من خصائص العـقيدة الإسلاميـة وأتباعـها(1)الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2017-05-11 17:23:50

أ. د. علي بن محمد العطيف

أستاذ الحديث والدراسات العليا المشارك بجامعة جازان

إنَّ المتأمل المنصف، لو قارن بين المعتقدات السَّائدة بين النَّاس اليوم، لوجد للعقيدة الإسلامية - المتمثلة في عقيدة أهل السنة والجماعـة - خصائص وسمات تُميزها وأهلها بوضوح عن المعتقدات الأخرى من ديانات أو فرق أو مذاهب أو غيرها.

 ومن هذه الخصائص والسمات:

1 – سَلاَمَةُ المصدر:

وذلك باعتمادها على الكتاب والسُّنَّةِ وإجماع السَّلف، وأقوالهم فحسب.

وهذه الخاصية لا توجد في مذاهب أهل الكلام والمبتدعة والصوفية، الذين يعتمدون على العقل والنظر، أو على الكشف والحدس والإلهام والوجـد، وغير ذلك من المصادر البشرية الناقصة التي يُحـكمونها أو يعتمدونها في أمور الغيب، (و العقيدة كلها غيب).

أما أهل السنة فهم - بِحَمْدِ اللهِ -معتصمون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع السف الصالح وأقوالهم ، وأي معتقد يستمد من غير هذه المصادر إنما هو ضلال وبدعـة.

فالذين يزعمون أنهما يستمدون شيئًا من الدين عن طريق العقل والنظر، أو علم الكلام والفلسفة، أو الإلهام والكشف والوجـد، أو الرؤى والأحلام، أو عن طريق أشخاص يزعمون لهم العصمة (غير الأنبياء) أو الإحاطة بعلم الغيب (من أئمة أو رؤساء أو أولياء أو أقطاب أو أغواث أو نحوهم)، أو يزعمون أنه يسعهم العمل بأنظمة البشر وقوانينهم.

فمن زعم ذلك فقد افترى على الله أعظم الفرية، ونقول لمن زعم ذلك كما قال الله تعالى، لِمَن قال على الله تعالى بغير علم: (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ( 2).  وأنى لهم أن يأتوا إلا بشبه الشيطان.

وهذه الميزة والخصيصة، أعني الاعتماد على الكتاب والسنة، ومنهج السلف الصالح، سمة من سمات أهل السنة، لا تكاد تتخلف في كل مكان وزمان.

2 - أنها تقوم على التسليم لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم .

لأنها غيب، والغيب يقوم ويعتمد على التسليم والتصديق المطلق لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم فالتسليم بالغيب من صفات المؤمنين التي مدحهم الله بها، قال تعالى: (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (3).

والغيب لا تُدركه العقول ولا تحيط به، ومن هنا، فأهل السنة يقفون في أمر العقيدة على ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بخلاف أهل البدع والكلام، فهم يخوضون في ذلك رجمًا بالغيب، وأنى لهم أن يحيطوا بعلم الغيب، فلا هم أراحوا عقولهم  بالتسليم، ولا عقائدهم وذِمَمهم بالاتباع، ولا تركوا عامة أتباعهم على الفطرة التي فطرهم الله عليها.

3 -  موافقتها للفطرة القويمة والعـقل السَّليم:

لأَنَّ عقيدة أهل السنة والجماعة تقوم على الاتباع والاقتداء والاهتداء بهدي الله تعالى وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم وما عليه سلف الأمة، فهي تستقي من مشرب الفطرة والعقل السليم، والهدي القويم، وما أعذبه من مشرب، أما المعتقدات الأخرى فما هي إلا أوهام وتخـّرصات تعمي الفطرة ، وتحيّـر العقول.

4 - اتصال سندها بالرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وأئمة الهدى قولاً وعملاً وعلمًا واعتقادًا.

فلا يوجد بحمد الله أصل من أصول عقـيدة أهل السنة والجماعة ليس له أصل وسند وقدوة من الصحابة والتابعين، وأئمة الدين إلى اليوم، بخلاف عقائد المبتدعـة التي خالفوا فيها السلف، فهي محدثة، ولا سند لها من كتاب أو سنة، أو عن الصحابة والتابعين، وما لم يكن كذلك فهو بدعـة، وكل بدعـة ضلالة (4).

5 - الوضوح والبيـان:

تَمتاز عـقيدة أهل السنة والجماعـة بالوضوح والبيان، وخلوها من التعارض والتناقض والغموض، والفلسفة والتـعـقيد في ألفاظها ومعانيها، لأنها مستمدة من كلام الله المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى. بينما المعتقدات الأخرى هي من تخليط البشر أو تأويلهم وتحريفهم، وشتان بين المشربين، لا سيما وأنَّ العقيدة توقيفية غيبية لا مجال للاجتهاد فيها كما هو معلوم.

6 - سلامتها من الاضطراب والتَّنَاقُض واللَّبْس:

فإنَّ العـقيدة الإسلامية الصافية لا اضطراب فيها ولا التباس، وذلك لاعتمادها على الوحي، وقوة صلة أتباعها بالله، وتحقيق العبودية له وحده، والتوكل عليه وحده، وقوة يقينهم بما معهم من الحق، وسلامتهم من الحيرة في الدِّين، ومن القلق والشك والشبهات، بخلاف أهل البدع فلا تخلو أهدافهم من عـلة من هذه العلل.

أصدق مثال على ذلك ما حصل لكثير من أئمة علم الكلام والفلسفة والتصوف، من اضطراب وتقلب وندم، بسبب ما حصل بينهم من مجانبة عقيدة السلف، ورجوع كثير منهم إلى التسليم، وتقرير ما يعتقده السلف، خاصة عند التقدم في السن، أو عند الموت.

كما حصل لأبي الحسن الأشعري، حيث رجع إلى عقيدة أهل السنة والجماعة، في "الإبانة" بعد الاعتزال ثم التلفيق، والباقلاني ت 403 في "التمهيد"، ومثله أبو محمد الجويني، ت 438، والد إمام الحرمين، في "رسالة في إثبات الاستواء والفوقية"، ومثله إمام الحرمين، ت 478 في "الرسالة النظامية"، والشهرستاني، ت 548، في "نهاية الإقدام"، والرازي (فخر الدين)، ت 606 في "أقسام الملذات" وغيرهم كثير.

ومن ذلك أيضًا (5 ).

سلامة أتباعها - في العموم - من التلبس بالبدع والشركيات والآثام والكبائر.

فأهل السنة في عمومهم، هم أسلم الناس من الوقوع في البدع، ولا تكون فيهم الشركيات.

أما الذنوب والمعاصي والكبائر فقد يقع فيها طوائف منهم، لكنها فيهم أقل من غيرهم، وغيرهم لا يسلم من علة من هذه العلل البدعية والشركية، كما أَنَّ المعاصي والكبائر هي في أهل الافتراق أكثر من غيرهم في الجملة.

فالمتكلمة من المعتزلة، وكثير من الأشاعرة ونحوهم قالوا في الله بغير علم، وخاضوا في الغيب بغير علم، والمتصوفة والقبوريون وسائر أهل البدع عبدوا الله بغير ما شرع، والرافضة، والباطنية ونحوهم كذبوا على الله تعالى،  وافتروا على رسوله صلى الله عليه وسلم حتى صار الكذب دينًا لهم، والخوارج تشددوا في الدين فشدد الله عليهم.

7 - أنها سبب الظُّهـور والنَّصر والفلاح في الدَّاريـن:

من أبرز خصائص عـقيدة أهل السنة: أنها من أسباب النجاح والنصر والتمكين لمن قـام بها ودعـا إليها بصدق وعزم وصبر.

فالطائفة التي تتمسك بهذه العـقيدة، عـقيدة أهل السنة والجماعة، هي الطائفة الظاهرة والمنصورة، التي لا يضرها من خذلها ولا من عاداها إلى يوم القيامة. كما أخبرنا بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتِي ظَاهِرِيْنَ عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُم مَن خَذَلَهُم حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ" ( 6).

8 - هي عـقيدة الجماعـة والاجتماع:

ذلك أنها الطريقة المثلى لجمع شمل المسلمين ووحدة صفهم، وإصلاح ما فسد من شئون دينهم ودنياهم، لأنها تردهم إلى الكتاب والسنة وسبيل المؤمنين، وهذه الخاصية لا يمكن أن تتحقق على يد فرقة أو دعوة أو أنظمة لا تقوم على هذه العقيدة أبدًا، والتاريخ شاهد على ذلك، فالدول التي قامت على السنة هي التي جمعت شمل المسلمين وقام بها الجهاد والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعزّ بها الإسلام قديمًا وحديثـًا، منذ عهد الخلفاء الراشدين، والدولة العباسية في أول عهدها، والدولة العثمانية في أول عهدها، وعهد صلاح الدين الأيوبي، والدولة الإسلامية في الأندلس، وعهد الدولة السعودية، حيث نصرت السنة، ودعت إلى التوحيد، وحاربت البدع والشركيات، وطـهّرت البلاد المقدسة منها، ولا تزال كذلك - بحمد الله -، وينبغي أن تبقى كذلك. 

وغالب هذه الدول حينما حدث فيها الافتراق وسادت فيها البدع فشلت وانهارت، والدول  التي قامت على غير السنة، أشاعت الفوضى والفرقة والبدع والمحدثات، ومزقت الشمل، وعطلت الجهاد، وأشاعت المنكرات، وصارت على يدها الهزائم، وانتشر في عهدها الجهل بالدين، واندثرت السنة، مثل:

دول الرافضة والباطنـيـة، والقـرامـطة، والصوفـيـّة، وكـدولة بني بـويـه، والفاطميـيـن (العبيديين)، التي مزقت المسلمين، وأشاعت بينهم البدع والشركيات.

ولما صارت للمعتزلة وزارة ومراكز في عهد بعض الخلفاء العباسيين ظهرت البدع الكلامية، وحوصر أئمة أهل السنة، وافتتن الناس - بل العلماء - في دينهم.

9 - البقـاء والثـبات والاستـقرار:

من أهم خصائص عـقيدة أهل السنة: البقاء والثبات والاستقرار والاتفاق:

فعقيدتهم في أصول الدِّين ثابتة طيلة هذه القرون، وإلى أن تقوم السَّاعة، بِمعنى أنها متفقة ومستقرة ومحفوظة، رواية ودراية، في ألفاظها ومعانيها، تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل، لم يتطرق إليها التبديل ولا التحريف، ولا التلفيق ولا الالتباس، ولا الزيادة ولا النقص.

ومن أسباب ذلك:

أنها مُسْتَمَدَّةٌ من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، وقد تلقاها الصحابة ثم التابعـون، وتابعـوهم، وأئمة الهدى المستمسكون بهديـه صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، رواية ودراية، تلقيناً وكتابة.

من ذلك -مثلاً - قول أهل السنة في الصفات إجمالاً وتفصيلاً، فهو لا يزال واحدًا، وقولهم في كلام الله، والقرآن، والاستواء، والنزول، والرؤية، وقولهم في القدر، والإيمان، والشفاعة، والتوسل، وغيرها كله لا يزال كما نقل عن السلف والقرون الفاضلة. وهذا مما تكفل به الله من حفظ دينه.

بخلاف الفرق الأخرى، وأقربها إلى أهل السنة "الأشاعرة" و"الماتريدية"، ومع ذلك فهم مضطربون في كل ما خالفوا به السلف مما أوّلوه أو ابتدعوه (7 ) ، ويكثر في عقائدهم التلفيق والالتباس والاضطراب، والتوقف فيما جاء عن الله  تعالى  وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وابتداع الألفاظ والمعاني التي لم ترد عن الله  تعالى، ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

المراجع:

1 - انظر: مباحث في العقيدة ، للعلامة د/ ناصر العقل، ص 22. وأصول عقيدة أهل السنة والجماعة للعلامة صالح بن فوزان الفوزان، وعقيدة أهل السنة والجماعة: مفهومها وخصائصها، وخصائص أهلها للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد.

 2 -   سورة البقرة، الآية : 111 .

3 - سورة البقرة، الآية: 2- 4.

4 - انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية 1 / 9 .

5 -  انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية (4/ 72، 73). ودرء التعارض (1/ 157 – 170). وشرح الطحاوية، لابن أبي العز، ص 242 – 247 تحقيق التركي والأرناؤوط. ومقدمة شعيب الأرناؤوط، على كتاب "أقاويل الثقات" للإمام مرعي بن يوسف الكرمي، ت 1033 ، ص 14 – 22 .

 6 - أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب 53، (3/ 1523)، والترمذي، كتاب الفتن، حديث برقم 2229 ، وقال: هذا حديث حسن صحيح. كلاهما من حديث ثوبان رضي الله عنه.

 7 -  انظر تفاصيل هذا الموضوع في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 4 / 1 – 30 ، 50 – 97.


عدد القراء: 50867

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

التعليقات 1

  • بواسطة عمر الحربي من المملكة العربية السعودية
    بتاريخ 2017-06-30 14:53:31

    ماشاء الله أستاذ علي طرح جميل وفقك الله وأشتقنا إلى لقائك

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-