من العدالة السّياسيّة إلى التّربيّة: التّقدّم والسّعادة في فكر ويليام غودوين (2 - 2)الباب: مقالات الكتاب
د. محمد كَزو المغرب |
جون إيريك هانسون*
د. محمد كَزو
بعد الجزء الأول الذي تحدث فيه الكاتِب، أوّلًا عن: سؤال السّعادة عند غودوين: من "التّحقيق" إلى "المُحقِّق"، وثانيًّا عن: شروط السّعادة في التّربيّة، نأتي الآن إلى المحورين الأخيرين، في الجزء الثاني، كالآتي:
ثالثًا: تحسين مهارات التّنشِئة بإصلاح ما تقرؤه
تدخّل غودوين، إبّان نشره كتاب "التّحقيق"، في المناقشات النّظريّة التي دارت أواخر القرن الثّامن عشر حول موضوع التّعليم. وشرع، بداية القرن الموالي، في مناقشات تتّصل مباشرة بالممارسة التّعليميّة عندما شرع تأليف كُتب للأطفال؛ إذ بدأ -بدون شكّ بفضل اتّصالات زوجته الثّانية، ماري جان كليرمونت- بنشر قصص الكتاب المقدّس سنة (1802م)، التي طبعها باسم مستعار، ويليام سكولفيلد، في مكتبة بنيامين تابارت(1)، لكنّه بعد سنوات، بالضّبط 1805م، افتتح مكتبته الخاصّة ودار نشر تحت اسم "مكتبة الجيل"(2).
وترجع أسباب اختياره هذا المسار المهنيّ، إلى مادّيّة وأخرى إيديولوجيّة؛ فمن وجهة نظر مادّيّة، وبعد وفاة زوجته الأولى ماري ولستونكرافت سنة 1797م نتيجة مضاعفات مرتبطة بولادة ابنتهما، وجد غودوين نفسه وحيدًا أمام تربيّة طفلين: ماري ولستونكرافت-غودوين، وفاني إملاي (وُلدت سنة 1794م، وهي ابنة ماري ولستونكرافت من زوجها الأوّل الأمريكي جيلبيرت إملاي). فقد اهتمّ عن قرب بتربيّتهما مفكِّرًا في كيفيّة التّعامل مع الأطفال، ولكن قبل كلّ شيء كان عليه توفير احتياجاتهما المادّية(3). والنّتيجة، أنِ اتّسمت الحالة المادّيّة للأسرة بمزيد من التّعقيد عندما تزوّج غودوين بماري جان كليرمونت نهاية سنة 1801م، فأصبحت العائلة تضمّ بالِغيْن اثنين وأربعة أطفال. ومع ازدهار التّجارة في كتب الأطفال –خاصّة الكتب المدرسيّة- رأى غودوين أنّها وسيلة مواصلة العيش من إنتاجات قلَمِه، وكان مجبَرًا إخفاء هوّيّته خشية أن تسبق سمعته، وتؤذي نسبة مبيعاته(4).
غير أنّ هذه الاعتبارات المادّيّة ارتبطت بأهمّيّة التّعليم الذي رفعه غودوين طوال حياته؛ وعندما فقد إيمانه، وتخلّى عن مهنة القسّ أوائل ثمانينيّات القرن الثّامن عشر، سعى إلى فتح مدرسة وطبع منشور عن هذا الموضوع سنة 1783م(5). وسيبتعد غودوين، سنة 1797م، عن المناقشات السّياسيّة حول الثّورة الفرنسيّة، لإلقاء نظرة فاحصة على مسألة تعليم الأطفال في كتابه "التّحقيق"، حيث شكّل هذا كلّه أرضًا خصبة لإعادة تحوُّلِه الفكريّ.
ومن وجهة نظر إيديولوجيّة، يرى غودوين في مقالته بعنوان: "حول اختيار القراءات"، إنّ «قوّة الكتب في توليد الفضيلة ربّما تكون أكبر من قوّة توليد الرّذيلة»(141م)، وهذا من الأسباب التي جعلته يرى أحقّية الأطفال في قراءة الكتب التي يرغبون مطالعتها(6). ومع ذلك، فليست الكتب متساويّة جميعها، فبعضها بسبب شكلها ومحتواها ملائمة أكثر لاستخدامات محدّدة، وهذا ينطبق بمنهج خاصّ في حالة الكتب الموجَّهة للأطفال. وإذا كان علينا تصديق ما قاله في مقدّمة كتابه "الحكايات" -التي يجب دراستها بحذر باعتبارها تشكّل غالبًا دعاية جزئيًّة- فإنّ نوع الحكاية يكون «أكثر سعادة [happiest] لإرشاد الأطفال في المرحلة الأولى من تعليمهم»(ح=حكايات 2:1). وهنا أيضًا، لا تتساوى كتب الحكايات الهادفة جميعها؛ فهي لا تشارك كلّها بالطّريقة نفسها في بناء وتكوين سعادة مستقبليّة من القراءة، بمجرّد قراءتها.
يدرك غودوين الحاجة لكتابة نصوص تمنح الاهتمام والمتعة، وبالتّالي شكلًا من أشكال السّعادة الفوريّة. وعليه، فهو يسلّط الضّوء في مقدّمته تلك، على ما يراه فصلًا بين حكاياته وحكايات باقي المؤلِّفين، ويسلّط الضّوء كذلك على الآثار المتوقّعة لهذه الاختلافات، ويقول إنّ "مزايا" الحكايات الإرشادية «تراجعت عن طريق أساليب كتابتها وقراءتها» داخل المجموعات المتداولة ذاك الوقت(ح 2:1). ووفقًا لغودوين، فإنّ الحكايات المعتادة قصيرة جدًّا وبسيطة في سردها، ومكتوبة بطريقة "جافّة" كما لو كانت "مشاكل إقليدس"، وعليه لا يمكنها «إثارة اهتمام عقل طفل صغير»(ح 3:1). وضدّ هذه الممارسة، كتب غودوين بصياغة عامّة حكاياته أكثر طولًا من تلك التي كتبها غيره، من الرّوائيّين المشهورين نهاية القرن الثّامن عشر(7). ممّا يعني، إنّ القارئ سيجد هناك أوصافًا طويلة نسبيًّا للمناظر الطّبيعيّة، مثلًا، في حالة "الجبل الذي يلد فأرًا"(ح 2: 40-44)، بالإضافة إلى التّفاصيل التي تبدو اهتماماتها محدودة، نظرًا للوظيفة الأخلاقيّة التّقليديّة للحكاية.
أمّا بالنّسبة للسّعادة المستقبليّة للجميع، التي تبدو لي مُهمّة أكثر عند غودوين، فإنّ المؤلِّف اعتنى بتنميّة القدرات الذّهنيّة لقرَّائه بكيفيّة خاصّة؛ حيث يجادل في صفات مجموعته الحكائيّة في مقدمّة كتابه، ويختمها بالكشف عن إحدى نواياه قائلًا: «أردت، طالما استطعت فعل ذلك، أن تتفوّق هذه المجلّدات على معظم غيرها لكتّاب آخرين، من حيث قدرتها على جعل عقل المتعلِّم يتعوّد على عادات التّأمّل والتّفكير»(ح 6:1). وعلى الرّغم من كون هذا التّعبير وسيلة أخرى لجذب انتباه الزّبناء المحتملين، فيبدو لي أيضًا أنّه يشير إلى خيار فلسفيّ وأسلوبيّ. ولفهم أهمّيّة هذا البيان، يجب أن تكون مرتبطة من جهة بشروط ظهور السّعادة، فتكون أفضل الخيارات، ومن ناحية أخرى بتنفيذ استراتيجيّات رسميّة، تسمح لنا بتوضيح كيف كان غودوين قادرًا على محاولة "تدريب عقل المتعلّم على عادات التّأمّل والتّفكير".
بالنّسبة لغودوين، كما بيّنت سابقًا، نستطيع تحقيق التّقدّم الاجتماعيّ عبر ممارسة النّشاط العقليّ الفرديّ، وعبر قدرة المرء النّظر في عواقب أفعاله، واختيار أفضلها –التي نعرف أنّها ستعطي سعادة أكبر لشريحة واسعة من النّاس-، ومن ثمّ ينبغي إيجاد السّبل التي ننير بها ذهن الأطفال أمام التّفكير العقلانيّ. لهذا يكتب غودوين في كتابه "المُحقّق" متوجِّهًا بالحديث لتلميذ من وحي خياله، ما يلي: «الدّرس الأوّل من التّعليم السّليم هو أن تتعلّم التّفكير، والتّمييز، والتّذكّر، والتّحقيق»(م 85).
رابعًا: الفلسفة في الأسلوب: الحكايات القديمة والحديثة
استخدم غودوين، لكي ينتقل من النّظريّة إلى الممارسة، استراتيجيّتين رئيسيّتين تشكّلان حكاياته الأصليّة في بريطانيا أواخر القرن الثّامن عشر؛ تمثّلت الأولى في الغياب المنتظم لمبدأ أخلاقيّ(8)، وبالنّظر لوظيفة الحكاية التّربويّة فإنّ هذا الاختيار بعيد عن التّفاهة(9)، كما يجذب غضب "سارة تريمر"، مؤلِّفة كتب أطفال محافظة، وناقدة حادّة لِما اعتبرته مخالفًا للذّوق السّليم.
إذ تهاجم تريمر في استعراضها الطّويل، لمجموعة غودوين المنشورة باسم مستعار "إدوارد بالدوين" ضمن صفحات مجلّته الخاصّة "الوصيّ على التّربيّة"، أسلوب الحكايات القديمة والحديثة، لتجاهله ما تُسمّيه "قانون الحكاية"، وأوّل هذه القوانين يملي على «كلّ حكاية أن تُرفَق بتفسير لإظهار معناها الأخلاقيّ أو نيّتها المضمرة»(10)، وهكذا فعلت تريمر في مجموعتها الخاصّة، بأن صاحبت حكاياتها بأقوال قصيرة، يبرزها الفصل المطبعيّ بين الحكاية وأخلاقها(11). كما قام صامويل كروكسل بالشّيء نفسه في حكاياته التي أعادها عن اليونانيّ إيسوب –الأب الرّوحي للحكاية- التي نشرها مصحوبة بتوضيحات مختصرة، وبـ "تطبيقات" أحيانًا أكثر استفاضة من الحكاية الأصليّة نفسها(12). بينما، في غياب أيّة إشارات مباشرة من الرّاوي أو المؤلِّف، يُترك الأمر للقارئ -إن شاء- لتحديد الرّسالة الأخلاقيّة للحكاية التي قرأها.
أمّا الاستراتيجيّة الثّانيّة التي استخدمها غودوين، فهي استراتيجيّة تكميليّة تتألّف من سرد القصص وبناء شخصيّات تتّسم خصائصها الأخلاقيّة بالغموض؛ وسأكتفي هنا بذكر مثالين لكي أوضّح ذلك، وأبدأ بشخصيّة الذّئب، التي تمّ تطويرها عبر تسلسل حكايتين هما "الذّئب والكلب"، و"الذّئب والحمل"(ح1: 191-212، ح1: 213-223). لغاية ما، يوضّح غودوين في حكاية "الذّئب والكلب"، المعضلة بين الحرّيّة والأمن: بحيث يكون الذّئب جائعًا أحيانًا لكنّه حرّ طليق، في حين يأكل الكلب حتّى يشبع لكنّه في خدمة سيِّده مقيّد بالسّلاسل وأحيانًا يُضرب، وقتذاك ينهي الذّئب الحكاية قائلًا لـ"ابن عمّه": «الموت لن يجعلني خانعًا وحقيرًا، لدرجة أنّني أفضّل القيود والضّرب وبطن ممتلئة مقابل حرّيّتي»(ح1 :212)، وبعودتنا لبداية حكاية "الذّئب والحمل"، يعلن الرّاوي ما يلي: «ظهر الذّئب في الحكاية الأخيرة مفكِّرًا في مصلحته فقط، ولا يمكنني إلّا أن أقول إنّني على استعداد أن أوافقه الرّأي، لكن الذّئب حيوان مخيف يأكل الحملان والأغنام وحتّى الأطفال الصّغار، الحمد لله لا توجد ذئاب في إنجلترا!»(ح1 :213).
كما وضّح روبير أندرسون، لدينا هنا «وصفان مختلفان جذريًّا للذّئب، إذ يَترك هذا التّناقض الأطفال القارئين، بدون وجهة نظر واضحة حول طبيعة الذّئب الحقيقيّة»(13). هذا الافتقار إلى وجهة النّظر، بدوره، يُجبر القرّاء على التّفكير في أبعاد الأوصاف المَحكيّة، وتكوين وجهة نظر ذاتيّة حول القضايا الأخلاقيّة التي تثيرها الحكاية، من خلال وعبر شخصيّة الذّئب.
بينما توضّح هذه الشّخصيّة كيف يبني غودوين الغموض الأخلاقيّ على سلسلة من قصّتين، إلّا أنّ الوضعيّة النّهائيّة لحكاية "المزارع الفقير والقاضي"، تخلق عُقدة أسئلة أخلاقيّة متوتّرة (ح1: 163-171) (14)؛ أيضًا في هذه الحكاية، يضرّ ثور يملكه قاض بحقول مزارع فقير، وبصعوبة الحصول على تعويضات والظّروف هاته التي يَعْلَمُها ذاك الفلّاح الفقير، قرّر أن يقوم بخدعة كالآتي: عندئذ أعلن –تمويهًا- إنّ ثوره هو الذي دمّر حقول القاضي، وبسهولة تامّة يطلب القاضي تعويضًا ماليًّا عن الخسائر، ثمّ يكشف المزارع حينها عكس الواقعة، ليجبر القاضي على تعويضه، فـ «لا يمكنه أن يكون في مكانة القاضي الاجتماعيّة، ويعلن أنّ هناك قاعدة للأغنياء وأخرى للفقراء»(ح1:170).
لدينا هنا انتقاد، في الوقت نفسه، للمؤسّسات القضائيّة ولتصنّع الحصول على تعويض عادل، ومع ذلك فالمزارع غير راض تمامًا، لأنّه يَعتبر تعويضه الماليّ مَكْسَب سوء بوزنه ثمرة "لنوع من الكذب"، ليعلن أخيرًا استعداده من الآن فصاعدًا «قبول خسارة نصف حقل بدل عدم قول الحقيقة فورًا»(ح1 :171). فتقترح الحكاية حلًّا أوّلًا لقرار أخلاقيّ، ثمّ تضعه في مشكلة من جديد، وهي: هل التّعويض عن طريق الكذب عادل حقًّا؟ ما نلاحظه إنّ المزارع يقول: لا، لكنّ الرّاوي بقي صامتًا!!
ويبقى هنا على عاتق القارئ أيضًا، أن يجد جوابه الخاصّ، فهذه العمليّة ليست جديدة على غودوين: إذ يمكن العثور عليها في كتابه "كاليب ويليامز"، وهي رواية رئيسيّة نشرها سنة 1794م، حيث يشهد القارئ في نهايتها مواجهة بين البطل "كاليب" الرّاوي الذّاتيّ للقصّة، وخصمه "فالكلاند"؛ ثمّ يدان هذا الأخير ويشعر بالعار ويموت في نهاية المطاف، ممّا يتسبّب في إحساس "كاليب" بالذّنب العميق(15).
بيد إنّ الكتابة الذّاتيّة، على الأقلّ، تمنح القارئ هامشًا من الحرّيّة لطرح السّؤال: هل يمكننا تصديق "كاليب" حقًّا؟ على حدّ تعبير باميلا كليميت: «هل نصبح متواطئين في رواية "كاليب" للأحداث، أم نتعلّم دروسًا من قصّته؟»(16)، والشّيء نفسه بالنّسبة للمزارع: هل بإمكاننا تقبُّل رواية الأحداث التي قدّمها مع انتهاء الحكاية، أم أنّنا نتعلّم منها دروسًا أخرى؟
تماشيًا وهذه الاستراتيجيّات الرّسميّة، ابتكر غودوين حكايات غير مؤكَّدة وملتبسة أخلاقيًّا، والتي يجب فكّ شفرتها بفضل النّشاط العقلانيّ للطّفل القارئ (أو القارئ الرّاشد البالغ، كما في حالة "كاليب ويليامز")، وسيكون هذا النّشاط بحسب غودوين مفتاح السّعادة في المستقبل. ومع إعادة استخدام الجواب الذي قدّمه غودوين لـمجلّة "ناقد بريطاني" حول موضوع كاليب ويليامز، سيجد القرّاء أنفسهم بفضل ذلك الشّكّ «في بحر عميق من التّحقيق الفكريّ والسّياسيّ»، وبأنّ سعادة الجميع، التي لا نستطيع اكتشافها إلّا بتحديد الحقيقة واستخدام العقل، تتطوّر(17).
خاتـمـة
يعطي غودوين، في كتابه "تحقيق حول العدالة السّياسيّة" تعريفًا للسّعادة فيربطها، في الوقت نفسه، بتصرّفات الأشخاص ذاتهم، وبإمكانيّة التّقدّم الاجتماعيّ والسّياسيّ، وباعتقاده إنّ الفعل العادل الواعي الفاضل والنّزيه يؤدّي إلى تعظيم السّعادة الفرديّة والجماعيّة، والدّفاع عن المُثل الأعلى للمجتمع حيث تختفي مؤسّسات الدّولة والقانون والممتلكات.
بينما اهتمّ، في كتابه "المحقّق"، بتوليد السّعادة في عالَم سياسيّ واجتماعيّ مصغّر هو: الوضعيّة التّربويّة؛ ولذلك نجده يعمّق تحليله وينظر في الأساليب والهياكل التي يتعيّن وضعها للسّماح بتنميّة السّعادة الفوريّة لدى المتعلّم، وبتنميّة السّعادة العامّة في المستقبل، ممّا يسمح بالتّقدّم الاجتماعيّ والسّياسيّ. إذ يجب منح الطّفل، على وجه الخصوص، وسائل تمكّنه من اتّخاذ قراراته الخاصّة وتنميّة قدراته الفكريّة.
كما عمّق أيضًا تحليله في كتابه "الحكايات القديمة والحديثة"، وبحث عن الوسائل الكفيلة بتطبيق النّظريّات التي طوّرها سابقًا بالفعل، فإذا اكتشفنا نظريّة وممارسة لأدب الأطفال، ربّما ستسمح –يمكن للمرء أن يتخيّل إنّ غودوين كان يأمل- للقارئ أن يصبح "أحد منقذي الإنسانيّة الذين طال انتظارهم". لذلك، حينما نقوم بقراءة متقاطعة لهذه المصنَّفات الثّلاثة، المكتوبة على مدى عقد من الزّمن، يمكننا أن نلمح الصّياغة العميقة للنّظريّة والممارسة، من مشروع غودوين التّقدّميّ.
والخلاصة إنّ التّقدّم، حسب هذا الكاتب، يمرّ فقط من خلال توليد السّعادة بفضل مضاعفة الأعمال الفاضلة وغير الأنانيّة. ولضمان قيام الأفراد بمثل هذه الإجراءات، نحن بحاجة إلى تربيّتهم لكي يدركوا معنى السّعادة الفوريّة والمستقبليّة، وبالتّالي سوف يكتسبون القدرة على التّصرّف بطريقة فاضلة، ما يضاعف سعادتهم الشّخصيّة والعامّة في الوقت نفسه، وكلّها مرتبطة بالتّقدّم السّياسيّ والاجتماعيّ؛ وهنا تتّضح مركزيّة السّعادة في فكر غودوين منذ الصّفحات الأولى لكتابه "تحقيق حول العدالة السّياسيّة"، ومع ذلك لا يمكن للمرء فهم مدى تداعيّات تصوّره، إلّا من زاوية تحليل نصوص مثل "الحكايات القديمة والحديثة"، التي يبدو اهتمامها الفلسفيّ محدودًا للوهلة الأولى.
الإحالات والهوامش:
* المصدر: استفسارات فلسفيّة، مجلّة النّاطقين بالإنجليزيّة، ديسمبر 2020 العدد 10، سياسة السّعادة، ص35-51.
** أستاذ محاضر في التاريخ البريطاني القديم والحديث، بجامعتي باريس وفيرساي.
(1) "قصص الإنجيل، الأعمال التي لا تنسى للأبطال القدامى، القضاة والملوك: المقتبَسة من المؤرخين الأصليين، المسخَّرة للأطفال"، ويليام سكولفيلد [ويليام غودوين]، لندن، ر. فيليب، 1802.
(2) لأجل عرض واسع لسياقات ظهور مكتبة الجيل، ينظر: "مقدمة الحكايات الراديكالية: ويليام غودوين ومكتبة الجيل، 1805-1825"، سوزان بارنيت وكاترين بينت كوستافسون، الحكايات القديمة والحديثة، دوائر رومانسية، 2014.
(3) قام غودوين بأوّل محاولاته للكتابة بأسلوب اعتبره مناسبًا للأطفال، بمناسبة رحلة قام بها إلى أيرلندا سنة 1800، ضمن رسائل إلى صديقه جيمس مارشال، الذي يعتني بطفلتيه أثناء غيابه، محدِّدًا له ما ينبغي له أن يقرأه لهما. ينظر: "رسائل ويليام غودوين"، ويليام غودوين، مطبعة جامعة أكسفورد، 2014، المجلد 2، رسالة رقم 271و272.
(4) أشار غودوين في رسالة سنة 1806 إلى القائم بأعماله جوزيا ودجوود: "تمّ استخلاص أكثر من 40000 جنيه إسترليني من بيع كتاب الإملاء ديلوورث، بشلن واحد للنّسخة". مجموعة أبينجر الورقية، رقم 18، ص:75-77. وكرّر نفس القول في رسالة أخرى غير مؤرّخة، وغالب الظّن كُتبت في المرحلة الزّمنية نفسها، إلى مُرسَل مجهول، ينظر: مجموعة أبينجر الورقية، رقم 21، ص:32-33. وفي هذه الرّسالة أيضًا: "كان ضّروريًّا أن أنشر هذه الكتب باسم مستعار، لأنّ النّقاد والمسنّات من الجنسين سيثورون بشدة ضدي باعتباري رجلًا مثيرًا للفتنة وملحدًا كجلد قديم، يسيِّر مدارس البنات والأولاد الذين سيُرعبون إذا وصلهم كتاب كاتِبُه غودوين". ولتفاصيل أكثر فيما يتعلق بتجارة كتب الأطفال أواخر القرن الثّامن عشر وأوائل القرن التّاسع عشر في بريطانيا العظمى، ينظر: "عالَم الأطفال الجديد"، جون هارولد بلومب، في نشأة مجتمع استهلاكي: تسويق إنكلترا في القرن الثّامن عشر، لندن، أوروبا للنشر، 1982، ص:286-315.
(5) "حساب المدرسة اللاهوتية التي سيتم افتتاحها يوم الاثنين في الرابع من أغسطس في إبسوم في ساري، لتعليم اثني عشر تلميذًا باللغات اليونانية واللاتينية والفرنسية والإنجليزية"، ويليام غودوين، إدارة باميلا كليميت، كتابات ويليام غودوين السّياسيّة والفلسفيّة، الكتابات التّربويّة والأدبيّة، لندن، بيكرينغ وشاتو، 1993، المجلد 7/5، ص:2-21.
(6) أثارت الفكرة معارضة شديدة من المنتقدين. ينظر: "نظريّة غودوين التّربويّة: المستفسر"، باميلا كليميت، مرجع سابق، ص:10.
(7) تنظر التّعليقات في هوامش صفحات المبادئ التّوجيهية لنشر الطّبعة الإلكترونية لكتاب "الحكايات"، سوزان بارنيط وكاترين بينت كوستافسون، مرجع سابق، (ح 5:1).
(8) ينظر: "البائس وكنزه" (ح 1: 81-98). أو "مشاجرة المحار" (ح 1: 115-127). أو"الذئب والكلب" (ح 1: 191-212) التي سأتحدّث عنها بعد قليل. إذ لا تتّبع الحكايات جميعها هذا التّنسيق، ولكن عددًا كبيرًا يرضخ له.
(9) لدراسة شاملة للحكايات في بريطانيا العظمى، ينظر: "الحكاية الإنجليزية: إيسوب والثقافة الأدبية، 1651-1740"، جاني إليزابيث لويس، مطبعة كامبريدج الجامعية، 1996.
(10) "الوصيّ على التّربيّة"، سارة تريمر، بريستول، طوكيو، طوميس، سينابس، 2002، المجلد 5، ص:282-296. ورغم أنّ تريمر كانت سياسيّة محافظة، إلّا أنّها كانت مبتكِرة في بعض المقاربات البيداغوجية. ينظر: "المراجعة الثورية: سارة تريمر الوصيّ على التّربيّة والثّقافة السياسية لمكتبة الجيل: فهرس لصحيفة الجارديان"، أندريا إميل وميتزي ميرس، لوس أنجلوس، قسم المجموعات الخاصّة، مكتبة البحوث الجامعية، جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، 1990، عمل بريستول، طوكيو، طوميس، سينابس، 2002، المجلد 5، ص:5-41.
(11) "السّلّم إلى التّعلّم: مجموعة مختارة من الحكايات؛ تتكون من كلمات ذات مقطع واحد واثنين وثلاثة؛ مع معناها الأخلاقي الأصيل"، سارة تريمر، الطبعة 11، ج. هاريس، 1824.
(12) للاطّلاع على نسخة حكايات كروكسل المعاصرة، والمناقشات التي أتحدث عنها. ينظر: "حكايات إيسوب وغيرها: التّرجمة إلى الإنجليزية، مع تطبيقات تربويّة مفيدة، وقَصٍّ قبل كل حكاية على حدة"، صامويل كروكسل، الطبعة 17، لندن، ج. جونسون، ر. بالدوين، ج. ريفينكتون وروبينسون، ج. والكير، وماتيو، 1805.
(13) "غودوين المقنّع: السّياسة في مكتبة الجيل"، روبير أندرسون، إدارة روبير مانيك وفيكتوريا مايرس، ص:125-146. و"لحظات غودوينيّة من التّنوير إلى الرّومانسيّة"، روبير مانيك وفيكتوريا مايرس، مطبعة تورونتو الجامعيّة، 2011، ص:126.
(14) "الاحتفال بالحكايات البرية"، ماليني روي، نشرة تشارلز لامب، 147، 2009، ص:122-130. و"مؤسسة لامب وغودوين لأدب الأطفال، المرجع نفسه، ص:128.
(15) "كاليب ويليامز"، ويليام غودوين، طبعة جديدة، مطبعة أكسفورد الجامعية، 2009، ص:293-303. وتحديدًا حول شعور "كاليب" بالذنب ستنتهي الحكاية.
(16) "الرواية الغودوينية: الخيالات العقلانية لغودوين"، باميلا كليمنت، أوكسفورد، مطبعة كلارندن، 1993، ص:68. ولتحليل مناقض ينظر: "من ذنب كاليب وحقيقة غودوين: الأيديولوجية والأخلاق في كاليب ويليامز"، جاري هاندويك، مجلة ELH العلمية، 60-4، 1993، ص:939-960.
(17) "غودوين المقنّع"، روبير أندرسون، مرجع سابق، ص:126-142.
تغريد
اقرأ لهذا الكاتب أيضا
- المُحاورة حيلة وخير وسيلة لإنقاذ أنوار الفطرة وبصيرة الذهن الإنساني
- ثورةُ الحُبِّ في الفلسفة
- رونيه ديكارت .. عبق التّاريخ وروح الفلسفة
- فلسفة اللّامبالاة فنُّ الاستفادة مِن المعاناة
- من العدالة السّياسيّة إلى التّربيّة: التّقدّم والسّعادة في فكر ويليام غودوين (1-2)
- من العدالة السّياسيّة إلى التّربيّة: التّقدّم والسّعادة في فكر ويليام غودوين (2 - 2)
- الإسلام ودوره في تأسيس الفكر الدّيني العالمي
اكتب تعليقك