مجددًا أنا وليلى!الباب: مقالات الكتاب
عماد أحمد العالم |
يبدو أن اسم ليلى ارتبط لدى المحبين بالشقاء والعذاب، فكل محبي ليلى أو على الأقل من تداعوا لمسامعنا تجرعوا مرارة الهوى وحسرة الفراق وألم البعاد
يقولون: ليلى في العراق مريضةٌ؛ فيقول يا ليتني كنت الطبيب المداويا....
هي ليلى مجدداً التي أتحدث عنها وأجعل منها رمزاً خصصته، ليكون أيقونة العشاق من الرجال المحبين والمصابين بجنون الهوى، الذي لا يعرف الحدود والفواصل، فهوى أنفسهم أقوى من أن تحجر عليه ظروف قاهرة، على الرغم من أنها الظروف نفسها التي ستنجح يوما في منعهم من تحقيقهم مرادهم ونيلهم ود محبوبتهم وخطفهم لها؛ ولن أقول: على حصانٍ أبيض، فتلك رؤى باتت مستهلكة، ولا تعبر عن جموح عاشق ومحبة لم يكن الحظ يجاورهما أو يمر بجانبهما، لينالا وداً تمنيا أن يجمعهما سويةً.
ليلى الأنثى هي واحدة كاسم، وإن تعددت مسمياتها وأزمان تواجدها. من العامرية ليلى التي تصغر عاشقها قيس بأربعة أعوام، وولدت في بلدة اسمها النجوع وتسمى اليوم باسمها، والتي هي عاصمة محافظة الأفلاج بمنطقة الرياض. تربت مع قيس ورعيا الغنم سويةً، فلما كبرت حجبت عنه فأزداد هيامًا بها، ورفض أهلها أن يزوجوها به ليس لأنها غنية وهو فقير كعادة المسلسلات العربية، وإنما لاشتهار حبهما بين العرب، فهام المسكين على وجهه ينشد الأشعار، ويتغنى بحبها إلى أن وجد ملقى بين أحجار وهو ميت فيها، ومما قال أذكر يائيته التي أورد بعض أبياتها:
أَعُــدُّ اللــَـيالي لَيلـةً بَـعـدَ لَـيلَـةٍ
وَقَد عِشتُ دَهراً لا أَعُدُّ اللَيالِيا
وَأَخرُجُ مِــن بَينِ الــبُـيـوتِ لَعـَلَــّنـي
أُحَدِّثُ عَنكِ النَّفسَ بِاللَيلِ خالِيا
أَراني إِذا صَـلَّـيتُ يَمَـّمـتُ نَـحـوَها
بِوَجهي وَإِن كانَ المُصَـلّى وَرائِيا
وَمـا بِـيَ إِشـراكٌ وَلَكِــنَّ حُـبَـّـهـا…
وَعُظمَ الجَوى أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا
أُحِـبُّ مِـــنَ الأَسماءِ ما وافَقَ اِسمَها
أَوَ أشــبـَهَــهُ أَو كانَ مِـنـهُ مُـدانِيا
إِذا اِكتَـحَـلَـت عَـيني بِعَينِكِ لَـم تَزَل
بِخَيرٍ وَجَــلَّـت غَـمرَةً عَن فُؤادِيا
هِيَ الــسِّــحــرُ إِلّا أَنَّ لِلــسِـّحـرِ رُقيَـةً
وَأَنِّيَ لا أُلــفـي لَـهـا الدَّهرَ راقَيا
عَلى مِـثـلِ لَـيلـى يَقـتُــلُ المَــرءُ نَفــسَهُ
وَإِن كُنتُ مِن لَيلى عَلى اليَأسِ طاوِيا
حاول والده كما يُقال أن ينسيه محبوبته، فأخذه لمكة، فما كان من العاشق الولهان أن تعلق بأستار الكعبة و قال:
اللهم زدني بليلى حبًا و بها جنونًا
و كلفا ولا تنسني ذكرها أبدا
في زمنٍ آخر وفي قصيدة مصطفى محمود التي لا تنسى (الليل يا ليلى) كانت ذكرى ليلى مسائية، يعاتب المساء فيها محُبًا ويسأله عن ليلى، فيما طيور باحته تفتقد ليلى وذكراها، وتسأل المحب لها عن حالها، أو يا تُرى إن كانت قد سافرت ليلى....! يعود بعدها وبمدة حسن المرواني ليحكي لنا قصة (أنا وليلى) التي عذبت محبها بعد أن تركته يعاقر حزنه الذي يعصره في مغبر آهاته...هي ليلى الاسم نفسه ولكنها ليلى أخرى فاتنة بشفاهٍ مختلفة مكتنزه، ظن معشوقها أن رحيقها سيكون من نصيبه، لكن ضعف الحال أو قلته كانت سبباً لتكون ليلى من نصيب غيره من الرجال الذين تمتلئ جيوبهم بما يزغزغ عيون أي ليلى ويجعلها تؤثر راحتها على نيل قلب محبوبها!
اسم ليلى لمن لا يعرف معناه، يعني نشوة الخمر أو بدء السكر أو النشوة. وأم ليل هي الخمر السوداء. وقد يكون الاسم المختوم بالألف الممدودة دالاً على الليلة الواحدة، فيكون أصله (ليلة)، وعلى هذا المعنى نُقل الاسم إلى الإنكليزية.
يبدو أن اسم ليلى ارتبط لدى المحبين بالشقاء والعذاب، فكل محبي ليلى أو على الأقل من تداعوا لمسامعنا تجرعوا مرارة الهوى وحسرة الفراق وألم البعاد؛ لكنهم وفي الوقت نفسه ودون أن يعوا قد تركوا لنا تراثاً شعرياً يحببنا بليلى وكل ما يمت لليلى. فقيس العاشق العظيم الذي اتهموه ظُلماً وبُهتاناً بالجنون، وقد كان عاقلاً مُخلصاً في حبه ذاق من هوى ليلى ما كفل له المرارة أن تكون مزامنة لاسمه كلما ذُكر، والشاعر المرواني وكما يُقال (وقد يكون إشاعة) قرض قصيدته بعد تجربته الشخصية التي مرّ بها، ويُقال أيضًا: إن ليلى الحقيقية محبوبته قد بكت حين استمعت لها في الأمسية الشعرية التي قرأ بها القصيدة!
طبعاً قد يكون هذا القول أو تلك القصة من نسج خيالنا الذي يرى في لوعة الحب إحساساً أجمل من الحب ذاته؛ لكن إحساسي يقول لي دوماً أن الليل وليلى مرتبطان ومتلازمان وبينهما عهد من عهود الهوى الغير المعلن، ولهما وقعٌ وهاجسٌ في نفس المُحب، وإن لم يكن من العدل حصر الهوى بليلى، إلا أني أجد أنها «أي ليلى» أسعدتنا برمزية الحب لها وأن كانت قد لوعت محبيها..
تغريد
اكتب تعليقك