مسمياتنا الإسلامية 2 – 2الباب: مقالات الكتاب
عبد الله بن محمد اليوسف |
في هذا الجزء الأخير من مسمياتنا الإسلامية سوف نستعرض التقويم القمري (الهجري) والمكاييل والمقاييس التي تعامل بها أسلافنا.
أولاً- التقويم القمري:
- تقويم محسوس يُرى بالعين المجردة، كما أن وجه القمر ثابت بالنسبة للأرض أما وجه الشمس فمتغير من لحظة إلى أخرى، ولذلك أنت تستطيع أن تفرق بين هلال أول الشهر، وهلال آخر الشهر؛ فهلال أول الشهر فتحته إلى المشرق، وهلال آخر الشهر فتحته إلى المغرب، وإذا كنت دقيقًا حصيفًا عليمًا ربما استطعت أن تعين اليوم من خلال منظر القمر:
هذا يوم سبعة، أو ثمانية، أو عشرة، أو ثلاثة عشر، أو خمسة عشر، لكن الشمس (الميلادي) لا تصلح دليلاً على هذا التعيين؛ لأنها شكلها واحد في كل أيام الشهر، أما القمر هو الذي يزيد، وينقص، ويتغير.
• ومن مميزات الشهور القمرية
- أنه يمكن متابعتها في جميع بقاع الأرض، حتى في المناطق القطبية تغيب الشمس فيها ستة أشهر، أو تكون ستة أشهر متوالية كلها نهار، لكن القمر يُرى فيها، ولا يكون محجوبًا كالشمس التي تحتجب في تلك المناطق القطبية.
التقويم القمري يعكس حقائق كونية من حركة القمر حول الأرض خلال هذا الشهر، ويعكس أيضًا حركة الأرض حول الشمس، والتقويم القمري غير فصلي؛ ولذلك نصوم تارة في الشتاء، ونصوم تارة في الصيف، وتارة في الربيع، وتارة في الخريف، ولو كان رمضان مرتبطًا بشهر من هذه السنة الميلادية الشمسية لرأيتنا نصوم دائمًا في وقت واحد ولكننا في عبادتنا تدور علينا الفصول الأربعة.
لا بد من الاهتمام بالتاريخ القمري:
هذه قضية هوية - ينبغي فقهها في وقت لا يعرف فيه الكثير من ميزات سنتهم وشهرهم، كثير من أبنائنا، وكثير من هذه المدارس الأجنبية، وهذه السفارات، وهذه الأنظمة العالمية، وغيرها صار التقويم الميلاد مفروضًا فيها؛ ولذلك فإن متابعة التقويم الميلادي جائز للحاجة، إنما اختفاء التقويم القمري الهجري لا يجوز، لا يجوز أن يختفي من حياتنا، هذا من شخصيتنا وهويتنا.
- هذا من معالم ديننا، هذه قضية تُبنى عليها أحكام، هذه قضية ترتبط بها عبادات ومواسم عظيمة وفاضلة، فلا يجوز أن يجهل أبناؤنا هذا التقويم، وكثير من المسلمين في الجاليات الأجنبية في الخارج لا يعرفون عن هذا التقويم إلا نزرًا يسيرًا، ولا يستعملونه فيما بينهم.
- على إحياء العمل بهذا التقويم، واستعماله، والبناء عليه، وإذا احتاج المسلم إلى معرفة التقاويم الأخرى فلا بأس للحاجة؛ فهو يتعامل مع العالم شرقاً وغربًا، ونحن في وقت استضعاف، ولو كنا في وقت قوة لفرضنا تقويمنا على العالم.
- أما العبادات الحولية فإنها تعتمد على القمر بخلاف هذه العبادات اليومية، فعبادات يومية مرتبطة بالشمس في جريانها، وعبادات حولية مرتبطة بالقمر كالصيام الذي قال الله فيه: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) البقرة: من الآية 185، فكيف نعرف هذا الشهر؟ قال عليه الصلاة والسلام: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) يعني لرؤية هلاله.
- إذًا تعرف البداية بهذا الهلال الذي جعله الله للناس ميقاتاً للعبادات، جعل الله الأهلة مواقيت للناس في العبادات، وكذلك الحج كما قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) البقرة: من الآية 197.، فكيف تُعرف أشهر الحج؟ شوال، وذو القعدة، وعشر ذو الحجة، كيف تُعرف البدايات والنهايات؟ بهذا الهلال.
• اعتماد الأشهر القمرية يعني إثبات الهوية الإسلامية
- إن من شخصية الأمة وهويتها هذا التاريخ القمري الذي جعله الله تعالى مواقيت، هذا الذي جعله الله معتمدًا فمن من هوية الأمة، ولما أراد عمر رضي الله عنه أن يجعل له بداية لهذه السنوات القمرية، يجعل بداية لتاريخ المسلمين، جعل الهجرة -وهي الفيصل الذي انتقل به المسلمون نقلة عظيمة جدًّا، وكانت فتحًا من الله، ولها الأثر الكبير في قيام الإسلام- جعل الهجرة هي العام الأول للمسلمين، فبأي شهر يبدؤون؟ لم يجعل شهر الهجرة هو البداية، وإنما نظر عمر رضي الله عنه، فإذا انصراف الناس من الحج، وذهابهم إلى البلدان مناسَبة مناسبة جدًّا لتبدأ المشاريع، لتبدأ البعوث، لتبدأ الأنشطة الكثيرة للناس، بعد انصراف المسلمين من الحج، والعودة إلى البلدان، هذا مناسب جدًّا؛ فلذلك جعل الشهر المحرم هو البداية لهذه السنة القمرية التي حُدِّدت أشهرها من رب العالمين، فصارت السنة الأولى في التقويم الهجري تبتدئ من محرم، وتنتهي بنهاية ذي الحجة.
- هذا الذي سار عليه المسلمون، والذي بقي في الأمة الزمن الطويل، ثم يريد أعداؤها اليوم أن يطمسوا هذا التاريخ القمري، والسنة الهجرية، وأن يجعلوا المسلمين يسيرون على ما يريدونه هم، وأن نتشبه بهم، فإذا صارت الأمة تتحدث بلغة غير لغتها كما يريدون نشر اللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية -التي إذا صار الإهمال هو نصيبها، وصار أبناؤها لا يحسنون الحديث بها، وصارت قواعد الإملاء والخط مضيعة فيها.
ثانيًّا- الأوزان والمكاييل
- ما يساوي المقادير الشرعية من "مد" و "صاع " ونحوهما بوحدات قياس الوزن العالمية الرائجة في هذا العصر، وذلك لأن كثيرًا من أحكام الصيام متعلقة بتلك المقادير مثل فدية إفطار ذوي الأعذار من المرضى وكبار السن والحوامل، بالإضافة إلى مقدار صدقة الفطر والكفارات...
- فالصاع النبوي يساوي أربعة أمداد، والمد يساوي ملء اليدين المعتدلتين، وأما بالنسبة لتقديره بالوزن فهو يختلف باختلاف نوع الطعام المكيل، ومن هنا اختلفوا في حسابه بالكيلو جرام، فمنهم من قدره بـ 2040 جرامًا، ومنهم من قدره بـ2176 جرامًا، ومنهم من قدره بـ2751 جرامًا.. وقدرته اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية بما يساوي ثلاثة كيلو جرام تقريبًا، وهو الذي نميل إليه ونختاره. والله أعلم.
وأما بالنسبة لتقديره بالرطل فذهبت المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه يساوي خمسة أرطال وثلثًا بالعراقي، وذهب الأحناف إلى أنه يساوي ثمانية أرطال بالعراقي.
تعريف المد: المد بالضم في اللغة مكيال من المكاييل التي يقدر بها الأشياء، ويقدر بملء كفي الإنسان المتعدل.
- ومن هذه الأوزان التي استخدمها العرب عبر العصور التاريخية، الحبة والدانق والقيراط والدرهم والمثقال والأوقية والرطل والقنطار كما ذكرها الشعراء في قصائدهم.
الحبة: تُعد الحبة أصغر وحدة وزن استخدمها الإنسان منذ القِدم، عندما لاحظ أن الحبوب والبذور الصلبة لقسم من النباتات تكون متشابهة، متناسقة في الوزن تقريبًا، الحنطة والشعير والخردل والخرنوب.
- فمثلاً إن الحبة تعادل عُشر الدانق والحبة سدس ثمن درهم، وهكذا.. والحبة من العيارات المستعملة عند الجاهليين والتي بقيت مستعملة في الإسلام كذلك، ولا تزال تستعمل. أما وزنها فاختُلِف فيه باختلاف الأزمنة والأمكنة. وقد استخدم الصاغة، الحبة أو القمحة (grain) لقياس الذهب واللؤلؤ وبقية الأحجار الكريمة، أما العرب فقد استخدموا حبوب نبات الشعير، واحدته شَعِيرة، لوزن الأشياء الثمينة. قال تعالى: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) الآية 16 لقمان.
الدانق: الدانق أيضًا وحدة وزن صغيرة، استعملها العرب منذ الجاهلية, والدانق، إضافة إلى أنه وحدة وزن، فقد استخدم وحدة نقد أيضًا.
القيراط: القيراط (carat) معيار في الوزن والقياس. ففي الوزن يمثل وحدة صغيرة لقياس الذهب والأحجار الثمينة والعطور والعقاقير الطبية، اختلفت مقاديره كغيره باختلاف الأزمنة والأمكنة. فقد جاء في "موسوعة علوم الطبيعة" أن القيراط هو نصف دانق .
الدرهم: اشتهر الدرهم، دون سواه من الوحدات، بمعناه المزدوج، فهو من ناحية، قطعة نقد تجارية، ومن ناحية أخرى وحدة وزن صغيرة. غير أن المعروف عنه والشائع منذ العصر الجاهلي وما قبله، أنه قطعة نقد، يؤكد ذلك ما ورد في القرآن الكريم بقوله تعالى من سورة يوسف، الآية 20: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ). وكذلك في قول عنترة: جَادَتْ عليها كلّ عينٍ ثرةٍ فتركنَ كلَّ حديقةٍ كالدرهمِ . وقد زاد استخدام الدرهم كوحدة وزن في العصور الإسلامية المختلفة، لوزن الدهن والعطور والأدوية، حتى يقال في المثل المعروف «درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج».
المثقال: ورد المثقال في اللغة العربية بمعنيين مختلفين، الأول، كمقدار ووزن، والثاني كوحدة وزن صغيرة. فالمثقال بالمعنى الأول هي من ثقل، كما يقول ابن منظور في "لسان العرب"، وهو في الأصل مقدار من الوزن، أي شيء كان قليل أو كثير .
ويبدو أن العرب في الجاهلية وصدر الإسلام كانوا يستخدمون المثقال بمعنى وزن الشيء، كما جاء في آيات كثيرة في القرآن الكريم واصفًا وزن الأشياء الصغيرة (أي مثقالها) بالبذرة أو حبة خردل، كقوله تعالى في سورة الزلزلة، الآية 7: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) أما المعنى الثاني للمثقال، فهو وحدة وزن صغيرة، توزن بها الأشياء النفيسة كالذهب والفضة واللؤلؤ والعطور والعنبر والمسك، كما يقول أبو العلاء المعري:
وفي المعاشر من لو حاز من ذهبٍ
طودًا لضنّ بإعطاء المثاقيل
الطود: الجبل. ضن: بخل. حاز: كتب. أي من الناس لو أصاب جبلاً من الذهب لبخلت نفسه بإعطاء مثقال مما أصاب). والمثقال صار في عرف العرب اسمًا للدينار، وتحدد وزنه في العصر الأموي على يدي الخليفة عبدالملك بن مروان بعد إصلاحه للسكة الإسلامية، إذ جعل المثقال أي الدينار يزن 4,25 غرام، وتَمّ ضبط وزنه عن طريق الصُنج الزجاجية (38). ولا زال المثقال يستخدم حتى الآن، في بعض البلدان كالعراق لوزن الذهب، إذ يساوي أربعة غرامات.
الأوقية: الأوقية من الأوزان التي استعملها العرب منذ الجاهلية، وجمعها أواقي وأواق. أما وزنها فقد كان في البداية، كما يقول ابن منظور في "لسان العرب": سبعة مثاقيل، وزنة أربعين درهمًا.
الورق: أما معنى كلمة الورق، التي وردت في الحديث (وفي حديث مرفوع: ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة،)، فتعني قطع النقود من الفضة، يؤكد ذلك ما جاء في سورة الكهف، الآية 19: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ).
الرطل: الرطل من الأوزان المعروفة عند الجاهليين، والرطل الجاهلي ضعف الرطل الإسلامي، وقد اختلف وزنه عند المسلمين باختلاف الأماكن والمواضع. ووزنه عند بعضهم اثنا عشر أوقية بأواقي العرب، وهو قدَر نصف "مَن".
والمن: هو من الأوزان التي يعود أصلها إلى البابليين وكان معروفًا عند العرب الجاهليين. والْمَن كان معروفًا في العراق، بخاصة في البصرة لوزن التمور.
وكان العرب يصنعون وعاءً خاصًّا لقياس الرطل، لهذا قول ابن منظور في لسان العرب: أن الرطل الذي يوزن به ويكال.
القنطار: يُعد القنطار من أكثر المصطلحات اختلافًا عند العرب، من ناحية المعنى والدلالة. فمرة يأتي بمعنى وحدة وزن، وأخرى وحدة نقد، وثالثة يأتي للكثرة من المال، والذهب والفضة وغيرها، ورابعة ليدل على الحمولة، مثلاً ملئ جلد ثور أو بقرة، ذهبًا أو فضة. فالقنطار كوحدة وزن، لم يكن له مقدار محدد عند العرب منذ الجاهلية، كما تشير إلى ذلك معاجم اللغة والروايات التاريخية. ولهذا فقد ذكروا له أوزان كثيرة مختلفة. فمثلاً: هو وزن أربعين أوقية من ذهب، أو ألف ومئتا دينار، أو مئة وعشرون رطلاً، أو مئة مثقال. الوزن وأدواته في اللغة العربية، الأستاذ أحمد محمد جواد محسن.
تغريد
اقرأ لهذا الكاتب أيضا
- حماية البيئة والتعليم 2-3 حماية البيئة مطلب اجتماعي
- حماية البيئة والتعليم 1-3 - حماية البيئة مطلب شرعي في الإسلام
- حماية البيئة والتعليم 3-3 - حماية البيئة مطلب أخلاقي وحضاري
- المنهج الدراسي اللاصفي .. أثر الرحلات والزيارات المدرسية في التعليم..(2)
- التباهي والتفاخر 1-2
- التباهي والتفاخر 2-2
- مسمياتنا الإسلامية 1 – 2
- مسمياتنا الإسلامية 2 – 2
اكتب تعليقك