ينذرُهُنَّ آباؤهن للمعبد6، وبعضهن ينذرن أنفسهن، وبعضهن الآخر كنَّ مِنْ أبناء الملوك، ويذكر التاريخ الأميرة انخيدوانا Enheduanna ابنة الملك سرجون، وكانت شاعرة7.
وفي العهد البابلي حرم على الكاهنات الزواج، وفرض عليهن المجتمع أن يعشن حياة العفة، وإذا خرجت راهبة المعبد إلى الخمارة فإنها تحرق8، وكان المعبد في العهد البابلي يحوي مدرسة وأجنحة للسكن ومقبرة، ويدار بإشراف كبار موظفي المعبد.
ويمتلك عنوان القصيدة "أهب النهر مصباحي" إيحاءات واسعة الطيف، فالمصباح رمز الذات، وهو نور صاف متحوِّل عن نار، أي هو راقٍ ونقي، وليس نارًا، وفي هذا إشارة إلى موسى عليه السلام، إذ رأى نارًا، لأنه بشر، فلما أتاها، ناداه مولاه أن اخلع نعليك، لأنه في واد مقدس، وإذا النار هي في حقيقتها نور، وقد ضرب الله لنفسه مثلًا، وهو أعظم من المثل، بالنور، وجعل هذا النور في مصباح، ليؤكد معنى الصفاء والنقاء.
وفِعْلُ "أَهَبُ" يدلُّ على المَنْح، فالهبة عطاء مِن قَوِيٍّ عظيم يمنح، ويقدِر على المنح بسخاء وكرم، ويُعطي مبادرةً من غير ما سبب، فليست الهبة كالأجر، وليست كالثواب، وليست كالجزاء، هي عطاء حر، من غير سبب، ومن غير مقابل، فهي أجمل أشكال العطاء وأرقاها.
العطاء ليس حرمانًا، ولا تضحية، ولا ضعفًا، ولا نقصًا في القوة، بل هو دليل قوة وعاطفة وقدرة، بل هو دليل فيض في الحيوية والنشاط، ويرى إريك فروم أن الحب في حقيقته هو العطاء، وليس الأخذ ولا التلقي، ثم يتكلم على العطاء مطوَّلًا، ومن بعض ما يقوله9: "الحب نشاط، إن الحب هو العطاء أساسًا، وليس التلقي...إنني في الفعل ذاته للعطاء، أعيش قوتي ثروتي قدرتي، وهذه المعايشة للحيوية القصوى والإمكانية القصوى تملؤني بالفرح، إنني أعيش نفسي كشخص يفيض وينفق ويحيا، ثم أعيش نفسي كشخص فرح، العطاء أكثر ابتعاثًا للفرح من التلقي، لا لأنه حرمان، ولكن لأن في فعل العطاء يكمن التعبير عن اتّقادي بالحياة".
والنهر هو الحياة الأبدية المستمرة إلى غير ما نهاية، في دورة مِنَ التجدُّد، مِنَ الأزل إلى الأبد، فالنهر يصب في البحر، ومن ماء البحر يتشكل السحاب، ويهطل السحاب مطرًا، ليعود إلى النهر في روافد، وهكذا فالنهر هو الحياة المستمرة، مقابل الموت والفناء.
والنهر ماء، والماء طُهر وقداسة وصفاء، ولا يكون التطهر إلا بالماء، والقدس لفظ يدل على الماء نفسه، والماء طهور بذاته، يقول المولى عز وجل: (َهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا) (سورة الفرقان الآية: 48) وهو منزَّل من السماء، أي مِنَ العُلُوِّ، وهو منزَّلٌ بأمر من رب السموات والأرضين، فهو طُهْر وطَهور، وبه يكون التطهُّر.
والماء رمز الحياة، وبالماء تحيا الكائنات، ومن الماء خُلِقَتْ، يقول عز وجل: (أَوَلَمۡ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقٗا فَفَتَقۡنَٰهُمَاۖ وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ كُلَّ شَيۡءٍ حَيٍّۚ أَفَلَا يُؤۡمِنُونَ) (سورة الأنبياء الآية: 30) وقال تعالى: (وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلۡمَآءِ بَشَرٗا فَجَعَلَهُۥ نَسَبٗا وَصِهۡرٗاۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرٗا) (سورة الفرقان الآية: 54)، والشاعرة وَهَبَتْ ذاتَها وشِعْرَها وروحها للنهر، لكي تصنع الحياة، وتجعل الزهورَ تتفتَّح للناس جميعًا على ضفة النهر.
وإذا كان المصريون القدامى يختارون أجمل فتاة عندهم في الربيع، ثم يهبونها للنيل كي يمنح مصر كلها خيراته، ثم أخذوا يمنحون النهر دمية، جميلة، فالشاعرة تمنح شعرها أو مصباحها للنهر كي يمنح الحياة للناس جميعًا، ولكي يجري شِعْرُها مع النهر مع الحياة، إلى عالم الخلود10.
والقصيدة تدل على ثقة الشاعرة بالشعر، وإيمانها بدوره في الحياة، فالشعر الذي هو ذاتها، هو المصباح، الذي يلد النور ويعطيه الأنام، كما يقول سعيد عقل، فالشاعرة تنجو بذاتها من القُبح واليباس والقحط، وتحتمي بالنور الذي في داخلها، ثم تمنحه هبة للنهر، لتصنع الحياة الجميلة، ولتؤكد ذاتها الجميلة.
ويمكن أن نقارن ذات الشاعرة في هذه القصيدة بشخصية أوفيليا في مسرحية هملت لوليم شكسبير، وكانت أوفيليا تحب هاملت، وهي تعيش مع أبيها في قصر الملك عم هاملت، كلُّ الأجواء في القصر قائمة على الفساد، وكان أبوها الوزير بولونيوس يتجسس عليها، وعلى هملت ويترصد خطواتهما، ويريد أن يفسد عليهما هذا الحب، وكان عم هملت قد اغتال بالسم والده، وتزوج أمه، وسلبه الملك، ثم تورط هملت عن غيْرِ قَصْدِ في قتل والدها، ثم اتَّفق عمُّه الملك مع أمه على نفيه إلى إنكلترة، وما كان لأوفيليا الفتاة النقية البريئة أن تعيش في القصر مع ملك غادر يقتل أخاه، ومع ملكة خائنة تقتل زوجها لتتزوج شقيقه، وما كان لها أن تعيش في ذلك القصر، ولا سيما بعد مقتل أبيها، ونفي حبيبها، فأقدمت على ارتداء ثياب الزفاف البيضاء، وانتقت أجمل زهور الربيع، وتزينت ببعضها، وعقدت بعضها أكاليل، ثم توجهت نحو النهر، واعتلت غصن شجرة صفصاف، فروعها مائلة تميس فوق النهر، ولم تلبث أن سقطت في الماء، ليحملها النهر إلى عالم الخلود .
والشاعرة تمنح النهر مصباحها لا ليغرق فيه، بل ليزداد النهر تدفُّقًا، ويزداد المصباح تألُّقًا، باجتماع الماء والنور، وكلاهما قدسيان، وكلاهما رمز الحياة والاستمرار والأبدية، والجامع بينهما ذات الشاعرة المانحة، لا الغارقة.
ومِنَ المُمكن أن يُشار أيضًا إلى ديوجين الحكيم الذي حمل مصباحه في وضح النهار، وأخذ يسير به، فسأله الناس عن حاجته إلى المصباح، وهو يسير به في وضح لنهار، والشاعرة مثله تحمل مصباحها مع الفجر، وتسير به في محاذاة النهر، وكان جواب ديوجين أنه يبحث عن الحقيقة11، والشاعرة ماضية بمصباحها نحو قرية لا حديد فيها ولا أشخاص تعلو وجههم الظلال، بل فيها أمهات طيبات نقيات، يملين على الأحفاد الحضارة.
ولنا أن نذهب إلى القول بأن الشاعرة استعملت النور بدلاً من النار، دلالة على التصعيد لطاقة الحب والسُّمُوِّ بها، مرة أخرى، ولنا أن نقول أيضًا إنها استعملت لفظ النور، وهو مذكَّر، لفظًا، ولم تستعمل لفظ النار، وهو مؤنَّث، لفظًا، لتدل على قوة المنح لديها، والقدرة على أن تهب، ولتدلّ على انتصار القوة لديها، بالشعر، على الضعف الأنثوي، ويؤكد ذلك أنها تهب النهر، والنهر لفظ مذكَّر أيضًا، ولم تقل الساقية، أو البحيرة، ولم تقل الحياة، وهي بذلك تؤكِّد لا شعوريًّا قوتَها، وانتصارها على المجتمع الذكوري، فهي التي تهبه، وهي القادرة على منح الهبات وصُنْعِ الجمال والحياة شعريًّا.
فالشاعرة تواجه العالم، أو الواقع، بما فيه من قبح وفساد وقهر ويباس، وتريد الاحتفاظ لنفسها بالبراءة والنقاء والطهر، لذلك تتمسك بالشعر، تجد فيه ذاتها، والشعر قوامه الكلمة، ولا تنغمس في التعبير عن شهوات الجسد ورغباته، ولا تسقط في النوح والبكاء والتشاؤم والندب، بل تسمو، وتحلم بالمجد الشعري، يقول يونغ12: "إن شيئًا فينا يريد أن يظلَّ طفلًا، هذا الشيء يريد أن ينبذ كلًّ ما هو غريب، أو على الأقل إخضاعه لإرادتنا، هذا الشيء يريد منا أن نفعل شيئًا، أو ننغمس في شهوتنا إلى اللذة أو السلطة"، وقد أرادت الشاعرة أن تختار، فاختارت الشعر سبيلًا إلى الخلاص، وهذا ما سيتضح في القصيدة التالية.
وتدل القصيدة على وعي الشاعرة لذاتها، ولدور الشعر، وقد تجلى هذا الوعي بأسلوب فني غير مباشر، بعيد عن التصريح، وبعيد عن الغموض.
ولنا أن نتحدث بعد ذلك كله حديثًا تقليديًّا عن أسلوب السرد، في القصيدة الثانية، وعن الصور المبتكرة في القصيدتين، وعن الخيال المجنّح، وعن النزوع نحو الطبيعة، ومناخ الريف الجميل، والنزعة الغنائية، وهذا كله ممّا لا يصعب الحديث عنه، ومما يتكرَّر القول فيه عند كل نص، وهو مما يسهل على المتلقي إدراكه والإحساس به وتذوقه، ولذلك نستغني عن الحديث عنه، ونتركه للقارئ يتلقاه بنفسه ويستمتع به.
*
ويتأكد حضور هذا الوعي فنيًّا في قصيدة عنوانها: "جلجاميش"، وهي من أكثر قصائد المجموعة نضجًا وتطورًا، وهي ذات خصوصية، لأنها تشفّ عن علاقة الذات مع الآخر وموقفها منه، ولا سيما ذات الشاعرة المرأة، في موقفها من الآخر، الذي هو الرجل، لذلك هي جديرة بالتوقف عندها.
وتتألف القصيدة من ثلاث وحدات شعرية، يتكرَّر فيها العنوان جلجاميش مع الترقيم ب 1 و2 و3، وفي قصيدة جلجاميش 1 (ص 13 – 16) توظف الشاعرة كلًّا من قصة جلجاميش وقصة بلقيس وبعض المأثورات الشعبية، لتؤكِّد أن الحبّ هو الخلاص، وكان جلجاميش قد غامر وارتحل وصارع ربَّ الشرّ، وخاض بحارًا وبحارًا، حتى عثر على زهرة الخلود، ولكن مسعاه خاب في النهاية، فقد التهمت الأفعى زهرة الخلود التي شَقِيَ في الحصول عليها، وها هي ذي الشاعرة تؤكد أن الخلاص والحياة والخلود لا يكون إلا في الحب، فالمرأة هي الخلاص، وجلجاميش لم يعرف الحب.
ولذلك تناديه الشاعرة مؤكدة انتظارَها حضوره، لتعلَّمه الأسماء، وكأنه آدم يولد ثانيةً، فهي المُنْقذ من الأفعى، وهي الخلاص:
طالت رحلتُك يا جلجاميش
وخلْفَ البحر نار
والأفعى تترقَّب ما في يديك من أزهار
ألقِها في اليمّ
وأقْبِلْ، عند بابي ستتفتَّحُ ألف زهرة
وستنبثق الينابيع العِذَاب.
وهي تَعِدُ الرجل بالمعرفة والحب والعطاء، وتَعِدُه بأن تعلِّمَه الحضارة، فهي ستعطيه الشعر والكلمة وتعلمه القراءة:
جلجاميش
هذه رُقُمِي خَطَطْتُ عليها شِعري
اقرأ، لا تقُلْ ما أنا بقارئ للأشعار
فقط انظُرْ إليها
وسينطِقُ الرقيم
وسينمو للقمر جناحان.
وهي تؤكد له أنها هي له الدواء والشفاء والراحة:
أقْبِلْ فأنا هنا منتظرة
تحت ظل الصنوبرة الشماء
أحوكُ لك دثارًا مِنْ أمنيات بيضاء
سأنادي عصافيري لتعطِّرَكَ من عطور بساتيني
وأنادي يمامتي كي تحطَّ على كتفيك
وترشف ما عليهما مِن حبات الأوجاع
وأضمِّد جراحك الدامية
وأداويها بعُشبة نَمَتْ على قلبي وأنتَ هناك.
وإذن، فالعشبة الحقّ ليست في قاع المحيطات، إنما هي العشبة التي نمتْ على قلب المرأة، وهي تؤكد له أنها بالحبِّ صانعة المعجزات:
جلجاميش، أَعْلَمُ أن الطريق كان شاقًّا
لكن هنا في قصري
الشمس والقمر يجتمعان
أقْبِلْ، فضفيرتي غدتْ شلال ضوء
وكلمتي تعشق أن تغدو نجمة على جبينك الوضّاء.
والشاعرة تؤكد في نهاية القصيدة تفاؤلها وثقتها بحضوره:
وأنا أتوقع حضورك هذا المساء.
فهل يدرك الرجل أن الحبّ هو الخلاص، وأن المرأة هي الخلاص؟ وهل يلبي حقيقة هذا النداء؟
من أسف أن الرجال يذهبون إلى الحرب لا إلى الحب.
والقصيدة هنا ليست تعبيرًا عن حرمان امرأة، ولا تصويرًا لأشواقها، وليست القصيدة تفجيرًا لرغبات مكبوتة، ولا تصريحًا عن حاجات جسدية، بخلاف ما قد يتوقَّع القارئ، هي نداء للرجل، ولكنه ليس نداء أنثى لذكر، هو نداء المرأة للرجل الحقّ، هو نداء الإنسان للإنسان، هو نداء يحمل عبق الأسطورة والدين والتاريخ منذ ألف عام أو يزيد، لذلك لم يكن اختيار جلجاميش ليكون الخطاب موجَّهًا إليه مجرَّد تقنية فنية، أو استحضارًا لأسطورة، إنما اختيار جلجاميش هو استحضار لمشكلة المرأة والرجل، لمشكلة الإنسان، واستحضار لمشكلة الرجل الذي لا يعرف حقيقة المرأة، فقد كان جلجاميش يقود الشباب إلى الحروب، ولا يترك عذراء لحبيبها، ولا ابنة البطل، ولا زوجة المحارب13، ولم يحبّ امرأة، ولم يعرف الحب، وحين عرضت عليه عشتار الزواج مقابل منحه الخلود رفض، وفي عهده كانت المرأة مجرَّد وسيلة للمتعة، أو لترويض الرجل ابن الطبيعة، وإدخاله في مجتمع المدينة، على نحو ما اتُّخِذَت البغيُّ وسيلة لترويض أنكيدو، فقد راودته عن نفسه، وأطعمته الخبز، وأسقته الخمرة، ثم أدخلته إلى المدينة، وهو الذي كان يعيش في الطبيعة، ويأنس بالحيوان، وبه أيضًا كانت الحيوانات تأنس14، وهكذا يبدو استحضار جلجاميش استحضارًا تاريخيًّا لمشكلة الرجل الذي لا يعرف الحبّ، ولا يعرف حقيقة المرأة الإنسان، والقصيدة تدعوه إلى أن يعرف المرأة حق المعرفة، وأن يدرك أنها هي زهرة الخلود.
وبذلك تغدو القصيدة تعبيرًا عن رؤية حضارية، وليست تعبيرًا عن أنثى تدعو إليها الذكر، يؤكد ذلك أنها أكّدتْ له أنها ستعلمه القراءة، في رُقُم الشعر، وأنها ستجلو عنه آثار التعب، وأنها ستعطّره بعطر من بساتينها، أي من ذاتها ومن روحها.
والمرأة هنا عزيزة مكرمة، مصونة محمية، هي أميرة تعيش في قصر، بل هي ملكة، شأنها كشأن بلقيس، بل كأنها هي، وعندها جُند، يحرسونها، وما هي بالمرأة المُبْتَذَلة، وما هي التي تذكر مفاتنها أو محاسنها، لتغري جلجاميش بالعودة، وقد تَعِدُه بشيء الملذات، ولكنها تَعِدُه في الوقت نفسه إن جاء أن تعلمه الأسماء، وأن تصنع له وشاحًا من كلمات بيضاء نقية:
وكنتُ، لابد سآمر جندي أن يفتحوا لك الباب
وأعلِّمُك كيف تمشِّط شَعري
وكيف تذوب في دمي كقطعة سكر
كنتُ سأعلمكَ الأسماء
وأطرّز لجيدك وشاحًا
من كلمات بيضاء.
ولكن، هل سيقرأ جلجاميش الرجل الإنسان، هذه القصيدة؟ هل سيلبي النداء، ويبحث عن الحب، عن المرأة، التي هي حقيقة زهرة الخلود؟
في القصيدة الثانية، أو الوحدة الثانية، وعنوانها جلجاميش 2، (ص 51 – 52) يبدو جلجاميش قد طال غيابه، وتأخر عن الحضور، وطال سفره والارتحال، فقد شغلته المغامرة، ولم يلبِّ نداء المرأة، تقول القصيدة:
وأنت يا جلجاميش
مكثت طويلاً هناك
وها أنت بعيد
تصارع أفعى مغرورة تحت المياه.
وقد عرفت المرأة حقيقة انشغاله بالأسفار، وعدم مبالاته بما أعدت له من لآلئ، ولذلك لن يقرأ رُقُمَها، ولن يدرك لغتها:
فقد عَرَفْتُ أنَ تحتَ مسامك
رجلًا يعشق التنزُّه على الأشواك
رجلًا لا تهمه لآلئِي التي صنتُها له
رجلًا شغوًفا بالرَّحَلات والنار
عُدْ بسبعين صندوقًا مِنَ الماس
لكن ستظل وحدَك خلفَ الأسوار
تحاول قراءة رُقُمي التي خَطَطْتُها بالأزهار
وستصيرُ الحروفُ طلاسم
ومُحالٌ أنْ تَعِيَ سرَّ الأوراق الخُضْرِ على السُّطُور.
ولذلك تغضب الشاعرة وتثور، ولن تطلب من عصافيرها أن تصون أشرعته، ولن تتوسل إلى الأعاصير كي تهدأ، فكأنها ترجو بشكل غير مباشر تمزيق أشرعته، وثورة الإعصار:
فلتُبْحِرْ في اليمِّ
لن أقول لعصافيري صوني قلوع سفينته
لن أقول للإعصار نَمْ.
وهكذا فالشاعرة تصور انكسار حلمها، وخيبة أملها في نهوض وعي الرجل، وفي عودته إليها، ولكنها مع ذلك لا تستسلم، فهي تعلن ثورتها، ولن تهدأ ثورتها، مما يؤكد وعيها لدورها، وعزمها على الانتصار للمرأة.
وهذه القصيدة قصيرة، وهي تدل على وعي، ومعرفة بحقيقة الرجل، وهي أيضًا تضج بالغضب، ولكن لا يسيطر عليها اليأس، ولا ينال منها، وتدل أيضًا على تصاعد درامي.
*
وفي القصيدة الثالثة، أو الوحدة الثالثة، وعنوانها جلجاميش 3 (ص 81 – 83) تعود الشاعرة إلى مناداة جلجاميش وتؤكِّد له أن رحلته طالت، وأنها في قَصْرِها ما تزال تنتظر، وقد مرَّتْ دهورٌ ودهور:
طالت رحلتُك، يا جلجاميش
وهنا تحت سقف هذا القصر العظيم
مات أنكيدو وسبعون وزيرًا
وسقطتْ شجرة التوت
والعرش المرصَّع باليواقيت
صار بقايا قش مبثوث
وأنا هنا منتظرة.
وهي تظل تناديه، وتطلب منه أن يعود، لا لأجلها، لكن لأجل الناس جميعًا:
فإن عُدْتَ لا تأتِ بعشبة
بل عد بشجرة تحت ظلالها نهدهد حماماتِنا البيض
ونغزِل أوراقها للعراة الجائعين
ونطعم ثمارها للشاحبين.
وهكذا يرقى الحب، ويسمو، من حب فرد، الرجل، إلى حب الناس جميعًا، فهي لم تعد تنتظر جلجاميش لأجلها، بل أصبحت تنتظره لأجل الشعب كله، وترجوه أن يرجع حاملًا شجرة لا عشبة.
وتصور ما نالها من ضيم في بعده، وهي الأميرة في قصْرها، العزيزة، المكرمة، وكأنها بلقيس ملكة سبأ، في قصْرها المُمَرَّد، فتقول:
الحب غاب
وهوت أوراقي
وهذه أغصاني اليابسة
تلوذ بوشاحك اللؤلؤي
طالت رحلتك يا جلجاميش
وهنا تحت سقف القصر العظيم
مات أنكيدو وسبعون وزيرًا
وصدئ خاتمي
ونكَّلوا بعرشي
فصرت لا أعرفه.
وعلى الرغم من هذا البؤس، فإنها تظل تنادي جلجاميش، منتظرة عودته، مؤكدة أن الطريق ما تزال طويلة، وهي لن تسقط ولن تستسلم، وتنتهي القصيدة بقولها:
جلجاميش، عُدْ، فنحن ما زلنا في أول الطريق.
وهكذا ينتصر الأمل، ويعلو صوت المستقبل، فلا يأس مع الحب.
ولئن عاد جلجاميش، فسيكون كآدم، أول البشر، وستعلمه الأسماء، لأنه حقيقة سيكون الرجل الذي يولد من جديد، ليكون الإنسان، لا الذكر.
*
والقصائد الثلاث في حقيقتها قصيدة واحدة، من ثلاثة مقاطع، وهي قصيدة مطوَّلة، ولكنها مكثفة، وليست بالغة الطول، وهي تجمع الدرامية إلى الغنائية، وكان من التقليد أن تنشر في موضع واحد من المجموعة الشعرية، لتشكل قصيدة درامية واحدة، ولكن آثرت الشاعرة توزيعها في ثنايا المجموعة، ولعلها أرادت أن تشير إلى تحولات الحب عبر الزمن، فالمقاطع الثلاثة تمثل ثلاثة أزمنة، زمن الأمل، وزمن الخيبة، وزمن التحدي والأمل الجديد، والشاعرة تضيف إلى الأسطورة البعدين الديني والتاريخي، فهي تجمع بين أسطورة جلجاميش وقصة بلقيس، ملكة سبأ، وما أعظم بلقيس، تلك المرأة القوية، وقد ذكرها المولى عز وجل في محكم التنزيل على لسان الهدهد:
(إِنِّي وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةٗ تَمۡلِكُهُمۡ وَأُوتِيَتۡ مِن كُلِّ شَيۡءٖ وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِيمٞ )(سورة النمل الآية: 23).
وبذلك تُبْنَى القصيدة على ثقافة شرقية، لتؤكد دور المرأة، ولتقول إن الحب ليس مجرد علاقة بين ذكر وأنثى، إنما الحب أكبر من ذلك، هو لقاء الرجل بالمرأة، ليصنعا معًا الإنسان، وأن هذا الحب لا يموت، وإذا كانت عواصف الزمن والبعد قد نالت منه، وغيَّرته، فإنه لا يموت، بل ينمو ويكبر ويتسع، ليكون حبًّا للمجتمع كله، وللناس جميعًا، ويظل ذلك النداء الأبدي من المرأة للرجل أن تعال، ولا ترتحل بعيدًا، لأنهما معًا يستطيعان تحدي الزمن، وبناء المجتمع.
ويؤكد فروم حقيقة اللقاء بين الرجل والمرأة على أنها أساس بناء المجتمع وتماسكه، وليست مجرد لقاء فرد بفرد، وبذلك يكون الحب قيمة اجتماعية، وليس قيمة فردية، وفي ذلك يقول فروم15: "هذه الرغبة للاندماج مع شخص آخر، هي أكبر توقان لدى الإنسان، إنها أشد عواطفه جوهرية، إنها القوة التي تبقي الجنس البشري متماسكا، وكذلك الأسرة والقبيلة والمجتمع".
إن المرأة هنا منذ البدء تنادي الرجل، لا لأنه الذكر وهي الأنثى، بل لأنه الرجل وهي المرأة، ليكونا معًا الإنسان، وبذلك كانت رغباتها منذ البدء راقية، ثم عانت من ألم البعد، والتأخر والغياب، لقد عانت المرأة من غياب جلجاميش، ومن تأخره، ومرت دهور، وهي تناديه، وتتألم، حتى صدئ خاتمها، وهوت أوراقها، وذوت أغصانها، وهذا التوق إلى لقاء الرجل هو تعبير عن طبيعة الإنسان، وحقيقته، رجلًا كان أو امرأة، والرجل على الأغلب هو الذي يصرح، ويدعو الخجل المرأة إلى عدم التصريح، ولذلك تلجأ إلى التلميح، يؤكد ذلك جورج سانتيانا في قوله16: "إن المرأة هي أجمل موضوع في نظر الرجل، وإن الرجل هو أكثر الموضوعات إثارة لاهتمام المرأة، وإن كان ما في المرأة من حياء يمنعها من الاعتراف".
وإذا كان الجند قد نكَّروا لبلقيس عرشها، حتى حسبته لُجًّة من ماء، فإن الأميرة هنا قد نكَّلوا بقصرها، يقول المولى عزّ وجلّ في محكم التنزيل على لسان سليمان:
(قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرۡشَهَا نَنظُرۡ أَتَهۡتَدِيٓ أَمۡ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لَا يَهۡتَدُونَ) (سورة النمل الآية: 41).
وهذا الألم الذي عاشته المرأة في القصيدة صعّد من عواطفها، فجعلها تتحول من حب الفرد الرجل الإنسان، إلى حب المجتمع كله، وهي تريد لهذا الرجل أن يعود لا إليها، بل إلى الناس جميعًا، ولا تريده أن يحمل عشبة، بل تريده أن يحمل شجرة، للجائعين والشاحبين، وهكذا يكون التصعيد.
إن الحب في هذه القصائد يجمح نحو الأعلى، ويسمو بالإنسان، وعن الحب يقول الدكتور زكريا إبراهيم17: "طبيعة الحب ثنائية: لأن الحب من ناحية حاجة وعوز وافتقار، ثم هو من ناحية أخرى نزوع نحو الخير والجمال والكمال، ومن الناحية الأولى ينتسب الحب إلى عالم الظلال في حين أنه من الناحية الثانية يندرج في معراج العالم المعقول أو الملأ الأعلى".
وعندما تريد الشاعرة من جلجاميش أن يأتي ومعه شجرة، لا عشبة، فهذا يعني أنها تريد الخير والحياة والخلود للناس جميعًا، للعالم كله، فالشجرة أكبر، وخيرها أعم وأشمل، وبذلك يكون الجمال عندها مرتبطًا بالخير، وهذا يدل على تصوِّرها وحدة القيم، الحق والخير والعدل والجمال، وعن وحدة القيم، وارتباط الجمال بالخير يقول غويو18:"إن الجمال والخير في ميدان العواطف وفي غير ذلك من الميادين يتّحدان، وما ينفصلان، وعندنا أن الجمال الروحي نقيض اللعب السطحي والنشاط الذي لا غاية له، ويمكن أن نقول إن العاطفة الجميلة والميل الجميل والعزم الجميل كل ذلك إنما يكون جميلا لأنه يفيد نمو الحياة في الفرد وفي النوع".
وكان كانط قد نفى ارتباط الجمال بأي مصلحة أو منفعة، ولكنه لم يَنْفِ ارتباط الجمال بالخير، بل جعل الجمال رمزًا للخير، ووسيلة للوصول إلى النُّبْل، فقال19: "إن الجميل هو رمز للخير أخلاقيًّا، وهو من هذه الناحية يُمْتِع، ويدَّعي حصولَ إجماع بشأنه، من كل شخص آخر، وفي هذا يَعِي العقلُ أنه حصل على درجة من النبالة، وارتفع فوق مجرد التقبل لِلَّذة المُسْتَحصَلة من الانطباعات الحسية... وهذا هو المعقول الذي يتطلع إليه الذوق".
وقد أكّد كانط غياب النفعية المباشرة عن الفن، ووضَّح ارتباط الخير بالمصلحة والنفع، ليميزه من الجمال، فقال: "يُمْتِعُ الجميل مباشرة، ولكن فقط في العِيان التأملي... إنه يُمْتِعُ مِن دون أية مصلحة، أما الخير أخلاقيًّا، فيرتبط بالطبع بالضرورة، بمصلحة ما".
ومثل المرأة هنا في القصيدة كمثل بلقيس، لقد كانت تريد أن تغزو سليمان، ولكنها جاءته مؤمنة، فحققت لشعبها الأمن والأمان والإيمان، يقول المولى عزَّ وجل في محكم التنزيل عن ملكة سبأ: (فَلَمَّا جَآءَتۡ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرۡشُكِۖ قَالَتۡ كَأَنَّهُۥ هُوَۚ وَأُوتِينَا ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهَا وَكُنَّا مُسۡلِمِينَ ٤٢ وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعۡبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ إِنَّهَا كَانَتۡ مِن قَوۡمٖ كَٰفِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ٱدۡخُلِي ٱلصَّرۡحَۖ فَلَمَّا رَأَتۡهُ حَسِبَتۡهُ لُجَّةٗ وَكَشَفَتۡ عَن سَاقَيۡهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرۡحٞ مُّمَرَّدٞ مِّن قَوَارِيرَۗ قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ) (سورة النمل الآية: 42 - 44).
وكذلك المرأة هنا تريد أن يعود جلجاميش، لا إليها وحدها، بل إلى الناس كافة، ليصنعا معًا السلام والأمان للعالم، وما أشبهها أيضا ببنيلوب، زوجة أوديسيوس، التي كانت تحوك نهارًا لوالد زوجها ثوبًا، ثم تنكثه ليلًا، لتشغل الضباط المنتظرين في قصرها اختيار أحدهم بدلًا من زوجها، والمرأة هنا تحوك لجلجاميش دثارًا من أمنيات بيضاء.
وثمة ألفاظ وعبارات ذات خصوصية من مثل "دثار"، و"لا تقل ما أنا بقارئ"، فهي تمتلك إيحاءات دينية تتصل بسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وما كان من نزول الوحي عليه، وقوله له "اقرأ"، وقول محمد صلى الله عليه وسلم: "ما أنا بقارئ"، وما كان بعد ذلك من لجوئه إلى السيدة خديجة، وهو يطلب منها أن تدثره21، ومثل هذا التناص غير المباشر مع الدين والتاريخ والأسطورة يغني القصيدة ويمنحها إيحاءات تؤكد دور المرأة في المجتمع وتأثيرها في حياة الرجل.
وصورة الأميرة في قصرها المسحور، والجند يحرسونها، وهي العزيزة الممنَّعة المصونة، والفارس يأتي إليها على جواده الأبيض صورة راسخة في الذاكرة الشعبية، تردّدها الأساطير والحكايات الشعبية، وتكررها القصص والأفلام حتى للأطفال، وأصبحت جزءًا من ثقافة الفتاة التي تنتظر الحبيب العاشق، ولاسيما في المجمعات الشرقية.
*
وهكذا تعبر قصيدة جلجاميش عن موقف الشاعرة من الرجل، وهو موقف إعلائي، تسمو به الشاعرة من المشاعر والعواطف الفردية، نحو الرجل، الإنسان، وترتقي إلى حب المجتمع كله والبشرية، ومثل هذا التصعيد كان نتيجة معاناة المرأة من بعد الرجل عنها، وانشغاله بالحروب والأسفار، وقد ظلت على حب للرجل، وصبْر على بعده، ووفاء لها، مثلها مثل العظيمات في التاريخ، لتؤكد سُمُوَّ مشاعرها ورقيَّها، بأداء فني، درامي متميز.
*
لقد قامت هذه القراءة النقدية على تحليل ثلاث قصائد من قصائد النثر للشاعرة رولا عبدالحميد، فتبيَّن من خلالها أنها تعبِّر عن موقف من الشعر، ترى فيه تحقيقًا للذات، واندماجًا في الآخر، وعطاء للعالم كله وللحياة، فالشعر مصباح تهبه الشاعرة إلى النهر، والشعر عندها غناء كغناء الجدات في قرية بعيدة، وهن جدات يعلمن الأحفاد الكتابة، فالشعر تعبير عن ارتباط بالأرض والإنسان والتاريخ، وتبيَّن من خلال هذه القصائد أن في الشعر خلاصَ العالمِ كله، وليس خلاصَ فردٍ، أو مجتمع واحد، فهو انفتاح على العالم، وأخيرًا تبيَّن من خلال هذه القصائد الموقف الراقي من الرجل، فالقصائد تعبِّر عن دعوة إلى لقاء المرأة بالرجل، وهي تناديه، ولكنها ليست دعوة إلى لقاء المذكر بالمؤنث، من أجل الجسد والجنس، بل هي دعوة إلى لقاء الرجل والمرأة معًا، لقاء الإنسان بالإنسان، لبناء الإنسان.
وتحقق في القصائد الاتحاد العضوي بين الشكل والمضمون، وكان التعبير الحسي يشف عن الروح، وبذلك يتحقق في الفن الإيحاء، وهو إيحاء شفيف بعيد عن الغموض، يقول والتر ستيس مؤكدًا أهمية أن تكون الفكرة والروح خفية تحت التصوير الحسي22: "إن القول بأن الجمال يجمع بين الإدراك الحسي والتصور العقلي لا يعني أننا إذا وضعنا التصور العقلي جنبًا إلى جنب مع الإدراك الحسي في تجاوُرٍ خارجي آلي فإن ذلك سيؤدي إلى الجمال، ونتيجة لذلك سوف نجد أن التصوُّر العقلي لا بد أن يذوب في الإدراك الحسي، بطريقة خاصة، وأنه لا بد أن يختفي فيه، ولكي يظهر الجمال لا بد أن تكون العلاقة بين هذين الجانبين علاقة عضوية".
وكان التعبير في المواقف كلها تعبيرًا فنيًّا راقيًا، ينصهر فيه الموقف بالصورة، بل يختفي الموقف في تضاعيف العمل الفني، فالقصائد ابعد ما تكون عن المباشرة والتقرير، هي قصائد حالة وانفعال وصورة، وليست قصائد فكر أو دعاوة أو أيديولوجية.
ولعل في ذلك كلِّه ما يؤكد حق قصيدة النثر في أن يكون لها حضورها الفني الراسخ في الساحة الأدبية، وإذا كانت قد ظهرت تجارب في قصيد النثر لا تحقق شيئًا من قيم الفن والجمال، فإن هذا لا ينفي وجود تجارب شعرية أخرى فيها قدر كبير من قيم الفن والجمال، وهي جديرة بالدرس والتقدير، ويجب ألَّا تترك التجارب الضعيفة في نفس المتلقِّي، ولاسيما الناقد، انطباعًا يعمِّمه على التجارب كلها، ومما لا شكَّ فيه أن في أشكال التجارب الشعرية كلِّها تجارب قوية وأخرى دون ذلك، ولا بدّ من التمحيص للوقوف على ما هو جدير بالدرس.
المصادر والمراجع:
- القرآن الكريم
-إبراهيم، زكريا، مشكلة الحب، مكتبة مصر، القاهرة، د.ت.
-البخاري، الجامع الصحيح، تح. محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية، القاهرة، 1400هـ.
- جاد الله، عزة علي أحمد، "الأميرة انخيدوانا ابنة الملك سردون"، مجلة: Bulletin of the center Papyrolrgycal studies BCPS، المجلد 34، العدد 1، 2017.
- جويو، جان ماري، مسائل فلسفة الفن المعاصرة، تر. سامي الدروبي، دار الفكر العربي، مطبعة الاعتماد، القاهرة، لاتا.
- حمورابي، شريعة حمورابي، تر. محمود الأمين، تقديم: الأب سهيل قاشا، دار الوراق، لندن، الفرات للنشر، بيروت، 2007.
- سانتيانا، جورج، الإحساس بالجمال، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 2001.
- ستيس، والتر، معنى الجمال، نظرية في الإستطيقا، تر. إمام عبد الفتاح إمام، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2000، ص 66.
- شكسبير، وليم، هملت، تر. محمد عوض محمد، دار المعارف بمصر، القاهرة، 1972.
- عبدالحميد، رولا، أهب النهر مصباحي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2022.
- عكاشة، د. ثروت، المعجم الموسوعي للمصطلحات الثقافية، مكتبة لبنان، بيروت، شركة لونجمان، القاهرة، 1990.
- فروم، إريك، فن الحب، تر. مجاهد عبدالمنعم مجاهد، دار العودة، بيروت، 2000.
- كانط، إمانويل، نقد ملكة الحكم، ترجمة. سعيد الغانمي، منشورات الجمل، بيروت، 2009.
- متى، د. فائق، إليوت: سلسلة نوابغ الفكر الغربي، دار المعارف بمصر، القاهرة، 1966.
- ملحمة جلجامش، تر. طه باقر، نسخة ورقية، طبعة غير موثقة.
- ملحمة جلجاميش، تر. عبد الغفار مكاوي، مر. عوني عبدالرؤوف، مؤسسة هنداوي، لندن، 2019.
- هيدجر، مارتن، في الفلسفة والشعر، تر. د. عثمان أمين، الدار القومية للطباعة، 1963.
- يونغ، ك.غ، علم النفس التحليلي، تر. نهاد خياطة، دار الحوار، اللاذقية، 1985.
الحواشي:
1 - عبدالحميد، رولا، أهب النهر مصباحي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2022.
2 - هيدجر، مارتن، في الفلسفة والشعر، ترجمة. د. عثمان أمين، الدار القومية للطباعة، 1963، ص 100
3 - ينظر: عكاشة، د. ثروت، المعجم الموسوعي للمصطلحات الثقافية، مكتبة لبنان، بيروت، شركة لونجمان، القاهرة، 1990، ص 347.
4 - متى، د. فائق، إليوت: سلسلة نوابغ الفكر الغربي، دار المعارف بمصر، القاهرة، 1966، ص 29
5 - حمورابي، شريعة حمورابي، تر. محمود الأمين، تقديم: الأب سهيل قاشا، دار الوراق، لندن، الفرات للنشر، بيروت، 2007، المادة 2، ص 13
6 - المصدر السابق، ص 53 المادة 181
7 - جاد الله، عزة علي أحمد، الأميرة انخيدوانا ابنة الملك سردون، Bulletin of the center Papyrolrgycal studies BCPS، المجلد 34، العدد 1، 2017، ص 282 وما بعدها.
8 - حمورابي، شريعة حمورابي، ص 35، المادة 110.
9 - فروم، إريك، فن الحب، ترجمة. مجاهد عبد المنعم مجاهد، دار العودة، بيروت، 2000، ص 30.
10 - ينظر: شكسبير، وليم، هملت، ترجمة. محمد عوض محمد، دار المعارف بمصر، القاهرة، 1972، ص 178 – 179
11 - عكاشة، ثروت، المعجم الموسوعي للمصطلحات الثقافية، ص 118.
12 - يونغ، ك.غ، علم النفس التحليلي، ترجمة. نهاد خياطة، دار الحوار، اللاذقية، 1985، ص 141.
13 - ملحمة جلجاميش، ترجمة. عبدالغفار مكاوي، مر. عوني عبدالرؤوف، مؤسسة هنداوي، لندن، 2019، ص 50 السطر 12 و 13
وينظر: ملحمة جلجاميش، ترجمة. طه باقر، طبعة ورقية غير موثقة، ص 39
14 - ملحمة جلجاميش، ترجمة. د. عبدالغفار مكاوي، ص 65 وما بعدها، السطر 43 وما بعده.
وينظر: ملحمة جلجامش، تر. طه باقر، ص 42 – 43
15 - فروم، إريك، فن الحب، ص 26
16 - سانتيانا، جورج، الإحساس بالجمال، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 2001، ص 106، 107.
17 - إبراهيم، زكريا، مشكلة الحب، مكتبة مصر، القاهرة، د.ت، ص 133
18 - جويو، جان ماري، مسائل فلسفة الفن المعاصرة، تر. سامي الدروبي، دار الفكر العربي، مطبعة الاعتماد، القاهرة، لاتا، ص 54.
19 - كانط، إمانويل، نقد ملكة الحكم، ترجمة. سعيد الغانمي، منشورات الجمل، بيروت، 2009، ص 288.
20 - المصدر السابق، ص 289.
21 - ينظر: البخاري، الجامع الصحيح، تح. محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية، القاهرة، 1400هـ، ج1، ص 14، رقم الحديث 3.
22 - ستيس، والتر، معنى الجمال، نظرية في الإستطيقا، تر. إمام عبدالفتاح إمام، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2000، ص 66.
تغريد
اكتب تعليقك