هل الخيال والإبداع يأتي بإنجازات عظيمة؟الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2024-02-01 11:58:02

المحرر الأدبي

مجلة فكر الثقافية

فاليري فان مولوكوم

قد يفترض المرء أن شكسبير كان يعرف ما كان يتحدث عنه. ومن خلال ربط فعل الشاعر الإبداعي بالخيال بشكل وثيق، كان يعبر عن اعتقاد راسخ في الثقافة الغربية منذ زمن طويل. إنها وجهة نظر اشتهر بها الشعراء الرومانسيون (وكما سنرى كانط، سلفهم غير المحتمل إلى حد ما). يخبرنا شيلي أن «الشعر، بالمعنى العام، يمكن تعريفه بأنه «التعبير عن الخيال»: والشعر مرتبط بالإنسان».

يقول المؤلف الأيرلندي الشهير جورج برنارد شو: "الخيال هو بداية الإبداع، إنك تتخيل ما ترغب فيه، وترغب فيما تتخيله، وأخيرًا تصنع ما ترغب فيه". وليس الخيال حلمًا من روافد النوم، ولا هو رؤية مطلقة لا يربطها بالحياة الحسية رابط، ويخطئ من يرى الخيال وهمًا منفصلاً عن الواقع أو تهويمًا مجردًا لا يُدرك، بل الخيال يحفظ ما يدركه الحس من صور المحسوسات بعد غياب المادة، ولا ينبع الخيال من فراغ، إنما هو نشاط نفسي إيجابي يتفاعل مع النشاط الذهني فتنبجس عنهما ملكة واستعداد تولدان قدرة على إضافة أشياء جديدة باهرة تجدد مقاربات الحياة.

يُعرِّف علماء النفس الإبداع بأنه توليد الأفكار أو المنتجات الأصلية والقيمة. يعتمد الإبداع على الخيال، والتمثيل الواعي لما لا يكون موجودًا على الفور أمام الحواس. على الرغم من أن الأبحاث حول الإبداع.

سواء كنت مفتونًا بلوحة "ليلة النجوم" للفنان فينسنت فان غوخ أو نظريات ألبرت أينشتاين حول الزمكان، فستوافق على الأرجح أن كلا العملين نتاج لإبداع مذهل آخذ للعقل. فالخيال هو ما يدفعنا إلى الأمام كبشر، ويوسع عوالمنا ويجلب لنا أفكارًا جديدة، واختراعات واكتشافات. ولكن لماذا يبدو أننا نختلف بشكل كبير جدًا في قدرتنا على التخيل؟ وهل يمكننا تدريب أنفسنا كي نصبح أكثر إبداعًا؟ يقدم العلم بعض الإجابات على أساس ثلاثة أنواع من التخيل مختلفة عن بعضها البعض ولكنها مترابطة أيضًا.

الخيال الإبداعي

"الخيال الإبداعي" هو ما نعتبره عادة ذلك النوع من التفكير الذي يؤدي إلى إنجازات عظيمة ولكنه نادر نسبيًا، مثل تأليف مقطوعة موسيقية أوبرالية أو اكتشاف شيء رائد. وهذا يختلف عن الإبداع اليومي، مثل التوصل إلى حلول مبتكرة للمشاكل المنزلية أو صنع المنتجات الحرفية.

ومن المعروف أن الإلهام الإبداعي بعيد المنال. ولذلك فإن القدرة على تدريب مهارة الإبداع أو استحثاث حالة من الإبداع كانت منذ وقت طويل هدفًا للكثير من الفنانين والعلماء. ولكن هل ذلك ممكن؟ نحن ندرك أن بعض الأفراد لديهم شخصية أكثر إبداعًا من غيرهم. ومع ذلك فقد أشارت الأبحاث إلى أن الخيال الإبداعي يمكن تعزيزه أيضًا من خلال بيئتنا المحيطة أو ببساطة ببذل الكثير من العمل الشاق. فعلى سبيل المثال، أظهرت الدراسات التجريبية أنه عندما يتفاعل الأطفال مع المحتوى الإبداعي أو يشاهدون آخرين يتمتعون بدرجة عالية من الإبداع، يصبحون أكثر إبداعًا.

هناك مرحلتان للخيال الإبداعي، المرحلة الأولى هي "التفكير المتباعد"، وهو القدرة على التفكير في مجموعة واسعة من الأفكار، كلها مرتبطة بطريقة أو بأخرى بمشكلة رئيسية أو موضوع، وتميل إلى أن تكون معتمدة على التفكير البديهي (الطبيعي)، وهو سريع وتلقائي. ثم تحتاج إلى المرحلة الثانية وهي "التفكير المتقارب" لمساعدتك على تقييم مدى جدوى تلك الأفكار ضمن المشكلة الرئيسية أو الموضوع، ويدعم هذه العملية التفكير التحليلي -وهو بطيء ومُتَأنٍّ- مما يسمح لنا بتحديد الفكرة الصائبة.

ولذلك إذا كنت ترغب في كتابة تلك القطعة الفنية الرائعة، قد يساعدك حضور الكثير من الجلسات لتبادل الأفكار مع الأصدقاء أو أخذ دورة في التفكير الإبداعي أو الكتابة على التوصل إلى أفكار جديدة. غير أن ذلك قد لا يساعد بالضرورة على الوصول إلى فكرة جيدة. لذلك، تشير البحوث إلى أن الشرط الأول هو اكتساب المعرفة والخبرة الفعلية. وكلما عملت وفكرت في مجال ودربت نفسك على مسألة ما -والأهم من ذلك، تجرأت على ارتكاب العديد من الأخطاء- كنت أفضل في التوصل إلى أفكار جديدة بشكل بديهي (طبيعي) واكتساب القدرة التحليلية على تحديد الفكرة الصائبة.

ولذلك فإن النجاح الإبداعي لا يتعلق كثيرًا بإيجاد مصدر إلهام، كما قال عالم الأحياء الدقيقة لويس باستور: "الحظ يُفضّل أصحاب العقول المستعدّة". وهذا ينطبق أيضًا على الفن، إذ يقدم بابلو بيكاسو النصيحة في عبارته المأثورة: "أتقن القواعد كمحترف حتى تتمكن من كسرها كفنان".

الخيال الوهمي

تعتبر القدرة على الاستيعاب التام لفكرة هي المفتاح لوضع اللمسات الأخيرة على مشروع ناجح وخلاق، بالنسبة لكثير من الناس. لذلك تحتاج إلى شيء يسميه العلماء "الخيال الوهمي"، وربما أفضل توقع له عن طريق إعمال ذهنك في تحقيق الرغبات، بما يحقق إشباعًا على مستوى الخيال والانغماس الخيالي. ويصف ذلك نزعتك نحو الأوهام الحية للغاية والواقعية ومستوى استيعابك للعوالم الخيالية.

ونظرًا إلى أن الخيال الوهمي يمكن أن يزيد من أحلام اليقظة ويصرف الانتباه عن الالتزامات اليومية، لذلك قد لا يبدو وكأنه قدرة ترغب في الحصول عليها، للوهلة الأولى. وهناك أيضًا جانب مظلم، وهو أن الخيال الوهمي يميل إلى الزيادة كاستجابة نفسية على الأحداث الصادمة بأن يصبح وسيلة للهروب من الواقع. ولكن هناك فوائد. يرتبط انغماس الأطفال في الخيال الوهمي بزيادة الخيال الإبداعي، والقدرة على السرد، وتبني وجهات النظر. بينما في البالغين، قد يساعد على تحسين الذاكرة، والأسلوب الابتكاري في حل المشاكل والتخطيط.

وتلك أيضًا قدرة يمكنك تحسينها. وتبين البحوث أن الأطفال الذين شجعهم آباؤهم على المشاركة في ألعاب التظاهر وتقمص الشخصيات، سيكون لديهم مستويات أعلى من الخيال في وقت لاحق في الحياة. ولم يفت الوقت بعد للبدء، ومن المعروف أيضًا أن الممثلين الهواة لديهم مستويات عالية من الخيال الوهمي.

التخيل العرضي

"التخيل العرضي" مشابه للخيال الوهمي، ولكنه يستخدم في الغالب تفاصيل الذاكرة الحقيقية (العرضية) بدلاً من التفاصيل الوهمية (الدلالية) عند تصور الأحداث في عقلنا كصورة ذهنية. ويساعد ذلك الأفراد على تخيل سيناريوهات بديلة أفضل لأحداث في الماضي والتعلم من أخطائهم، أو تخيل مستقبلهم والاستعداد له. وتشير الأبحاث القليلة التي أُجريت حتى الآن إلى أن الأفراد ذوي القدرة العالية على التخيل المرئي يتمتعون بالمزيد من التفاصيل الحسية عند تخيل مستقبلهم.

وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن كتب تطوير الذات على مر السنين توحي بفكرة "تخيل ذلك وسوف يحدث"، ولكن هذا في الواقع عكس ما يجب القيام به. من قبيل المفارقة أن أفضل إعداد للمستقبل هو تخيل العملية -وليس النتيجة- التي يتم عن طريقها الحدث الذي تريده في المستقبل. أظهرت إحدى الدراسات أنه عندما يتخيل الطلاب النتائج التي يرغبون في الحصول عليها (مثل الحصول على درجات جيدة في الاختبار المقبل) كان أداؤهم أسوأ بكثير من الطلاب الذين يتخيلون عملية الحصول على النتائج المرجوة (تخيل دقيق للعملية الدراسية). ربما عليك أن تأخذ ذلك في الاعتبار عند التفكير في القرارات المهمّة التي يمكن أن تتخذها مع بداية السنة الجديدة.

نمتلك جميعًا قدرات تخيلية بدرجات متفاوتة، ومن الصعب تصور أين ستكون البشرية بدونها. ولذلك على الرغم من أنك لم تكتب بالفعل تلك الرواية الكامنة في داخلك في مكان ما، استمر في المحاولة. يوجد العديد من الطرق لتعزيز الإبداع، عن طريق اللعب والممارسة، واكتساب الخبرة هو أمر بالغ الأهمية، بل وقد يجعلك ذلك أكثر ذكاء. وكما قال أينشتاين ذات مرة: "إن العلامة الحقيقية على الذكاء ليست المعرفة بل القدرة على التخيل".

التفكير الإبداعي

جميع أفكارنا الحالية لديها إمكانيات إبداعية. تحدث الرؤى عندما نقوم بإجراء اتصالات جديدة أو غير متوقعة - فالتفكير المتباين هو قدرة أساسية على الإبداع - أو عندما نطرح أسئلة قوية حول القضايا.

يتضمن التفكير الإبداعي تجاوز الحدود، والنظر إلى ما هو أبعد من حدود الأطر المرجعية الحالية، وغالبًا ما يستمد من مجالات مختلفة من الذكاء في وقت واحد.

يمكن أن تعمل العملية الإبداعية في العديد من مجالات الذكاء البشري المتنوعة، وتدور حول إنشاء روابط ديناميكية بين الأشياء، وتتضمن العديد من الوظائف العقلية المختلفة، ومجموعات من المهارات، والصفات الشخصية.

حدد هوارد جاردنر، أستاذ الإدراك والتعليم في كلية الدراسات العليا للتعليم بجامعة هارفارد، 8 أنواع من الذكاء الكلي، أو ثماني طرق مختلفة لحل المشكلات:

- اللغوية (القراءة والكتابة).

- الرياضيات المنطقية (الرياضيات).

- الذكاء المكاني (الذي يستخدمه المهندسون المعماريون والمصممون).

- موسيقي (موسيقيون).

- الحركية الجسدية (الرياضيون والجراحون والنجارون).

- عالم الطبيعة (الأطباء البيطريون والمزارعون والمعسكرون).

- والتعامل مع الآخرين (معرفة وفهم الآخرين - فكر في الأشخاص الذين يجيدون حقًا "العمل في غرفة" أو حل المشكلات بين زملاء العمل).

- الشخصية (معرفة وفهم نفسك، مما قد يساعد في إدارة التوتر والغضب).

وهذا ما يُعرف بنظرية الذكاءات المتعددة والتي فاز عنها بالعديد من الجوائز. وبعيدًا عن النظرية، قام جاردنر وزملاؤه بتطوير مجموعات أدوات لاستخدامها في الدوائر التعليمية والمهنية.

 

المصدر:

- The secret to creativity – according to science, by Valerie van Mulukom, The Conversation, Published: January 3, 2018

https://theconversation.com/the-secret-to-creativity-according-to-science-89592


عدد القراء: 2708

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-