التربية والتوافق المجتمعي!الباب: حياتنا

نشر بتاريخ: 2015-05-10 10:07:36

عماد أحمد العالم

فقط دع الناس تقول ما تريد وافعل أنت ما تريد!......

ويقال أيضًا: البس كالناس وكل كما تشاء!

مثالان يظهران مفهوم التوافق المجتمعي في ثقافتنا العربية، وضرورة الالتزام به وعدم السباحة عكس التيار ومخالفة العادات والتقاليد، التي يشكل اللبس والحديث فيها نمطا لا يحبذ أبدًا الخروج عليه، وعليك كعربي تعيش في مجتمعك أن تكون كالأغلبية حتى ولو لم تكن مقتنعًا. قناعتك ليست حقًّا ملكك وربما تكون سببًا في مخالفتك للتيار السائد. حينها ستتعرض للنقد والتجريح والعداء دونما أي احترامٍ لحريتك الفردية، والتي سيؤكد لك القائمون على تقاليد المجتمع أنها تنتهي بهم، دون أي اعتبارٍ لك!

للأسف لا نملك الحلول الوسط في ثقافتنا التي باتت تتذبذب وتتأرجح بين النقيضين؛ هي إما أقصى اليمين أو اليسار، بدون أي مساحة في الوسط تعطي الحق والحرية لهذا وتضمن الاحترام لذاك.

قبل سنين قريبة ماضية، لن تستغرب أبدًا إن سمعت أن فلان قد منع ابنه أن يركب معه في السيارة لحضور مناسبةٍ رسمية وذلك لأن الابن لم يكن يرتدي الزي الشعبي الشائع، كما لم يكن يربي شاربه (أي حليق) كما يسموه الأغلبية. قصة شعره ليست بالمستفزة المضحكة، لكنها خرجت عن النمطية السائدة والشائعة تلك الأيام. خشي الأب ووجس من أن يقلل الحضور قيمته إن أركب ابنه بجانبه في السيارة واصطحبه لحضور الحفل. تراءى للأب الذي لم يقدر مرغمًا أن يفرض نمطه على ابنه شفاه الحاضرين وهي تهمس لآذان مجاوريها ضاحكة بأن «الرجل بلا شنب كالقط بلا ذنب». الأب نفسه كتبها على سبورة فصله في أثناء دراسته الثانوية أكثر من مرة مستفزًّا أستاذه المغترب الذي لم يكن يربي شنبًا أو لحية!

الحال تغير الآن وأصبح العديد من الآباء أكثر ديموقراطيةٍ، وأقل اهتمامًا بالموروثات التي تفرض إرادتها على الشكل. سمح لأبنائه أن يلبسوا كما شاءوا وتفاخروا بهم أمام الآخرين رغم لبسهم الذي لا يخلو من استهتار في المظهر ومخالفةٍ للذوق العام، وتسريحات شعورهم المضحكة والغريبة والملفتة للنظر والانتباه. قد يكون السبب في تغاضي الآباء أيضًا هو شعورهم أن أسلوب التربية القاسي الذي نشأوا عليه لم يعد يجدي نفعًا مع جيل يشارك صور حياته اليومية مع الآخرين عبر الإنستجرام، ويبث همومه وشكواه في تويتر والفيس بوك. لديه مقدرة تتميز بجرأة تعدت الحدود على الرد وهو يضع قدمًا فوق أخرى ولا ينزل عينيه أو يعبث بهما في الأرجاء في أثناء النظر لأبويه أو من هم أكبر سنًّا منه!

في جلسات الأصدقاء والسمر، ستسمع باستمرار حكايات جيل متقارب العمر ممن تعدوا مرحلة الشباب أو لنقل أيضًا المراهقة، وهم يصفون تجربتهم مع آبائهم وكيف كان الخوف يسيطر عليهم بمجرد أن يرمق والد أحدهم ابنه، ليبدأ الأخير في الرجفان ودون أن ينبس الأب بكلمة. آهات حسرة حين يقارنوها بحالهم، وكيف تحولت ديموقراطية الحوار المتبعة لعناد من قبل الأبناء وتذمر من تمردهم. لكنهم إن طلبت من أحدهم تطبيق نفس مفهوم التربية الذي عاصره على أبنائه؛ رفض واستنكر وتشدق بالديموقراطية وبأسلوب التربية الحديث.

آخرون على النقيض تمامًا, وأقل ما يمكن أن تصفهم به هو الهمجية في التربية. يستعمل الضرب والشتيمة مع أبنائه. جل كلماته لهم هي لا وأحذرك وستضرب وتحرم!....أما إن كان حديثهم موجهًا لطفلِ صغير؛ فالنهي والزجر والصراخ كما هو وإن اختلف لفظه......"كخا" و "ددا". المحصلة أن تجد الرضيع ينطق كلمات النهي التي سمعها من أبويه قبل أن يقول ماما وبابا!

كم مرة مرّ بجانبك أب أو أم في السوق وأحدهما يطبق يده على رقبة ابنه أو ابنته ويجره نحو السيارة, واصفًا إياه بالحمار والغبي ومتوعدًا بحفلة ضرب حال ما يصل المنزل؛ غير مكترثٍ بنظرات من حوله له أو مراع لمشاعر طفله الذي سيقتل فيه كرامته وعزته واعتداده بنفسه, ليكبر وهو مهزوز الشخصية لا يثق بنفسه ولا يملك قراره.

أطفالنا تاهوا بأمانينا لهم وما نخططه لمستقبلهم. نحن من نختار لهم المدرسة والجامعة, ونحن من نجبرهم لدراسة تخصص قد لا يهواه, لكننا نراهم فيه, دون أن نمنحهم المجال ليصنعوا أنفسهم بأيديهم دون تدخلٍ مباشر. أغفلنا التوجيه واستبدلناه بالإجبار....إن ناقشونا, استعملنا وقتها سلطتنا كآباء وهددناهم إما بالدعاء عليهم والغضب الذي سيزلزلهم أو توعدناهم بالطرد والحرمان, ليخروا بعدها خانعين لنا ومنفذين لما ارتأيناه لهم لا ما يريدوه!


عدد القراء: 5311

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-