المجتمع الفاسد المنشود بين الديستوبيا العربية والغربيةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2024-02-01 10:30:08

حبيبة رحال

مصر

شهد إنسان القرن الحادي والعشرين تقلبات مجتمعية أثرت في تكوينه الفكري والنفسي، فبينما تمركزت بداخله بداءة الفطرة السليمة الشبيه بفطرة إنسان الغاب، نازعته الأفكار الحداثية التي ألقت بعقله في أتون التقنيات المتطورة التي يمتاز بها عصر السرعة، عاش الإنسان ليشهد نهايته على يديه، فقد تسلط عليه المجتمع المصنوع (فرانكنشتانين)، وانقلب على صانعه، فبينما كان يهدف إلى تحقيق راحة البال والسعادة، ألقى بنفسه من حالق وهوى مستسلمًا إلى نهايته.

ذلك المجتمع المصنوع حمل بين دفتيه عوامل بنائه إلى جانب عوامل هدمه، خُلقت اليوتوبيا المعاصرة إلى جوار توأمتها الديستوبيا، وبينهما وقف الإنسان على حافة العالمين.

عبَّر الأدباء والكتاب عن مرحلة البين بين وذلك في العديد من الروايات والكتب التي تناولت تصارع الأفكار، وفداحة منطق الإنسان المعاصر.

إذا نظرنا، على سبيل المثال لا الحصر، وجدنا عدة روايات تتناول هذه الرؤية الجمعية، وتهدف إلى تفكيك المجتمع إلى عناصر بنائه التي تحمل مقومات هدمه وفساده، وانعكاسها على الإنسان الذي يمثل الصورة المُثلى لهذه الأفكار، وجدنا في العالم العربي رواية الدكتور أحمد خالد توفيق المعنونة بـ (يوتوبيا).

وروايات عدة تناولت الأفكار نفسها في العالم الغربي مثل:

- عداء المتاهة  The maze runner من تأليف جيمس داشنر

- ألعاب الجوع The hunger games من تأليف سوزان كولينز

- الجامحة Divergent من تأليف فيرونيكا روث.

سيكتفي المقال بهذه الأمثلة على الرغم من وجود الكثير من الأعمال النقدية والإبداعية التي تناولت هذه هذه الثنائية الكونية1.

يحاول المقال تحليل خصائص المجتمع الفاسد من الناحية العربية والغربية، وتأثيره في الإنسان.

ثنائية العوالم المتشابكة:

هناك دائمًا عالمان متشابكان لا فكاك بينهما مثل توأم ملتصق بالرأس أنجبته أم منهكة عاشرت الحرب الذي كان الأب غير الشرعي لهذا الجنين المجتمعي المشوه.

ففي رواية الدكتور أحمد خالد توفيق يوتوبيا التي نشرها عام 2008 في دار ميريت للنشر والتوزيع، نطالع وجهًا جديدًا للمجتمع المصري، الذي تشابكت عناصر فساده مع عناصر تطوره، فها هو سور اليوتوبيا يفصل نفسه عن العالم الخارجي الذي يموت فيه بشر ليسوا ببشر، بينما ينعم سادة ما وراء الجدار بالخيرات، ورغد العيش.

عندما تقرأ عن العالمين تنتابك مشاعر مفككة تمتزج بالعطف على كلا العالمين، بالإضافة إلى الاشمئزاز منهما على حد سواء، فتختلط المشاعر وتتشابك كما يتشابك العالمان معًا في بوتقة تصهر كلاً منهما في الآخر، فلا تكاد تتخيل عالمًا مثاليًا دون أن يعيش إلى جواره عالم مظلم، فبالظلام وحده يسطع الضوء ويبهر الأعين.

حاول الكاتب أن يبين سبب الفساد الذي أدى إلى انقسام العالمين مكونًا مزيجًا مشوهًا من الفضيلة الزائفة والرذيلة المكشوفة، وذلك لإبراز المشكلات الجوهرية للمجتمع والتي ستتسبب في هلاكه لاحقًا، مستعينًا في ذلك بإحصائيات حقيقية أوردتها أخبار صحفية من جرائد معتمدة، إنه يلقي الضوء على حقائق مثل الإدمان والتشرد وسوء النظام التعليمي والرشوة... إلخ، وكلها تعد مسامير تدق في نعش الحضارة المصرية.

وبالنظر إلى ظهور الديستوبيا في المجتمع الغربي، نجد أن السبب الرئيس هو إما عامل كوني تسبب في ظهوره الإنسان مثل ظاهرة التغير المناخي في رواية عداء المتاهة التي أدت إلى دمار الكوكب الأرضي بأكمله، وظهور نوع جديد من الكائنات البشرية المشوهة، أو الدمار الذي حدث للأرض بسبب الحروب كما في الروايتين الأخريان.

وإذا نظرنا إلى الفارق بين العالمين العربي والغربي، وجدنا أن رؤية الكاتب العربي اقتصرت على المشكلات المحلية وتأثيرها في المجتمع العربي وحده أو مصر بشكل أكثر خصوصية، بينما شملت الرواية الغربية تأثير التغيرات التي سببتها الحروب في العالم بأكمله.

 البطل والبطل الموازي:

تنبع فكرة البطولة الإنسانية من الرغبة في التغيير المجتمعي، إذ إن المفارقة تكمن في أن المجتمع اليوتوبي يسكنه الأشرار، ويمتلك المجتمع الديستوبي النماذج البطولية الخيرة.

وبالنظر إلى شخصية جابر في يوتوبيا أحمد خالد توفيق نجد أنه يعيش في ذلك الجانب البشع من العالم الذي لم يعد أحد يتذكره، عالم ما وراء الجدار حيث يعامل البشر على أنهم حيوانات صيد يهدف الأثرياء إلى اصطياد أجزاء منهم والتباهي بها في مجتمعهم المُنَعّم، وهذا يعود بنا إلى البداءة الإنسانية الأولى.

فإنسان الغاب كان يعيش بفطرته السليمة الأقرب إلى الحيوانية، ولكنه امتلك عقلاً أمكنه أن يتطور ويرتقي، وعندما ارتقى إلى رتبة النعيم وشعر أنه امتلك الدنيا ارتد إلى بداءته الأولى وإن افتقد فطرته السليمة.

وهكذا نجد أن الأشرار الذين يُسلَط عليهم الضوء السلبي يقومون بتصرفات حيوانية خالية من العاطفة الإنسانية، وإن لم تخل من المنطق.

فإذا نظرنا إلى عداء المتاهة وجدنا أن هناك مجموعة من العلماء الذين هيأوا ظروفا خاصة لمجموعة من الشباب لدراسة تصرفاتهم، وردود أفعالهم، حيث قاموا بحبس مجموعة من اليافعين في أرض خضراء تحيط بها متاهة تفتح في وقت محدد وتأوي وحوشًا صنعها البشر، ويُطلب من هؤلاء اليافعين البحث عن طريق للخروج من هذه المتاهة.

عند تشريح الفعل البشري الذي قام به أبطال المتاهة والمتمثل في فعلي العدو والبحث، وجد القارئ أن الأمر أكبر من مجرد تحقق الفعلين بقدر ما هو تحقق الوجود الإنساني ذاته القائم على رحلة استكشاف الذات في عصر السرعة، حيث يطالب بقهر الخوف الداخلي من المجهول وهو ما يتمثل في الوصول إلى الهدف، بالإضافة إلى قهر الوحوش الصناعية التي خلقتها الحداثة، فرواية جيمس داشنر تحارب شرور الإنسان على مستويين الأول، عداوة الإنسان لذاته ثم عداوته للمجتمع الذي صنع منه وحشًا حبيس متاهة التساؤل.

وإن كانت رواية داشنر تتناول مفهوم رحلة بحث الإنسان عن ذاته داخل مجتمع فاسد، فإن ألعاب الجوع تتناول فكرة الاستعباد، وعدم القدرة على اتخاذ القرار، ففي عالم ما بعد الحرب تجبر المقاطعات على تقديم لاعبين يتقاتلون حتى الموت في مباراة للجوع، وذلك لإشباع غريزة العاصمة أو اليوتوبيا التي يتقامر سكانها على الفائزين، وهذه التيمة مشابهة إلى حد كبير لفكرة الاصطياد الخاصة بعالم خالد توفيق.

وعندما تتطوع البطلة للقتال يكون هذا محاولة منها للحفاظ على حياتها، ثم تتحول فكرة الحفاظ على الحياة إلى ملحمة فلسفية وجودية مفادها لماذا يجب أن نوجه سهام القتل إلى بعضنا بعضًا، والمستحق للقتل هو السيد الذي وضعنا داخل الحلبة وليس العبيد المجبرين على الموت في سبيله!

ومن هنا يحاول أصحاب المجتمع المهمش الانقلاب على المجتمع اليوتوبي في محاولة لاختيار حق العيش.

أما في رواية الجامحة فقد قسمت فيرونيكا العالم بعد الحرب إلى مجموعة من الصفات التي ينتمي إليها كل بشري في محاولة لقولبة النظام الإنساني، حتى يظهر لنا جماعة المتمردين غير المنتمين إلى نظام بعينه، وهو ما يهدد الأمن القومي لذلك المجتمع المُسيّر، وتتشابه الرواية مع رواية عداء المتاهة وألعاب الجوع من حيث وجود نظام أعلى يتحكم في حياة مجموعة من المهمشين، ويكون على الأبطال هدم تلك الطبقية.

إن اليوتوبيا هي نظام فكري غير عادل يخلق مجتمعًا موازيًا فاسدًا له أبطال يعانون من الطبقية الفكرية ويسعون إلى خلق فرصة لإعادة العدالة الوجودية للبشر.

وفي حين تخلق اليوتوبيا أشخاصًا طالحين، تمثل الديستوبيا المقابل العادل لها التي تخلق أبطالاً ذوي بعد موازٍ، يسعون إلى تحقيق العدالة لأقوامهم وذلك بهدم الحد الفاصل بين العالمين.

 الخلاصة:

حاولت الروايات بشقيها العربي والغربي هدم فكرة المجتمع المثالي، بل إبرازه بصورة سلبية، فلا وجود لليوتوبيا دون أن تكون الديستوبيا جزءًا منها، وتعد فكرة اليوتوبيا نموذجًا نسبيًا فما هو مثالي بالنسبة للبعض، يكون وبالاً على كينونة البعض الآخر، بوصفه إنسانًا من حقه اختيار مكان عيشه.

 

الهوامش:

* من الجدير بالذكر أن مؤلفة المقال لها رواية تحمل الطابع نفسه عنوانها: (عالم يغرق ليعيش) وهي ذات جزأين.


عدد القراء: 4114

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-