السيميائية الاجتماعية: مفاهيم أساسيةالباب: مقالات الكتاب
د. عادل الثامري العراق |
السيميائية الاجتماعية هي منهج لدراسة الاتصال يسعى إلى فهم كيفية تواصل الناس بواسطة مجموعة من الوسائل في بيئات اجتماعية معينة. أنماط الاتصال ليست مجرد مجموعة ثابتة من القواعد والبنى، ولكنها يمكن ان تحقق هدفًا اجتماعيًا. السؤال هو كيف يضع الناس علامات في سياق علاقات القوة الاجتماعية والمؤسسية لتحقيق أهداف محددة. أحد الجوانب الأساسية لنظرية السيمائية الاجتماعية هو المبدأ القائل بأن انماط الاتصال تقدم خيارات محددة تاريخيًا واجتماعيًا وثقافيًا للتواصل وهذا ما يسمي "الموارد السيميائية". تسعى دراسة الاتصال من هذا المنظور إلى تحديد وجرد الخيارات السيميائية المتاحة للمتصلين. وهذه الخيارات ليست ثابتة، بل أنها تنطوي على إمكانات معنى تتحقق في السياق وبالاقتران مع خيارات أخرى. وبهذا المعنى، فإن المعاني المرتبطة بهذه الاختيارات هي دائمًا في عملية تدفق مستمر لأنها تتكيف باستمرار حسب اللقاءات الاجتماعية. وتعتمد السيميائية الاجتماعية على التحليل النوعي الدقيق لسجلات صنع المعنى، مثل المشغولات والمخطوطات والنصوص، وذلك لدراسة إنتاج الخطاب ونشره عبر مجموعة متنوعة من السياقات الاجتماعية والثقافية التي يصنع فيها المعنى. وظهرت نسخ مختلفة من السيميائية الاجتماعية منذ نشر كتاب مايكل هاليداي (اللغة سيمياء اجتماعية) في عام 1978.
تحاجج السيميائية الاجتماعية بعض فرضيات اللسانيات التقليدية والسيميائية، لصالح منظور موقعي للتواصل. لا تهدف السيميائية الاجتماعية إلى التعامل مع السياق على أساس ثنائية السياق- النص، بل على أساس افتراض أنه «يجب التنظير للسياق وفهمه على أنه مجموعة أخرى من النصوص» كما قال هودج وكريس في كتابهما (السيميائية الاجتماعية) الصادر عام 1988. وينطوي هذا الامر على الخروج عن فرضية أن اللغة اللفظية مستقلة ومهيمنة.
كان التطور السيميائي الرئيسي في أوائل القرن العشرين هو "المنعطف اللغوي"، أي الاعتراف بأن اللغة ليست وسيلة محايدة لنقل المعرفة، بل هي تنشئ للمعرفة وتشكلها حيث يقول فوكو أن السلطة معرفة والمعرفة سلطة (Foucault 1976) أدت معرفة الدور الذي يلعبه التمثيل في إدراك المعرفة وبناءها منذ أوائل التسعينيات إلى ما أصبح يُعرف باسم "المنعطف النقدي" - الإدراك بأن اللغة يمكن استخدامها لأغراض أخرى غير تلك المتعلقة في نقل الأفكار من عقل شخص إلى آخر – حيث يمكن أن تستخدم في الفعل والسلطة والرقابة الاجتماعية. هذا هو الإدراك بأن الحقائق الاجتماعية مبنية لغويًا / خطابيًا، وأن الخطاب يعيد إنتاج المجتمع والمجتمع يعيد انتاج الخطاب وهذه هي الفكرة الأساسية في التحليل النقدي للخطاب عند ماير، ووداك، وفيركلاف وفان ديك وغيرهم). كما ان هناك منعطفًا ثالثًا مهمًا في المشهد السيميائي نجده عند هودج وكريس وفان ليوين في بداية القرن الحادي والعشرين وهو "المنعطف البصري". وهو إدراك أن الاتصال نادرًا ما يكون أحادي الوسائط بمعنى أن الاتصال يجري بعدة وسائط وغالبًا ما يجري تحليل الكتابة كما لو أنها وسيط أحادي لكن للكتابة، في الواقع، حضور بصري ومادي، وأن معنى الكتابة لا يمكن فصله عن هذا الأمر. وهذا الإدراك، كما يقول كريس وفان وليوين في كتاب» قراءة الصور: قواعد التصميم اللغوي (2006) ، لفت الانتباه إلى "تعددية الوسائط الكامنة في كل الاتصالات."
أصبحت تعددية الوسائط هذه أكثر وضوحًا وغدا التحليل متعدد الوسائط ممكنًا بفضل التقنيات الرقمية لتحليل الاتصال البصري متعدد الوسائط، وأصبح الجانب البصري هو الجانب الأساسي للتواصل. في الحقيقة، أصبح دور البصري في عالمنا الاجتماعي والسياسي أكثر تعقيدًا وأكثر أهمية، فالنصوص اصبحت وبشكل متزايد متعددة الوسائط - حيث تصل إلينا من خلال الرسومات والصور والتخطيطات فضلاً عن الكلمات. وحسب ما يقوله كريس وفان ليوين (2006)" التمثيلات هي عادة تعددية".
ثمة إدراك متنام بأن الاتصال البصري هو السمة المميزة للمعرفة الحديثة المدفوعة بالتكنولوجيا حيث تتشابك الرموز البصرية سيميائيا وبشكل متزايد مع الرموز اللفظية وغيرها من التعقيدات التي تتجاوز التعريفات التقليدية للمعرفة.
تشير البنى البصرية المتعددة الوسائط، حالها حال البنى اللغوية، إلى تأويلات معينة للتجربة وتسّن أشكالاً من التفاعل الاجتماعي. ولذلك فإن العناصر البصرية هي أيديولوجية. وحسب تعبيركريس وفان ليوين (2006) فان "البنى البصرية لا تعيد انتاج بنى الواقع بل إنها تنتج صورًا للواقع مرتبطة بمصالح المؤسسات الاجتماعية التي تنتج فيها الصور ويجري تداولها وقراءتها. لذلك فإن الخطاب البصري متحيز ايديولوجيا ومدفوع سياسيًا. بمعنى أن حضور الصور أو أية علامات بصرية في جزء من الخطاب ليس أمرًا زخرفيًا، بل إنه ذاتي ويرتبط بقوة بالمصالح والانتماء الشخصي والسياسي والأيديولوجي لصانع الصورة. والهدف أما إعادة إنتاج الوضع الراهن أو مقاومته. لذلك يرى كريس وفان ليوين (2006) ان التمثيل البصري تحركه وتحفزه مصلحة صانع العلامة ونتيجة لذلك فهو متحيز دائما، إنه يخدم أغراضًا معرفية معينة ويسمح للمنتجين بتشفير صورتهم الذهنية للواقع وكيف يعبّرون عن تجربتهم في العالم في الواسطة البصرية، إنها وسيلة لبرهنة وتبيان المواقف الأيدلوجية.
بعد نظرية هاليداي الاجتماعية السيميائية الوظيفية للغة، اقترح كريس وفان ليوين (2006) أن النصوص البصرية، حالها حال اللغة، هي "موارد لتشفير تأويلات التجربة وأشكال التفاعل الاجتماعي الفاعلة؛ وتشتغل بوصفها نمط اتصال سيميائي لثلاث وظائف أو مستويات من المعنى، حيث تعمل ثلاثة خطوط نحوية في وقت واحد:
التمثيل والتفاعل والتركيب، وهي مرادفة لوظائف هاليداي الفكرية والاجتماعية والنصية. وفي ضوء هذه النظرة السيميائية الاجتماعية التي يطرحها هاليداي في نموذج النحو الوظيفي النظمي، طور كريس وفان ليوين أنموذجًا نحويًا ثلاثيًا للتصميم البصري بهدف قراءة أو تأويل هذه الطبقات الثلاث أو أنواع المعنى المتشابكة في نص بصري: المعنى التمثيلي والمعنى التفاعلي والمعنى التركيبي.
يتعامل المعنى التمثيلي (الوظيفة الفكريةالشارحة) مع من أو ما هو موجود في الإطار البصري (المشاركون المُمَثَلين، أن كانوا كائنات حية أو غير حية، والمشاركون المتفاعلون والفعل الذي يحصل، واين ومع من وبأية وسيلة. المعنى التمثيلي للنص البصري يتعامل مع أنماط التمثيل. يمكن أن تكون هذه إما أنماطًا سردية أو أنماطًا تصورية.
تخلق الأنماط أو التمثيلات السردية، ومن خلال المشاركين الممثلين والمتجهات التفاعلية التي تشير إلى الفعل، فعلا اجتماعيًا، ومن ثم تعمل على تقديم الافعال وعمليات التغيير والترتيبات المكانية المؤقتة. وتصنف هذه في مجموعة من أربعة بنى تعاملية تسمى العمليات السردية وهي عمليات الفعل وردود الفعل وعمليات الكلام والعمليات العقلية وعمليات التحويل.
من ناحية أخرى، تمثل الأنماط / التمثيلات التصورية وبنى التصميم الاجتماعي المشاركين "من حيث الطبقة أو البنية أو المعنى، وبعبارة أخرى، من حيث جوهرهم المعمم والمستقر إلى حد ما. وتصنف أيضًا إلى ثلاثة بنى هي: (1) بنى تصنيفية (حيث يرتبط المشاركون ببعضهم البعض بعلاقة يصنف على أنه "نوع من" أي علاقة تصنيف)، (2) بنى تحليلية (حيث يرتبط المشاركون ببعضهم البعض "من حيث بنية جزء-كل" - (3) بنى رمزية (حيث تدور "العمليات حول ما يعنيه المشارك أو ما هو المشارك". يجب أن يُذكر هنا أنه على عكس التمثيل التصوري، فإن السمة المميزة للصور البصرية للتمثيل السردي هي "وجود متجه. حيث أن للبنى السردية متجه، في حين أن البنى التصورية لا تمتلك ذلك. ففي الصور، تتشكل هذه المتجهات من خلال عناصر مصورة تشكل خطًا مائلاً، غالبًا ما يكون خطًا قطريًا قويًا جدًا. من المهم أن نذكر هنا أن "فئات النحو البصري ليس لها حدود واضحة، ويمكن للتمثيلات المحددة أن تدمج بنيتين أو أكثر - على سبيل المثال، البنى السردية والتحليلية" أو البنى السردية والرمزية. ومثل اللغة، يمكن للصور تضمين أكثر من بنية أو عملية واحدة في نحوها البصري، مما يؤدي إلى بنى معقدة حيث تضمّن العمليات الثانوية في العمليات الرئيسية.
ويتعامل المعنى التفاعلي (الوظيفة الاجتماعية) لنص الصورة مع أنماط التفاعل أو على حد تعبير كريس وفان ليوين تتعامل مع الأشياء التي يمكننا القيام بها لبعضنا البعض عبر الاتصال البصري، ومع العلاقات بين صانعي ومشاهدي "النصوص" البصرية. بمعنى آخر، يتعامل المعنى التفاعلي مع نوعين من المشاركين، المشاركين الممثلين والمشاركين التفاعليين، في الصور (والأنواع البصرية الأخرى)، والعلاقات بينهم.
المشاركون الممثلون هم "الأشخاص والأماكن والأشياء المصورة في الصور". من ناحية أخرى، فإن المشاركين التفاعليين هم "الأشخاص الحقيقيون الذين يتواصلون مع بعضهم البعض من خلال الصور ومنتجي ومشاهدي الصور". يقترح كريس وفان ليوين ثلاث طرق أو "أنظمة متزامنة" تفاعلية لدراسة المعاني التفاعلية للصور - كيف تتشكل العلاقات بين المشاركين الممثلين والمشاركين التفاعليين بصريًا. وهذه الطرق أو الأنظمة هي (1) النظام البصري للتحديق أو الاتصال (الطلب أو العرض)؛ (2) النظام البصري لحجم الإطار أو المسافة الاجتماعية (الحميم /الشخصي أو الاجتماعي أو غير الشخصي)، والتي تتحقق على التوالي في اللقطات القريبة أو المتوسطة أو الطويلة للمشاركين الممثلين. (3) النظام البصري لوجهة النظر أو الموقف الذي يشير إلى زوايا الكاميرا المستخدمة في الصورة - الزاوية الأفقية للاشتراك، والزاوية العمودية للقوة. وبالتالي فإن "الأنظمة البصرية لفعل الصورة والمسافة الاجتماعية والموقف كما تتجلى في اتجاه النظر ونظرة المشارك الممثل وحجم الإطار وزاوية الرؤية، تلعب جميعها أدوارًا مهمة في تحديد العلاقة بين المشاركين الممثلين والمشاركين التفاعليين".
يتعامل المعنى التركيبي (الوظيفة النصية الشارحة) للصورة مع السمات البصرية التي تجعل نصًّا بصريًا متماسكًا داخليًا مع بعضه البعض وخارجيًا مع السياق الذي انتج فيه وله، وبالتالي جمع المعاني التمثيلية والتفاعلية معًا. أن دراسة وتفحص هذه الميزات أو الموارد الخاصة بالبنية البصرية يتضمن "تفحص ميزات مخطط أو تركيب النص المتكامل مكانيًا والذي يسمح بعرض العناصر الموجودة على الصفحة باعتبارها أجزاء متماسكة للنص المركب الواحد". أن دراسة كهذه حسب كريس وفان ليوفين يمكن اجراؤها من خلال منظومات التركيب البصرية الثلاثة: (1) قيمة المعلومات (الموضع البصري الداخلي للعناصر الصورية في "مناطق" مختلفة من الصورة: اليسار واليمين، الأعلى والأسفل، المركز والهامش). 2) البروز أو الوزن البصري (المنظور أو المقدمة مقابل الخلفية، الحجم النسبي، التباين في الألوان، الاختلافات في حدة التركيز، وضع العناصر في المجال البصري، الرموز الثقافية، إلخ. (3) التأطير (أو غيابه)، الذي يشير إلى هوية المجموعة أو التفرد والتمايز. وتهتم هذه الجوانب التركيبية بشكل أساسي بالمكان الذي توضع فيه العناصر البصرية مكانيا على الصفحة ... الحجم النسبي للصورة ... وكيف تتفاعل العناصر البصرية مع بعضها البعض.
سنعرض هنا مجموعة من المفاهيم الأساسية في السيميائية الاجتماعية حيث نقدم تعريف للعلامة و المورد السيميائي والنمط والقدرة النمطية والقاعدة السيميائية.
العلامة:
إن فكرة العلامة مأخوذة من السيميائية التقليدية. العلامات هي العناصر التي يجمع فيها الدال (الشكل) والمدلول (المعنى). ترى السيميائية الاجتماعية أن عملية صنع العلامات تخضع لمصلحة صانعيها، وتوافرهم على الموارد السيميائية ومدى ملاءمة تلك الموارد للمعاني التي يرغبون في تحقيقها. وهذا يعني أن العلاقة بين «الشكل» و«المعنى» ليست اعتباطية بل محفزة بمعنى أن لها دوافع ومحفزات. ففي الاتصال (بالوساطة)، تصنع العلامات وتعاد صياغتها. ومن منظور سيميائي اجتماعي، دائًا ما يتجدد صنع العلامات في بيئة معينة ووفقًا لمصالح مصالح صانعي العلامات. بعبارة أخرى، إن العلامات يصنعها صانع العلامات الذي يقرن المعنى بشكل ملائم مع الشكل، وهو اختيار أو خيار تشكله مصلحة صانع العلامة وهي مصلحة تشكلها بيئة الاستعمال وظروفه كما يرى غونتر كريس.
المورد السيميائي:
يشير المورد السيميائي إلى امكانية المعنى في الموارد السيميائية التي نمت وتجمعت عبر الزمن خلال استعمالها في مجتمع معين أو كاستجابة لمتطلبات اجتماعية معيّنة. ويرى كريس وفان ليوين أن المورد السيميائي يمكن أن ينظر إليه على أنه الرابط بين الموارد التمثيلية وما يفعله الناس بهذه التمثيلات. ويصف فان ليوين الموارد السيميائية على أنها الأفعال والمواد والمشغولات التي نستعملها للأغراض التواصلية، سواء انتجت فسيولوجيا، كما هو الحال باستعمالنا لأعضاء النطق للتكلم، واستعمالنا العضلات لصنع تعابير الوجه، أو انتجت تكنولوجيا كما هو الحال بالنسبة للقلم أو أجهزة الحاسوب وبرمجياتها إلى جانب الطرق التي يمكن بها تنظيم هذه الموارد. تمتلك الموارد السيميائية إمكانات معنى تستند إلى استعمالاتها السابقة، ومجموعة من القدرات بناءً على استعمالاتها المحتملة، وتتحقق في سياقات اجتماعية ملموسة. يسلط هذا التعريف الضوء على التطور التاريخي للروابط بين الشكل والمعنى، وبالتالي يتماشى مع مفهوم باختين للتناص. يمكن تحديد هذه الروابط على جميع مستويات التنظيم الاجتماعي والثقافي (على سبيل المثال، "الأنواع" هي موارد سيميائية، وكذلك "الأنماط" و"الوسائط").
النمط
يشير النمط إلى مجموعة من الموارد السيميائية تتشكل اجتماعيًا وثقافيًا لصنع المعنى. ومن الأمثلة على الأنماط الصورة والكتابة والتخطيط والكلام وغيرها ولكي يعتبر شيء ما نمطا فلابد أن يمتلك مجموعة من الموارد السيميائية ومبادئ التنظيم المعترف بها داخل المجتمع على أنها تحقق معنى. وقدم هاليداي اختبارًا لمعايير النمط وهي أن مجموعة الموارد لابد وأن تلبي الوظائف الشارحة metafunctions الثلاثة لكي تعد نمطًا. وهي أن يقدم النمط تمثيلاً للعالم ويؤسس علاقات اجتماعية وأن يخلق تماسكًا وتناسقًا. الأنماط ليست مستقلة وثابتة، ولأنها تنشئ من خلال العمليات الاجتماعية، فهي مرنة وقابلة للتغيير. على سبيل المثال، اكتسبت بعض الكلمات مؤخرًا معان جديدة. كما أن الأنماط ليست عمومية، بل تختص بمجتمع يوجد فيه فهم مشترك لخصائصها السيميائية. ومن أمثلة الانماط الكتابة والصورة على الصفحة، وتمتد إلى الصورة المتحركة والصوت على الشاشة، والكلام والإيماءات والنظرة والموقف في التفاعل.
القدرة النمطية:
تستخدم القدرة النمطية للإشارة إلى ما يمكن التعبير عنه وتمثيله بسهولة باستخدام النمط. وهي تشير إلى فكرة أن الأنماط المختلفة توفر إمكانات مختلفة لصنع المعنى. تؤثر القدرة النمطية على أنواع العمل السيميائي الذي يمكن استخدام النمط من أجله، وسهولة القيام به، والطرق المختلفة التي يمكن من خلالها استخدام الانماط لإنجاز عمل سيميائي متشابه على نطاق واسع. ترتبط القدرات النمطية بكل من التاريخ المادي والاجتماعي والثقافي للنمط، أي الأغراض الاجتماعية التي استخدمت في سياق محدد. بعبارة أخرى، تتشكل القدرة النمطية من خلال ما استخدم مرارًا وتكرارًا وكذلك المواضعات الاجتماعية التي توجه استعماله في السياق. لكل نمط منطق محدد ويوفر امكانات اتصال وتمثيل مختلفة. لا يوجد مفر من منطق التسلسل الزمني للكلام: ينطق صوت تلو الآخر، كلمة تلو الأخرى، عنصر تركيبي او نصي تلو الآخر. ويصبح هذا التسلسل قدرة أو امكانية معنى: فهو ينتج إمكانيات وضع الأشياء في بداية التسلسل او نهايته أو في أي مكان آخر في التسلسل. لذلك فإن نمط الكلام يحكمه منطق الزمن بقوة. في المقابل، إن الصور الثابتة محكومة بمنطق الفضاء والتزامن. ومثل جميع المبادئ الحاكمة فهي لا تصمد في جميع السياقات ولكنها تتحقق من خلال التفاعل بين الاجتماعي والمادي.
القواعد السيميائية:
تشير السيميائية الاجتماعية إلى أن الناس هم الذين يصنعون القواعد ومن ثم يمكنهم أن يغيروها. إن تصوير القواعد وكأنها لا يمكن أن تتغير يعني أن تلك القواعد هي من قوانين الطبيعة. من ناحية أخرى يرى فان ليوين لأن هناك قيدين. أولهما، لا يمكن للجميع تغيير القواعد. ولكي يكون المرء قادرًا على تغيير القواعد، لا بد أن لديه السلطة، سواء كانت سلطة حكومية، كما في تشريع إصلاحات التهجئة، أو سلطة رمزية لمستعملي اللغة المؤثرين مثل كتاب سيناريو الأفلام وكتاب الأغاني وامثالهم، أو تأثير "قادة الرأي". وثانيهما، هناك أنواع مختلفة من القواعد وطرق مختلفة لتغيير الأشياء. على سبيل المثال محاولة الآباء غرس القواعد في أطفالهم. فهم قد يفرضون تلك القواعد بالقول - "افعل ذلك لأنني أقول ذلك". أو قد يشاركون الطفل في التفكير - "ماذا سيحدث إذا فعل الجميع ذلك؟" أو قد يحاولون إعطاء المثال الصحيح ويأملون في أن يتبعه الطفل. هذا الأمر نفسه ينطبق على السلوك السيميائي. ففي الجيش مثلاً هناك قواعد صريحة لتحديد الزي. لا توجد مثل هذه القواعد بالنسبة لما يرتديه الموظفون، بيد أن هذا لا يعني أن يستطيعون ارتداء مر يشتهون. هناك تأثير لنماذج يحتذى بها وقد يكون هناك ضغط من الأقران للتوافق مع الموضة. في السيميائية الاجتماعية، لا يرفض منهج "كتاب النحو أو القواعد" تمامًا. إنها طريقة جيدة لوصف كيفية عمل السيميائية في سياقات معينة، حيث تفرض قواعد صريحة ومفصلة. لكن لا يمكن تطبيقها جميعًا على كل حالة. لذلك، لا تعمل السيميائية الاجتماعية فقط مع جرد الموارد السيميائية في الماضي والحاضر والمستقبل، ولكنها تعمل أيضًا مع جرد لأنواع مختلفة من القواعد، يتم تناولها بطرق مختلفة في سياقات مختلفة.
تغريد
اكتب تعليقك