ويل بارنيت وتراجيديا الانتظار الباب: مقالات الكتاب
ياسر محمد الحربي جامعة جازان - كلية العلوم الطبية التطبيقية |
داخل ولاية ماساتشوستس الأمريكية وبالتحديد في مدينة بيفرلي ولد ويل بارنيت، وقد كان نجلاً لمهاجر روسي، من بداية سنواته الأولى أوضح موهبته من خلال رسمه للمسودات القصيرة والتي كان يقضي وقته في رسمها خلال تردده على المكتبة العامة، التحق بعدها لمدرسة متحف الفنون الجميلة في بوسطن، ومن خلالها انضم لرابطة طلاب الفن في نيويورك، وفي نهاية المطاف أصبح مدربًا هناك.
عن طفولته يقول بارنيت: "عندما كان عمري 12 عامًا، كان لدي استوديو صغير في قبو والدي، وكان هناك ضوء يتسلل من النافذة في اليسار فوق كتفي مثل ما يبدو في لوحات رامبرانت، وعندما كنت أقرأ في المكتبة عن الفنانين المشهورين، كان كتاب عن رامبرانت أول رفيق لي."
في مراهقته كان يأخذ القطار إلى بوسطن ويزور المعارض الفنية ومتحف الفنون الجميلة. ومن حسن حظه إنه استطاع لقاء جون سينجر سارجنت في عام 1942، قبل عام من وفاته. ترك بعدها المدرسة الثانوية لينضم لمدرسة المتحف، بينما كان لا يزال مراهقًا حصل على منحة دراسية لحضور رابطة طلاب الفن وهي مدرسة مستقلة في نيويورك.
لم يعترض والده على قراراته وكان داعمًا له، يقول بارنيت عن والده: "لقد كان نموذجيًا بالنسبة لآباء تلك الفترة، لقد كانوا جميعًا متعبين من الحياة والعمل الشاق لدرجة أنه عندما يقول لهم الأطفال شيئًا، لا أعرف ما إذا كان لديهم الطاقة للرد من عدمه."
أعجب بارنيت بأعمال هونور دومير للفقراء الفرنسيين. مثل العديد من طلاب الفن في تلك الحقبة، وكان مناهضًا عن حصيلة الاكتئاب على الفقراء وأزمة البطالة عن العمل التي كانت منتشرة بشكل كبير. لكنه لم يصبح متطرفًا أو يرى السياسة كسبب للفن.
في الأربعينيات من القرن الماضي، أظهرت العديد من لوحاته صورًا لأطفاله الصغار، تأثيرًا تكعيبيًا وغالبًا ما كانت تتميز بألوان مبهرجة، وفي عام 1950 شرع في فترة تجريد نقية مستنيرة من الطبيعة.
تركز أعمال بارنيت في المقام الأول على فسيولوجية الإنسان. وكانت الأسرة وخاصة عائلته موضوعًا ثابتًا بالنسبة له، وظهر ذلك جليًا في أوائل الستينيات عندما أطلق سلسلة من اللوحات العائلية التي حققت التوازن بين المكونات الأساسية للتجريد والجوانب الإنسانية للتمثيل، قدم بها نسخًا حديثة وخالدة من موضوعات الأم والطفل التقليدية.
قال عنه جوان موسر كبير أمناء متحف سميثسونيان للفنون الأمريكية في واشنطن: "بدأ بارنيت كفنان تمثيلي وانتقل إلى التجريد، ثم في منتصف الستينيات تبنى نوعًا من الواقعية المجردة حقق فيها توازنًا دقيقًا بين التجريد والتمثيل." كان بارنيت يحاول الهروب من الموضوعية بحثًا عن الجوهر في فعل الرسم.
تبدو لوحاته ليست وصفًا للأفراد فقط، بل هي ترتيبات دقيقة للأشكال التي تعبر عن الحالة المزاجية والمشاعر. والتي يولف خلالها بين الزوايا والأشكال ليكون بها تركيبات قوية ومتشابكة تدعم أسلوبه في اخراج عوالمه الخاصة بصورة مميزة، كما هو واضح في لوحاته العديدة.
للوصول إلى الترتيب الجوهري الذي ينقله للخيال والتصور الذي يريده على أفضل وجه، قام بارنيت بعمل العديد من الرسومات التجريبية والتي من خلالها استلهم فكرته في إنشاء مجموعته الشهيرة "الانتظار" في السبعينيات، عندها بدأ بارنيت في رسم سلسلة من لوحات النساء المنتظرات واللاتي ينظرن للأفق وكأنهم يترقبن عودة شخص غائب.
ربط بعض مختصي الفن هذه اللوحات بطفولة بارنيت في بيفرلي، والتي كانت في السابق بلدة ساحلية معروفة بصيد الحيتان، حيث شاهد زوجات الصيادين وهم ينظرن للأفق الأزرق في سبيل رؤية علامة على عودة أزواجهن. لا ينتمين نساء بارنيت إلى أي مكان أو وقت معين ولكن يبدو أنهن يمثلن عزلة وقوة النفس البشرية والتي يتم صقلها من خلال الحياة.
على مدار حياته المهنية التي استمرت لتسعة عقود عرضت أعمال بارنيت على نطاق واسع في أكثر من 200 متحف حول العالم بما في ذلك متحف الفن الأمريكي لأكاديمية بنسلفانيا للفنون الجميلة، والأكاديمية الوطنية لمتحف التصميم، والمتحف الوطني للفنون الأمريكية ومتحف مونتكلير للفنون. في عام 2011 منح الرئيس السابق للولايات المتحدة باراك أوباما بارنيت ميدالية وطنية للفنون وفي عام 2012 حصل على شارة شيفالييه من وسام الفنون والآداب من فرنسا.
وختامًا، من المواقف التي لا ينساها جوان موسر صديق الفنان الراحل إنه أثناء زيارته لنيويورك في فصل الشتاء، عندها كان بارنيت في التسعينيات من عمره، وبينما رآه يستعد للخروج من شقته، سأله عن السبب الذي جعله يخرج في هذه الليلة الباردة والأرض زلقة أيضًا، فكان جوابه: "حسنًا.. إنه معرض لأحد طلابي السابقين وأحببت الحضور."
تغريد
التعليقات 3
مقال ثري جدًا، لايدل إلا على إخلاص الكاتب للفن وأبناء الفن الذي هو منهم لاشك في ذلك موفّق ..ننتظر جديدك
مقال رائع جداً يا استاذ ياسر، ننتضر المزيد
بداية جيدة واختيار مميز للكلمات والصور ، أجاد التعبير والتحبير في انتظار المزيد لهذا الكاتب مع التمنيات بالتوفيق
اكتب تعليقك