مثاليونالباب: حياتنا

نشر بتاريخ: 2015-08-24 00:41:53

عماد أحمد العالم

يمتلك حسابًا في تويتر والفيس بوك وماي سبيس  والإنستجرام وقناة في اليوتيوب وفعال جدًّا في التواصل بالواتس أب وجميع برامج المحادثة الفورية ومواقع التواصل الاجتماعي، وله أتباع بعشرات الألوف ومريدون ومتتبعون لكل ما يكتبه ويقوله. من كثرة ما يصبغ نفسه بهالة المصلح أو الحكيم تظنه ملاكًا لا يخطئ أبدًا ومنزهًا. حديثه يبدؤه بأخي وأختي منمقًا عباراته، ويجامل الجميع. هو في "السيبر" أو الفضاء الافتراضي إنسانٌ آخر بخلاف واقعه، وبشهادة جميع من حوله، سواءً كانوا أصدقاءه أو أهل منزله.

لا يتحرك إلى مكان وإلا وقد تسلح بجهاز الآيفون والبلاك بيري والنوت ومعهم كمبيوتره المحمول. ما إن يجلس على كرسيه إلا ويبدأ تسفيط أجهزته بانتظام مستخدمًا كلا منها على حدة في تناغمٍ وتعامل سريع، حيث يطغى على ما يقوله حكمته التي عرفها عنه الجميع، وينتظرها كل متتبعٍ له عله يحظى منه بنصيحةٍ لمشورة سألها له.

هو المثالي الذي تتمنى كل زوجة أن يكون زوجها مثله وكذلك الأخت التي تعاني من قسوة إخوتها!... لكن، هل هو بالفعل في حياته الخاصة وبعيدًا عن الأعين والآذان كذلك؟ وهل تحولنا لممثلين نحاول أن نظهر دومًا بخلاف طبيعتنا، وهل أصبحنا مثاليين في محاولتنا للظهور أمام الآخرين، فيما نحن بشر بخطئهم وصوابهم في حياتهم العامة والخاصة. ولم نتقمص باقتناع دومًا وبأريحية دور الشخصية المزدوجة التي تحاول أن تظهر باستمرار بصفات الكمال، فيما هي من بني آدم ومن لحم ودم؟

من باب الإنصاف لسنا وحدنا كذلك، فجميع من يختلف عنا عرقًا ودينًا هم كذلك، حتى أكثر الشعوب تطورًا وتقدمًا ليسوا باستثناء. خذ مثلاً أمريكا، وانتقي أحد مواقع التواصل من أجل الزواج أو ما يسموه بالمواعدة، وقم ببحثٍ قصير لن يأخذ منك وقتًا حتى تجد أن أغلب من يشترك في هذه المواقع قد وضع أجمل صورةٍ له، والتي قد لا تعكس ماهيته الحقيقية بدون الإضافات والمكياج واللبس والفلاتر الإضافية. راجع "بروفايله" أو ما يصف به نفسه للآخرين وستجده الرجل الأنسب أو المرأة المناسبة. ولكن هل يعكس ذلك واقعهم؟.... بالطبع قد يكون بعضهم إلى حدٍ ما كذلك، لكن العديد منهم بعكسه، والكثير من الجرائم التي تعرضت لها نسوة كانت بدايتها تعارف عن طريق أحد مواقع التواصل الاجتماعي أو المواعدة.

الظهور بمظهر المثالية أو الرغبة في إسباغها على الشخصية لا يمكن وصفها بالعمل الناتج عن فطرتنا كبشر، كما لا يمكن أن نجد فيه عذرًا لأحد أو مبررًا ليكون كذلك. يتحمل فيه المسؤولية ليس فقط المدعي ولكن المتتبعين أيضًا، وهم الذين أضفوا عليه هالةً منذ البداية، ورفعوه لمرتبةٍ ومقام جعلته لا يملك إلا أن يستمر في أداء الدور الذي رسمته له أقلام من منحوه الشهرة والظهور.

قالوا وباللهجة الشعبية "المعربة": ما الذي فرعن فرعون، فأجابوا: هم من زينوا له ذلك، واستبدلوا حريتهم بعبوديتهم له!

نحن كعامة وكجموع بشرية من تصنع نماذج تحب أن تراها في شكل أشخاص وبحديثهم وبتصرفاتهم وأفعالهم وأقوالهم، ونحن أيضًا من يرفع مقامهم ويعليه، ومن يجعل كل إنسان عادي مثاليًّا متصنعًا، لأننا نرخي له آذاننا، ونأبى انتقاده حال خطئه، فيما نصفق له وبكل مبالغة إن أصاب، وكأنه أتى بما لم يأت به أحدٌ غيره.

الشعوب هي من تصنع أبطالها، وهي أيضًا من توجد ديكتاتوريها وطواغيتها الذين يمارسون بحقها التنكيل فيما هي تبهل بالدعاء والتمنيات لهم. إن منحوا الفرصة يومًا للمفاوضة في مقابل الحصول على الحرية؛ تجدهم استبدلوها بشروطٍ أخرى لتحسين حياتهم وحالهم في العبودية!

لا عيب في أن يرسم الإنسان نفسه، وأن يضفي لشخصه سمة معينة وطابعًا يأمل أن يتعامل معه الآخرون على أساسها، لكن الخطأ في التصنع وازدواجية التعامل والتصرف وأمر الآخرين بأمرٍ لا ينفذه قائله. هذه هي المعضلة والمشكلة في كون الإنسان مثاليًّا!

يتميز العديد من مشاهيرنا، أو لنقل "يُعرف" - لمن يعترض على الكلمة-  بتصنعهم وتكلفهم ومحاولتهم دومًا الظهور بصفة الكمال أمام محبيهم. خطأهم كما أسلفت ذكره يتشاركه معهم كل معجبٍ لهم، فهو من يرغب في رؤيتهم بصورةٍ نرسمها لهم، فيما هم من حققوه له أو لها عبر تمثيلهم لنمطها. على العكس تمامًا وفي الكثير من الحالات، تمتلئ الصحف والمجلات الغربية بفضائح وفظائع يقترفها المشاهير. منها من يُسجن بسببها أو يحاكم، وفي أخرى يُشهر به؛ ومع ذلك قد تزيد مثل هذه الحوادث من شعبية النجم الذي يسعى مصورو البابارادزي (الفضائح) خلفه لينال صورة يبيعها لأي وسيلةٍ إعلامية.

مثاليتنا أو لنقل تصنعنا الكمال (الذي لن نناله) جعل من بعض الشخصيات المعروفة تُصاب بجنون العظمة، الذي يتجلى في عدم اعترافها تحت أي ظرفٍ بخطأٍ ارتكبته إلا إن وصل الأمر لحد الفضيحة.

طبعا كم سمعنا عن كاتب مشهور سرق أفكار غيره كما هي ونشرها باسمه أو أعاد صياغة بعض كلماتها ونسبها لنفسه، منكرًا الفضل لكاتبها ومتجاهلاً عن  عمد حتى بالإشارة إليه!.... إن تم اكتشافه، سيهب جيش متابعيه ومحبيه للذود عنه وكأنه ملاك لا يخطأ، وستنال ألسنتهم من صاحب الحق، الذي إن لم يكن يمتلك حينها المادة والحجة والقوة للدفاع عن نفسه؛ فاعلم حينها أنه قد خسر المواجهة لطرفٍ على باطل، لكنه انتصر بفضل تصنعه المثالية وتبعية محبيه التي أعمتهم  عن رؤية الحق وعن إمكانية خطئه!

مفهوم الاعتذار لديهم غريب، ويظنون أنه قد ينقص من شأنهم ويفض الناس من حولهم، يخافون من أن يفقدوا شعبيتهم والهالة التي يستمتعون بها، لكنهم وبجهل يفقدون الاحترام وإن طال أمده.

المثالية سواءً كانت مثالية أو تصنع أفضل ما يمكن وصفها به هو التمثيل الرديء السيء، لكن العديد يصدقه برغم ذلك ويتعلق بالفاشل الذي يلعب دور الممثل فيه!


عدد القراء: 5961

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-