أفلاطون أرسطو الإخوة الأعداءالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2024-02-01 11:52:53

محمد نجيب فرطميسي

المغرب

ترجمة: محمد نجيب فرطميسي

مونيك كانتو - سبيربر Monique Canto-Sperber

إرث الإغريق الفلسفي هو الفلسفة ذاتها. تصدق هذه المقولة بوجه خاص على أفلاطون وأرسطو، إذ يرجع لهما الفضل في صياغة أسئلة الفلسفة الأساسية، والتأسيس لنهج قوامه التفكير والنقد، نهج يحضر بكل قوته في جل صيغ التفكير اللاحقة، كما دافعًا عن مسعى معرفي ما زال حاضرًا في الفلسفة إلى الآن، سواء اهتمت بالوجود أو الحقيقة أو الفعل البشري.

أفلاطون وأرسطو، فيلسوفان تميزت معهما المباحث الفلسفية كلية عن الميثولوجيا والحكمة القديمة. هما من وضعا أهداف المسعى الفلسفي وصاغا أسلوبه المميز.

يحتل مبدئيًا أفلاطون في هذا الحضور الدائم مركز الصدارة. تشمل مؤلفاته في الواقع معظم المباحث التي تشكل إلى اليوم مادة الفلسفة. عادت هذه المؤلفات بكل قوتها في عصر النهضة، وألهمت، عند نهاية القرن السادس عشر، الحداثة العلمية والفلسفية.

ينتمي أرسطو لهذا التقليد الفلسفي، ومع ذلك، فإن الفلسفة لم تعد معه نهائيًا ما كانت عليه مع أفلاطون، تمرينًا للتحرر من العالم المحسوس، وسبيلاً لمعرفة الوقائع العقلية. لقد أضحت الفلسفة مع أرسطو مجموعة من المعارف المحددة: الأنطولوجيا، الأخلاق والسياسة ... إنه أول فيلسوف وضع تنظيمًا للمعارف، ما زال ساري المفعول إلى اليوم.

وضع كل من أفلاطون وأرسطو خطوطًا فاصلة، لا زالت قائمة لأكثر من ألفي سنة. أكثرها شهرة، الفصل القائم بين النزعة العقلانية والنزعة التجريبية: هل توجد شروط المعرفة في العقل أم في التجربة؟ يعود الفصل الثاني للتعارض بين ثنائية الوجود ووحدة الوجود: هل هناك صنفان من أصناف الواقع، العقل والمادة، أم يرد الواقع لصنف واحد؟ ويتعلق الفصل الثالث بموضوع المعرفة الممكنة: هل يمكننا معرفة الواقع المحسوس أم أن المعرفة تنحصر في الوقائع العقلية المحضة، كموضوعات الرياضيات مثلاً؟ هناك خطوط فاصلة أخرى تتصل بالكيفية التي ننظر بها للأخلاق والسياسة: هل يستند الفعل السديد على المعرفة وحدها؟ هل يستلزم عوامل أخرى كالرغبة أو الإحساس؟ هل يختزل كمال السياسة في المعرفة بعلم السياسة؟ ألا يوجد هذا الكمال في صلب نظام سياسي معين؟

 قد تبدو الأجوبة الأفلاطونية عن هذه الأسئلة راديكالية. إذ لا توجد، بالنسبة لأفلاطون، شروط المعرفة في عالمنا المحسوس. لا وجود إلا لحقيقة واحدة، هي ما يدعوه أفلاطون المثل العقلية. لا يُدرك العالم المحسوس إلا بصفة ثانوية. تستند حصريًا الفضيلة، في نظره، على المعرفة، وبالتالي وحدهم الفلاسفة، العارفين بعلم السياسة، بإمكانهم إدارة الدولة، كما يعلن عن ذلك في "الجمهورية".

أرسطو ممهد لأفلاطون

يرفض أرسطو، خلافًا لأفلاطون، حصر المعرفة فيما هو معقول. يحدد مستويات المعرفة ويضع شروطها. كما يعترض على الفصل الذي أقامه أفلاطون بين عالم المثل وعالم المحسوسات، يسعى من خلاله لجعل العالم المحسوس قابلاً للمعرفة. يدافع أرسطو عن اقتران الرغبة المعتدلة، في الفعل الأخلاقي، بالتفكير السليم، ويعترف أيضًا بأهمية دستور سياسي رشيد، واضعًا التعددية التنافسية دعامة الواقع السياسي.

إلا أنه علينا ألا نتسرع في أحكامنا، ونعتبر أن أرسطو يتعارض في كل شيء مع أفلاطون. الحال أن صاحب "المأدبة" مارس تأثيرًا قويًا على أرسطو، الذي قضى زهاء عشرين سنة بالأكاديمية، هذه المدرسة الفلسفية التي أسسها أفلاطون سنة 387 ق.م في أثينا. بالفعل إن تعاطف صاحب كتاب "الميتافيزيقا" تجاه الأفلاطونية قد تراجع تدريجيًا، تعاطف تحول أحيانًا إلى معارضة قوية. لكن الخلافات بين هاذين الفيلسوفين التي قد تبدو ملحوظة لقراء اليوم، لم يكن من السهل على المؤلفين الذين جاؤوا بعدهما تمييزها. كان الفلاسفة الأفلاطونيين (القرنين VوVIم) أكبر شراح مؤلفات أرسطو، التي استعانوا بها كمقدمات لتدريس فكر أفلاطون.

ألا يتقاسم فعلاً هاذان الفيلسوفان نفس الأسئلة؟ أسئلة كان أفلاطون أول من صاغها، وأول من أجاب عنها، من هنا يتشكل   لدينا انطباع حول الطابع الراديكالي لبعض أطروحاته. عارض أرسطو بشدة هذه الأطروحات، ووجد نفسه في وضعية تحتم عليه تدقيق وتنقيح التصورات الأفلاطونية.

لنضرب المثالين التاليين:

المُثل بالنسبة لأفلاطون هي كل الوجود وكل ما هو قابل للمعرفة.  المثال عقل، لوغوس Logos ينعم بوجود حقيقي، صادق على الدوام، وحاضر في معظم الموجودات: الدائرة، الحصان أو الفضيلة. أما أرسطو فيذهب أبعد من ذلك، إذ يسعى لإدراك ما يحدد معقولية الفرد الواحد: هذه الدائرة، ذاك الفرس، أو هذا السلوك الفاضل. عبر أرسطو عن عميق أسفه، كون أفلاطون لم يعمل على تفسير مصدر الحركة. يلاحَظ نفس الاختلاف بينهما في موضوع الأخلاق، لا شيء أكثر غرابة في نظر أرسطو من ذلك الطموح الأفلاطوني الذي يسعى لجعل الأخلاق مبحثًا معرفيًا صرفًا. غاية الأخلاق بالنسبة لأرسطو أن يصبح الفرد فاضلاً. كما يرفض، خلافًا لأفلاطون، أن تقتدي الأخلاق بدقة وصرامة العلوم. ويوصي بالبدء من الآراء المشتركة، تلك التي استبعدها أفلاطون. عالج أرسطو المسألة بطريقة جدلية، مستخلصًا الصعوبات والمشكلات. يبدو أيضًا الخلاف بين هاذين الفيلسوفين واضحًا وجليًا في تحديد مفهوم الخير، مثال الخير عند أفلاطون هو ركيزة ودعامة الواقع المعقول، إنه الجزء المشرق من الوجود، يتمتع بصفات الجمال والنظام والانسجام. إنه المعيار الذي نحكم به على الواقع، بدءًا من الرياضيات وصولاً لشؤون البشر. الخير بالنسبة لأرسطو لا يملك، على العكس من ذلك، معنى واحدًا، بل معاني متعددة، ولا يمكن بالتالي أن يكون موضوع معرفة موحدة. الخير هو الاله إن اعتبرناه جوهرًا، وفضيلة إن نظرنا إليه بوصفه كيفًا، ونظامًا إن عددناه كمًا. يختلف إذن الفيلسوفان في تحديد الخير، لكنهما يتفقان في اعتباره مبدأ الفعل الأخلاقي.

ما زال هناك الكثير نتعلمه من أفلاطون وأرسطو، نقتدي بهما عندما يتعلق الأمر بسيكولوجيا الطمأنينة أو الحكمة الشعبية والني اختزلت فيها، في الغالب، الفلسفة الإغريقية اليوم. على ألا ننسى أن سقراط كان معلمهما معًا، ونال إعجابهما لا فقط لإبداعه تعريفًا كونيًا للفلسفة بل بالأخص، لأنه يهاب الظلم أكثر مما يخشى الموت.

 

المصدر:

Platon-Aristote les faux frères ennemis

Monique Canto-Sperber

In Penser avec les Grecs

Le Point Hors-série Oct-Nov 2021 p 40- 44


عدد القراء: 2717

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-