الكتابة قديمًا وحديثًاالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2017-02-03 02:17:09

أ. د. علي بن محمد العطيف

أستاذ الحديث والدراسات العليا المشارك بجامعة جازان

تُعد الكتابة إحدى أدوات التواصل بين الشعوب، ولا يتأتى ذلك إلا بعد إتقانها، وبها يتم توثيق النطق ونقل الفكر والأحداث وغيره..

 

• مفهوم تحرير الكتابة وأهميتها.

تعريف التحرير: هو فنُّ الكتابة الصحيحة، ونعني به الصياغة المحكمة، التي تؤدي المعنى المراد التعبير عنه.

الكتابة ضرورة:

لقد شعر الإنسان من القديم بأهمية الكتابة وعجزه عن تذكر الأحداث، والأعداد والتواريخ، فعمل على تدوينها في صورة ثابتة، يمكن الاحتفاظ بها والرجوع إليها كلما دعت الحاجة.

فتوصل إلى تحويل الرموز الصوتية – أي اللغة – من رموز سمعية إلى رموز مرئية.

(خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) سورة الرحمن: 4. 

أهمية الكتابة في الحياة للأمور التالية:

1 - أنها وسيلة اتصال بين العقول والأفكار البشرية، مهما اختلفَ الزمان والمكان عن طريق المؤلفات ... وغيرها.

2 - أنها أداة اتصال الحاضر بالماضي، والقريب بالبعيد، ونقل المعرفة والثقافة عبر الزمان والمكان. فالكتابة طريق لوصل خبرات الأجيال ببعضها، والأمم ببعضها، وأداة لحفظ التراث ونقله.

3 - أنها أداة رئيسة للتعلم بجميع أنواعه ومراحله، والأخذ عن الآخرين أفكارهم، وعلمهم وخواطرهم.

4 - أنها وسيلة لتنفس الفرد عن نفسه، والتعبير عما يجول بخاطره.

5 - أنها تَفْضُلُ الكلام؛ لأنَّ الكلام يتم – غالبًا – دون طول تأمل، وقد يقع صاحبه في الخطأ الفكري أو اللغوي، لأنه وليد ساعته، أمَّا الكتابة فإنها تستلزم الرؤية والأناة والتمهل، وتعطي صاحبها فرصة لتصحيح أخطائه وتعديلها. ولهذا فالكتابة: أكثر أمانةً1 وأمانًا2.

6 - أنها – غالبًا – ما تستخدم الفصحى في أدائها؛ فتساعد على رُقي اللغة، وجمال الصياغة.

7 - لغة الكتابة تتوجهُ إلى جمهور كبير، أمَّا لغة الكلام والحديث، فتتوجه إلى جمهور قليل.

• أدوات الكتابة:

إتقان الأداة، وينقسم إلى قسمين: حسي ومعنوي.

أ/ الأداة الحسية: ويتمثل ذلك في وجود القلم، وإتقانه، وجودة حِبْره، وما إلى ذلك. وكذا في اختلاف صورة الحرف، حسب موضعه من الكلمة. وفي وصله وفصله. وفي اختلاف الخطوط.

ب/ الأداة المعنوية: والمقصود بها: معرفة قواعد اللغة العربية والضبط النحوي، وهو تغير أواخر الكلمات بتغير موقعها في الجمل، وهي ما يسمى بالإعراب.

والإعراب تارة: يكون بعلامات أصلية، وتارة بعلامات فرعية، وتارة يكون بالحركات، وتارة يكون بالحروف.

بل إنَّ الإعراب قد يؤثر أحيانًا على الحروف الوسطى من الكلمات بالحذف، أو بتغيير رسمها، وقد تكون العلامات علامات إعراب، وقد تكون علامات بناء.

وهذه العوامل كلها تمثل صعوبة في الكتابة والماهر من يراعيها في كتاباته.

ومن الأداة المعنوية: مراعاة قواعد الإملاء، ومراعاة الضبط الصرفي، والمقصود به: وضع الحركات القصار (الفتحة، والضمة، والكسرة) على الحروف.

لأنَّ معنى الكلمة يتغير بتغير ضبط حروفها فما لم يظهر الضبط فوق الحرف من الكلمة، فإنه لا يُعرف معناها مثل كلمة (عرض)، فإذا لم تضبط حار فيها القارئ، أهي (عَرْض، أم عِرْض، أم عَرَض) ولكلٍ منها معنى.

وكلمة (عبرة) أهي: (عِبْرَة، أم عَبْرَة)، وغيرها من الكلمات كثير.

• مستلزمات الكتابة

التمرس بالأساليب الثقافية والأدبية، ولا يتأتى هذا الشرط إلا بالمطالعة الغزيرة الواعية للكتب الأدبية المشهورة، وقراءة الآثار النثرية والدواوين الشعرية التي أبدعها شعراء معروفون بموهبتهم وقدراتهم، مع العمل على تذوقها وتمثلها وفهمها.

وليس من شك في أنَّ القاعدة الأساسية التي تبنى عليها القراءة والمطالعة هي حفظ كتاب الله عز وجل ودراسته دراسة عميقة، ومداومة الاطلاع على تفاسيره المعتمدة.

فالقرآن الكريم هو المصدر والمرجع في فهم اللغة وتذوقها. فلغة القرآن هي البيان المعجز، ومنهل الفصاحة والبلاغة.

والإلمام بآي الذِّكر الحكيم: يُرَبِّي الذَّوقَ، ويُصْقِلُ اللسانَ، ويؤسسُ ملكة الكتابة، ويزودُ الكاتب بمدد لا ينقطع من الحجج والبيان والذوق الرفيع.

ويأتي الحديث الشريف في المرتبة الثانية بعد القرآن الكريم.

فالنبي صلى الله عليه وسلم أفصح من نطق بالضاد، وهو أفصح ولد إسماعيل عليه السلام.

فحفظ الأحاديث واستحضارها له أهميته في الكلام والكتابة والتآليف. ولا تستقيم الكتابة ولا تجود إلا بالاستشهاد بالأحاديث النبوية، وسيرته صلى الله عليه وسلم العطرة النقية.

والحفظ من الضرورات والمهمات التي لا غنى عنها لمن أراد أن يكون فارسًا مجليًا في ميدان الكتابة والتأليف.

والذي يراجع وصايا العلماء قاطبة، ووصايا الأدباء والشعراء للناشئة من المبدعين في كتب الأدب القديم، كالعمدة لابن رشيد يقع على سرد مهم من أسرار الكتابة والإبداع؛ فهم يوصون بحفظ الدواوين والمأثورات، فضلاً عن حفظ القرآن الكريم، وصحيح السنة النبوية.

وكذلك فإنَّ العديد من شعرائنا القدامى قد استظهروا عشرات الآلاف من أبيات الشعر الجيدة.

حتى إذا تهيئوا للكتابة والنظم عملوا على نسيانها والتخلص من سلطانها بعد أن استقامت لغتهم واستوت قرائحهم، فالحفظ لا بد منه لإتقان الكتابة.

وقد عقد ابن خلدون – في مقدمته – فصلاً كاملاً عن أهمية الحفظ في تنمية ملكة اللسان والكتابة، وهو (الفصل الثامن والأربعين) بعنوان: "حصول هذه الملكة بكثرة الحفظ وجودتها بجودة المحفوظ" ويعني بالملكة هنا ملكة الكتابة والإبداع.

وقد أشار ابن خلدون إلى أنَّ شعر الفقهاء والعلماء قاصرٌ في البلاغة، نظرًا لأنَّ محفوظهم غني بالقوانين العلمية والعبارات الفقهية الخارجة عن أسلوب البلاغة.

ويشير ابن خلدون إلى سر تفوق الإسلاميين على الجاهليين في خطبهم ومحاوراتهم فيرى أنه يعود إلى مدارستهم للطبقة العالية من الكلام من القرآن الكريم والحديث الشريف، فقد روَّضَ هذا الكلام ملكاتهم وسَمَا بِها.

ويرى ابن الأثير أنَّ الطريق إلى تعلم الكتابة عل ثلاث شعب:

الأولى: الاطلاع على كتابة الأقدمين وتقليدهم، وهذا أدنى الطبقات.

الثانية: مزج كتابة المتقدمين باختيار الكاتب الخاص من وسائل تحسين اللفظ والمعنى، يصف ذلك بأنه الطبقة الوسطى.

الثالثة: صرف النظر إلى حفظ القرآن الكريم، وبعض الأحاديث الجامعة المختارة، وجملة مختارة من دواوين فحول الشعراء، ومران النفس على المحاولة بالاقتباس والتجربة والتي قد تصيب وقد تخطئ.

ويصفها: بأنها طريق الاجتهاد، حيث يستقيم لصاحبها منهجًا خاصًّا في الكتابة، فيصبح إمامًا في فنِّ الكتابة إلا أنها مستوعرة – كما يقول – ولا يستطيعها إلا من أُوتي ملكة متميزة وموهبة فذَّة.

وبالجملة: فهو التمرس الكامل على النصوص الرَّفيعة.

• الإلمام بالثقافة العصرية الجادة.

يشهد عصرنا الراهن انفجارًا معرفيًّا فريدًا، فقد تعددت وسائل الثقافة، وتكاثرت سبلها من سمعية وبصرية.

ويقوم الحاسب الآلي – الآن – بدور مهم في إثراء الثقافة الإنسانية وذلك بما يختزنه من معلومات، وما يستثمره من طاقات وخبرات، وما تفيده الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) في ذلك من فائدة كبيرة.

وكذا الهواتف الذكية بتطبيقاتها المتنوعة، والحوافظ المتنوعة، فإنها هيأت للإنسان الكثير من المعارف التي لم تكن ميسرة من قبل.

ولكن خطورة هذه الأجهزة تكاد تساوي منافعها أو تزيد، فالأقمار الصناعية العالمية تمكنت وفي مدة وجيزة من غزو البيوت العربية والإسلامية بما تحمله من برامج تنصيرية وإباحية وتسويقية لمنتجاتهم، وعولمة.

ومع هذا فإنَّ الوعيَ بأخطار هذه المعاول، والوعي بشخصيتنا الإسلامية المتميزة – وقبل ذلك كله – الوعي بمعتقداتنا الراسخة والثابتة، وفهم واقعنا، وإدراك جوهره لسوف يعصمنا – بإذن الله – من الفتن والضلال.

والثقافة في مفهومها العام ليست تحصيل المعلومات واختزانها وحشو الأدمغة بها، بل الثقافة: سلوك، ورؤية، وموقف.

فعلاوة على القراءة والاطلاع والتحصيل، هناك الخبرة الحياتية التي لا تتأتى إلا لمن عركته الحياة واستفاد من تجاربها.

فالرحلة: ثقافة لأنها تكسب الإنسان خبرة ومهارة.

والكتابة: الناضجة المفيدة تحتاج إلى هذه الخبرة؛ بل إنَّ التجربة مادتها الرئيسة لأنَّ بها تشكل الرؤية، ومن خلالها يتخذ الموقف.

والثقافة العامة روافد مختلفة، وهي تحتاج إلى بصر بالموضوعات النافعة، والكتب المفيدة.

وعصرنا الذي نعيش فيه يكتظ بالإصدارات المتعددة من صحف ومجلات، وكتب، وأشرطة متعددة المواد، وبرامج متنوعة.

ولهذا فإنَّ حسن الاختيار يشكل القاعدة التي توصلنا إلى منافع الثقافة الحقيقية.

وعلى الرغم من أننا في عصر التخصص، إلا أنه لابد من الإلمام بشيء من العلوم العصرية، كذلك فإنَّ علينا أن نعي ما يدور حولنا من أحداث في مختلف المجالات، فما لا يدرك كله لا يترك جله.

 

الهوامش:

1 - في العزو والإحالة... ونحو ذلك.

2 - من الوقوع في اللحن والخطأ.


عدد القراء: 14113

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-