حماية البيئة والتعليم 1-3 - حماية البيئة مطلب شرعي في الإسلامالباب: حياتنا
عبد الله بن محمد اليوسف |
مدخل
- لقد عالج الإسلام كل قضايا البيئة ، بنظرة شمولية متكاملة، دون الدخول في التفاصيل الدقيقة، وصدق الله العظيم، إذا يقول في كتابة الكريم (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (سورة الأنعام، آية: 38).
- وقوله سبحانه وتعالى في سورة أخرى (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا) (سورة الجاثية، آية:18).
كذلك عالجت السنة النبوية متمثلةً في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ما جاء، مجملاً في القرآن الكريم، وصدق اللَّه العظيم، إذا يقول: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (سورة النجم، الآيتان : 3 و4).
- ومن المسلم به أن الإنسان لو التزم بتوجيهات الإسلام، ونفذ أوامره واجتنب نواهيه، لتخلص من كل أسباب المشكلات البيئية، ولا نتفت من الوجود ذلك، أن اللَّه سبحانه وتعالى خالق النفس البشرية ، وهو يعلم ما يصلح أمرها، وكذلك ما يضرُّ بها، ويوردها المهالك، وصدق اللَّه العظيم ، إذ يقول في كتابة الكريم: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (سورة الملك، آية :14).
جوانب المنظور الإسلامي:
اهـتـم الــدين الإســلامي بالـبـيئة ومكــوناتها، وبل ألزمت شريعته بحمايتها والمحافظة عليها وتنميتها بما يحقق عمارتها.
وبصورة عامة، فإنه وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، تعد حماية البيئة ومواردها والمحافظة عليها وتنميتها واجب ديني شخصي، يجب أن يلتزم به كل فرد مسلم، بموجب مسؤوليته الفردية عن رعاية نفسه ومجتمعه تجاه ربه.
- ولعل أهم جوانب المنظور الإسلامي للبيئة وحمايتها الآتي:
1 - التوازن البيئي:
خلق الله سبحانه وتعالى البيئة بدقة بالغة ومتوازنة، أحكم صنعها وقدرها حق التقدير. يقول الله تعالى في كتابه: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)، (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ)، (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا)فقد خلق الله البيئة وفيها كل شيء مقدر بمقدار معلوم بحسب علمه سبحانه تعالى، فكل مكون أو عنصر من عناصر البيئة يحتفظ بخصائص ونسب معينة من حيث الكمية والنوعية ليؤدي دور محدد، ثم تتكامل هذه المكونات والعناصر كلها وتعمل بتوافق وانسجام وبشكل متوازن مع بعضها البعض، بما يكفل لها تأدية أدوارها المفيدة والمرسوم لها من قبل الخالق القدير.
وتظل هذه العناصر والمكونات متوازنة تؤدي الأدوار المطلوبة منها، طالما ظلت تعمل كما خلقت، ولكن إذا ما تدخل الإنسان في البيئة سواء متعمدًا أو جاهلاً وأحدث في خصائصها تغييرات كبيرة سلبية، فإن توازنها يختل وتنقلب عناصرها من عناصر مفيدة إلى عناصر ضارة، وتصبح معها الحياة مهددة بمخاطر شتى.
ولعل ما نعرفه اليوم من مشكلات بيئية خطيرة خير شاهد على ذلك. ولذلك يقول الله تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، ويقول (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
2 - الخلافة وعمارة الأرض:
كرم سبحانه وتعالى الإنسان وفضله على غيره من المخلوقات، إذ يقول تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الإسراء: 70
فقد جعل الله سبحانه وتعالى الإنسان خليفته في الأرض، يقول الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) البقرة: 30، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الدنيا حلوة خضرة وأن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون). وتعني الاستخلاف إن الإنسان مخول لإدارة ما سخره الله من مخلوقات وليس تملكها فهو مدير وليس مالكًا، ومنتفع وليس متصرفًا أو مسيطرًا، حيث تقرر الشريعة الإسلامية إن الله تعالى هو وحده مالك الأرض وما فيها.
وأيضًا كلف سبحانه وتعالى الإنسان بعمارة الأرض فقد قال تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) هود: 61
ومعنى استعمركم فيها طلب منكم أن تعمروها، وعمارة الأرض إنما تتم بالزراعة والبناء والإحياء والإصلاح والبعد عن كل فساد.
وهناك عدة أحاديث نبوية تدعو إلى عمارة الأرض، ومن أمثلتها، قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحيا أرضا ميتة فهي له)، وقوله: (ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة)، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يزرعها فليزرعها أخاه)، وقال: (إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها).
وهكذا نجد أن الإنسان مستخلف من الله في الأرض، فهو لا يملك شيئًا، وإنما المالك هو الله، ومن ثم ليس له حق التصرف المطلق فيها، بل عليه أن يتصرف وفقًا لمقاصد الخالق.
وبما أنه منتفع فقط فلا يجوز له إهدار وتدمير أصل الذي ينتفع به.
بمعنى آخر، إن استخلاف الله الإنسان في عمارة الأرض، تعني ان الإنسان أمين أو وصي يتولى إدارة الأرض، من ثم يجب عليه أن يتصرف تصرف الأمين في حدود أمانته، فلا يعقل أن يقوم بدلاً من ذلك بإتلافها وإفسادها، وإنما إعمار الأرض لا تأتي إلا باستغلال مواردها استغلالاً لا يخل باستدامتها.
3 - حق الإنسان في البيئة:
بما إن الإنسان هو خليفة الله في الأرض، ليقيم فيها شرعه ويعمل على إعمارها وإصلاحها، فقد كرم الله تعالى الإنسان وسخر البيئة بكل مكوناتها لخدمته وجعلها مذللة له ليتمكن من تحقيق هذا الاستخلاف.
- والآيات الدالة على ذلك عديدة منها قواه تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) البقرة: 29 ، (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) لقمان:20، وقوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك: 15، وقوله تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى ) طه:53
فمن تلك الآيات الكريمات ندرك أن الله تعالى قد بسط وهيأ موارد الكون لمنفعة الإنسان فلا يستعصى أي شيء منها عليه، إذا تيسرت سبله، ورُوعيت سنن الله فيه، وهذا يعني أن للإنسان (حقًّا) على تلك الموارد، وهو حق بالمعنى الواسع للفظ، يشمل سلطة البحث العلمي عن خواصها وأسرارها، وسلطة الانتفاع بأعبائها المادية في بناء الحياة ، وفيما ينفع الخلق وعمارة الكون.
4 - حق البيئة على الإنسان:
- في مقابل ما سخره الله تعالى للإنسان من نعم البيئة وإعطاءه الحق في الانتفاع بها.
- فإن على الإنسان واجب في الحفاظ على هذه النعم وعدم إفسادها والإسراف في استخدامها، إذ يقول الله تعالى: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) القصص:77.
- ولذلك فإن استخلاف الله سبحانه وتعالى الإنسان في عمارة الأرض، أمر يتطلب أن يحافظ عليها ويعمل على تنميتها.
والشريعة الإسلامية غنية بالنصوص والأحكام التي تلزم بحماية البيئة بمكوناتها، وسوف نوضحها في العدد القادم إن شاء الله.
تغريد
اقرأ لهذا الكاتب أيضا
- حماية البيئة والتعليم 2-3 حماية البيئة مطلب اجتماعي
- حماية البيئة والتعليم 1-3 - حماية البيئة مطلب شرعي في الإسلام
- حماية البيئة والتعليم 3-3 - حماية البيئة مطلب أخلاقي وحضاري
- المنهج الدراسي اللاصفي .. أثر الرحلات والزيارات المدرسية في التعليم..(2)
- التباهي والتفاخر 1-2
- التباهي والتفاخر 2-2
- مسمياتنا الإسلامية 1 – 2
- مسمياتنا الإسلامية 2 – 2
اكتب تعليقك