روایات الحرم الجامعي (1-3)الباب: مقالات الكتاب
د. أشرف إبراهيم محمد زيدان جامعة بور سعيد/كلية الآداب/مصر |
1.1 مقدمة
يهدف هذا المقال إلى تعريف رواية الحرم الجامعي (الإنجليزي)، وتقديم مسح لأبرز خصائصها، ويسلط الضوء - أيضًا - على تلاشي أسطورة البرج العاجي الذي عاش فيه الأكاديميون؛ إذ أصبحت صورة الجامعة حاضرةً في الروايات، وعلى شاشات التلفاز، وعلى خشبات المسرح (إيفا بيجورك 9) ؛ لذا تغيرت الفكرة السائدة عن صورة الجامعة بوصفها مكانًا معزولًا نرجسيًا بعيدًا عن صخب الحياة العادية يسكنها مجموعة من الصفوة؛ لقد انكشف المستور، وأصبح الأكاديميون مصدرًا للشفقة والتعاطف. وأخيرًا يرصد هذا الفصل الاختلافات الجوهرية بين روايات الحرم الجامعي في القرن التاسع عشر ونظائرها في القرن العشرين. لقد شهد هذا النوع الأدبي تطورًا مثيرًا للغاية في السنوات الأخيرة؛ وذلك بسبب إقبال عدد من أبرزِ الروائيين المعاصرين على هذا النوع الأدبي الجديد لذي يُطلق عليه: رواية الحرم الجامعي أو روايات الجامعة أو الروايات الأكاديمية.
لقد ظهرت كتابات متعددة عن الأكاديمية/الجامعة، منذ العصور الوسطى؛ إذ يصور (تشوسر) في كتابه: "المقدمة العامة لحكايات كانتربيري" الحياة الجامعية في أوكسفورد من خلال إلقاء الضوء على حياة أحد الأكاديمين، وعزلته عن العالم الحقيقي، وبلاغته التي لا صلة لها بالموضوع والتي يعجز العامة عن تذوقها أو فهمها، إنه الأكاديمي الأحمق الذي يشرح للجدران لا للبشر: وخير مثال لهذا النموذج في رواية الحرم الجامعي الحديثة رواية: "عالم صغير" للكاتب "ديفيد لودج"؛ لذا تهدف هذه الأعمال إلى تشويه سمعة المتعلمين، والطبقات الأرستقراطية، ونعتهم بأنهم عاديون كعامة الشعب لا يتميزون عنهم بشيء؛ أي شخصيات ليست متميزة أو فريدة من نوعها: شخصية البروفيسور "ولش" في رواية كينغسلي إيمس "جم المحظوظ" مثال جيد لذلك (أيضًا). ينظر إيجلتون إلى المثقفين على أنهم أناس أشرار، وبوهيميون خائنون في كتاباتهم، وأما احتفالاتهم فهي تهديد لتقاليد الحياة العادية، كما أن أثرهم في غيرهم ضعيف إلى حد يثير الشفقة. ويرى بروكتور 2 (1957) أن رواية: "مغامرات أوكسي الكلاسيكي: طالب من أوكسفورد/1768"3 تُعَدُّ المحاولة الأولى لكتابة رواية أكاديمية، وترصد العنف والجنس والفسوق، وتصف الأكاديمين بأنهم بغيضيون وحمقى وجهلاء ولا خبرة لهم؛ لذا يقعون فريسة مستساغة للطلاب الماكرين (ص 49).
1.2. تعريف رواية الحرم الجامعي
يعرف (كريس بولد4) مصطلح رواية الحرم الجامعي في "قاموس أكسفورد الموجز للمصطلحات الأدبية" بأنها تكون عادة رواية كوميدية أو ساخرة، وتدور أحداثها داخل العالم المغلق للجامعة، أو أماكن تعليمية مشابهة، وتسلط الضوء على حماقات هذه الحياة الأكاديمية، وكثير من هذه الروايات تعبر عن الحنين لأيام الجامعة، ولكن هذا النوع الجديد بصورته المعاصرة يعود إلى فترة الخمسينيات من القرن الماضي، ومن ذلك: (بساتين الأكاديمية/1952 )5 للكاتبة الأمريكية "ماري ماكرثي"، و(جم المحظوظ/ 1954)6 لــ "كينغسلي إيمس"، و(تبادل الأمكنة7/ 1975) لــ "ديفيد لودج"، و(الملائكة المتمردة/1982) لــ "روبرتسون ديفس8 ".
ويعرِّف "لودج" رواية الحرم الجامعي بأنها عمل روائي تدور أحداثه الرئيسة في كلية أو جامعة، ويعطي أهمية قصوى لحياة الأساتذة، وأعضاء هيئة التدريس الصغار الذين يطلق عليهم في أمريكا (مدرس/dons)، أو (أعضاء هيئة التدريس الأكاديميين) في انجلترا.
لقد استخدم لفظ (الحرم الجامعي) ليصف مكانًا في المدينة، في كلية نيوجيرسي "جامعة برنستون حاليًا"، أثناء العقود الأولى من القرن الثامن عشر، وقد استخدمته بعض الكليات الأمريكية الأخرى لاحقًا، ليشير إلى المجالات الفردية في مؤسساتهم الخاصة، وفي القرن العشرين استُخْدِمَ على نطاق أوسع ليشمل جميع ممتلكات المؤسسة، ويُعَدُّ الأمريكيون أول من استخدموا مصطلح روايات الحرم الجامعي، ووصل إلى المملكة المتحدة في عام (1950م)، وظهر أول ذكر للكلمة في قاموس أكسفورد عام (1958م)، ليشير إلي جامعة (إيست إنجيليا) التي بنيت على الطراز الأمريكي: موقع موحد، قائم بذاته، في مكان ريفي أو يشبه المنتزه. ويعتقد بعض النقاد أن مصطلح (الرواية الأكاديمية) أشمل من (رواية الحرم الجامعي)، ولكن الثانية أكثر تعبيرًا عن وحدة المكان الذي يميز هذا النوع الأدبي الجديد.
إن هذه الروايات تسخر من النمطية الجامدة لأساتذة الجامعات وانحرافاتهم في مجال عملهم، كما أنها تصور معاناة المفكرين/الأكاديميين الذين ضاعت حياتهم في المكتبات أو في قاعات التدريس، بل ربما دمرت تدميرًا كاملاً، وتناقش القضايا الأدبية والنظريات التعليمية في عصرنا وما آلت إليه من تَدَنٍّ وتدهور وانحطاط.
1.3. أسباب تطور رواية الحرم الجامعي
غيرت الحرب العالمية الثانية أوروبا من نواحٍ عديدة، ولم تكن بريطانيا العظمى استثناءً، ووفقًا لـ (أطلس الأدب9) غيرت روايات الواقعية الاجتماعية بعد الحرب العالمية الثانية روحَ التجربة الحديثة التي نمت في سنوات ما قبل الحرب، واستكشفت الفجوة بين الأجيال، وقدمت أدق التفاصيل عن الأماكن والحياة العادية؛ لذلك وبفضل هذا السرد الأدبي- كما يرى مالكولم برادبري- يمكن للقراء التعرف الدقيق على تاريخ بريطانيا الاجتماعي، ومن الأمثلة على ذلك مدينة ديفيد لودج الخيالية المسماة (روميدج)، وهي مدينة رجال الأعمال والمصانع، وتظهر في ثلاثيته الجامعية.
ومع ظهور مسرحية (النظر إلى الماضي بغضب) للكاتب جون أوزبورن بدأت الخمسينيات حقبة جديدة ومناخًا جديدًا للفنون والأدب؛ إذ ظهرت (أيضًا) ثلاث روايات ذات خصائص نمطية جديدة: الأولى كانت رواية بقلم ويليام جولدينج (سيد الذباب)، والثانية بعنوان (تحت الشبكة) من تأليف (ايريس ميردوخ)، والثالثة كانت رواية (جم المحظوظ) لــ كينجسلي ايمس، وتعدّ الرواية الأخيرة أول رواية أكاديمية (إنجليزية) تدور أحداثها داخل الحرم الجامعي. فقد صورت الحالة المزاجية الغاضبة التي جدّت في لندن في الخمسينيات من القرن الماضي في الأدب كما مثلت مبدأ الحياة والثقافة بعد الحرب. فقد ظهر التفاؤل في الخطاب السياسي، ولكن الخطاب الأدبي كان يعبر عن مخاوف معينة من هذا التفاؤل المبالغ فيه، وأشار الكتاب إلى عدم موافقتهم على موقف السياسيين؛ وقد ظهرت "موجة جديدة" في حقبة ما بعد الحرب من الروائيين الشباب والشعراء والكتاب المسرحيين، ومن هؤلاء جون وين وكينجسلي ايمس وجون براين وإيريس مردوخ وويليام جولدينج؛ وتعكس أعمالهم التغيرات الاجتماعية في إنجلترا أثناء فترة ما بعد الحرب، ويطلق عليهم الشباب الغاضب، ولكن يرى البعض أن الوضع بعد الحرب العالمية الثانية يعتبر حقبة إليزابيثية جديدة؛ بسبب الاستقرار والازدهار النسبيين، ولذا يحق لنا أن نتساءل عن أسباب ذلك الغضب.
ويعد (قانون التعليم) أحد العوامل التي ساهمت في ظهور الرواية الجامعية، وكان معروفًا أيضًا باسم (قانون بتلر) من عام 1944م، الذي ضمن التعليم المجاني لكل طفل في إنجلترا وويلز، وقد مكن الناس العاديين من الحصول على تعليم عالٍ، وبالتالي منحهم فرصة للخروج من فقرهم، وفرصة للنهوض الاجتماعي؛ ومن ثم لم يعد التعليم والأدب حكرًا على المجتمع الأرستقراطي؛ إذ أصبحت الثقافة كلها ديمقراطية، ويبدو أن الفقر والبطالة المرتفعة والصراعات الاجتماعية في الثلاثينيات قد انتهت حيث أعيد تشكيل المجتمع البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية وصارت الكفاءة (meritocracy)، هي وسيلة الارتقاء إلى أعلى المنازل.
وقد أدى فتح الجامعات لجميع الناس إلى زيادة أعداد الطلاب المتخرجين، وقد أدّى ذلك إلي كثير من التوترات داخل الفصول الدراسية، ويمكن ملاحظة هذا التوتر، على سبيل المثال، في العلاقة بين جم ديكسون ورئيسه (الأستاذ ولش) في (جم المحظوظ)، ولدينا أمثلة أخرى على ذلك، منها رواية ديفيد لودج (تبادل الأمكنة) التي تصف البون الشاسع بين المكانة التي وصل إليها الأكاديميون وما كان يحصلون عليه من أجور مالية في أمريكا وبريطانيا. وتضيف ميشيل دين10 : "عندما أصبحت تجربة الدراسة الجامعية متاحة للطبقة الوسطى أصبحت بيئة طبيعية للمؤامرات البرجوازية"، وليس من المستغرب أن يكون مؤلفو منتصف القرن العشرين مهتمين بالحرم الجامعي وما يدور داخله.
وقد زاد عدد الجامعات بكافة ألوانها، وأتيحت فرص العمل في كليات الآداب لأناس من خارج الجامعة؛ ففي أمريكا جذب مقرر (الكتابة الإبداعية) الكثيرَ من الكتاب الأمريكيين للتدريس في الجامعات؛ وكان من أسباب ذلك تدني أجور هؤلاء إذا قيس بأجور الموظفين الأكاديميين، وسمح ذلك للروائي أن يتعرف على العالم الأكاديمي الذي يعد صورة مصغرة من العالم الكبير.
وتقول (إليْن شوالتر) أن رواية الحرم الجامعي، التي تهتم بشكل أساسي بأعضاء هيئة التدريس، تسمى: (رومانس الأساتذة الجامعيين). ومن مظاهر تطور هذا النوع الأدبي ظهور أنواع من الروايات، منها: (روايات فارستي) التي تركز فقط على الطلاب وليس الكلية، و(الروايات البوليسية الجامعية)، و(الروايات الجامعية النسائية)، مثل رواية ريبيكا جولدشتاين: (مشكلة العقل والجسد/1983م).
1.4. أهم ملامح روايات الحرم الجامعي وأسباب شعبيتها
يعود نجاح رواية الحرم الجامعي إلى الأسباب التالية:
أولًا: تصويرها الصادق للواقع: إن بعض الكتاب - على رأسهم ديفيد لودج - يفضلون استخدام المنهج الواقعي في رواياتهم الجامعية؛ لأنه من المفترض أن تكون هذه الروايات روايات واقعية؛ إذ إنها قائمة على تصوير واقع حيّ وفي جامعات وأماكن حقيقية وإن استخدمت أسماء مزيفة، وهذا هو السبب الرئيس في شعبية هذا النوع الأدبي. وهذا ما يؤكده التشابه والتماثل بين حيوات الأساتذة والطلاب في الواقع وبين هذه الشخصيات في الخيال السردي، وذلك على الرغم من التأكيد - في الجزء الخاص بملاحظات الكاتب في بداية الرواية - على نفي صلة العمل بالواقع تمامًا؛ لذا فالتداخل بين الواقع والخيال واضح جدًا ولا يحتاج إلى مجهود شاقٍّ لاكتشافه.
ثانيًا: الإمتاع والتسلية: إذ تتميز رواية الحرم الجامعي بالعنصر الفكاهي، وتظهر ملامح المهزلة (Farce) بوضوح في بعض هذه الروايات؛ كما أن المكان رعوي وعناصر التسلية واضحة: إنها تقدم تسلية حضارية للقراء بدلًا من تطهير العواطف (Catharsis). وتُعدُّ مشكلةُ تأمين وظيفة للمدرسين في الكليات والجامعات الموضوع الرئيس في رواية الحرم الجامعي الأولى؛ فمنذ أن أصبحت هذه الوظائف مؤقتة ومحددة بفترة معينة شعر الأكاديميون بعدم الأمان؛ لذا يؤمنونها عن طريق إقامة الحفلات لأصحاب المقامات الرفيعة في الجامعة، أو عن طريق المكائد والحيل والكذب، أو عن طريق الرشوة بكافة أنواعها وأشكالها.
ثالثًا: الصراع الطبقي: اهتمت رواية الحرم الجامعي في بداياتها اهتمامًا ملحوظًا بالصراع بين الطبقات الاجتماعية العليا والدنيا والمتوسطة، وهو اهتمام لا نظير له في غيرها من أنواع الرواية. وقد لفتت المظاهرات والاعتصامات الطلابية البطولية أنظار الكثير من الكتاب لكتابة روايات تدور أحداثها داخل الحرم الجامعي، ولم تُلْقِ الروايات الجامعية الأمريكية بالًا لهذه الصراعات بسبب مناخ الحرية المتاح هناك.
رابعًا: المرأة والجامعة: ومع التحاق المرأة بالكليات والجامعات ظهرت ملامح جديدة في هذا النوع الأدبي الجديد، ويبدو ذلك واضحًا في قضايا الجيندر والجنس بوصفها موضوعات رئيسة في الروايات الجامعية، وتظهر الحبكة تحررًا من المجتمع المفرط في الاحتشام، كما تصف التمييز الجائر بين النساء والرجال.
خامسًا: ظهور النظرية الأدبية: كان ظهور النظرية الأدبية سمة مهمة من سمات روايات الحرم الجامعي؛ إذ تضمنت هذه الحبكات الحديث عن النظرية الأدبية التي تتجلى في الجدل حول واقع النقد الأدبي الذاتي والنسوي، وكانت هناك أيضًا محاولة لاستخدام رواية الحرم الجامعي وسيلة للتهكم على مقررات الكتابة الإبداعية.
سادسًا: الجدية: من الملاحظ أن كثيرًا من روايات الحرم الجامعي تتسم بالجدية، وتناقش قضايا شائكة؛ لأن الكتاب أساتذة جامعيون، وقد اعتاد كتاب روايات الحرم الجامعي على معالجة القضايا بشكل مباشر أو غير مباشر؛ لإثارة القارئ وإجباره على التفكير فيما يجري في العالم الحقيقي، ولفت الانتباه إلى مشكلات معينة.
سابعًا: الهجاء اللاذع ورثاء الجامعات: وقد شهدت الروايات الأكاديمية تغيرات جذرية؛ لأن الجامعات شهدت الشيء نفسه، وظهر ذلك في النبرة الغاضبة الساخرة المزيفة أو الكئيبة لشخصيات هذه الروايات، ويُعدُّ كتاب مايكل فراين (ماهرة/1989م11) مثالًا على هذا الاتجاه. وكان هناك ميل لرؤية بداية تلاشي العالم؛ بحيث تصرفت الروايات الأكاديمية كالمرثيات لفكرة الحرم الجامعي. لقد هيمن الهجاء على روايات الحرم الجامعي في بدايتها، واستمرت هيمنته بعد ذلك؛ ورواية (القادمون من الخلف) مثال على ذلك؛ حيث إن الحرم الجامعي الذي تصوره لا يستحق هذا الاسم على الإطلاق.
ثامنًا: الجنس: تعطى الروايات الجامعية المعاصرة اهتمامًا ملحوظًا للعلاقات الجنسية داخل وخارج الحرم الجامعي، وتنقسم إلى علاقات: بين أعضاء هيئة التدريس، وبين زوجات أعضاء هيئة التدريس وزملاء أزواجهن، وبين الطالبات وأعضاء هيئة التدريس، وبين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس من الإناث، ويعود ذلك إلى الحرية الجنسية التي يتمتع بها الغرب بعد ظهور الكثير من التعديلات الدستورية منذ ستينيات القرن الماضي.
تاسعًا: فضول القراء ورغبتهم في معرفة خفايا الحياة الجامعية: إن القارئ شغوف بمعرفة ما يدور داخل الجدران المغلقة، ويريد البعض أن يقرأ عن الذين التحقوا بالجامعة وربما كان منهم، وهي نسبة لا تتجاوز العشرين في المائة من تعداد السكان؛ لذا يلعب موضوع وجهة النظر (الذات/الآخر، الداخلي/الخارجي) في الروايات الأكاديمية دورًا مهمًّا، هنا تكمن الإشارة إلي مصطلح باختين (الحوار بوصفة متطلبًا سابقًا للوجود). ومن خلال الحوار مع الآخر يمكن للذات/الجامعة أن تظهر [رواية "عالم صغير" مثال جيد: قد يرى البعض الجامعة داعمة ومساندة، ويراها آخرون مصدر تهديد عدائي، الجامعة أماكن وممارسات].
عاشرًا: تشويه الشخصيات اليهودية وأقسام اللغة الإنجليزية والنساء: تتعرض الشخصيات اليهودية في هذا النوع من الروايات إلى تشويه مبالغ فيه – وقد كان ذلك يظهر في الروايات العادية أيضًا قبل بروز النفوذ اليهودي الذي عمل على شراء بعض الكتاب والتحكم في الجوائز الدولية. ومع ذلك فإن الشخصيات الأكاديمية اليهودية الوحيدة إلى حد ما هي التي تحقق انتصارًا وفوزًا كاسحًا في نهاية الروايات بسبب سلوكهم المشين. تدور أحداث الرواية الأكاديمية في معظمها داخل أقسام اللغة الإنجليزية مع إشارات خافتة قليلة إلى الأقسام الأخرى مثل قسمي التاريخ وعلم الاجتماع، ويُصوَّر الأستاذ بطريقة تظهره غريبًا شاذًا، أما الشخصيات النسائية فمعظمهن ربات بيوت لا يعملن، أو يعملن في وظائف هامشية كما هو الحال في رواية (عالم صغير) لديفيد لودج و(الاتجاه غربًا) لــ ملكولم برادبري.
الحادي عشر: الانتداب والمؤتمرات والحفلات وعلاقتها بفكرة باختين عن الكرنفالية: ينتدب أحد الكتاب لتدريس مقرر الكتابة الإبداعية، وإعطاء محاضرة عامة عن أحد الموضوعات التي تختارها الجامعة المُنْتَدِبَة، وأحيانا يقوم بالتدريس كما فعل ووكر في (الاتجاه غربًا)، وكان هذا يؤدي إلي فضح بعض المستور؛ كما هو الحال في رواية (جم المحظوظ) للكاتب الرائد كينغسلي إيمس، وتلعب الحفلات أيضًا دورًا هامًا في كشف الكثير من السمات الشخصية لكثير من الأكاديمين. وكانت المهرجانات تكون فرصة للتخلى عن الحذر والحيطة، ومهربًا من العادات والتقاليد الصارمة، إنها حرية مؤقتة ومرخصة.
الثاني عشر: تراجع التألق الأكاديمي والسعي العلمي للمعرفة وضعف الرواتب: تكمن عبثية الحياة الأكاديمية في السعي الحثيث من أجل المناصب والنساء والمال على حساب البحث العلمي والمعرفة؛ لذا فإن السبيل إلي عودة الأكاديميين إلى صوامع العلم والمعرفة هو إلغاء جميع المناصب الإدارية: أ.د. شوقي ضيف أنموذجًا (انظر مقالة "حسنة لله أنا أستاذ جامعة" في نهاية الفصل الأول).
الثالث عشر: التناص: يمثل التناص جانبًا مهمًا للغاية؛ لأنه يربط النصوص بعضها ببعض، ويؤكد أن العقليات التي تشكلها تقوم على البنية نفسها، التفاعل بين الثقافات. إن التناص سمة من سمات روايات الحرم الجامعي، وهو عنصر أصبح أكثر بروزًا في روايات ما بعد الحداثة بشكل عام، ومع ذلك ونظرًا لأن قسم اللغة الإنجليزية هو المكان الذي يكثر اختباره ليكون موقعًا لأحداث رواية الحرم الجامعي؛ فإن النصوص البريطانية على وجه الخصوص غالبًا ما تتضمن أصداء للنصوص الأدبية الكلاسيكية، بل تشير أيضًا إلى النظرية الأدبية التي أصبحت جزءًا مهمًا من دراسات اللغة الإنجليزية منذ السبعينيات؛ فبالإضافة إلى كونها نصوصًا حول تفسير نصوص أخرى فقد تعاملت روايات الحرم الجامعي في كثير من الأحيان مع عملية الكتابة، ويرتبط هذا التطور بإدخال مقرر الكتابة الإبداعية في أقسام اللغة الإنجليزية في الجامعات الأنجلو أمريكية، ومن ثم فإن العديد من روايات الحرم الجامعي- البريطانية والأمريكية - تضم عددًا من الكتاب الزائرين من بين شخصياتها، ويمكن أن تتخللها أجزاء من نصوص أدبية أخرى، وتعمل هذه الإشارات/التناص بوصفها مصدرًا للمعنى، ومصدرا لبعض الدلالات.
الرابع عشر: إساءة استغلال الطلاب: يوظف بعض الأكاديمين الطلاب للقيام بكثير من المظاهرات والاعتصامات أو نشر الشائعات، من أجل الإطاحة مثلًا بأحد أصحاب المناصب، كرئيس القسم أو تحقيق مآرب أخرى، وتظهر هذه السمة بوضوح في حياتنا اليومية، وفي ثلاثية برادبري الخيالية (انظر الفصل الثاني).
الخامس عشر: هزيمة التيارات العلمانية ومن على شاكلتها: الشخصيات العلمانية والليبرالية واليسارية في الروايات الأكاديمية إلي الكثير من الهزائم والخسران والانكسار؛ إذ يستقيل رئيس كلية جوسلين في رواية (بساتين الأكاديمية)، ويهرب كيرك في (الاتجاه غربًا)، وينتهي المطاف بالدكتور تريس في مشفى الأمراض العقلية. تظهر هذه الروايات أن الإباحية والرفاهية والحراك الثوري لا تحمي الإنسان من الإكتئاب والشك ولا تساعده على التخلص من الواقع البائس المعيش؛ فلا شك أن الدين خير ما يعصم النفس الإنسانية من كثير من المتاعب والأمراض.
وأخيرًا: غرابة الأجواء التي تصورها هذه الروايات بوصفها مكانًا منفصلًا أو معزولًا إلى حد ما تتمتع الجامعة بسحر غريب وغير نمطي، وهذا بدوره يوفر للروائي عوالم مغلقة مريحة يتميز فيها بعض الأساتذة بالمشاحنات الفكرية والصراع السياسي والمكائد الجنسية. (تيري إيجلتون، 1988، 94).
استئثار جامعة أكسفورد باهتمام كتاب روايات الحرم الجامعي، وغياب هذه الهيمنة في العصر الفكتوري.
ظهر هذا النوع من الروايات في انجلترا منذ أكثر من مائة وخمسين عامًا؛ حيث نال شهرة وشعبية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ومع ذلك فإن هذا المصطلح لم يستخدم بشكل محدد إلا بعد الحديث عن (روايات ما بعد 1945)؛ لأن الأغلبية العظمى من أحداث الروايات التي نشرت قبل هذا التاريخ كانت تتعامل مع الحياة داخل جامعتي أكسفورد وكيمبردج فقط: (85% للأولى، و15% للثانية). أما جامعات (درهام ولندن ومانشستر وكادرييف) فقد أُنشئت فيما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر، ولكنها لم تتخذ مسرحًا لأي من الروايات الأكاديمية. ومن الجدير بالذكر أن أحداث رواية إدوارد برادلي (مغامرات السيد فيردنت جرين/ -571853) تدور في جامعة أكسفورد مع أنه قد تلقى تعليمه في جامعة درهام، وتعد هذه الرواية من أكثر الروايات الجامعية نجاحًا في القرن19، وكان اسم المؤلف المستعار (كَثْبيْرت بِييد/Cuthbert Bede).
وترى باتريشيا شو12 أنَّ إصرار جامعة أكسفورد التقليدي على تدريس الأدب الكلاسيكي أدى بدوره إلى تقديم روائيين أكثر مما قدمت جامعة كيمبردج التي اهتمت اهتمامًا ملحوظًا بالعلوم والرياضيات، ومن الجدير بالذكر أن الكاتب تشارلز بيرسي سنو (C. P. Snow) وهو أحد خريجي جامعة كيمبردج المتميزين قد بدأ حياته العلمية محاولًا التوفيق بين الثقافتين وسد الهوة ورأب الصدع بين العلماء والأدباء، كما ترى أن خريجي أكسفورد القدامى ينظرون إلى أيام الدراسة الجامعية بحنين أكثر وضوحًا وتعبيرًا من نظرائهم من كيمبردج، ومن أهم سمات الرواية الجامعية التي صدرت بعد (1945) هو التحرر من استخدام أكسفورد وكيمبردج بوصفهما خلفيات لأحداث الرواية؛ لأن هؤلاء الروائيين أنفسهم لم يكونوا دائمًا من خريجي هاتين الجامعتين؛ لقد كُتبت الروايات الجامعية في القرن التاسع عشر من قِبَل كتاب تعلموا في هاتين الجامعتين؛ لذا قدموا وصفًا دقيقًا لأحداث وأنشطة وأنواع كانت مألوفة لهم، وهذا بدوره يجيبنا عن السؤال التالي: لماذا لم يقدم الروائيون الفكتوريون هذا النوع الأدبي؟ والإجابة: لأن خمسة منهم فقط قد نالوا تعليمًا جامعيًا وهم: "ثاكري، تشارلز ريد، والسير ولتر سكوت، وآر. إل. ستيفنسون، ولويس كارول"، وقد أشار ثاكري - منفردًا ومتفردًا من بين هؤلاء الخمس العظام - إلى الموضوعات الأكاديمية كما هو الحال في رواية (بنْدِينِس/1848- 50)13، وفيها صك مصطلح (أُوكْسبردج) (Oxbridge)، ولم ينل الباقون التعليم الجامعي؛ وذلك للعديد من الأسباب، ومنها: أنهم نساء مثل (جين أوستن، ومز جاسكل، والأخوات برونتي، وماري آن إيفنس المعروفة بـ "جورج إليوت")، أو بسبب الفقر الذي حرمهم تلك الميزة كما هو الحال مع (ديكنز، وترولوب، وميريدث، وجيسنج، وهاردي، ومور، وآخرين)، وقد قدم بعض من هؤلاء الكتاب إشارات خاطفة عن أوكسبردج في أعمالهم؛ ففي (أبراج بارْشِسْتَر/14 1857) يقدم ترولوبُ السيدَ (أرَابِن) بوصفه صورة نموذجية للإتقان الأكاديمي، وفي المقابل يستخف توماس هاردي في روايته (جود المظلم) بجامعة أكسفورد بسبب كآبتها وفسادها، وممن لم يلتحقوا بالجامعة بينجامين دزرالي الذي يشير - بسخرية لاذعة - في (Contarini Fleming/1832) إلى عدم جدوى التعليم الجامعي؛ لأن طبيعة الدراسة بائسة مقززة؛ لرداءة الكتب الدراسية فيها. وباستثناء ثاكري لم يتعرض هؤلاء الكتاب إلى الموضوعات الأكاديمية، وقد نشر كتابٌ فرعيون - حصل بعضهم على درجة الليسانس أو الماجستير - أكثر من ثمانين كتابًا تحمل عناوين مثل: ألعاب أوكسفورد وكيمبردج أو أيام أوكسفورد، وكيف حصل روس على شهادته الجامعية. وهناك سبب ثالث لعدم تناول هذه الموضوعات الأكاديمية والابتعاد عنها في الرواية الفكتورية هو: أن المحتوى التقليدي لهذه الأعمال يتنافى مع أيديولوجيات العصر.
واستمرت روايات الجامعة في القرن العشرين محافظة – كل المحافظة- على التقاليد القائمة منذ أكثر من قرن ونصف. إن الإشارات إلي حياة الجامعة ومجالاتها موجودة بوفرة في عصر النهضة وآداب القرنين السابع عشر والثامن عشر كرواية د.جونسون "المتسكع15"، وكانت تتضمن تعليقات مناوئة للحياة في أوكسبريدج، وقدمت نماذجَ لأنواع نمطية في هاتين الجامعتين من الأساتذة والطلاب: أساتذة متحذلقون لا يحافظون على الآداب والتقاليد الاجتماعية، وطلاب منحلين متأنقين ماجنين يترددون على الحانات والنادلات بدلًا من قاعات المحاضرات والدروس التعليمية. إن ثنائية هذه المجموعة (منحرفة/منضبطة) ما زال يُستدعى -حتى وقت قريب- كما في رواية الكاتب "إيفلِن وو" (زيارة برايدسِد مرة ثانية/1945).
وقد كانت الحياة الشريرة التي عاشها هؤلاء الشباب هي البذور الأولى للروايات الجامعية الإنجليزية؛ ففي رواية هنري فيلدنج (توم جونز/1749) ذات المغزى الأخلاقي يحكي سارد القصة كيف أغواه شاب ماجن ثري؛ حتى امتهن السرقة، واضطر أن يغادر أوكسفورد.
إن تصوير فيلدنج لأساتذة توم (Thwackum & Square) – في الواقع - لا يعني السخرية من خريجي جامعتي أوكسبردج. إن تيمة الشاب الذي يخضع للتأثيرات الشيطانية في المرحلة الجامعية قد استمرت في هذا النوع الأدبي؛ فقد ظهر في رواية "فيليب لركن": (جِلJill/) في نهاية النصف الأول من القرن العشرين (1945م)16.
الإحالات:
-1Lambertsson Björk, Eva (1993). Campus Clowns and the Canon. David Lodge’s Campus Fiction. Diss. U of Umeå. Stockholm: Almquist & Wiksell Int..
- 2Proctor, Mortimer R. (1957). The English University Novel. Berkeley: U of California P.
- 3The Adventures of Oxymel Classic, Esq; Once an Oxford Scholar
- 4Chris Baldick (1990). The Concise Oxford Dictionary of Literary Terms. London: Oxford UP.
- 5Mc Carthy, Mary (1952). The Groves of Academe. Harcourt: Brace & World, Inc.
- 6Amis, Kingsley (1954). Lucky Jim. UK: Penguin.
-7Lodge, David (1992). Changing Places: A Tale of Two Campuses. NY: Penguin.
-8Davies, Robertson (1983). The Rebel Angels. Harmondsworth, Penguin.
- 9Bradbury, Malcolm (1996). The Atlas of Literature. New York: London: De Agostini Editions; New York: Distributed in the U.S. by Stewart, Tabori & Chang.
- 10Campus novels: six of the best books about university life. In: The Guardian [online]. 2016 [quoted 2017-04-27]. Available on: https://www.theguardian.com/books/2016/aug/29/campus-novels-best-booksuniversity-life
- 11Frayn, Michael (1989). The Trick of It. United States: Viking Penguin
- 12Shaw, Patricia (1981). “The Role of the University in Modern English Fiction” Journal of the Spanish Association of Anglo-American Studies, 3( 1), 44-68. Retrieved February 12, 2021, from http://www.jstor.org/stable/41054463
- 13Thackeray, William Makepeace (1848-50). The History of Pendennis: His Fortunes and Misfortunes, His Friends and His Greatest Enemy. London: Bradbury & Evance.
- 14Trollope, Anthony (1857). Barchester Towers. London: Longman.
- 15Rambler
-16Philip Larkin’s Jill
تغريد
اقرأ لهذا الكاتب أيضا
- نظرية ما بعد الاستعمار والرواية
- الرواية الكندية وتطورها
- الاغتراب في الرواية
- روايات ما بعد الاستعمار للمهاجرين من جنوب آسيا إلى بريطانيا
- روايات الشتات الإفريقي ما بعد الاستعمارية
- روایات الحرم الجامعي (1-3)
- روايات الحرم الجامعي (2-3)
- روايـات الحـرم الجـامـعي (3-3)
- روايات البريطانيين السُّود
- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الهند الغربية «جزر الكاريبي»
اكتب تعليقك