فيرا بولوزكوفا صوت مُمَيَّز في الشعر الروسيالباب: مقالات الكتاب
أ. د. تحسين رزاق عزيز أستاذ في جامعة بغداد |
فيرا بولوزكوفا شاعرة وممثلة ومدونة روسية.
ولدت فيرا بولوزكوفا في موسكو في 5 مارس (آذار) من عام 1986. ولِدَت الطفلة من زواج غير شرعي في ظروف صعبة إلى حد ما. أمها - مهندسة كمبيوتر، أنجبتها وهي في سن الأربعين من عمرها من دون زوج ومال، وكانت آنذاك تسكن في شقة مشتركة تقطنها عدة عائلات.
بدأت فيرا الصغيرة في كتابة الشعر منذ سن الخامسة. من 1993 إلى 2000 درست في مدرسة عادية في موسكو مع دراسة متعمقة للغة الإنكليزية. وحتى أنّ فيرا أكملت السنتين الأخيرتين في المدرسة بوصفها تلميذًا خارجيًا. كان الكتاب الأول قد نُشِر لها بمثابة هدية عيد ميلادها الخامس عشر (صدر الكتاب بنسخ عددها 350 نسخة).
ذكرت فيرا بولوزكوفا في حوار معها أنَّ من بين الشعراء المفضلين لها الذين كانت تتطلع إلى اتباعهم وتقليد أعمالهم: مارينا تسفيتايفا، فلاديمير ماياكوفسكي، يوسف برودسكي، لينور غوراليك، دميتري بيكوف، دميتري فودينيكوف، فيرا بافلوفا.
درست فيرا بولوزكوفا في كلية الصحافة لكنها تركت الدراسة قبل التخرج بثلاثة أشهر. ولم تحصل على الشهادة. لكنها اشتغلت في مجال الصحافة وصارت تنشر مقالات ودراسات نقدية وفنية في عدة صحف ومجلات ومواقع على الإنترنيت. ثم تحولت بعد عام 2008 إلى التمثيل في المسرح وإصدار الكتب الصوتية والغناء. ونشرت قصائدها في البداية على مواقع الإنترنيت التي نالت فيها شهرة واسعة بين القراء الشباب. ثم بدأت تنشر مجموعاتها الشعرية التي لاقت استحسانًا كبيرًا لدى النقاد ومتذوقي الشعر. وقد تُرجِمَت أشعارها إلى اللغة الإنكليزية والعديد من اللغات الأوربية.
على الرغم من كون فيرا بولوزكوفا شاعرة مُجدِّدة إلا أنها تلتزم بتقاليد الشعر الروسي العريقة. وتمتاز قصائدها برنين الكلمات وبالعناصر الصوتية المُمَيَّزة. الإيقاع والصدى مهم لديها، وجرس المفردات التي ترددها قريب من إبداع ماياكوفسكي. وقد أعادت للشعر الروسي شعبيته بين الناس وتقاليده من خلال إقامة الأمسيات الشعرية ومن خلال البرامج الإذاعية المخصصة للشعر والتواصل المباشر مع الجمهور، وبقدر كونها شاعرًا مَقروءً هي في الوقت نفسه شاعرًا مَسموعًا.
يقول الخبير الإعلامي يفغيني يرمولين إنَّ: «فيرا بولوزكوفا - صوت الجيل الروسي الجديد...، والوسيط الروحي بين الأجيال (على الرغم من كونها تمثل جيل الشباب والناس قبل أزمة منتصف العمر...). قصائد بولوزكوفا تمثل خلاصة تجربة هذا الجيل. إنها حكمة هذا الجيل (وغبائه أيضًا)، ونبرته، ونغمة صوته، ووتيرته، ونمط حياته. وقد عرف هذا الجيل نفسه في فيرا، وفي حبها، وفي مشاعرها...»
يرى القارئ نفسَه في شعر فيرا بولوزكوفا، ويرى فيه تجسيدًا لأفكاره ومشاعره. ويدعوه شعرها للتغلب على صعوبات الحياة. وحتى حينما تكتب قصائد للأطفال يجد الشباب أنفسهم في هذه القصائد وكأنها موجهة للناضجين. وعندما تخاطب الصبايا تعيد المرأة إلى التاريخ بكل مشاكلها وألمها ومعاناتها. ولهذا يحضر إلى أمسياتها الشعرية وإلى حفلاتها الموسيقية الجميع: الصبايا الصغار، والفتيات الشابات، والنساء الناضجات - «الرقيقات، الجميلات في عيوبهن» على حد تعبيرها.
إنَّ قصائد بولوزكوفا سلسة وسهلة القراءة وخالية من الألغاز وحيوية على نحو مدهش، وشعرها عصري يدور حول أشياء نراها كل يوم من حولنا. إذ تصادفنا في قوافيها مفرداتٌ من تلك التي نستعمها في حياتنا اليومية: الهواتف، تويتر، الرهون العقارية، بطاقات الائتمان. ولكنها محبوكة بدقة وبسلاسة.
إنها تدعو لإعادة ترتيب الأولويات ونبذ الأفكار السوداوية. ففي قصيدة بعنوان «تفاحة» كتبتها في عام 2013 تقول:
حاول أن تأكل تفاحة واحدة على الأقل،
من دون أنْ تتحسر،
على المجتمع المعاصر الذي يعاني بشدة،
وعلى نفسك، وحظها السيئ للغاية؛
من دون أنْ تفكر، هل أنك نظرت
إلى المجتمع من هذه الزاوية بشكل أفضل،
ومن دون أن تقرر، هل كل شيء فيه يعجبك،
وهل هو رائع.
ابقَ مع التفاحة، مع بذورها،
مع لبها اللؤلؤي، مع خدها القرمزي، -
من دون أنْ تدخل في سجال
مع مجادلين من الوهم حول أشياء عميقة.
حسنًا، ما طعم التفاحة؟ ما شعورك؟
كيف تمر لحظة حريتك؟
كيف بدت لك، من دون شيء من التصنع،
بَلاَغَة الطبيعة؟
أليس رائع هذا؟ وأنت تخترق جميع الحواجز،
وترى كم تخسر وأنت تعيش في حدود العقل فحسب.
وأيّ حبّ وبهجة يمكن أن تنال،
عندما لا تعرف حتى كيف تأكل تفاحة.
وفي قصيدة بعنوان «وددتُ» تبث مشاعرها:
وددتً فحسب،
(اعذرني، سأقول تفاهة)
لو أنَّ الشمسَ من علوّها
أضاءت مساراتك.
لو سُمِحَ، فحسب، لي
من خلال الرياح الدافئة، من خلف الركن،
أنْ أُقَبِّلكَ برقَّة في خصلات غرّتك،
السوداء كَلَوْنِ جناحِ الغراب.
المهم ألّا أتفوّه بمزحة مبتَذَلَة –
وأنْ أتَماسَك وألتزم الصمت،
من دون أنْ أُخبِر أحدًا،
كم أفتقدُكَ بفظاعة وعلى نحو مُضحِك.
عندما تقرأ شعر فيرا بولوزكوفا تشعر بأنك تستمع إلى موسيقى. فها هي تصف بكلمات عادية لكنها مدهشة جلسةَ حبيبين في مقهى:
تذوبُ شفتاهُ بابتسامةٍ ساخرةٍ،
يحسده عليها حتى الملك،
ويضغطُ على طرف الشوكة
كلمة «أُحُبّكَ» التي ارتعش بها فمي.
ويصف مذاق الطعام
بغزلٍ ربّاني ونظرةٍ معسولة.
فتُضاف له في قائمة الحساب
فقرةُ خَجلي.
وتصف الشاعرة عالمها الداخلي:
في جروحي الجديدة حبات الملح.
في الليل، أحلمُ بسنابلِ الشيلم.
لا يخيفني الألم –
أخافُ الكذبَ فقط.
عنوان الخلودِ على ظرف الرسالة.
غجريّتان في عربة محطمة.
لا أتمنى الموت لأحدٍ.
أريده لنفسي فقط.
أُنهِكتُ، وخارت قوايَ،
فغفوت على أصابع الرب.
بمقاطع مبتورة، طلبتُ من السماءِ القليلَ...
وطلبتُ أنْ تبقى، أنتَ، لي.
وتصف الطفولة بعبارات أقرب ما تكون من الهذيان:
- ابقي بعيدًا عنه. إنه خادع.
طبيعتهم كلها قمامة.
- كما تعلم، لدي ذكرى معه،
قديمة جداً، وداخلية.
- إذاً، ليذهب المستقبل إلى الجحيم؟
وفرصُ الخروج إلى العوالم غير المسكونة؟
- أنا مؤمنة، كما تعلم؛
بأنه ملاكي المعزّي.
- توقفي عن هذا، هناك وسائل أخرى؛
إنه ليس ذلك الرجل نفسه على الإطلاق.
- إنَّ لديَّ معه، كما تعلم - طفولة،
والطفولة - غير قابلة للشفاء.
تغريد
اقرأ لهذا الكاتب أيضا
- العلم الخَفي: ما اللسانيات الإدراكية؟
- خطاب لوباتشيفسكي «حول أهم مواضيع التربية»
- اللسانيات الإدراكية ودلالة مصطلح «إدراكي»
- ألكسندر نيستروغين وسلاسة الشعر الروسي المعاصر
- فيرا بولوزكوفا صوت مُمَيَّز في الشعر الروسي
- مهام الأدب في المجتمع المعاصر
- السياسة اللغوية في روسيا والعالم
- السوسير وباختين
- روح النثر الشعرية
اكتب تعليقك