التفاتة متأخرة إلى عالم باث: الشاعر الذي اكتشفناه لاحقًاالباب: مقالات الكتاب
سوران محمد لندن |
ترجمة: سوران محمد
مقدمة:
في أوائل تسعينيات القرن الماضي قامت مؤسسة جائزة نوبل بأدراج اسم هذا الشاعر في قائمة المبدعين المتميزين فأهدوه ما يستحق من الاعتزاز والتقدير، لكونه شاعرًا يختلف عن البقية من أوجه شتى، وأبرز نقاط الاختلاف هي الطبيعة المطاطية لكثير من نصوصه الشعرية، فلربما يتساءل القارئ الكريم مالمقصود بعبارة مطاطية الشعر؟ إنها عبارة نادرة توصف بها القصائد التي لها أبعاد متفاوتة وتتحمل تفاسير مختلفة وتبقی مفتوحة لأطول مدة، فلا ينحسر الشاعر هنا نتاجاته بين جدارين الزمن والمكان والشخصيات والأحداث، بل بتناوله مواضيع جوهرية وحيوية متعلقة بكثير منا كإنسان، يجرنا نصوصه كي نسبح في أعماق محيطاته ونخرج منه لآلئ ودرر لم نراه قط، لذا قمت بأعداد هذا الملف لمجلة فكر وبعد بذل جهود شاقة وحثيثة قمت بترجمة بعض النصوص لهذا الشاعر كما طرحت فيه الركية التحليلية لبعض جوانبها، متمنيًا أن يبقى بابًا مفتوحًا لمن يريد أن يدخلها لاحقًا، فهو من بين الشعراء العالميين القلائل الذين ما أعطيناهم الحقوق الكافية بالقراءة اللازمة وتناول أعماله وأسلوبه المتميز نقدًا وتحليلاً:
النص الأول:
1
مساحات
لا مركز، لا فوق ولا أسفل
تلتهم دون التوقف وتولد نفسها
دوامة الفراغ
وتنزل في الأعالي
مساحات
تقطع الوضوح بشكل حاد
معلقًا
بجنح الليل
حدائق سوداء من كريستال الصخور
تزهو على قضيب من الدخان
حدائق بيضاء تنفجر في الهواء
فراغ
مساحة واحدة تنفتح
بتلة
وتذوب
الفراغ في الفراغ
كل شيء في لامكان
مكان الزفاف الغير المحسوس
من هو أوكتافيو باث 1914-1998
ولد الشاعر في المكسيك وهو كاتب ومفكر سياسي معًا. تعكس أعماله أوجه عدة؛ بما في ذلك الماركسية والسريالية وأساطير الأزتك. يستخدم في قصيدته الطويلة Piedra del sol / Sun Stone 1957 (حجر الشمس) صورًا متناقضة، يتركز فيها على حجر التقويم الذي يمثل عالم الأزتك، تارة يستخدمه الشاعر رمزًا للشعور بالوحدة لدى الأفراد وبحثهم عن الوحدة مع الآخرين. ما حصل الشاعر على جائزة نوبل للآداب في عام 1990.
في عام 1962 تم تعيينه سفيرًا مكسيكيًا للهند، لكنه استقال عام 1968 احتجاجًا على مقتل 200 من الطلاب المتظاهرين عشية الألعاب الأولمبية. في عام 1971 أسس المجلة الشهرية ( Plural بلورال) والتي سميت فيما بعد (فويلتا)، والتي استخدمها لتحليل الاشتراكية والليبرالية، وحث فيها المكسيكيين على أن يجعلوا بلدهم مستقلاً عن التأثيرات الشيوعية والكتلة الغربية الأمريكية.
ولد باث في مدينة مكسيكو، ودرس في جامعة المكسيك الوطنية، لكنه غادر إلی منطقة نائية في عام 1936 لإنشاء مدرسة لمساعدة الأطفال الفقراء في ولاية يوكاتان الريفية. في عام 1937 قاتل في الحرب الأهلية الإسبانية في لواء جمهوري بقيادة ديفيد سيكروس. كما عمل فيما بعد كصحفي يساري ودبلوماسي مكسيكي 1946-1951، كان صديقًا لبابلو نيرودا والتقی بأندرية بريتون في باريس..
تحاليل القصيدة:
يعتبر باث من المبدعين الحقيقيين في عالم الشعر علی مدار أيام السنة، ليس يومًا واحدًا أو سنة واحدة، ويرجع الفضل في ذلك إلی أسلوبه الجذاب المنفتح في كتابته للشعر، فهو لا يكتب لجيل محدد أو زمن و مكان محددين، بل يشارك دومًا القراء في كتابة أشعاره بتفاسيرهم المتفاوتة وأفهامهم المختلفة، بما إنني اعتبره أحد من شعرائي المفضلين، فحاولت أن أترجم له عملاً يناسب مستوی سمعته اللائقة، وعندما حاولت أن أترجم هذا النص بحثت كثيرًا عن تحليل ونقد أو دراسة حوله، لكنني لم أجد أحدًا اجترأ علی الحديث والخوض في أعماق هذا العمل الإبداعي، لذا حاولت أن أقرأه شخصيًا من زاوية فهمي وتحليلي للنص..
تتناول هذه القصيدة النخبوية موضوع الانطولوجيا وفلسفة الوجود من زاوية رؤية الشاعر إلى الدنيا وما حوله، حيث يخرج من إطار الزمكان المتعارف عليها عندنا، فيتحول الوجود برمته إلى مادة خامة لكتابة قصيدته ومصدرًا لإلهامه، يتحدث فيها بلغة شعرية رمزية ومجازية عن قصة الخلق، وانشطار جزئيات المادة في اللامادة، وفي سبيل تكملة هذه الصياغة بأنسب وأمهر شكل يمتزج شيئًا من السريالية في تكوين صوره الشعرية وهو الأقرب إلى عالم الميافيزيقا من العالم الدوني، أو ما نسميه بعالم المادة بل يجعله مصدرًا للحياة كذلك، إذ أن للمادة أحجام وأزمان وما فوقهم خارج عن هذا النظم الموضوع، بل انتظم الجميع علی نهج وسير دقيق إذ أن للكل مسار ومدار لا مجال فيها للعدول عنه، فتری الموجودات في تغير وانحلال وتجديد، أو وردة كالدهان، وكتابات هذه الصفحة تشطب بعد فترة وترجع بيضاء كما كانت قبل أن يوضع هذه الأنظمة الخاصة بكل موجودات داخل هذا النوع من الحياة والتي هي نوع معين من بين آلاف بل ملاين من الحيوات الأخرى، هكذا وفي الختام كل المساحات تتآكل البعض وتندمج في البعض، مشيرًا إلی مصدر وذات واحد وكتلة واحدة لا نعرف نسميها هلامية أم غير ذلك، لأن لغتنا قاصرة عن تعريف ماهية هذا الأصل..
تجدر الإشارة إلی أن التطرق إلی هذا الموضوع الشائك الدقيق دليل علی سعة تخيل وتفكير الشاعر ومهارته الفنية لصياغة الكلمات بحيث لا مجال فيها لحذف أو زيادة أي شيء، إلا أن نتعامل معه كمتن ونكتب حواشينا بأسفله..
النص الثاني:
2
(الأخوة)
أنا رجل: أعيش مدة وجيزة
والليل شاسع.
لكنني أنظر لأعلى:
إذا بالنجوم تكتب
لا تدري أنا أفهم:
وأنا أكتب أيضًا،
في هذه اللحظة بالذات
شخص ما يوضحني
تحليل القصيدة:
لقد كُتب الشاعر أوكتافيو باث 1914-1998 هذه القصيدة في شكل الشعر الحر، وهو جزء من الشعر الحديث بدلاً من القصائد الكلاسيكية.
يمكن فهمها بسهولة، في الغالب تتحدث عن الوجودية. ولقد كُتبها الشاعر تكريمًا لعالم الرياضيات والفلكي والجغرافي والمنجم والشاعر كلوديوس بطليموس، الذي كان كاتبًا مصريًا يونانية، والذي عاش في روما حوالي 100 بعد الميلاد. ربما قد يكون سبب كتابة الشعر لبطليموس ترجع إلی مساهمة بطليموس وجعلنا نفهم مفهوم الكون على أساس علمي وحسابي دقيق..
تندمج الأسطر الأربعة الأولى من القصيدة بدقة في الأسطر الأربعة الأخيرة. بحيث يصف الخط الافتتاحي كيف يتضاءل الفرد أهميته وهو الأقرب إلی الاختفاء من الظهور باعتباره مجرد كائن صغير في هذا الكون الشاسع.
ومن ثم حينما ينظر الشاعر هنا إلی السماء، يصبح قادرًا على قراءة الإلهام والمعرفة التي يمكن للنجوم أن يكتبوها..
هكذا وبشكل غير مدرك تقريبًا، يدرك الشاعر أن الغرض من حياته أيضًا قد كُتب في السماء. وهذا العمل الكتابي ليس عرضيًا فقط، بل إنه متعمد في طبيعته. يؤكد له هويته الخاصة، ويؤكد له هذه الحقيقة من خلال الرؤية الجامعة الشاملة للكون الواسع. و جدير بالذكر أن قصيدة (الأخوة) هي قصيدة غنائية رائعة وتعتبر من إحدی أهم قصائد أوكتافيو باث ولها أبعاد فلسفية كذلك.
تبدأ القصيدة بحرف "أنا" الذي يشير إلى الشاعر (أوكتافيو باث) نفسه. يقول أنه إنسان - إنها هويته الوحيدة. إنه يعرف أن حياة الإنسان قصيرة جدًا وعابرة. الموت يأتي بغتة إلی الجميع ليقودنا إلى الغبار أو الی حيث أتينا. لدينا فترة وجيزة من الحياة على الأرض. لكن الحياة بعد الموت لا تنتهي. ثم نذهب إلى الظلام الأبدي. لذا لا نری أي علامة السئم والحزن علی كلمات الشاعر هنا. بل إنه يتطلع عالية ويجد النجوم تكتب. يكتبن في ضوء إشعاع السماء. وهي تعكس و تعطي رسالة الضوء والبريق.
ومن ثم قد يأتيه إدراك ومعرفة وهو يشعر إنه خلق ولا يزال حيًا. لكنه يعيش عيشة أخری عندما يقرأ من جديد في قلوب القراء. أو بشكل أدق هو يكتب من جديد من قبل قرائه حسب تصوراتهم وفهمهم لقصائده. و يعتقد أن اللحظة التي يأتي فيها هذا الإدراك هي لحظة خاصة وقيمة للغاية في حياته. يعلن بثقة قوية أن هناك شخص ما لفهمه جيدًا وشرحه بشكل صحيح.
أخيرًا، على الرغم من كل القيود التي يواجهها إنه كمبدع مؤمن يؤمن بقوة عادلة ذو عقل وعلم أعطاه الحياة وسيأخذها منه ويقر بهذه الحقيقة، وهكذا يستمتع بقرابة كاملة مع الله الذي يتفوه به. عالم بكل رغبات وقيود الإنسان. وهكذا يقود هذا الاعتقاد الراسخ الشاعر إلی تفاءل دائم و تام.
بالرغم من أن هذه القصيدة الغنائية متكونة من ثمانية أسطر فقط. لكنها غنية في مغزاها وأبعادها الفلسفية. بحيث يفكر القارئ مع الشاعر عن حالة الإنسان على الأرض. حياته قصيرة جدًا مقارنةً بضخامة الموت المظلم. إنه يعلم جيدًا أن نهايته ستأتي قريبًا. ولكن ككاتب مبدع، سيتم تذكره من خلال كتاباته بعدما يغادر.
وقد يبدأ الشاعر هذه القصيدة، كشاعر غنائي حقيقي بـ "أنا رجل ..." وبناء عليه إن عواطفه وأفكاره الشخصية هي التي تبني موضوع القصيدة.
صحيح إن القصيدة تبدأ بلهجة التشاؤم بأن الشاعر كرجل، سوف يموت قريبًا. لكنه ينتهي بلهجة متفائلة بأن الشاعر سوف يعيش إلى الأبد في قلوب القراء من خلال كتاباته، عندما يفهمونه و يعطون الإيضاح والتحاليل الصائبة لأعماله.
في الختام وجدير بالذكر إن إيجاز هذه القصيدة جعلتها مؤثرة بشكل فعال ولها سحر عالمي مما يزيد من جاذبيتها للقراء، وبالأخص أن العنوان لها مدلولات مختلفة، هل القصد بالأخوة هي الأخوة الكونية مع الموجودات الأخرى الذين يسيرون على نفس نهج فطري كالذي عليه الشاعر أم المقصود به الأخوة الإنسانية، بالأخير فلنترك هذه التفاسير للقراء الكرام..
النص الثالث:
3
الجسر
بين الآن والآن
بيني وبينك،
جسر من الكلمة
****
أدخله
أدخل نفسك:
يربط العالم
ثم يغلق كالخاتم.
****
من بنك لآخر،
هناك دائمًا
جسم ممتد:
قوس قزح.
سوف أنام تحت أقواسها.
ملاحظة/ تركت كلمة بنك كما هي في النسخة الإنجليزية لكونها متعددة المعان، فتستخدم للضفة والمصرف والكومة والخ....
هذه القصيدة:
ليس من أولويات الشاعر البارع أن ينقل الواقع كما هو الی أعماله الشعرية، بل يحاول دائمًا ان يخلق عالمًا أخرًا من الخيال والأحلام مستعينًا برموز جديدة للتعبير عن مرامه وإيصال رسالته بأجمل شكل شعري، وهكذا نتميز لغته بطابع شعري بدلاً من اللغة المباشرة اليومية، صحيح أن هذا النص القصير سهل قراءته، لكن من الصعب أن نفهم أبعاده الدلالية ونحيط بها رأسًا علی عقب، بل نحتاج إلی شيء من التأمل والتفكر والخروج عن مألوف الحياة الروتيني لفك الالغاز وتخييل الصورة الشعرية في أذهاننا، لأن عالم الشعر ليس بعالمنا الواقعي ومن الخطأ الفادح أن نتعامل معه هكذا إذ أن هذا الفهم يضلنا من أول وهلة ويبعدنا عن مرام الشاعر وعالمه المغاير عن عالمنا.
نری في هذا العمل الشعري للشاعر العالمي المعروف والدبولومات المكسيكي أوكتافيو باث كيف يعطي للكلمة دورها الفعال في بناء عالم مثالي وحل مشاكل ذات البين عن طريقها وتقريب ميول ومفاهيم الناس من البعض، إذ أن الكلمة ليست إلا شفرة فكرية تبلورت هناك وأخذت شكلاً لمعنی معين، وبلصقها معا نفهم ما يدور في مخيلة الشاعر وأحيان كثير يكون منها عالم مغاير تمامًا عن عالمنا الحسي، ثم يتم تحليلها عند السامع أو القارئ في مختبر العقل والأفهام للأخذ والرد.
لو نلاحظ هنا كيف أن الشاعر استعمل الجسر.....من الكلمة.....ثم قوس قزح... ثم النوم تحتها.... كوسيلة للربط بين الناس وتجميعهم حسب قناعاتهم والمكوث تحت ظلالها لنفهم سر المجاميع والتجمعات المختلفة في العالم، حتی و لو تعاملنا مع هذه الحقيقة ونزلناه في واقعنا الاجتماعي لعرفنا كم هي تأثير الكلمة فعالة في تقارب وجهات النظر بين الافراد، بل وربما لتكوين العائلة السعيدة الناجحة، ولا يتم هذا إلا بتهيئة مناخ ذهني مناسب والرضوخ الی مرجع العقل والذي يعتبر من أقوی الأسلحة بيد البشر قديمًا وحديثًا..
كما أن هذا القياس صحيح للأفراد فهو فعال ومناسب للمجتمعات أيضًا، لحل النزاعات وتقريب وجهات النظر والوصول إلی السلام العالمي، ويمكننا أن نتلمس أيضًا تلميحات وإشارات لحركة المجتمعات بطرق متنوعة، حيث يتحدث العالم عن كيفية عبور الناس بين الجسور للحصول على مكان للعيش، أو من بيئة إلى أخری مثل مدينة أو بلد..
هذه الاقتباسات مهمة للغاية في هذه القصيدة لأن المكسيكيين عوملوا بشكل سيئ في الماضي وواجهوا التميز بسبب عرقهم وثقافتهم التي عبروا ثلاثة حدود وخاطروا بحياتهم.
النص الرابع:
4
ريح وماء وحجر
يثقب الماء الحجر،
والريح تنثر الماء،
يوقف الحجر الريح
ماء، ريح، حجر
****
تنحت الريح الحجر،
حجر كوبا للماء،
يهرب الماء وتهب الريح
حجر و ريح و ماء
****
الريح تغني في دورانها،
و رنين الماء تمر،
والحجر الغير المتحرك ثابت
ماء و حجر و ريح
****
كل واحدة هي الآخر و ليست الآخر
تعبر وتتلاشي
من خلال أسمائها الفارغة:
ماء و حجر وريح
تحليل النص:
إن طبيعة نصوص شاعرنا المعروف أوكتافيو باث بشكل عام مرنة وفي نفس الوقت معمقة أيضًا، تحتمل أكثر من وجه للتحليل والفهم، ففي هذه القصيدة الرباعية علي سبيل المثال، يستعير الشاعر فنيًا وبتقنية شعرية عالية عناصر مهمة من الجمادات، أحيانًا تنسجم مع البعض و أحيان أخري تتعارض، و في كلتا الحالتين و بهذه الحركات تكتمل معني الحياة من خلال الصراعات و التناغمات الوجودية.
إن الشاعر يصف في كل مقطع من مقاطع الأربعة لهذه القصيدة قدرة الرياح والمياه والحجر ويربط الثلاثة ببعضها البعض بطريقة معينة. بحيث نرى أن هنالك انسجام متنوع في كل مقطع. وتكرار العناصر الثلاث في نهاية كل مقطع بترتيب مختلف يدل علی مهنية الشاعر وقدرته الاستنباطية علی اعطاء معان الغلبة لكل عنصر بشكل متفاوت وحسب احتكاكات الموجودة في كل مقطع، وينتهي كل مقطع بالكلمات الثلاث نفسها ولكن بترتيب مختلف. هنا يقارن الشاعر كل من عناصر الرياح والماء والحجر بقدرات الطرف الآخر لمعرفة ما هي الأقوى والأكثر قدرة في التغلب علي الآخر.
عمومًا إن حركة هذه القصيدة تتجول حول ثيمة تأثير الطبيعة على كل شيء. تشير القصيدة إلى أن الرياح تغير الماء ولكن الحجر يمكن أن يكون ثابتًا وأن الرياح يمكن أن تمر من خلال الماء أيضًا. إذًا إنهم جميعًا في اتصال متفاوت ومتنافر دائمًا. وبما أن هذه العناصر مختلفة تمامًا عن البعض لكنها لا يمكن أن تبقى على الوجود دون الآخر، أي بمعنى أنها مرتبطة جميعًا بالبعض بدلاً من تغليب الانفصال والوحدة في علاقتها مع البعض، وفي نفس الوقت أن كل عنصر من هذه العناصر لها مميزات وصفات مختلفة ولها اسماء معينة وطبيعة تكوينية مغايرة، إلا أننا نرى بعضها بشكل محسوس كالحجر ونشعر بالآخر دون أن نراها كالهواء والريح، وأما الماء فهو مصدر الحياة والخليقة على الكوكب الأرض، فبدونها لا تستمر دورة الحياة لأي كائن من الكائنات المتنوعة.
نعم يعتبر هذا النص نتاجًا أدبيًا مفتوحًا ومتعدد المعان لكونه مناسبًا لكل زمان ومكان ولا يرتبط بأي شخصية وحدث ما، ولو قارنا ونزلنا الحركات المتفاوتة لهذه العناصر داخليًا وخارجيًا- على حدة ومع البعض، سيكون بمقدورنا قراءة الشخصيات المختلفة للناس ومعرفة الطريقة المثلى للتعامل مع الآخرين وهكذا نتحكم بسر العلاقات الاجتماعية الحميمية ونفهم حلول المشاكل العويصة عندما يحصل من حولنا، كما أن الفلاسفة القدماء قسموا طبائع النفوس البشرية إلى أربعة أنواع: المائي والهوائي والناري والترابي..
إذًا لو كانت العبرة بالأسماء لا بالمسميات فإن نهاية هذه القصيدة النادرة تذكرنا بمفارقة الإنسان عن هذه العناصر الجمادية في الكون، إذ أن الإنسان الموزون- البناء والإيجابي ليس بفارغ ولا ينتهي دوره ولا يتلاشى وجوده بموته وكأنما لم يكن لك وجود أصلاً، بل هو الفعال في الكائنات الأخرى وله القول الفصل في إعمار الأرض أو خرابها، وستبقي إنجازات الإنسان حية حتى بعد موت صاحبها. وهكذا في المجتمعات المتحضرة للإنسان أعلی قيمة في الوجود وحقوقك ضامنة من أجل خلق مجتمع متقدم ومتماسك.
المصادر:
- poetrysociety.org/poetry-in-motion/brotherhood
- poemhunter.com/poem/brotherhood-3/
- The Collected Poems of Octavio Paz, 1957-1987 (New Directions Publishing Corporation, 1987
تغريد
اكتب تعليقك