تعريب العلوم .. ضرورة حتمية في الألفية الثالثةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2017-02-03 04:28:02

أ.د. عبد المقصود حجو

أستاذ زائر بالجامعات المصرية والعربية - مصر

1. عام

 تواجه المنطقة العربية وهى على أعتاب القرن إلحادي والعشرين بتحولات جذرية, سياسية واقتصادية واجتماعية حادة على المسرح العربي والعالمي. وترجع هذه التحولات إلى الثورة التكنولوجية والمعلوماتية التي تعد هي أساس التقدم الاقتصادي والرقى الاجتماعي.

ويعد دور التعريب – للعلوم – بشتى صوره الرافد الأساسي لهذه الثورة الوليدة، فبقدر إسهام العرب في نمو وازدهار العلوم بقدر ما يحصلون على رفع مستويات معيشتهم ورفع معدلات التنمية في دولهم.

ولم تخف القوى المناهضة للعروبة والإسلام نياتها ضد العرب، بل أفصحت عن ذلك جهارًا، وها هي الحروب تحاك ضد العرب والمسلمين في شتى أرجاء المعمورة.

ولقد كانت في الماضي تقاس قوة الدول بما تملكه من إمكانيات اقتصادية وقدرات عسكرية ألا انها أصبحت اليوم تقاس بالقدرات العلمية وما تعرفه من علوم العصر.

إن اللغة العربية قادرة على استيعاب روح العصر وفتح آفاقِ جديدة لدور البحث العلمي العربي ووضعه فى المكان اللائق به في عالم اليوم.

بل إن استخدام لغات أخرى غير العربية فى العملية التعليمية والبحث العلمي يضر بالقطع ولا يفيد مما يسبب انخفاض المستوى العلمي للدارسين وعدم الاستيعاب الكامل بل وفوق ذلك عدم الانتماء القومي بما يمثله من حب أصيل لدى المواطن العربي.

بل وتلعب اللغة العربية دورًا بارزًا في تنمية الثقافة العربية فهي ليست وسيلة للتعبير والاتصال بقدر ما هي فى المقام الأول نظام متكامل يربط الفرد بالجماعة وتوحيد الكيان العربي ضد الثقافات الواردة. 

ولاشك أن ظهور الإسلام كان دفعة قوية للفكر العلمي، لكي يتفتح وينتشر ويزيد من معارف الإنسان ورفاهيته.

أليس معجزته الخالدة هي القرآن الكريم؟

أليست أولى آياته هي   أقرأ؟

أليس يقول الحق في أكثر من آية حاثًا ومشجعًا، ويحض على العلم والتعلم؟

ألم يفضل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مجالس العلم على مجالس الذكر؟

 ألم يوازن بين مداد العلماء بدماء الشهداء؟

كل هذا لما للعلم من أهمية في دولة الإسلام يجب الاستزادة منه والتعمق فيه كيف هذا؟ 

والعربية هي الوسيلة المثلى للعلم والعلماء, وما إن استقرت الدولة الإسلامية وامتد سلطانها من مشارف الصين شرقًا إلى فرنسا غربًا، حتى أخذ المسلمون ينهلون من موارد العلوم في مختلف المجالات.

بل إن الخليفة العباسي هارون الرشيد قبل الجزية كتبًا، كما دفع المأمون وزن الكتب المنقولة والمترجمة ذهبًا.

لهذا الحد والمكانة كانت قضايا التعريب فى العصور الزاهية للحضارة الإسلامية.

وابتدع الخوارزمي استعمال الحساب بدلاً من  حساب الجمل، الذي كان سائدًا واختار سلسلتين من الأرقام الحسابية، ما زالتا مستخدمتين حتى الآن.

ويبلغ تعداد العلماء المسلمين الذين غذوا الحضارة الإنسانية حدًّا كبيرًا يصعب حصره – كما اعترف بذلك علماء الغرب المنصفون – مثل ابن سينا وابن رشد والبيرونى وابن الهيثم وابن حيان وغيرهم.

وعندما فتح المسلمون البلاد التى كانت مسرحًا للحضارات القديمة كاليونانية والإغريقية والفارسية والرومانية أقبلوا على تراجم التراث الإنساني والعلمي لهذه الحضارات أضافوا إليه الكثير.

وكان من أبرز المترجمين ابن المقفع والحسن بن سالم وغيرهم.

2. التعريب وقضايا التعليم

يعد التعليم وما يتصل به من نواحي فنية وعلمية وإدارية هو محور التنمية فى بلد من البلدان.

ويقاس التقدم التكنولوجي – عادة – بعدد التخصصات العلمية من مهندسين وأطباء وعلميين مقارنا بالعدد الكلى للسكان.

بل إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن لترداد الفضاء إلا بما تملكه من كوادر علمية فى مجال الأقمار الصناعية وسفن الفضاء والجيولوجيا.

ولاشك أن الدراسة لأي طالب بلغته الأم أكثر فائدة وأسهل وأيسر استيعابًا من الدراسة باللغات الأخرى.

ويمكن إيجاز فوائد التدريس والتعلم والبحث العلمي - بالعربية – على المستوى العربي فى الآتي:

• سهولة ويسر نقل المفهوم العلمي.

• الحصول على كفاءة علمية تعليمية عالية.

• الإسهام ولحدّ كبير في ارتفاع مستوى البحث العلمي.

• توحيد المفاهيم والمقررات الدراسية للدول العربية مما يتيح إيجاد قواعد بيانات علمية عربية.

• التقدم السريع وازدهار مناخ التدريس والتعلم بالعربية.

• تعميق حضارة العربية، وجعلها لغة بحث علمي عالمي.

• إمكانية ازدياد حركة التأليف والنشر للمراجع العلمية بالعربية.

3. دور الجامعات ومراكز البحوث

إن دور الجامعة ومراكز البحوث في قضايا التعريب جدّ خطير، فهما المنوط بهما تنفيذ العملية التعليمية والبحث العلمي والإسهام الفعلي في رقي وتحضر المجتمع العربي بواسطة خطة مدروسة، تواكب احتياجات وتطلعات المجتمع.

ولعله من المفيد هنا أن نورد هذا الدور في الآتي:

• التزام الجامعات ومراكز البحوث بالتدريس بالعربية طبقًا لقانون تنظيم الجامعات رقم 49 لعام 1972م.

• تدريس العلوم في الكليات والدراسات العليا بالعربية.

• تشجيع حركة التأليف والنشر بالعربية.

• جعل العربية هي لغة التخاطب بين الكليات والجامعات والاتحادات الجامعية العربية.

• جعل العربية هي اللغة الرسمية في المؤتمرات والندوات.

• الاهتمام الأولي بتدريس العربية للنشء الصغير منذ البداية.

 إن جعل العربية  - اللغة الأم – هي السائدة – في التدريس ومراكز البحوث سوف يعود بالفائدة الكبرى من ناحية التقدم العلمي ونشر المعرفة والرواج الثقافي.

إن تدريس العلوم الحديثة باليابانية أو الصينية وغيرها من اللغات لم يمنع من التقدم العلمي لتلك البلاد وحصول الطفرات العلمية فيها.  

4. دور مؤسسات الدولة

لكي تصبح العربية لغة سائدة يجب أن تصدر القرارات الملزمة حتى يتقيد الأفراد وتلتزم المؤسسات في الدولة بجعل العربية اللغة الرسمية تخاطبًا وتعليمًا وبحثًا علميًّا وأسلوبًا للحياة  وذلك باتباع الخطوات الآتية:

• إصدار تشريع بواسطة مجلس الشعب بجعل العربية لغة الاتصال والتخاطب بين الوزارات والهيئات والإدارات.

• فرض العقوبات ضد استخدام لغة خلاف العربية أو لغة خليطة من العربية واللغات الأخرى.

• فرض القيود الخاصة بالتزام القطاع الخاص والمؤسسات التجارية بكتابة العناوين واللوحات بالعربية، ولقد كان من أهم قوانين ثورة يوليو 1952 م أن أصدرت تشريعًا فى عام 1954 م بجعل العربية اللغة الرسمية وعدم استخدام لغة أخرى.

وحديثًا فإن دولة الإمارات العربية المتحدة فرضت قيودًا على عدم استخدام لعربية، بل وفرضت الغرامات عند التحدث أو الكتابة باللغات الأجنبية.

5. التوصيات

• إصدار التشريعات القانونية الملزمة باستخدام العربية كلغة أساسية في جميع مؤسسات الدولة.

• المتابعة المستمرة والدورية على التزام هذه المؤسسات بتنفيذ استخدام العربية.

• إثراء حركة التأليف والنشر للكتب والمطبوعات بالعربية.

• إنشاء مناخ عام بالتقيد باستخدام العربية داخل الدول العربية.      

6 - الخلاصة

يدخل العالم العربي – الألفية الثالثة – في عالم يموج بالعديد من المتغيرات والمفاهيم ويزخر بالكثير من التحديات والعقبات ويتعرض العرب- الآن – لصراع حضاري قاس، وتلوح في الأفق نذر حرب ضروس خاصة  من النواحي التكنولوجية.

ويموج عالم اليوم بثورة معلوماتية ونهضة تكنولوجية وطفرة علمية واسعة وهائلة، ونتيجة لثورة الاتصالات أضحى العالم شبه قرية صغيرة.

ويرجع السبب الأساسي في هذه الثورة الفريدة للتقدم العلمي والبحوث الأكاديمية والتطبيقية في شتى العلوم بمعناها العام.

وها هي نذر التغيير الكامل ليس في النباتات والحيوان، بل في الإنسان أيضًا تلوح في الأفق بفضل علم الهندسة الوراثية والجينات.

وتنفق الدول المليارات من العملات المختلفة على مراكز البحوث والمعاهد المتخصصة لاستنباط سلالات جديدة واختراع آليات حديثة تدفع بالبشرية للأمام .

والمتأمل يجد أن إسهام العرب على المستوى القومي يسير إلا أنه على المستويات الفردية يعد هائلاً وكبيرًا.

ومن أهم معوقات التقدم العلمي العربي هو قضية التعريب، فالتعريب أصبح ضرورة ملحة وواجبًا وطنيًّا بل أكاد أقول أنه قضية أمن قومي بالدرجة الأولى.

إن تعلم العلوم – باللغة الأم – له من المميزات والفوائد القدر الكبير، وليس له أيه مثالب أخرى.

ولقد أجريت العديد من الدراسات والبحوث الميدانية لبيان فائدة تعريب العلوم، فكانت النتائج باهرة ومشجعة، وحري بالعرب اليوم أن تتوحد جهودهم في اتباع خطة زمنية يجب على الدول العربية الالتزام بها في قضايا التعريب، لكي تتكامل بذلك منظومتي الدراسة والبحث العلمي.

بل إن قضية التعريب قد تكون أهم روافد وحدة العرب في ظل المتغيرات الدولية.

ويحتل التعريب- بؤرة الاهتمام - في هذه القضية، حيث إنه العامل الرئيسي ليس في التنمية، بل في الإسهام في الحضارة الإنسانية.

 

المراجع:

1 - تقارير التنمية البشرية لمنظمة الأمم المتحدة عام 2012م.

2 - تقارير التنمية البشرية لجامعة الدول العربية عام 2010م.

3 - معدلات النمو في بعض الأقطار العربية.


عدد القراء: 6184

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-