العلم الخَفي: ما اللسانيات الإدراكية؟الباب: مقالات الكتاب
أ. د. تحسين رزاق عزيز أستاذ في جامعة بغداد |
حوار مع أستاذ اللسانيات الإدراكية أندريه كيبريك1
أ. د. تحسين رزاق عزيز
مهما كان نوع العِلم الذي ندرسه لا يمكننا الاستغناء عن اللغة. إنَّ اللغة ليست مجرد أداة لنقل المعلومات أو مفتاحًا لعمليات المعرفة: فهي نفسها تشكل جزئيًا الحقيقة التي ندركها. وهذا التفاعل بين اللغة والمعرفة يدرسه علم اللغة الإدراكي... بناءً على طلب موقع «النظرية والتطبيق»، أجرت أوكسانا سميرنوفا، أستاذة علم اللغة وخبيرة التواصل مع العملاء، حوارًا مع عالم اللسانيات الإدراكية أندريه كيبريك حول كيفية بناء المعرفة لدينا، وما الذي نتحدث عنه عندما لا نتحدث، وما المعنى التطبيقي لهذا كله.
- ما علم اللغة الإدراكي - إذا حاولتَ شرحه ببساطة قدر الإمكان؟
- في البداية ينبغي أنْ شرح ما علم اللغة عمومًا. ربما، ستندهشين، ولكن ثمة الكثير من سوء الفهم المرتبط بهذا المصطلح. أحيانًا هكذا يسمى تدريس اللغات الأجنبية، وترتبط اللسانيات لدى الكثيرين بقواعد التهجئة - لكن في الواقع، هذه كلها أشياء هامشية تمامًا.
اللسانيات - أحد العلوم الأساسية التي تدرس الطريقة التي يمتلك الناس بها اللغة وكيف يستعملونها. فاللغة المفصَّلة ذات الأصوات الواضحة هي السمة الرئيسة لجنسنا البشري، وهي واحدة من العلامات الواضحة القليلة جدًا التي نختلف بها عن الأنواع البيولوجية القريبة منّا، كالشمبانزي على سبيل المثال. واللسانيات تتعامل مع تلك العلامات من جميع الجوانب.
لقد حدث تاريخيًا، أنَّ الأسهل للناس والأكثر ملاءمة لهم أنْ يدرسوا الكون عن طريق تقسيمه إلى أجزاء. لذلك، على سبيل المثال، تشتعل كليات مختلفة في الجامعة على علوم مختلفة، على الرغم من أنَّ هذه العلوم كلها في الحياة الواقعية غير منفصلة. وفي بعض الأحيان تبدأ الحدود تكتسب طابع التجريد المُطلَق، فيجري صراع من أجل نقاء هذا العلم أو ذاك. وقد عانى علم اللغة بشكل كبير من هذا في القرن العشرين: إذ أصرَّ العلماء على أنَّ اللغة شيء في ذاته ولِذاته، ويجب دراستها بشكل منفصل عن جميع الظواهر والعمليات الأخرى.
واللسانيات الإدراكية - مجرد منهج معاكس.
يكمن في أساس اللسانيات الإدراكية اعتقادٌ بأن اللغة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بجميع عمليات التفكير والمعرفة البشرية، وبحفظ البيانات واستخلاصها من الذاكرة، وبنقل المعلومات من دماغ إلى آخر. والمكوِّن اللغوي في هذا المركب المعقد واحدٌ فقط من بين العديد من المكوِّنات. لذلك، فإنَّ اللسانيات الإدراكية منفتحة للتواصل مع العلوم ذات الصلة - كعلم النفس، وعلم وظائف الأعضاء العصبي، والفلسفة، والذكاء الاصطناعي.
بدأت هذه المادة العلمية التخصصية بالأساس من الأبحاث في مجال دلالات الألفاظ المعجمية ومعاني الكلمات. إذ أنَّ ظاهرة معنى الكلمة نفسه تعتمد على حقيقة أنَّ الإنسان بطبيعته يميل إلى تقسيم الواقع إلى فئات: فهناك قطة، وهناك كلب. والكلمات المختلفة في اللغة تسمي فئات مختلفة من الواقع.
ولكن ماذا عن الفئات الضبابية وغير الواضحة؟ لنأخذ، على سبيل المثال، فئة «كرسي»: هل هو مقعد بمَساند أم مقعد من دون مَساند؟ يبدو السؤال «كيف نفهم كلمة "كرسي"؟» سؤالاً لغويًا، ولكن من ناحية أخرى، تشترك هنا علوم أخرى أيضاً. إذًا، اللسانيات الإدراكية تساعد في توضيح هذه الأمور كلها.
- ما المفاهيم الأساسية التي تستند عليها اللسانيات الإدراكية؟
- إذا ما تحدثنا عن اللسانيات الروسية، نقول أنه قد غمرها في وقت ما سيل كبير من الأعمال والأطروحات حول «المفاهيم» (concepts)، وأُوليَ اهتمام خاص بها مدةً طويلة. وقد وصل الأمر إلى أنَّ مجلتنا اللغوية الرئيسة «قضايا علم اللغة» الصادرة عن معهد اللغة الروسية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، حذَّرَت المؤلفين من أنَّ الأعمال الخاصة بدراسة «المفاهيم» لا تُعَد من الإشكاليات الأولوية، وتحتفظ المجلة بالحق في عدم النظر فيها.
ما سبب هذا القرار، لأنَّ المرء للوهلة الأولى لا يرى ثمة شيء سيئ في المفاهيم؟ هذا السؤال صعب للغاية، وإحدى الإجابات المحتملة عليه تكمن في السطح وترتبط بحقيقة أنَّ ما يسمى بعلم المفاهيم هو عملية لا نهاية لها. ففي الواقع، يمكن أن تُنسب أيُّ كلمة تقريبًا إلى مفهومٍ، وهناك مئات الآلاف من الكلمات في اللغة. فكم عدد الأطروحات التي نحتاجها لوصف كل مفهوم؟ يبدو أنه تمرين جيد، لكن ما يُربك فيه هو لا نهائية مثل هذه الأعمال وتكرارها وتماثلها. لم أدرس هذه المسألة بالتفصيل، ولكن ربما يكون هذا مجرد طريق أسهل، وبالتالي يسير عليه كثير من الناس. بالنسبة لي، شخصيًا، أرى أنَّ الأهم من ذلك الاشتغال على الموضوعات الأساسية والمركزية في علم اللغة.
أحد كلاسيكيّي اللسانيات الإدراكية، الأمريكي جورج لاكوف الذي أعلن، في الواقع، عن هذا العلم في أواخر السبعينيات، عالجَ في كتابَيْه «الاستعارات التي نحيا بها» و«النساء والنار والأشياء الخطرة: ما فئات اللغة التي تخبرنا عن التفكير؟» بالإضافة إلى المفاهيم تصورات أخرى، مثل الاستعارة المفاهيمية، والكناية، والفئة، والنموذج الأولي.
إنها مهمة جداً لفهم كيفية تخزين المعرفة في اللغة وكيفية هيكلتها، ولكن حتى هنا ثمة مسألة ضيقة.
– ما نوعها؟
- في الحقيقة، إنَّ اللغة لها وظيفتان رئيستان: تخزين المعرفة حول العالم وتبادل هذه المعرفة بين الناس. بعد الكلاسيكيَّين لاكوف ولانغاكر، تولي اللسانيات الإدراكية الغربية على نحو تقليدي مزيداً من الاهتمام للجزء الأول - إي لدلالات الألفاظ المعجمية، ولِبُنية المعرفة، وللتخزين وللذاكرة. أسمّي هذا كله الجانب الأُوف لاين من اللغة، والموقف تجاه تعلمه مستمر حتى يومنا هذا. والظواهر الأُون لاين - أيْ كل ما يتعلق بالوظيفة التفاعلية للغة أو تفاعل الكلام بين الناس أو الخطاب - تخرج من البرنامج.
وهذا الجزء الأون لاين هو الذي يهمني أكثر. ففي أطروحتي ما بعد الدكتوراه «تحليل الخطاب في المنظور الإدراكي» كتبتُ أنَّ هذا اتجاه إدراكي لا يقل عن غيره، ولكن هناك جوانب أخرى أكثر أهمية - على سبيل المثال، ليست الذاكرة الطويلة المدى، بل الذاكرة الفعّالة، هي الترتيب الذي نعالج فيه الحد الأدنى المعيَّن لمقدار المعلومات التي نشاركها مع المحاوِر.
- ما علاقة اللسانيات الإدراكية بالتخصصات ذات الصلة؟
- صاغ جورج لاكوف الذي ذكرته في أعلاه ما يسمى بالالتزام الإدراكي: من أجل الاشتغال في اللسانيات الإدراكية، يحتاج المرء إلى معرفة ما معلوم عن اللغة والدماغ، بما في ذلك ما في العلوم ذات الصلة.
إنّي أعتقد أنَّ هذا أمر لا مفر منه تماماً: إذ لا يمكنك أن تنغلق على نفسك داخل مجالك وتخمن ببساطة، على سبيل المثال، ما يدور في خلد علماء النفس بخصوص التفكير والوعي والذاكرة – إنكَ تحتاج إلى دراسة أعمالهم حقًا.
كنتُ على مدى عدة سنوات مديرًا «للرابطة الأقاليمية للبحوث الإدراكية». تعقد هذه الرابطة سلسلة من المؤتمرات التي يجري فيها «تلاقح» أفكار الأشخاص ذوي الخلفيات المهنية المختلفة. وقد أدّى هذا بالنسبة لي شخصيًا دوراً كبيرًا: إذ أصبحت شخصًا مختلفًا، وحاولت النفاذ إلى الكيفية التي يفكر فيها علماء النفس وعلماء الفيزيولوجيا العصبية، وإلى الطريقة التي يبنون بحوثهم فيها ويتوصلون فيها إلى استنتاجاتهم، وإلى ماهية تصنيفاتهم للمفاهيم، وما إلى ذلك. هذا هو بالذات المسار الذي يجب أن يسير عليه التطور.
منذ عام 2003، عُقدت سلسلة من الحلقات الدراسية الدولية بعنوان «الأساليب التجريبية في اللسانيات الإدراكية» - هدفها على وجه التحديد ليس التنظير من داخل المكاتب فحسب حول كيفية عمل اللغة والدماغ البشري، بل وكذلك الانخراط في البحوث العصبية التي تجيب على الأسئلة النظرية. لذا فإنَّ اللسانيات الإدراكية تتفاعل بنشاط مع كلٍّ من اللسانيات العصبية واللسانيات التجريبية.
لدينا أيضًا نقاط اتصال مع اللسانيات الحاسوبية - مجال الذكاء الاصطناعي الذي يتعامل مع التطبيقات اللغوية. واتجاهاتها الكلاسيكية هي أنظمة الأسئلة والأجوبة، وأنظمة التعرف التلقائي على الأحرف والكلام، والترجمة الآلية والتلخيص الآلي للنص. في كل هذه الأنظمة، يؤدي التعلم الآلي دورًا كبيرًا، ومن أجل تنظيمه بشكل صحيح، يجب أن تكون على دراية جيدة بخوارزميات التفكير البشري وطبيعته.
وفي الوقت نفسه، بالطبع، هناك الكثير من الأشخاص الذين يشعرون بالراحة في مكانهم المعتاد – ويقولون إنَّ المرء لا يمكنه معرفة فرعه العلمي بكل دقة، فكيف يتوجه كذلك إلى دراسة المجالات المُتاخِمة، إنَّ هذا صعب ومعقّد ولا داعي له.
- ما علاقة العلماء الآخرين بهذا المجال؟
- لسوء الحظ، نشهد اليوم بعض الارتياب فيما يتعلق باللسانيات الإدراكية، وللأسف، له أسباب موضوعية. والحقيقة، أنَّ الأشخاص الذين يربطون أنفسهم بهذا التخصص لا يعملون في بعض الأحيان على مستوى عالٍ بما يكفي، وإلى حد ما، يعرّضون الفكرة بأكملها للخطر. وقد ظهرت الكثير من الدراسات والأطروحات التي استُعمِلَت فيها كلمة «إدراكية» الجذابة هذه، لكن القضية لا تذهب أبعد من العقلية العامة والتصريح بأنَّ اللغة مرتبطة بطريقة ما بالتفكير.
وفي الوقت نفسه، يستمر علم اللغة ككل في مقاومة النهج الإدراكي: اتضح أنَّ الموقف في القرن العشرين من «أنَّ اللغة شيء في ذاته ولِذاته وغير مرتبط بغيره» موقف قوي جدًا.
- ما هي المجالات ذات الصلة باللسانيات الإدراكية الحديثة؟
في الآونة الأخيرة، بدأت اللسانيات الإدراكية تدرس بنشاط تعدد الوسائط، بيد أنَّ الناس يتواصلون بعضهم مع بعض ليس بالكلمات فقط، بل وأيضًا بالنبرة وبإيقاع الكلام وبارتفاع الصوت وبإيماءات اليد وحركات الرأس وتعبيرات الوجه واتجاه النظرة.
إذا ما تحدثنا مع مُحاوِر عبر الاتصال بالفيديو، فسيكون اتصالنا أكثر اكتمالاً منه عبر الهاتف، لأننا في الواقع ننقل معظم المعلومات عبر قنوات غير لفظية.
هذا الاتجاه على وجه الخصوص يثير اهتمامي الآن.
لقد أدرتُ على مدى خمس سنوات مشروع «اللغة كما هي» التابع لمؤسسة العلوم الروسية، الذي درسنا فيه الخطاب المتعدد الوسائط أو المتعدد القنوات: أي، كيف يستخدم الناس العديد من قنوات الاتصال في الوقت نفسه وكيف تُقسَّم المعلومات بين هذه القنوات. هذا ما يفعله كذلك زملائي الأجانب، علماء الإدراك. على سبيل المثال، يعمل الأمريكي آلان تشينكي، الأستاذ في جامعة أمستردام الحرة ورئيس مختبر في جامعة موسكو اللسانية الحكومية، جنبًا إلى جنب مع الاختصاصيين المسكوفيين، على مسألة التقاء اللسانيات الإدراكية والوسائط المتعددة، ويدرس على وجه الخصوص إيماءات الناطقين باللغة الروسية.
- هل كانت هناك دراسات حول كيفية تأثير تعدد الوسائط على متلقي الكلام؟
- نعم، بالطبع. ففي أحد المؤتمرات الأخيرة، تحدثت أنا وزملائي عن نتائج بحثنا حول كيفية متابعة المستمعين لإيماءات المتحدث.
أثناء الكلام، يؤدي الناس، في المتوسط، حركات بأيديهم نصف الوقت تقريبًا. ومن خلال المكان الذي ينظر إليه المستمع، يمكن للمرء أن يحكم على ما ينتبه إليه المستمع. ولتتبع النشاط الحركي لعيون المشاركين، استخدمنا نظارات تتبع حركة العينَين، واتضح أنَّ الناس ينظرون بشكل شبه دائم إلى وجه المتحدث - إلى العينين والفم، ولكن خلال جزء من الوقت ينظرون إلى اليدين أيضًا. إذًا، إننا لسنا غير مبالين بإيماءات محاورينا، فنحن نستخلص بعض المعلومات من هذا لأنفسنا.
وفي الوقت نفسه، هناك اختلاف فردي جِدي إلى حد ما: فالناس المختلفون ينتبهون بدرجات متفاوتة إلى إيماءات الأيدي، ولكن بشكل عام، تكون نسبة من الوقت ملحوظة.
درسَت هذه الظاهرة بالتفصيل زميلتي في البحث العلمي، أولغا فيدوروفا، أحد أبرز علماء اللسانيات النفسية الروس، والأستاذة في جامعة موسكو الحكومية.
في نهاية القرن الماضي، تحدث الكثيرون عن دراسة عالم النفس الأمريكي ألبرت مهرابيان، التي غالبًا ما يعتمد عليها مدرّبو فن الخطابة حتى اليوم. لقد حسب أننا نستخرج 55٪ من المعلومات من قناة الاتصال المرئي، و38٪ من التنغيم، و7٪ فقط من الكلمات. في رأيي، هذه مبالغة قوية: فبعد كل شيء، يظل المكوِّن اللفظي للإنسان العنصرَ الأساس، على الرغم من وجود عناصر أخرى أيضًا. كل هذا يجب دراسته تجريبيًا، وهنا أمامنا طريق طويل.
- توجد في الدراسات الإدراكية أمثلة لتحليل النصوص السياسية والحياتية اليومية والأدبية الفنية. هل سبق لأي شخص أن قام بتحليل الخطاب التجاري من وجهة نظر اللسانيات الإدراكية؟
- بالطبع هناك مثل هذه الأعمال. واسمحوا لي أن أقدم لكم مثالاً واحدًا. في محاضراتي للطلاب، أتحدث عمّا يسمى مخططات الأجناس - إنها القوالب الجاهزة التي وفقاً لها يُبنى نص في جنسٍ معيَّن، وأستشهد بدراسة العالم كينيث كونغ من هونغ كونغ حول مخططات الرسائل التجارية، التي دُوِّنَت في نهاية القرن الماضي. آنذاك كانت هونغ كونغ لا تزال بريطانية وكانت تستعد للتو للانتقال إلى الصين، لذلك دُرِسَت مجموعتان من رجال الأعمال - الصينيين والبريطانيين حسب التبعية.
قارنَ المؤلف مخططات رسائلهم واكتشف، مع بعض التشابه، اختلافات ثقافية محددة مثيرة للاهتمام. فقد كان البريطانيون، على وجه الخصوص، يتناولون صُلب الموضوع مباشرة، ويحددون بالفعل الغرض من رسالتهم في السطر الأول. بينما رجال الأعمال الصينيون يقتربون من الموضوع تدريجيًا، ويحاولون أولاً جر القارئ إلى مهامهم، واستمالته ببعض الانتقالات، ثم يوصِلون إليه عرضهم.
كنت أخبر طلابنا في موسكو بهذا الأمر طوال 20 عاماً وأطلب منهم تصوّر أنفسهم كرجل أعمال يكتب رسالة عمل إلى الشركاء. فهل تتصورون أنفسكم صينيين أم بريطانيين؟ قبل عشرين عامًا، اختار الطلاب بالإجماع تقريبًا الطريقة الصينية، ولكن خلال هذا الوقت صار ثمة تأثير غربي قوي جدًا، والآن أكثر من نصفهم يميلون إلى النسخة الأنجلو سكسونية، التي تتحدث بصورة مباشرة وعلى الفور، والقارئ يقرر بنفسه ما إذا كان سيرميها في سلة المهملات أو يواصل القراءة. تُظهر هذه الدراسة المصغرة التي أجريتها اتجاهاً يربط خصائص الخطاب التجاري بالصور النمطية الثقافية.
- بالنسبة إلى رواد الأعمال، اللغة ليست وسيلة تواصل فحسب، بل هي أيضًا وسيلة بيع وإقناع. ويساعدهم في هذا الأمر السرد القصصي والنَّسخ العصبي والأسلوب الإعلاني... هل تعتقد أنَ اكتشافات اللسانيات الإدراكية في المستقبل المنظور سوف تساعد الناس على إنشاء نصوص أكثر فاعلية للأعمال التجارية، أم أنَّ هذا العلم يتعلق بشيء آخر؟
- هذا ليس سؤالاً سهلاً... كانت هناك مثل هذه الحالة - دعاني صديق متخصص بعلم النفس لإلقاء محاضرة على موظفي شركة تشتغل بالإعلانات. لقد ذهبتُ، لكنني شعرت على الفور أنَّ معرفتي في الممارسة العملية لا تنطبق بشكل مباشر على مجالهم...
الحقيقة، أنَّ اللسانيات الإدراكية لا تزال أكثر ارتباطًا بالعلوم النظرية منها بالعلوم التطبيقية، لذلك يجب ألا نتوقع منها تعليمات مباشرة لا لبس فيها. ولكن في الوقت نفسه، يمكن أن يكون لنفس البحث في مجال الوسائط المتعددة عدد كبير من الجوانب العملية، بما في ذلك المشكلات التطبيقية التي تولد في مجالات جديدة – سواءً لتقنيات الروبوتات أو لعلم التحقيق الجنائي وللأعمال التجارية. وإنّي أفترض تمامًا أنَّ في المستقبل سيأتي إلى فريقنا (اللساني الإدراكي) مَن يطلب مواصلة هذه الأعمال النظرية لتحويلها لأغراض عملية، ولكن حتى الآن لم تكن ثمة مثل هذه الطلبات.
الهوامش:
1 - أندريه ألكساندروفيتش كيبريك (من مواليد 18 يونيو 1963، موسكو) - عالم لسانيات روسي، دكتوراه في فقه اللغة (2003)، مدير معهد اللسانيات التابع لأكاديمية العلوم الروسية (منذ 20 يونيو 2017)، أستاذ بكلية اللغة والأدب في جامعة موسكو الحكومية. تشمل اهتمامات أندريه كيبريك العلمية - علم اللغة الإدراكي، ودراسة الخطاب، وعلم الدلالات، والقواعد (بما في ذلك قواعد اللغة الروسية)، واللسانيات الوظيفية، والتصنيف اللغوي، واللسانيات الإقليمية (التي تهتم بدراسة انتشار ظاهرة لغوية ما في منطقة معيَّنة)، واللسانيات الميدانية، ودراسة اللغات الأثاباسكية ولغات غرب إفريقيا واللغات الهندية والقوقازية والطورانية. (المترجم).
2 - المفهوم في اللسانيات الإدراكية: المفهوم، المثبت في اللغة، الذي يعكس التجربة الثقافية والتاريخية للناس وخصائص تقبّل العالم والنظرة الشخصية والمجتمعية إليه. مثال على ذلك - مفهوم "الكلب" في عقل الطفل الصغير. تتطابق سماته الأساسية (حيوان ذو جلد مكسو بالفرو ولديه أُذنان وأربعة أقدام وأنف مرطوب، ويعرف كيف ينبح ويطارد القطط) لدى الأطفال المختلفين، لكن السمات الثانوية سوف تختلف بالنسبة للطفل الذي لديه كلب شيواوا في المنزل، وللطفل الذي صادف في منزل جدته الريفي كلب رعي قوقازي. (الهامش من موقع «النظرية والتطبيق»).
3 - بما في ذلك روبوتات الدردشة الشائعة اليوم. (الهامش من موقع «النظرية والتطبيق»).
4 - أجهزة التعرف التلقائي على الصوت التي تُستَعمل في مراكز الاتصالات ذات الروبوتات وأنظمة المجيب الآلي. (الهامش من موقع «النظرية والتطبيق»).
تغريد
اقرأ لهذا الكاتب أيضا
- العلم الخَفي: ما اللسانيات الإدراكية؟
- خطاب لوباتشيفسكي «حول أهم مواضيع التربية»
- اللسانيات الإدراكية ودلالة مصطلح «إدراكي»
- ألكسندر نيستروغين وسلاسة الشعر الروسي المعاصر
- فيرا بولوزكوفا صوت مُمَيَّز في الشعر الروسي
- مهام الأدب في المجتمع المعاصر
- السياسة اللغوية في روسيا والعالم
- السوسير وباختين
- روح النثر الشعرية
اكتب تعليقك