التباهي والتفاخر 1-2الباب: حياتنا
عبد الله بن محمد اليوسف |
أمراض العصر
مما لا شك فيه أن هناك طفرة نوعية في حياة العالم بعد دخوله في معترك الثورة الصناعية ، التي اتجهت في شقين متناقضين، الأول خدم الإنسانية، والآخر حطمها، وأعطاها وجهًا مخيفًا، وفي السنوات الأخيرة ونتيجة لهذا التطور الهائل الذي أصاب الحياة بمختلف نواحيها ؛ ظهرت إفرازات كثيرة في المجتمع وخصوصًا في مجتمعاتنا الشرقية، التي لاقت ما لاقت من ويلات التخلف والجهل، فانتشرت في هذه المجتمعات أمور عديدة، ومن أهم وأخطر ما انتشر في هذه البلدان هو الأمراض، وخطورتها تكمن في أن صحة الفرد هي أغلى ما يملك، خصوصًا وأن هذه الأمراض في أوطاننا العربية اتحدت مع البؤس والشقاء، وتخطت كل الأرقام التي سجلت عالميًا.
حيث إن الأمراض تتنوع منها الجسدي والفكري وموضوعنا هذا أعده من أمراض العصر النفسية التي وضع لها الإسلام حلولاً استباقية قبل وقوعه، ولكن الإنسان بطبعه العجول والضعف الإيماني والأنانية والغرور بالنفس .... قد يقع به دون أن يدرك ذلك.
برغم أن الخالق جل في علاه " كرّم الإنسان بالعقل والمعرفة؛ ليخرج من أوهام الجهل إلى أنوار العلم؛ ومَنَّ عليه بعد نعمة الخلق والإيجاد من عدم؛ بنعمة الإسلام "....(موقع علاج بتصرف واختصار)
مقارنة بين الحياة قديمًا وحديثًا
بشكل سريع دائمًا ما نسمع رحم الله أيام أول قد نكون عشنا جزءًا بسيطًا جدًّا من الحياة القديمة ولكن ما نسمع به من أمهاتنا وأجدادنا وجداتنا عن بساطة وسهولة الحياة القديمة لحياة الآباء والأجداد والبعض لمن تجاوز الخمسين ...( كانت حلوة ومتعة وبساطة وتقاربًا واجتماعًا وتآلفًا ومليئة بالحب والأخوة والخواطر صافية، ولا أحد يشيل على خاطره من الثاني)، وكانت تتمتع الحياة بالبساطة برغم قلة المادة وكل شيء فيه بركة.
- أما عصرنا الحالي برغم الغنى والأتساع في كل شيء، إلا أن النفوس تغيرت وظهرت إفرازات سلبية عديدة، منها إبراز وتميز الواحد بنفسه على الكل والتفاخر والتباهي بأمور تافهة.
وبرغم تتقدم الحياة وتتطور ببني الإنسان ، في شتى المجالات ، ويكتسب علمًا وغنىً، لكنه يفقد وهو في صراعه لاكتساب الانتصارات صفات غنى ينبغي أن يتصف بها، وتكسب حياته معنًى وتألقًا، تقدمنا وأحرزنا المكاسب الكبيرة على قوى الجهل، لكننا لم نستطع أن نجعل الإنسان أكثر سعادة، ولم نتمكن أن نجعل الحياة أشد جمالاً، وتألقًا وبهاءً.
لو قارنا بين حياة الإنسان قديمًا وحديثًا لاتضح لنا أن الحياة القديمة كانت أكثر بهاءً وجمالاً، وأكثر مدعاة إلى الرضا. فإذا طرحنا السؤال عن سبب هذا التدهور في المجالات النفسية مع التقدم الكبير والهائل في المجالات العلمية، لكان الجواب لأننا نهتم بشكل الإنسان وهيئته، دون أن نهتم بمعناه وعواطفه وروحه, والبعض يرى أن المال هو مصدر السعادة الوحيد في حياتنا. من الممكن أن تكون سعيدًا وأنت مرتاح البال. ولكن الإنسان وطريقة معيشته واهتمامنا فقط في إبراز شكلنا الخارجي.
ماذا نركب... ونلبس ؟ و ماذا نشرب.... ونأكل ؟ وأين نسكن .... ومتى نسافر؟ وغيرها من التساؤلات، ولا نفكر فيمن حولنا واحترام الآخر ..
التعالي والخيلاء والتباهي
لك أن تأكل, ولك أن تشرب, ولك أن تلبس, دون أن تتباهى, دون أن تزهو، قال ابن عباس: " أحـل الله تعالى الأكل والشرب ما لم يكن سرفًا أو مخيلةً "
الإسراف والمخيلة/معصية:
أن تريد أن تظهر أمام الناس بما عندك كما فعل قارون، خرج على قومه بزينته, الإنسان قد تبدو عليه النعم دون أن يقصد إظهارها, قد تبدو عليه النعم دون أن يهدف إلى إذلال الآخرين, دون أن يهدف إلى استعلائه عليهم, مثلاً إنسان- غني – ويحب التباهي – كل ما يشترى شيئًا, فأينما جلس , وأينما حل: يستعرض به , وقد يعلم أو لا يعلم هذا الأسلوب أن يدخل الحزن على قلوب من حوله, والآية التي تقصم الظهر: (تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا) القصص الآية:83
وقديمًا قالوا: "كثرة الظهور تقصم الظهور", نستنبط أن معظم سلوك الناس الهادف إلى إظهار ما عنده, إلى التباهي؛ هذا منهي عنه, وقد توعد الله عز وجل من خلال كلام نبيه صلى الله عليه وسلم بأن الله عز وجل يوم القيامة لا ينظر إليه، والإنسان كلما تواضع ازداد عند الله رفعة, وكلما جلس مع إخوانه, وأصحابه, ازداد عند الله رفعة، ولنا الأسوة والقدوة الحسنة / كان عليه الصلاة والسلام: يأكل مع الخادم, ويصغي إلى المرأة الضعيفة, المسنة, ويقضي حاجة الضعيف, والبائس, كان معه عدي بن حاتم, أخذه إلى بيته إكرامًا له, في الطريق استوقفته امرأة, تكلمه طويلاً في حاجتها, قال: والله ما هذا بأمر ملك!
إنسان يجلس على الأرض, يدخل عليه أعرابي, يقول له: "أيكم محمد؟ ـ لا يعرفه ـ يقول له أحد أصحابه: ذاك الوضيء, ومرة قال له النبي: قد أصبت, ما حاجتك؟
الإنسان بالتواضع يعلو عند الله, والإنسان أساسه عبد, ومن لوازم العبد التواضع, قال تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى) سورة العلق الآية: 6 / 7
-يرى نفسه غنيًّا فيطغى, قويًّا فيطغى, صحيحًا فيطغى, بطولة الإنسان أن يكون متواضعًا, وهو في أشد حالات قوته, لما دخل النبي مكة المكرمة فاتحًا وقد ناصبته العداء عشرين عامًا، دخلها مطأطئ الرأس؛ تواضعًا لله عز وجل, حتى كادت ذؤابة عمامته تلامس بعيره؛ تواضعًا لله.
فإذا الإنسان آتاه الله عز وجل شيئًا يقول: هذا من فضل ربي, وليكثر من ذكر فضل الله عليه, وأنا أنتبه إلى كلام المؤمنين, يقول: الله أكرمني بهذا الشيء, خصني بهذا الشيء, سمح لي أن أفعل كذا, قدر على يدي هذا العمل الطيب, دائمًا يعزو الفضل إلى صاحب الفضل وهو الله عز وجل, وإذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل ونسبه إليك, وكان عليه الصلاة والسلام: تعظم عنده النعمة مهما دقت.
كان إذا نظر إلى وجهه في المرآة, يقول: "اللهم كما حسنت خلقي فحسن خُلقي" دائمًا يشكر الله عز وجل فهو بين الكبر وبين الشكر.
المؤمن شاكر, ومتواضع, فالمتكبر محجوب عن الله عز وجل, ودليل التواضع أن تكون مع المساكين, وأن تجلس إليهم, وأن تستمع إليهم, وأن تصادقهم؛ إنك بهذا تثبت أنك لست متكبرًا, وبرئ من النفاق من أكثر من ذكر الله. (موسوعة النابلسي – باختصار وتصرف).
التباهي لا يأتي دون ثمن
فكثير من الأثرياء يشترون سلعًا مبالغًا في قيمتها لمجرد التباهي و(التفشخر).. ولتلبية هذه الرغبة ظهرت صناعات ضخمة للسلع الفاخرة - التي تبيع الاسم قبل المنتج - لمجرد تحقيق رغبتهم في الاستعراض على بقية الخلق, ولأن ورثة المال هم الأكثر حبًّا للتباهي - والأقل حكمة في صرف المال/ أن المال طاقة مجمدة يجب تخزينها بذكاء وصرفها بإحكام.. وربما قبل فوات الأوان.. والثانية أن الماركات المبالغ فيها يشتريها من لا يتعب بجمع المال، ويبيعها من يرغب بسرقتها منهم. والثالثة أن البخيل أسوأ من المسرف، لأن الأخير - على الأقل - استمتع بحياته قبل وفاته. (الأحمدي- الرياض العدد 16589- باختصار)
الخلط بين الثقة والتباهي
التباهي والتفاخر واستعراض ما يملكه الإنسان من مقومات تميزه عن غيره من البشر قد يُعد مظهرًا من مظاهر النقص، وصفة تنشئ حواجز بين البشر بعضهم مع بعض, وتزيد من الأحقاد بينهم.
ربما التباهي نوع من أنواع الضعف الإنساني ودليل على هشاشة الشخصية وربما خوائها, وربما هو نوع من أنواع الغرور، الذي يصيب النفس، ويجعل صاحبها معزولاً عن الحياة والناس في برج عاجي, يفقد بوجوده فيه كل من حوله شيئًا فشيئًا، فيبقى وحيدًا في النهاية، يعض بنان الندم, ولا يجد من يتفاخر أمامهم بشيء. وربما هو وسيلة دفاعية لمقاومة الحزن.
أحيانًا تكون التربية سببًا مباشرًا في زيادة حدّ التباهي والتفاخر عند بعض الناس, فعندما يحاول الآباء تذكير أبنائهم بأصول عائلاتهم مرة بعد أخرى ومكانتهم في المجتمع, ويعتقدون أنهم يزيدون من ثقتهم بأنفسهم ومن قدرتهم على مواجهة العالم الخارجي بإظهار ما هم عليه, يتحول الأمر إلى إحساس دائم بالتميز عن الآخرين ويزداد حدّ التباهي حتى يصل إلى درجة أن المتباهي يتيه بنفسه، ويرى في نفسه أفضلية عمن حوله، سواء في الأصل أو في مستوى الثراء.
وقد يعتقد البعض أن المتباهي دومًا من طبقة الأثرياء ذوي المال والنفوذ فقط! لكن الحقيقة أن بعض المتباهين والمزهوين بأنفسهم قد لا يكونون من هذه الطبقة في المجتمع، بل قد يكون مستواهم المادي عاديًّا ولكن لديهم مستوى اجتماعي متميز، أو يملكون صفة معينة: كالجمال أو الوسامة أو الذكاء الشديد, ويتحول إحساسهم بمدى اختلافهم بما حباهم الله به إلى نوع من التعالي على أقرانهم، الذين هم بالقطع منهم أقل منهم شأنًا من وجهة نظرهم..
وأحيانًا يكون المتباهي من طبقة أدنى في المجتمع، ويحدث أن ترتفع طبقته ارتفاعًا مفاجئًا مع الحد الذي يدير رأسه، فإذا به يتحول إلى متفاخر بنفسه، ينسب لها ما لم يكن فيها ولعائلته ما هم ليسوا عليه أصلا،ً وخاصة في النواحي المادية والطبقة التي نطلق عليها "نوفو ريتش".
وأخيرًا قد يكون التباهي والتفاخر سمة من سمات عدم الثقة بالنفس على الإطلاق، ومحاولة دفع أخطار العالم الخارجي ومقاومة الضعف أمام الناس، فينقلب الأمر بصورة عكسية إلى التعالي في التعامل معهم بوصفه نوعًا من أنواع الحماية الزائفة..
وفي النهاية فدعونا لا ننسى أن أحقر الناس شأنًا هم من يتعالون على من حولهم إذا رفعهم الناس فوق قدرِهم.. في حين أن أكثرهم منزلة يبقى متواضعًا مهما علت قيمته ومنزلته وسط مجتمعه..
وصدق رسول الله الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم عندما قال (من تواضع لله رفعه) (لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر).
ولا ننسى وصايا لقمان لابنه (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) سورة لقمان. الآية: 18.. (موقع نفساني باختصار).
تغريد
اقرأ لهذا الكاتب أيضا
- حماية البيئة والتعليم 2-3 حماية البيئة مطلب اجتماعي
- حماية البيئة والتعليم 1-3 - حماية البيئة مطلب شرعي في الإسلام
- حماية البيئة والتعليم 3-3 - حماية البيئة مطلب أخلاقي وحضاري
- المنهج الدراسي اللاصفي .. أثر الرحلات والزيارات المدرسية في التعليم..(2)
- التباهي والتفاخر 1-2
- التباهي والتفاخر 2-2
- مسمياتنا الإسلامية 1 – 2
- مسمياتنا الإسلامية 2 – 2
اكتب تعليقك