ابن المعتز .. الشاعر الخليفةالباب: مقالات الكتاب
أ.د. عبد المقصود حجو أستاذ زائر بالجامعات المصرية والعربية - مصر |
المقدمة
ولد عبدالله بن المعتز في عام (247 هجرية –861 ميلادية) ونشأ في البلاط العباسي نشأة ترف ودلال وتتلمذ على يد كبار العلماء في اللغة والأدب والثقافة فنشأ محبًا للأدب والفن والشعر منذ طفولته أتراكُ القصر وخدامه قتلوا أباه المعتز ونُفيَ عبدالله إلى مكة وهو في مقتبل العمر، وعاش في كنف جدته التي صُودِرَتْ أموالهُا أيضًا.
وعندما تولى عمه المعتمد الخلافة أمر بعودته ومن معه إلى سامراء عاصمة الخلافة الجديدة، بعد أن استقرت الأوضاع على يد أخيه الموفق الذى كان من أحزم بني العباسي وأنبغهم في إدارة شؤون السياسة والحرب، وهو الذي قضى على ثورة الزنج وثورة الصفارين ضد حكم أخيه المعتمد.
وطوال تلك الفترة كانت جدة شاعرنا هي المعنية بتربيته، فأحضرت له المعلمين في الفقه والحديث والأدب، وانكب عبدالله على الدروس وكان ذكيًا رقيق المشاعر، فانطلق الشعر على لسانه وهو في التاسعة وهو ما لفت انتباه العديد من شعراء عصره لمدحه والثناء عليه وعده من الشعراء المعدودين في زمانه.
ويتوفى عمه الموفق فيخلفه ابنه المعتضد وكان مهيبًا شديد البأس مثل أبيه ويسلمه عمه المعتمد مقاليد الدولة، ثم يتوفى المعتمد فيصبح المعتضد هو الخليفة ويعود إلى بغداد، ويصبح شاعرنا من ندمائه وتقبل الدنيا عليه إلى حين.
وبعد عودته إلى سُامراء ثم إلى بغداد، ظلت حياته مضطربة تعاني ابتلاءات الدولة العباسية، فانصرف يلتمس السلوى في اللهو والمجون فأخذا جانبًا من حياته، ولكن هذا الجانب لم يستطع أن يُخفي صورة علَمٍ من أعلام الشعر العربي ومؤلف له حضوره في تاريخ الثقافة العربية. ولما أُطيح بالمقتدر في سنة 296 هجرية ـ بويع عبدالله بن المعتز بالخلافة لكن خلافته لم تستمر أكثر من يوم وليلة. فقتل قتلة أبيه ومات ابن المعتز مقتولاً في تلك السنة فكان حلقة في سلسلة مهزلة الإطاحة بخلفاء بني العباس على أيدي الأتراك السلاجقة منذ عهد جده المتوكل المتوفي سنة 247 هـجرية.
أخذ ابن المعتز الأدب عن أساتذته وأساطينه في ذلك العهد أمثال أبي العباس المبرد المتوفي 286 هـجرية وأبي العباس ثعلب المتوفي سنة 291 هـجرية وهما أشهر علمين من أعلام تلك المرحلة. واختص به محمد بن هبيرة الأسدي المعروف بصعوداء وعمل له رسالة فيما أنكرته العرب على أبي عبيد القاسم بن سلام.
ومن مؤدبيه: البلاذري، وكان قد سعى لدى قبيحة جدة ابن المعتز في تأديبه، ومن أساتذته أيضًا: ابن أبي فنن واستمر ابن المعتز ينهل من الأدب العربي فتكونت لديه ثروة لغوية هائلة أتاحت له قرض الشعر بهذا الأسلوب الفريد والمتميز.
وقد اشتهر ابن المعتز بأنه كان أديبًا وشاعرًا وناقدًا، واسع الثقافة بصير بصنعة الألحان، كما كان راويًا وإخباريًا ألّف العديد من الكتب منها: البديع، وأشعار الملوك، وطبقات الشعراء، والجوارح والصيد، ثم كتاب الجامع في الغناء.. فضلاً عن ديوان شعر في فنون المدح والفخر والوصف والصيد والقليل من الهجاء.
شعر بن المعتز
من أشعاره الجميلة:
قالوا اعتللت، فسل عني وعن خبري
ألم أبت باكيًا، لا أطعم الغمضا
قولوا لمكتوم: يا سـمـعي ويا بصـري
علّمتُ جسمي من أجفانك المرضا
وكان يكثر من استخدام الصور والتشبيهات فجاء شعره بديعًا رائعًا مثل قوله يغازل مليحة مكتملة بالسحر في عينها حور:
كـم فيهم من مليح الـوجـه مكتمل
بالسحر يطبق جفنيه على حور
لاحـظـته بالهوى حتى اسـتـفـاء لــه
طـوعًا وأسـلـفـني الميـعـاد بالنظر
وجاءني في قميص الليل مستترًا
يستعجل الخطوة من خوف ومن حذر
فقمت أفرش خدي في الطريق له
ذلاً وأسـحـب أذيالي على الأثــر
ولاح ضـوء هـلال كاد يـفـضـحـنا
مثل الــقــلامة قد قدت من الـظـفر
وكان ما كان مـمـا لـــسـت أذكـره
فـظـن خيرًا ولا تسأل عن الخبر
وكما كان شاعرنا رقيقًا بديعًا في غزله، كان أيضًا بسيطًا سلسًا في فخره بجده العباسي وأعمامه وآبائه في شجاعتهم وبلاغتهم:
إنا لـنـنـتـاب العداة وإن نأوا
ونهز أحـشـاء الـبـلاد جميعا
ونـقـول فـوق أســرة ومــنـابــر
عجبًا من القول المصيب بديعا
قوم إذا غضبوا على أعدائهم
جـروا الحـديد أزجـة ودروعـا
وكأن أيـديـنـا تـنـفـر عـنهـم
طيرًا على الأبدان كن وقوعــا
وقد حزن شاعرنا كثيرًا على وفاة ابن عمه وصديقه الخليفة المعتضد ورثاه بقصيدة تشعر وأنت تقرؤها وكأن قلبه ينفطر ودموعه تنهمر، حيث يخاطبه وهو في قبره بمنطقة الطاهرية غرب بغداد بقوله:
يا ساكن القبر في غبراء مظلمة
بالطاهـرية مـقصى الدار منفردا
أين الجيوش التي كنت تسحبها
أين الكنوز التي لم تحصها عددا
أين الـسـرير الذى كنت تملؤه
مـهـابة، من رأتـه عـينـه ارتعدا
أين الرماح التي غديتها مهجا
مذْ مـت ما وردت قلـبــًا ولا كبدا
وعلى الرغم من ذلك إلا أنه وقع في الفخ ولم يستطع مقاومة بريق السلطة، وهو الأديب الشاعر.. فجر على نفسه البلاء، فقد توفي المعتضد وكان ابنه المكتفي غائبًا، فقام مؤنس رئيس الحرس بجمع وجوه العباسيين لأخذ البيعة له، ثم أفرج عنهم ومنهم ابن المعتز، ثم يتوفى المكتفي بعدها بسنوات قليلة ويخلفه ابنه المقتدر وسنه لا يتجاوز الثالثة عشرة، فاعترض عليه الناس بحجة أنه لم يبلغ الحلم فكيف يتولى الخلافة، ويقودهم محمد الكاتب الذي تمكن من خلع المقتدر وتولية ابن المعتز مكانه، فيرد الأخير الجميل له ويقلده الوزارة، ولم يستغرق الأمر سوى ليلة واحدة ونصف نهار، حيث تمكن مؤنس رئيس الحرس من تجديد البيعة للمقتدر والقبض على ابن المعتز بعد أن حاول الهرب.. وقتله والتمثيل بجثته!
قتل ابن المعتز ولم يتعظ لما حدث لجده ولأبيه.. وينعاه معاصروه من الأدباء والشعراء.. ومنهم على بن بسام، بقوله:
لله درك من مـيت بمـضـيعـة
ناهيك في العلم والآداب والحـسب
مـا فـيـه لــو ولا لـولا تـنقصه
وإنــمــا أدركــــتـه حـرفــة الأدب
مات شاعرنا بعد أن عرض نفسه إلى مالا طاقة له به، ولكنه ترك ديوانًا كبيرًا من الشعر، نقتبس منه هذه الأبيات الجميلة:
أما ترى الدهر لا تفنى عجائبه
والدهـر يمــزج مـعــســور بمـيسـور
وليس للــهــم إلا شـرب صافيه
كأنها دمـعـة من عـين مـهـجـــور
ولابن المعتز العديد من الكتب مثل الزهر والرياض والبديع ومكاتبات الإخوان بالشعر وكتاب الجوارح والصيد والسرقات وأشعار الملوك والآداب وحلى الأخبار وغيرها كثير تزخر بها المكتبة العربية.
كتبه المنشورة
- كتاب البديع: طبع في لندن من قبل المستشرق كارتشكوفسكي، ويعد ابن المعتز أول من ألف في البديع، ثم حذا حذوه العلماء والأدباء والنقاد، صنفه، وذكر غير واحد من الأدباء إنه أول بحث منهجي في الشعر والبلاغة.
كتبه غير المنشورة والمفقودة
ومن كتبه المفقودة كتاب (أشعار الملوك)، (الجامع في الغناء)، (الصيد والجوارح)، (حلى الأخبار)، (الزهر والرياض)، (السرقات)، (مكاتبات الإخوان بالشعر)، و(كتاب الفصول القصار)، وكتاب في أخبار شارية وعريب المغنيتين ورسائل ابن المعتز في النقد والأدب والاجتماع.
ديوان ابن المعتز
يحفل ديوان ابن المعتز بالكثير من القصائد في شتى الفروع في الغزل في المديح وفي الرثاء.
نأخذ مقتطفات منها قد حققها الكثير من الأدباء العرب والمستشرقين على السواء.
فيقول:
وولـينَ ما بالين من قد قـتلنه
بلا تِرَةٍ تُخشَى ولا قَتلِ أعدائي
رَددتُ سهامي عنك بيضًا وخُضّبت
سِهامُك في قلبٍ عميدٍ وأحشاءِ
فلم أرَ مـثـلَ المـنعِ أغرى لحاجةٍ
ولا مثلَ داءِ الحبَّ أبرح من داءِ
ويقول:
يا مَن بـه قد خـسرتُ آخرتــي
لا تُـفـسِـدَن بالصّـدودِ دُنيائي
أهمُّ بـالـصـبر، حين يُسرفُ في
هَـجـريَ، والـصّـبرُ نازحٌ، نائي
حـتى إذا ما رأيتُ طَلعَـتَـه
غيـرني مــــا رأيــتُ عــن راءِ
الخلاصة
يُعد ابن المعتز من الشعراء الصفوة في العصر العباسي وأول من أدخل البديع وغيره من صنوف البلاغة، إلا أنه نظرًا للظروف السياسية التي ألمت به لم ينل قسطًا وافرًا من انتشار شعره إلا أن بعض المستشرقين قد دأبوا على دراسة ديوانه دراسات مستفيضة.
المراجع:
1 - ديوان ابن المعتز.
2 - ابن المعتز، عبدالله بن محمد بن جعفر بن محمد المعتصم (ت 296 هـ - 908 م) شعر ابن المعتز.
د راسة وتحقيق: د. يونس أحمد السامرائي (بغداد، 1398 هـ– 1978 م).
3 - الصولي، أبو بكر محمد بن يحيى بن عبدالله بن العباس بن محمد (ت 335 هـ).
4 - الأوراق قسم أخبار الشعراء، عُني بجمعه: ج. هيورث. دن (مصر 1355 هـ- 1936 م) ص 28، 946.
5 - الأصفهاني، أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد (ت 356 هـ- 967 م)، الأغاني، القاهرة، 1357.
تغريد
اكتب تعليقك