حماية البيئة والتعليم 2-3 حماية البيئة مطلب اجتماعيالباب: حياتنا

نشر بتاريخ: 2015-05-10 10:05:10

عبد الله بن محمد اليوسف

إن التعليم يغفل  ولم يبين أن حماية البيئة مطلب اجتماعي،  فلو استعرضنا  مكونات البيئة الحضارية:  لوجدا أنه  يتكون النظام البيئي الحضاري من خمسة عناصر هي:

أولاً النظام التقني:

تعني التكنولوجيا في العصر الراهن استخدام المعرفة العلمية في التطبيق العلمي لاستثمار موارد البيئة من جهة، وحل المشكلات البيئية والتصدي للأخطار البيئية من جهة أخرى، أو بمعني آخر الإصحاح البيئي. والعلاقة التي تربط بين العلم والتكنولوجيا في الوقت الحاضر علاقة تبادلية، بمعنى أن كل ما يحرزه العلم من تقدم يتمثل في اختراعات تقنية جديدة، ومن ثم تساعد تلك الاختراعات على تقدم العلم، ويلاحظ أن هناك تسارعًا في المدة ما بين الاكتشاف العلمي الجدي وتطبيقه، فعلى سبيل المثال فإن التصوير الفوتوغرافي تم تطبيقه صناعيًا بعد اكتشافه علميًّا بـ (112  عامًا)، والتليفون استغرق إنتاجه 56 عامًا، أما الراديو فقد استغرق 35 عامًا، والرادار استغرق 15 عامًا، والترانزستور استغرق 5 سنوات، أما الدوائر المتكاملة فقد استغرقت 3 سنوات. إن هذه الظاهرة من السرعة المتزايدة يومًا بعد يوم، يجب أن تلفت نظرنا بشدة إلى ضرورة الإسراع بالخطى والاهتمام بالإنسان صانع التقنية، وضرورة الاهتمام بالفكر والعلم والابتكار، ووضع حلول غير تقليدية للمشكلات البيئية، وضرورة مواجهة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، التي تنشأ عن تنفيذ المشاريع التنموية.

دور التقنية في التفاعلات البيئية:

لقد تغلغلت التقنية وتطورت في النسيج الاجتماعي للناس، وفي حياتهم اليومية حتى أصبح من المستحيل أن تعود عقارب الساعة، وينفض الإنسان يده من التقنية، فلمعالجة الخلل البيئي الذي نشأ عن تطبيقات التقنية في الصناعة والزراعة، يجب استنباط وسائل تكنولوجية جديدة، أو تطوير الوسائل التكنولوجية الموجودة، كأنما المجتمعات الحديثة قد أصبحت (مُدمنة)  تكنولوجيا، والدواء الوحيد هو المزيد من التكنولوجيا.

ثانيًا: النظام الاجتماعي:

يقصد بالبيئة الاجتماعية، الجزء الذي يشمل الأفراد والجماعات وتفاعلهم، وأنماط العلاقات الاجتماعية القائمة بين الأفراد والجماعات التي ينقسم إليها المجتمع، وتؤثر التقاليد والقيم الاجتماعية على استغلال ثروات البيئة.

ولتنفيذ المشروعات البيئية على المستويات المحلية ينبغي إدراك أهمية المعرفة الشاملة لأنماط العلاقات الاجتماعية القائمة بين الأفراد والجماعات والنظم الاجتماعية في تفاعلها وترابطها وتساندها الوظيفي كما يجب العمل على كسب القيادات التقليدية المحلية، التي تتوافر على المعرفة الدقيقة بمختلف أمور مجتمعها المحلي وبالأحداث البيئية التي مرت به.

ثالثًا: النظام الاقتصادي: 

يحدد النظام الاقتصادي في أي مجتمع كان، طبيعة حركة الموارد الطبيعية خلال النظـام ونوعية الموارد المتحركة، وما ينتج عنها من نتائج اقتصادية واجتماعية كارتفاع مستوى المعيشة، أو الإخلال بالوسط البيئي، وتغيير نوعية البيئة. وترتبط بالنظام الاقتصادي كذلك، درجة تقدم معدلات التغيير في نوعية البيئة، كزيادة طرح النفايات والفضلات والملوثات المختلفة التي تؤدي إلى تدهور البيئة.     

ففي المجتمعات الزراعية يكون إسهام الأنشطة الاقتصادية في تدهور نوعية البيئة ضئيلاً بالمقارنة مع دورها في المجتمعات المتقدمة، إذ في الأخيرة تتعاظم مشكلات تلوث التربة والماء والهواء والأزمات البيئية الأخرى.        

رابعًا: النظام الثقافي:

استطاع الإنسان، منذ ظهوره حتى الآن، أن يشيد بيئات اصطناعية (أو حضارية) تختلف عن البيئات الطبيعية، كمحاولة لاستثمار الوسط البيئي لتلبية حاجاته واستمرار وجوده. وتعد النظم الثقافية جزءًا من البيئات الاصطناعية التي أوجدها الإنسان، وتشكل الثقافة مركبًا متنوعًا من المعرفة والعقائد، والفنون والأخلاق والقوانين والأعراف، وكل المقدرات والعقائد الأخرى التي يكتسبها الإنسان من حيث كونه عضواً في المجتمع.

وتلعب المعتقدات السائدة دورًا مهمًّا في إعاقة خطط التنمية وإهدار الموارد البيئية:

لاعتقادهم أنها تفسد الأرض، وتسبب في تقليل رطوبتها. وموقف الهندوكي من الأبقار وتقديسهم لها، يقف حائلاً دون قبول أي نمط ثقافي جديد خاص بتحسين استغلال هذه الثروة الحيوانية التي كان من الممكن أن تلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد الهندي.

ومن الأمور الضارة بالتوازن البيئي ذلك الاعتقاد الخاطئ بأن طائر البوم نذير شؤم، في حين أن البومة تصطاد في كل ليلة ما بين 3 إلى 4 فئران، فهي عامل من عوامل التوازن البيئي، كما أن العناكب التي لا يرتاح الإنسان إليها، تصطاد من الحشرات الضارة سنويًّا ما يزيد على وزن ثلاثة ملايين رطل، ولو اختفت لفتكت الحشرات بمقومات هذا الكوكب فتكًا ذريعًا.

خامسًا النظام السياسي:

ويقصد به كيفية إدارة المجتمع لمؤسساته التي تنقل آراء القيادة السياسية للقاعدة الشعبية، ومتطلبات القاعدة الشعبية للقيادة. وتختلف الأنظـمة السياسية نوعية الحكم، ومما لاشك فيه أن للنظام السياسي أبلغ الآثار على النظام البيئي، فقد يشعل الحروب التي تدمر البيئة، وتهدر مواردها، وتقضي على القوى البشرية وتبدد قواها، وقد يسمح بدفن النفايات الذرية في أراضيه، فيعمل على تدمير بيئته الطبيعية بل البيئة العالمية حاضرًا ومستقبلاً. وقد دعا الإسلام إلى الشورى وأخذ رأي الجماعة، وعدم استبداد الحاكم برأيه، بل ومحاسبته، كما كان يتم في عهد الخليفة العادل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومحاسبته لولاة الأقاليم وتطبيقه مبدأ: من أين لك هذا؟  كذلك في عهد الخليفة عمر بن العزيز الذي رد أموال بني أمية إلى بيت مال المسلمين.     

ومن هذه المسائل قضايا البيئة والأمن البيئي:                                                                             

أو التحقيق في ماهية التربية البيئية في وعي أفراد المجتمع كبارًا وصغارًا؛ ولا يخفى أن الشريعة جاءت بنصوص عديدة تدعو إلى حماية المحيط الذي يعيش فيه الإنسان، بوصفه أحد أهم ركائز قيام الإنسان بعملية الاستخلاف والعمارة في الأرض، وهنا يتوجب الحديث عن مراعاة الوازع الديني في تحديد أهمية رعاية المحيط بخاصة، والبيئة بصفة عامة؛ فإن الخالق تبارك وتعالى عندما استخلف الإنسان وأمره بعمارة الأرض سخّر له ما في الكون من جماد وكائنات حيّة لتعينه على عملية الأعمار، معتمدًا في أساليب التعامل على نصوص من الوحي، وهذا ما يدعونا لاستقراء هذه النصوص وجمعها، وتبويبها على أسس موضوعية، لأنها تنطوي تحتها مجموعة متجانسة من الأحكام الشرعية التي تختص بالبيئة والعوامل المحيطة بها، وهو ما يمكن إطلاق المصطلح المقاصدي عليه، وهو أن رعاية البيئة من "المقاصد العامة"، وهي التي عرّفها الإمام ابن عاشور في قوله: "ما كان عائدًا على عموم الأمة عودًا متماثلاً، وما كان عائدًا على جماعة عظيمة من الأمة أو قطر؛" وإن حماية البيئة من المصالح التي لا تعود بالنفع على فرد أو أفراد قليلين في الجماعة، بل إن عموم المجتمع مستفيد من رعاية البيئة، وإذا ما اختل النظام والتوازن البيئي، واستنـزفت الموارد الطبيعية، وتلوث الجو، فإن المجتمع بأسره سيعود عليه هذا الاختلال بالدمار والهلاك؛ في صحته، ومحيطه، وعلاقته بالبيئة نفسها.            

الاستخلاف قضية يجب أن نتوقف عندها مليًّا لأنها سوف تحدد دور الإنسان وواجباته تجاه بيئته:

1 -  فالاستخلاف يعني أن الإنسان وصيّ على هذه البيئة وليس مالكاً لها، وأنّه مستخلف على إدارتها واستثمارها وأعمارها، أمين عليها، "وبناءً على ذلك فليس لأحد أن يدّعي أنه يملك منها شيئًا ملكًا حقيقيًّا فيكون له حق التصرف المطلق ولو بالإفساد والإتلاف، بل هي بمقتضى ملكية الله الملكية الحقيقية تشبه أن تكون ملكًا استخلافًا للناس جميعا عبر الأجيال المتتابعة".

2 - ويقتضي واجب الاستخلاف بطبيعة الحال أن يتبع المستخلف ما يأمر به مالك هذه البيئة، وخالقها ومستخلفه فيها، ويقتضي واجب أمانة الاستخلاف أن يتصرف فيها تصرف الأمين فيما لديه من أمانات. فالأرض أرض الله، والعباد عباد الله، ومعنى هذا أن لا ملكية مطلقة في الإسلام؛ أي أنه ليس من حق أي فرد أن يتصرف فيما يملك كيفما يشاء.

3 - فالملكية في الإسلام محددة بضوابط وشروط حددها الله سبحانه وتعالى، منها حسن استغلالها  وصيانتها.                                                   

4 - المحافظة عليها من أي تدمير أو تخريب، فليس المطلوب في عملية الاستخلاف أن يكون الإنسان صالحًا في نفسه فقط؛ بل أن يشيع هذا الصلاح في محيطه وما هو مسخر له، وأن لا يعيث في الموجودات المسخرة له فسادًا وتخريبًا، قال تبارك وتعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف:56) ومخاطبًا هذه الأمة: (وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (الأعراف:74)، وقال تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (البقرة :205).

يقول العلامة ابن عاشور مفسرًا هذه الآيات إنّ الله تعالى: «أنبأنا بأن الفساد المحذر منه هنالك هو إفساد موجودات هذا العالم، وأنّ الذي أوجد فيه قانون بقائه لا يظن فعله ذلك عبثًا».

5 - أ/ وقد تكرر في القرآن النهي عن الإفساد في الأرض بعد أن خلقها الله صالحة مهيأة لمنفعة المستخلفين فيها، وأعلن أن الله لا يحب الفساد، ولا يحب المفسدين، ويشمل هذا إفساد البيئة، وتلويثها. 

- ب/ ونهى القرآن العدوان عليها والانحراف بها عما خلقه الله لها، فهذا ضرب من الكفران بالنعم، الذي يجلب النقم، وينذر مقترفيه بعذاب شديد، يوشك أن ينـزل بهم كما نزل بعاد وثمود، والذين من بعدهم، قال تعالى: (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)  (الفجر: 11ـ 14).

 


عدد القراء: 4883

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-