الآثارُ العلميَّةُ لناصيفِ اليازجيِّالباب: مقالات الكتاب
د. أحمد تمَّام سليمان أستاذ البلاغة والنَّـقد - كلِّـيَّة الآداب - جامعة بني سويف- مصر |
نحاول استعراض الآثار العلمية التي خلفها ناصيف اليازجي، وهي مؤلفات في مجملها ناسبت ذوق عصره، ونأت عن ركاكة التراكيب اللغوية التي سادت العصرين المملوكي والعثماني اللذين يسبقانه، إلى رصانة التعابير الأدبية، ولعل اليازجي أسهم في رفع الوعي القومي من خلال إحياء التراث العربي؛ بتقريب لغته وتهذيب مصادره وتيسير شروحه، والحاجة ماسة إلى تحقيق هذه الآثار العلمية لليازجي تحقيقا علميا؛ لصعوبة مطالعة هذه النسخ العتيقة، وغرابة الألفاظ والتراكيب اللغوية والعبارات المسكوكة الشائعة في القرن التاسع عشر الميلادي، مما يستلزم شرح الكثير منها لاسـتـغـلاقـها على المـتـلـقي العربي المعاصر، الذي ضعـفت لديه المـلـكة اللغوية إلى حـد بعيد.
أولاً: ترجمة ناصيف اليازجي:
ناصيف بن عبد الله اليازجي فهو لغوي وشاعر وكاتب، ولد في مـقـتـبـل القرن التاسع عشر الميلادي بداية عصر النهضة، في قرية "كفر شيما" بساحل بيروت بلبنان، تحديدا في الخامس والعشرين من مارس سنة (1800م)- التاسع والعشرين من شوال سنة (1214هـ)، وتـوفي سنة (1871م)، قطـنت أسرته حوران في القرن السابع عشر الميلادي، وهاجر أفراد منها إلى حمص، واشتغلوا بالكتابة للولاة، وأطلق عليهم بالتركية "اليازجي"، أي: الكاتب، فقد كان عبدالله اليازجي والده كاتبًا للأمير حيدر الشهابي في القرن الثامن عشر الميلادي.
وكان اليازجي معتدل القامة حنطي (قمحي) اللون أسود الشعر أجش الصوت، متأنيًا وقورًا متواضعًا شهمًا، عف اللسان في حديثه وكتابته(1)، ولما كان والده محبًا للأدب، ومن مشاهير الأطباء، الذين ساروا على نهج الفيلسوف الطبيب أبي علي الحسين بن عبدالله بن سينا الملقب بالشيخ الرئيس (ت 428 هـ)، هو ما دفع اليازجي أن يشتغل في أول أمره بالعلوم والطب، ولكن الأدب غلب عليه.
وتعلم ناصيف اليازجي مبادئ القراءة والكتابة على يد الـقس متى بـ"بيت شباب"، بينما أحب الأدب من والده، أما العلوم التي عني بدراستها فهي: "الصرف والنحو والمعاني والبيان والبديع والعروض والقوافي والمنطق والطب والموسيقى، مع ما أحصاه في صدره من اللغة حتى كان كأنه القاموس"(2)، كذلك عرف اليازجي بموهبة الشعر وهو في السادسة عشرة من عمره، فعمل كاتبا في ديوان الأمير بشير الشهابي، فاتخذه كاتم سره، وكان في قصره مبرزا في اللغة والأدب، ولما دالت دولة الأمير الشهابي سنة (1840م) عاد اليازجي إلى بيروت، وانخرط في سلك التعليم في مدارسها التي كانت قد أنشئت حديثًا، واتصل بالمراسلين الأمريكيين يصحح مطبوعاتهم لاسيما الكتاب المقدس، وأصبح عضوًا في الجمعية السورية وهي بمنزلة المجمع العلمي، فالتـف حوله الكثيرون لـيـفـيدوا من تـبحره في علوم العربية.
وفي سنة (1863م) استقدمه بطرس البستاني للتدريس في المدرسة الوطنية التي افتتحها في بيروت، كما اشتغل معه بتصحيح الجزء الأول من معجم "محيط المحيط"، وكان اليازجي أحد أساتذة المدرسة البطركـية عند إنشائها، ثـم درس في الكلـية الإنجـيـلـية السورية (الجامعة الأمريكية بعد ذلك)، واتصل به المستشرقون من كل مكان(3)، ويبدو أنه في أخريات حياته انقطع للتـأليف ونظم الشعر ومراسلة الأدباء، وأصبح بيته قبلة العلماء وموئل الفتوى في القضايا اللغوية والأدبية، حتى ذاعت شهرته في الأقطار العربية؛ ولعل ذلك هو السبب الرئيس في كثرة مراسلاته لأعلام شعراء عصره.
ويمكن استنباط ملامح السيرة الذاتية لناصيف اليازجي، من خلال تـتـبع الذين راسلوه وراسلهم من الشعراء المجايـلـين أو المعاصرين له، وهم: عبدالباقي أفندي العمري، الشيخ عبدالحميد الموصلي، السـيد شهاب الدين العلوي، أحمد فارس أفندي الشدياق، جرجس أبلا، كاشف أفندي زاده محمد عاقل، حمد محمود أفندي، الشيخ عبدالرحمن الصوفي الزيلعي، السـيد حبيب البغدادي، الشيخ عبدالهادي نجا الإبياري، الشيخ إبراهيم الأحدب الطرابلسي، أسعد أفندي طراد، خليل أفندي الخوري، المعلم مارون النـقاش، الشيخ محمد الموقت، الشيخ حسن علي اللــقـاني، الشيخ إبراهيم سراج الدين الشافعي، الشيخ محمود نوار، محمد عثمان أفندي، وهي أسماء تـتـردد بين المشهورين والمغمورين.
واليازجي يعلي من قيمة الصداقة، مما يجعلها موضوعًا أدبيًّا متكررًا، فيقول يرثي صديقًا(4):
قَدْ كُـنْـتُ أَنْــتَــظِــرُ الْــبُـــشْـــرَى بِـــرُؤْيَــتِــهِ
فَـجَـاءَنِــي غَـيْـرُ مَا قَدْ كُـنْـتُ أَنْـتَظِـرُ
إِنْ كَانَ قَدْ فَاتَ شَهْدُ الْوَصْلِ مِنْهُ فَقَد
رَضِيتُ بِالصَّبْرِ، لَكِنْ كَيْـفَ أَصْـطَبِـرُ؟!
أَحَـــبُّ شَــيْءٍ لِـــعَــــيْـــنِــي حِـــيـــنَ أَذْكُـــرُهُ
دَمْعٌ، وَأَطْيَـبُ شَيْءٍ عِنْدَهَـا السَّهَـرُ
هَــذَا الـصَّــدِيــقُ الَّــذِي كَــانَــتْ مَــوَدَّتُـــهُ
كَـالْكَـوْثَـرِ الْـعَـذْبِ لَا يَــغْـتَــالُـهَـا كَـدَرُ
كما أيـد ناصيف اليازجي محمد علي باشا في فتوحاته ومشروعاته النهضوية، فقال اليازجي يهنـئه بفتح عكا وانتصاره على عبدالله الجزار واليها آنذاك:
يَـا فَـاتِـحَ الْــقُــطْــرَيْــنِ أَنْــتَ مُـحَـمَّــدُ
هَلْ دُونَ فَتْحِكَ فِي الْبِلَادِ مُسَدَّدُ؟!
أَنْــتَ الْــعَـــلِــيُّ كَـمَـا يُـقَــالُ وَنَــسْــلُـهُ
مِـنْكَ الْـمَـعَـالِـي لَمْ تَـــزَلْ تَـــتَـــوَلَّــدُ
لَـمَّـا بَـعَـثْـتَ مِنَ الْـكِـنَـانَـةِ سَـهْـمَـهَا
حَـــلَـفَـتْ عَـــلَـيْـــهِ أَنَّــهُ لَا يُــصْــرَدُ
وظل اليازجي يـدرس ويـؤلف حتى ابـتـلي بفالج شل شطره الأيسر، ثـم أصيب بفقد حبيب أكبر أبنائه وهو في شرخ الشباب، فـلـبى اليازجي نداء ربه بعده بقليل، وقد رثا اليازجي حبيبا، قائلاً(5):
ذَهَبَ "الْحَبِيبُ" فَيَا حُشَاشَةُ ذُوبِي
أَسَـــفًـا عَــلَـيْـه ِ وَيَــا دُمُـــوعُ أَجِـيـبِـي
رَبَّـــيْـــتُــهُ لِـــلْـــبَـــيْـــنِ حَـــتَّـــى جَـــاءَهُ
فِـي جُــنْـحِ لَــيْــلٍ خَـاطِــفًـا كَــالـذِّيـبِ
يَــا أَيُّــهَــا الْأُمُّ الْــحَــزِيــنَـةُ أَجْــمِــلِــي
صَـبْـرًا فَـإِنَّ الـصَّـبْـرَ خَــيْــرُ طَـبِـيـبِ
لَا تَـخْــلَـعِـي ثَـوْبَ الْـحِـدَادِ وَلَازِمِـي
نَـــدْبًــا عَــلَـيْـه ِ يَـلِــيـقُ بِـالْــمَـحْـبُــوبِ
إِنِّـي وَقَــفْــتُ عَــلَى جَـوَانِـبِ قَـــبْــرِهِ
أَسْـقِـي ثَــرَاهُ بِـدَمْـعِـيَ الْــمَـصْـبُـوبِ
وَلَـقَــدْ كَـتَـبْـتُ لَـهُ عَــلَـى صَـفَـحَاتِـهِ
يَـا لَــوْعَـــتِـي مِـنْ ذَلِـكَ الْــمَكْـتُــوبِ
لَـكَ يَـا ضَــرِيــحُ كَــرَامَــةً وَمَــحَــبَّــةً
عِـنْدِي لِأَنَّـكَ قَدْ حَـوَيْـتَ "حَـبِـيـبِـي"
وبدت تجليات العلوم التي نهـل منها اليازجي فيما خلفه من مؤلفات متنوعة، وسنضع بين يدي القارئ ثـبـتًا بأسماء المؤلفات، مصحوبة بتواريخ الطبعات، وما خالج بعضها من شرح أو تصحيح أو اختصار؛ لباعثـين مهمين، أولهما: تـقادم زمن طباعتها، فغالبيتها تجاوز القرن ونصفه، ثانيهما: الأهمية العلمية لهذه المؤلفات، مما يدفع الباحث إلى التــنادي بجمعها وتحقيقها ودراستها على هيئة الأعمال الكاملة كمشروع علمي قادم.
ثانيًا: الآثار العلمية التي خلفها ناصيف اليازجي:
في الصرف والنحو: أرجوزة "لمحة الطرف في فـنون الصرف"، وهي أرجوزة تقع في سبع عشرة صفحة، ألفها وشرحها اليازجي سنة 1854م، وطبعتها المطبعة المخلصية للروم الكاثوليك في بيروت سنة 1870م. وأرجوزة "الجمانة في شرح الخزانة"، وهي أرجوزة طويلة تقع في مائة وأربعين صفحة، وطبعتها المطبعة المخلصية، فالمطبعة الأمريكية سنة 1872م، واختصر ابنه الشيخ إبراهيم الشرح وأصدر الطبعة المختصرة سنة 1889م، وهي في علم الصرف، واعتمد فيها على المستعملات واستغنى عن الشوارد وشملها بالشرح والتعليق. وكتاب سماه اليازجي "طوق الحمامة"، وهو كتاب نثري مختصر يقع في عشرين صفحة، طبعته المطبعة المخلصية سنة 1865م، ويبدو تأثر اليازجي بالتراث العربي في استلهام عنوان كتاب "طوق الحمامة في الألـفة والألاف" لابن حزم الظاهـري وإن اختلفا في المحتوى المعرفي للكتابين. وأرجوزة "اللـباب في أصول الإعـراب"، وهي أرجوزة تقع في ثمان وعشرين صفحة، طبعت سنة 1889م، وشملت مبادئ النحو وشرحها. وأرجوزة "نار الـقـرى في جوف الـفـرا"، وهي أرجوزة تقع في ثلاث مائة وتسع وثمانين صفحة، فرغ اليازجي من تبييض الشرح سنة 1861م، وطبع في بيروت سنة 1863م، واختصره ابنه الشيخ إبراهيم في مائتين وست وتسعين صفحة، وطبع سنة 1889م، كما أعرب شواهده المعلم شاهين عطية، وسماه "الدرر في عـقـود الجـوهـر"، ويبدو توظيف اليازجي لـلـمـثـل العربي "كل الصيـد في جوف الـفـرا"، وهي في قضايا النحو المتفرقة في مصادر أئمة النحاة. وكتاب سماه اليازجي "الجـوهـر الـفـرد"، وهو كتاب موجز يقع في خمس عشرة صفحة، وطبعته المطبعة المخلصية سنة 1865م، وشرحه ابنه الشيخ إبراهيم، واختصر فيه قواعد الصرف والنحو اختصارًا شديدًا، وسماه "مطالع السعد في شرح الجـوهـر الـفـرد"، وطبع في بيروت سنة 1888م، وقد وضعه اليازجي للطـلاب الناشئة، وفكرة (التــفــرد والـفـرد والـفـردية والـفـردانـية) بتقاليبها اللغوية وظلالها الفلسفية لاشك مست قلم اليازجي، حين وضع عنوان "الجـوهـر الـفـرد". وكتاب "فصل الخطاب في أصول لغة الأعـراب"(6)، وهو كتاب يقع في مائة وأربع وعشرين صفحة، وطبع في بيروت سنة 1854م، ثـم أضاف إليه اليازجي زيادات فوقع في مائتين وسبع وخمسين صفحة، وطبع سنة 1866م، ثـم طبعته المطبعة الأمريكية سنة 1877م، وقسمه إلى قسمين للصرف وللنحو. ثـم تنقيح كتاب "بحث المطالب"(7)، وضبطه اليازجي للمطران جرمانوس فرحات.
وفي البلاغة: كتاب "عـقـد الجمان"، وهو كتاب يقع في مائتين وست عشرة صفحة، أنهاه اليازجي سنة 1848م، وطبعته المطبعة الأمريكية تحت عنوانين: "عـقـد الجمان"، و"مجموع الأدب في فـنون العـرب"، عدة طبعات؛ أولاها سنة 1908م، آخرها التاسعة سنة 1932م، وأعاد ترتيبها لبيب جريديني مدمجًا الـمـتـن في الشرح، والكتاب ضم خلاصة المعاني والبيان، بين متن وشرح. وأرجوزة "الطراز المعـلم"، وهي أرجوزة تقع في خمس وثلاثين صفحة، فرغ من تبييضها اليازجي سنة 1861م، وطبعتها المطبعة المخلصية سنة 1868م، وهي مشروحة مختصرة في مبادئ البيان.
وفي العروض: أردف اليازجي بكتاب "عـقـد الجمان" بحثًا سماه "نـقطة الدائرة"، في العروض والقافية. ثـم أرجوزة "اللامعة في شرح الجامعة"(8)، وهي أرجوزة تقع في مائة وسبع وعشرين صفحة، أنهاها اليازجي سنة 1853م، وشرحها ابنه الشيخ حبيب، وطبعت في بيروت سنة 1869م، وهي في العروض والقافية.
وفي الشعر: ديوان "نـبـذة من ديوان الشيخ ناصيف الـيازجي"، وهو ديوان يقع في مائة وثمان وعشرين صفحة، له طبعتان: أولاهما في بيروت سنة 1853م، وثانيتهما بالمطبعة الشرقية في بيروت سنة 1904م، عنوانها: "النـبـذة الأولى"، صححها ابنه الشيخ إبراهيم، وصدرها سبطه الشيخ أمين الحداد بترجمة الناظم. وديوان "نـفحة الريحان"، وهو ديوان يقع في مائة وثمان وثلاثين صفحة، له طبعتان: أولاهما بالمطبعة العمومية في بيروت سنة 1864م، وثانيتهما بالمطبعة الأدبية في بيروت سنة 1898م، وصححها ابنه الشيخ إبراهيم. وديوان "ثالث الـقمرين"، وهو ديوان له طبعتان: أولاهما في بيروت سنة 1883م، مذيلة قصائدها بتواريخها، وثانيتهما بالمطبعة الأدبية في بيروت سنة 1903م، وتقع في مائة وست وأربعين صفحة، وصححها ابنه الشيخ إبراهيم. وديوان "نـبـذة تـواريخ مـقـتطـفة من ديوان الشيخ ناصيف اليازجي"، وهو ديوان يقع في ست عشرة صفحة، وطبع في بيروت سنة 1859م.
وأوضح عمر الدسوقي أن ناصيف اليازجي خلف ديوان شعر، يقع في ثلاثة أجزاء، هي: "نفحة الريحان"، و"فاكهة الندماء"، و"ثالث القمرين"(9)، مما يعني نظرته إلى النـبـذتـيـن السالفـتـين بوصفهما من المختارات الشعرية وليستا من الدواوين الأصيلة في التـأليف. ولليازجي خطاب شعري(10)، طبع سنة 1852م، وهو عن العلوم عند العرب، منذ العصر الجاهلي فالإسلامي وحركة التـدوين.
وفي المختارات الشعرية: ديوان "فاكهة الندماء في مراسلة الأدباء"، صدرت طبعته الأولى في بيروت سنة 1870م، ومنها بدار صادر في بيروت سنة 1930م، والثالثة طبعتها المكتبة المصرية لعزيز أفندي زند في القاهرة سنة 1889م، وطبع بالإفراد (مراسلة)، كما طبع بالجمع (مراسلات)، وهو مجموعة قصائد من الشعر العمودي بين الشاعر ناصيف اليازجي وبعض شعراء عصره، والأصل فيه أنه جمع بين الرسائل الشعرية والنـثرية، فلما طبع في ديوان اقتصر على الشعرية؛ حتى خرج الكتاب على هيئة ديوان لا يضم سوى القصائد؛ لذا أدرجناه تحت المختارات الشعرية التي تشبه المعارضات وزنا وقافية.
وورد في تـتـمـة الديوان: "هذا ما استطعـنا جمعه من هذه المراسلات، وقد بـقـيـت عدة قصائد واردة من الجهات، لم نجدها فلم نـتعرض لطبع أجوبتها المدرجة في النـبـذتـيـن المطبوعتين من ديوانه، ومما فاتـنا أيضًا الرسائل النـثرية المرسلة منه إلى الشعراء خطابًا أو جوابًا، إذ ليس لها صور هنا، ولا سبيل إلى استجلابها من حيث هي؛ ولذلك خلا منها هذا المجموع"(11)، واهتم سليم دياب بتقصي الرسائل شعرها ونثرها ووعد بإصدارها مجتمعة، يقول: "عنيت باستقصائها فوجدت شيئا كثيرًا من رسائل نثرية وشعرية أغـفلت في الطبع، فجمعـتها عندي، وسأتـرقـب الفرصة لنشرها"، ويعـقـب عليه عيسى ميخائيل سابا قائلاً: "على أنه لم يفعل ذلك، ولم يقع لنا شيء مما وعد به"(12).
ولكن بمطالعة الديوان وجدناه قد حوى عددًا من الرسائل النـثرية(13)، التي دارت بين اليازجي وأصدقائه مصحوبة بالرسائل الشعرية؛ ووردت من محمد أفندي عاقل، والشيخ عبدالرحمن الصوفي الزيلعي، والشيخ عبدالهادي نجا الإبياري، والشيخ حسن علي اللــقـاني.
وفي شروح الشعر: كتاب "العرف الطـيب في شرح ديوان أبي الطـيب"(14)، وهو كتاب يقع في سبع مائة وثلاث عشرة صفحة، طبعـته مطبعة القديس جاورجيوس في بيروت سنة 1882م، ثـم أصدرته في جزأين دار صادر في بيروت سنة 1964م، وهو شرح ماتع لديوان شيخ الشعراء؛ أبي الطــيب أحمد بن الحسين الجعـفي الكـندي الـكوفي، المعروف بالمتــنـبي (ت 354 هـ)، كما يذكر أن شرح اليازجي للمتنبي قد أتمه ابنه إبراهيم، ولعل هذا هو السبب في أن الباحث لما عاين أصل هذه الطبعة وجد في حـرد مـتــنـها أن اليازجي قد فرغ من تبييضها ونشرها سنة 1887م، وهو تاريخ تال للمثـبت على الغلاف!
وفي الأدب: كتاب "مجمع البحرين"، فقد "ذهب الشيخ ناصيف اليازجي في نثره مذهب البارودي ومدرسته في إحياء الشعر العربي، فكان اليازجي مـقـلـدًا لكتاب النـثر العربي في العصر العباسي"(15)، وهو ستون مقامة نسج فيه على منـوال مقامات أبي الفضل بديع الزمان الهمذاني (ت 398 هـ)، وأبي محمد القاسم الحريري (ت 516 هـ)، وقد نسب اليازجي روايتها إلى سهـيـل بن عباد، وبطولتها إلى ميمون بن خزام، وعليها تلقى اليازجي مراسلات تــقريظ كثيرة من أصدقائه؛ لما لمسوه من إحاطته بغريب لغة العرب وأمثالهم وأيامهم، فمقامات اليازجي تعد وثـيقة تاريخية وحجة لغوية في آن.
وفي المنطق: رسالة "قطب الصناعة في أصول المنطق"، وهي رسالة تقع في سبع وثلاثين صفحة، أنهاها اليازجي سنة 1857م، وطبعـتها المطبعة الأمريكية عدة طبعات؛ أولاها سنة 1857م، وآخرها الرابعة سنة 1913م، فـكـونت الرسالة والأرجوزة معًا خمسين صفحة، وقد خصصها اليازجي لأنواع القضايا والقياس، وأردف بها أرجوزة صغيرة سماها "التـذكرة في أصول المنطق"، عن أركان المنطق.
وفي الطب: أرجوزة "الحجر الكريم في الطب الـقديم"(16)، وهي أرجوزة تقع في أربعة وثمانين بيتًا. كما وضع اليازجي "المقامة الطـبـية"، وهي المقامة الثلاثون ضمن مقامات "مجمع البحرين".
ويوضح عيسى ميخائيل سابا أن(17): فن الكتابة عامة في بيروت في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي كان على قـدر كبير من الانحطاط والركاكة، ولم يكن إنشاء الـكـتـاب يجري وفـق قواعد اللغة وعلومها، ويستشهد على ذلك ببعض الوثائق التي كانت تــكـتـب في دواوين الحكام، حيث تسربت إليها مسحة اللهجة العامـية والرطانة الأعجمية، فـكادت اللغة المعربة والعبارة الصحيحة أن تغيب، فحاول بعض الكـتاب النهضة باللغة في مصر والشام، مثل: ناصيف اليازجي وفارس الشدياق وبطرس كرامة ونقولا الترك ومارون النـقاش، لكن الكتابة الأدبية آنذاك خرجت في رداء القرن الثامن عشر الميلادي، فغلب عليها السجع، حتى أخذت في التـحـرر منه تدريجيا؛ بسبب انتشار التعليم ونشوء الصحافة والاقتراب من الغرب.
المراجع:
(1) انظر: ديوان النـبـذة الأولى: ناصيف اليازجي، المطبعة الشرقية، بيروت- لبنان، ط2، سنة 1904م، صفحة ت.
قاموس الأدب العربي الحديث: إشراف وتحرير/ د. حمدي السـكوت، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة- مصر، ط1 (طبعة مزيدة ومحدثة)، سنة 1436هـ/ 2015م، ص813 - 814.
الأعلام: خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت- لبنان، ط1، سنة 1412هـ/ 1992م، ترجمة ناصيف بن عبد الله اليازجي (1214 - 1287هـ/ 1800 - 1871م).
في الأدب الحديث: عمر الدسوقي، دار الفكر، بيروت- لبنان، ط8، سنة 1393هـ/ 1973م، ج1/ ص70.
(2) مجلة الجنان: بيروت- لبنان، السنة الثانية، 1871م، ص195.
(3) انظر: قاموس الأدب العربي الحديث: ص 814.
في الأدب الحديث: ج1/ ص70.
(4) انظر: في الأدب الحديث: ج1/ ص73.
(5) انظر: في الأدب الحديث: ج1/ ص75.
(6) لا أدري لم اقتصر عمر الدسوقي على ذكر كتاب «فصـل الخطاب في أصول لغة الأعـراب»، كمؤلف لليازجي في الصرف والنحو، وأغفل سائر المؤلفات؟! انظر: في الأدب الحديث: ج1/ ص72.
(7) انظر: مجلة الجنان: بيروت- لبنان، السنة الثانية، 1871م، ص190 - 191.
(8) أصدرت مكتبة لبنان ناشرون، بيروت- لبنان، سنة 1419هـ/ 1999م، كتاب «دليل الطالب إلى علوم البلاغة والعـروض»، كطبعة حديثة ميسرة لمؤلفات اليازجي في هذين العلمين.
(9) انظر: في الأدب الحديث: ج1/ ص72.
(10) انظر: أعمال الجمعية السورية، الكراس السادس، ص41 - 43.
(11) ديوان فاكهة الندماء في مراسلات الأدباء: طبعة المكتبة المصرية لعزيز أفندي زند، القاهرة- مصر، ط1، سنة 1889م، ص90.
(12) مجلة الجنان: بيروت- لبنان، السنة الثانية، 1871م، ص152.
الشيخ ناصيف اليازجي (الكتاب السادس من سلسلة نوابغ الفكر العربي، صدرت طبعته الأولى سنة 1385هـ/ 1965م): عيسى ميخائيل سابا، دار المعارف، القاهرة- مصر، ط3، سنة 1400هـ/ 1980م، ص22.
(13) الرسائل النثرية في ديوان فاكهة الندماء في مراسلات الأدباء: رسالة عاقل، ص14. ورسالة الزيلعي، ص19. وثلاث رسائل للإبياري، ص26 - 38 - 43. ورسالة اللــقـاني، ص75.
(14) انظر: قاموس الأدب العربي الحديث: ص 814.
في الأدب الحديث: ج1/ ص72.
(15) قاموس الأدب العربي الحديث: ص 814.
(16) نشرت في مجلة الطبيب: بيروت- لبنان، العدد الرابع عشر، سنة 1902م، ص125 - 151.
(17) انظر: الشيخ ناصيف اليازجي (الكتاب السادس من سلسلة نوابغ الفكر العربي): ص8- 9.
وللاستزادة فقد أشار عيسى ميخائيل سابا في طيات حديثه إلى كتاب «الأصول العربية» لأسد رستم، و«مذكرات تاريخية» للأب قسطنطين الباشا، و«الأساليب النثرية» لأنيس المقدسي.
ويمكن أن نضيف إليها كتاب/ مصادر الدراسة الأدبية: يوسف أسعد داغر، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت- لبنان، ط1، سنة 1420هـ/ 2000م.
تغريد
اقرأ لهذا الكاتب أيضا
- معارضةُ القرآن اختلاقُ أدب أم اختراقُ قداسةٍ؟!
- الشِّعرُ بين هندسةِ اللُّغة وعمقِ الفلسفةِ (فِي ديوانِ حكايا راحلة)
- البعدُ الحضاريُّ للُّغة العربية
- ملامح الاغتراب في رواية (بيت النَّخيل)
- قضايَا الوطنِ في رسالةِ الشِّعرِ (دماءٌ على خيوطِ الفجرِ.. نموذجًا)
- صورة المجتمع السعودي في رواية «حريملاء رغبة»
- القيُّوم في ملكه الوباء من منظور الإسلام
- الآثارُ العلميَّةُ لناصيفِ اليازجيِّ
- العالِمُ الحقُّ
اكتب تعليقك