خطاب لوباتشيفسكي «حول أهم مواضيع التربية»الباب: مقالات الكتاب
أ. د. تحسين رزاق عزيز أستاذ في جامعة بغداد |
خطاب لوباتشيفسكي1 «حول أهم مواضيع التربية»2
ترجمة: أ. د. تحسين رزاق عزيز
5. يوليو (تموز). 1828
[I]
لقد مر عام، أيها الرفاق الأعزاء، منذ أنْ وقع اختياركم عليَّ، وأنا أتحمّل هذا المنصب، الذي أرى أهميته وصعوباته دليلاً على ثقتكم المحترمة. لا أجرؤ على الشكوى من رغبتكم في إخراجي من مهنتي المفضلة، التي انغمست فيها مدة طويلة بهوى. لقد فرضتم عليّ أعمالاً جديدة واهتمامات غريبة عني من قبل؛ لكني لا أجرؤ على التذمر، لأنكم قدَّمتم لي وسائل جديدة لأكون مفيدًا. وقد لبيتُ دعوتكم لأنني احترم رأيكم؛ ولأني لم أُرِد مقاومة الرغبة العامة؛ ولأني، نفسي، أول مَن لا يستطيع أن يبرر فعل مَن كان سيحل مكاني، لو رفضَ. وأخيرًا، أعطى الإمبراطور المعظم موافقته على اختياركم، فأصبحت واجبات الرتبة الجديدة مقدسة بالنسبة لي <...>.
أقارن نفسي الآن بالربّان الذي بقي يسير على الشواطئ، لأنه لم يثق بخبرته؛ وأخيرًا، قرر الإبحار في عرض البحر، فلا يجب عليه أنْ يتحدث عن رحلته الوجلة، بل عليه أن يطلب النصيحة. وإنّي في تنشئة الشباب، في هذا الأمر المهم، الذي أشارك فيه بحكم رتبتي أكثر من أعضاء هذه الجامعة الآخرين، أطلب منكم نصائحكم في أداء هذا الواجب المهم. وأجرؤ على إخضاع أفكاري لحكمكم، مُفتَرِضًا أنها تحتوي على الأسس الأولى للأخلاق ويمكن أن تشير إلى القواعد التي يتعين على المعلمين اتباعها. وإنّي أنوي الاسترشاد بها، بصفتي بحارًا، حتى لا أضل طريقي، فأنظر إلى العلامات المبثوثة على طول الطريق.
[II]
إنّي أتخيل في أيَّ حالة، يكون الإنسان المعزول عن مجتمع الناس والمُسَلِّم لإرادة الطبيعة البرية وحدها! ثم أتحول بأفكاري إلى الإنسان الذي، في ظلّ المواطَنة المستقرة والمتعلمة في القرون الأخيرة من التنوير، بمعرفته العالية، يحرز شرف ومجد وطنه. يا له من فرق، يا لها من مسافة هائلة تفصل بينهما. نشأ هذا الاختلاف عن طريق التعليم. فالتعليم يبدأ من المهد، ويُكتَسب أولاً، من خلال التقليد وحده، فيتطور بالتدريج العقلُ، والذاكرةُ، والخيالُ، وتذوّقُ الفنون الجميلة، ويوقَظ حب الذات، وحب القربى، وحب المجد، والشعور بالشرف، والرغبة في الاستمتاع بالحياة. إنَّ قدرات العقل كلها، والمواهب كلها، والمشاعر كلها - هذا كله يعالجه التعليم، فيجتمع في كلٍّ متناغمٍ واحدٍ، فيبدو الإنسان خَلْقًا متكاملاً، كما لو وِلِدَ من جديد.
فالإنسان، بمظهره الخارجي، وجبينه العالي، ونظرته التي تندفع في كل مكان، والتي تتطلع دائمًا إلى الأعلى، من حوله؛ وبملامح وجهه، التي تُصوَّر فيها الرقة، الخاضعة للعقل، - كل شيء فيه يشير إلى إنه وِلِدَ ليكون سيد الطبيعة، وحاكمها، وملكها. ولكن الحكمة التي يجب أن يحكم بها عرشه الموروث لم تُمنَح له منذ الولادة: إنها تُكتَسَب بالتعلّم.
بأي شيء يجب أنْ تتجلى هذه الحكمة؟ ما الذي يجب أن نتعلمه حتى نصل إلى وجهتنا؟ ما القدرات التي يجب اكتشافها وتطويرها، وما الذي يجب تغييره؛ وما الذي يجب أن يُعطى، وما الذي يجب أن يُقطع، بوصفه زائدًا وضارًا؟
رأيي: أنْ لا ندمر شيئًا، وأنْ نحسّن كل شيء. فهل يُعقَل أنْ تكون هبات الطبيعة عبثًا؟ كيف نجرؤ على إدانتها؟ ومَن نلوم عليها؟ إننا نعترف بمذنب واحد في كل شيء، الذي هو غير موجود. نعترف به ونقدس حكمته اللانهائية <...>.
ما الذي يجب أن يقال إذًا، عن المواهب العقلية، والدوافع الفطرية، والرغبات التي تُمَيِّز الإنسان؟ كل شيء يجب أن يبقى معه: وإلا فإننا سنشوه طبيعته، وسنغتصبها، ونضرّ بصالحه.
دعونا ننتقل أولاً إلى أهم قدرة، ألا وهي العقل، الذي يريدون من خلاله تمييز الإنسان عن الحيوانات الأخرى، والذي يقابل الغريزة عند الحيوانات. أنا لا أؤيد الرأي القائل بأن الإنسان فاقدٌ للغريزة التي توجد في العديد من أفعال العقل، والتي، بالاقتران مع العقل، تشكل العبقرية. سأذكر، بشكل عابر فقط، أنَّ الغريزة لا تُكتَسَب؛ إذ لا يمكن لمَن لم يولد عبقريًا أن يكون كذلك. هنا يكمن فن المربين: أنْ يكتشفوا العبقرية، وأنْ يثروها بالمعرفة، ويعطوا الحرية لمتابعتها من خلال الإيحاء. هل العقل، إذا ما أراد المرء أن يكوَّنه من الخيال والذاكرة، ما يميزنا عن الحيوانات؟ العقل، بلا شك، يخص الإنسان حصريًا؛ والعقل - يعني مبادئ معينة للحكم تنطبع فيها الأسباب المحرّكة الأولى للكون، التي تجمع، بهذا الشكل، استنتاجاتنا كلها عن الظواهر في الطبيعة، التي لا يمكن أن توجد فيها تناقضات.
[III]
مهما كان الأمر، يجب أن نعترف بأننا مدينون بكل تفوقنا على الحيوانات الأخرى ليس لأذهاننا بقدر ما مدينون لهبة الكلام. فالأقرب إلينا من بين الحيوانات في تكوين أجسامهم، كما يؤكد علماء التشريح، محرومون من الأعضاء التي تمكّنهم من نطق الأصوات المعقدة من خلالها. وهم ممنوعون من توصيل المفاهيم لبعضهم البعض. هذا الحق مُنِحَ للإنسان وحده؛ فهو وحده على الأرض الذي يتمتع بهذه الهبة؛ وهو وحده مأمور بالتعلم، وصقل عقله، والبحث عن الحقيقة بقوى موحدة. الكلمات، كأنها أشعة عقله، تنقل وتنشر نور التعليم. إنَّ لغة الشعب - الشهادة على تعليمه، والدليل الحقيقي على درجة استنارته.
أتساءل، لأي شيء تدين العلوم الرياضية والفيزيائية، التي هي مجد العصور الحالية وانتصار العقل البشري، بنجاحاتها الرائعة الأخيرة؟ بلا شك، هي مدينة للغتها الاصطناعية، فكيف نسمي كل هذه الإشارات للحسابات المختلفة، إن لم تكن لغة خاصة ومختصرة للغاية، والتي، من دون إجهاد انتباهنا عبثًا، تعبر عن مفاهيم واسعة في صيغة واحدة. إنَّ هذه النجاحات في العلوم الرياضية، التي تتفوق على كل علم آخر، تُدهِشُنا بحق؛ وتجبرنا على الاعتراف بأنَّ العقل البشري مُتاح له حصريًا معرفة هذا النوع من الحقيقة، وأنه، ربما، يسعى عبثًا خلف غيرها؛ يجب علينا أن نسلِّم أيضًا بأنَّ علماء الرياضيات قد اكتشفوا وسائل مباشرة لاكتساب المعرفة. وإننا نستخدم هذه الوسائل من مدة ليست طويلة. لقد أشار بها علينا بيكون الشهير. إذ قال، اترك العمل عبثًا، عندما تحاول استخلاص الحكمة كلها من العقل وحده؛ واسأل الطبيعة، فهي تحتفظ بكل الحقائق وستجيب على أسئلتك حتمًا وبصورة مُرْضية. وأخيرًا، أحدثت عبقرية ديكارت هذا التغيير السعيد، فبفضل مواهبه، صرنا نعيش في وقت لا يكاد فيه ظل السكولاتية (المدرسة القديمة) يجوب الجامعات. وهنا، عند الالتحاق بهذه المؤسسة لن يسمع الشباب كلمات جوفاء من دون أفكار، مجرد أصوات (حروف) بلا معنى. هنا يُدَرَّس ما موجود بالفعل، وليس ما اخترعه العقل الخامد وحده. هنا تُدَرَّس العلوم الدقيقة والطبيعية، بمساعدة اللغات والمعرفة التاريخية <...>.
كم يؤسِفنا، أنْ نرى أنَّ الفوائد العبثية للتعليم المنزلي تُفَضَّل على التنوير الحقيقي. على من يريد تربية أبنائه من أجل الدولة أنْ يلجأ إلى الوسائل التي تستطيع الدولة وحدها أن توفرها؛ وأنْ يعلِّم أولاده في المؤسسات التعليمية العامة.
[IV]
التعليم الذهني وحده لا يصل بالتربية إلى الكمال. على الإنسان، عندما يثري عقله بالمعرفة، أن يتعلم كيف يستمتع بالحياة. أريد أنْ أتحدث عن ثقافة الذوق.
أنْ تعيش - يعني أنْ تشعر، وأنْ تستمتع بالحياة، وأنْ تتلمَّسَ التجديد المستمر، وهو ما سيذكرنا بأننا نعيش. هكذا، يقول شاعرنا ديرجافين3 عن الناس:
التقلب - قَدَرُ
البشر الفانين،
وفي تغير الذوق –
سعادتهم.
من بين أفراحنا التي لا تعد ولا تحصى
نتمنى أفراح الآخرين.
الحركة الموحدة الشكل ميتة. فالسكون ممتع بعد الجهد، وسرعان ما يتحول إلى ملل. المتعة تكمن في إثارة الحواس بشرط أن تبقى ضمن حدود معينة. ومع ذلك، فهي توجّه انتباهنا إلى البهجة أو إلى الحزن على حد سواء. فحتى العودة إلى الشجن لطيفة؛ والصور المؤثرة للكوارث البشرية تجذبنا. إننا نصغي باستمتاع لأوديب على خشبة المسرح عندما يتحدث عن مصائب لم يسبق لها مثيل. البهجة والحزن، مثل قوتين متعارضتين، تثيران حياتنا داخل تلك الموجة، التي تكمن فيها جميع الملذات المتأصلة في الطبيعة البشرية. أو، أنها [الحياة] مثل نهر، يتدفق في ضفاف متعرجة: يفيض أحيانًا في مروج الفرح، وأحيانًا يغسل المنحدرات الشديدة للأفكار الحزينة. لا شيء يعيق هذا التدفق بقدر الجهل: إنه يقود الحياة عبير طريق ميت ومستقيم من المهد إلى اللحد. إنَّ الأعمال الضرورية المرهقة، عندما تختلط مع الاسترخاء، تسعد حياة المزارع والحرفي، ولو بنسبة ضئيلة؛ لكنكم، يا مَن وجودكم حوَّلَ الحالة الجائرة إلى ضريبة باهظة على الآخرين؛ أنتم، يا مَن بلَّدَهم العقل وأخمدَهم الإحساس؛ أنتم، لا تستمتعون بالحياة. بالنسبة لكم، الطبيعة ميتة، وجمال الشعر غريب، والعمارة خالية من السحر والروعة، وتاريخ القرون غير ممتع. بيد إنّي أعزّي نفسي بفكرة مفادها أنَّ مثل هذه الأشكال ذات الطبيعة النباتية لن تخرج من جامعتنا؛ وحتى لن يدخلوا إلى هنا، إذا ما كانوا قد وِلِدوا، للأسف، بمثل هذه الغاية. أكرر، لن يخرجوا، لأنَّ حب المجد والشعور بالشرف والكرامة الداخلية مستمر هنا <...>.
[VI]
عُهِدَ إلى الإنسان بوقت عاجل أنْ يحافظ على نار الحياة؛ وأنْ يحتفظ بها حتى يتمكن من نقلها إلى الآخرين. إنه يعيش لكي يترك مِن خلفه نسله. فحب الحياة، دافع قوي في جميع المخلوقات، تحقق به الهدف السامي للطبيعة. لقد تجاوزتُ ذروة حياتي، وفي الخطوة الأولى بدأتُ أشعر بالثقل الذي يحملني بانحدار النصف الثاني من طريقي. لقد كنتُ دائمًا منتبهًا لظواهر الجسد؛ الآن لا أستطيع أن ألاحظها، ولا يمكنني التحدث عنها بلا مبالاة <...>.
التفاحة التي تلمسها الدودة تنضج قبل غيرها وتسقط على الأرض. وهكذا الرذيلة تقصّر العمر؛ لذلك ينضج الشاب قبل الأوان، ويشبِع رغباته المبكرة، ثم يرقد في القبر في الوقت الذي ينبغي فيه أنْ يتفتح. إننا جميعًا نعيش ثلاث مرات، أربع مرات أقل مما تحدده لنا الطبيعة. وهذا مُثبَت من خلال الأمثلة: فقد عاش المدعو إكليستون 143 عامًا، وهاينريش زينكينز - 169 عامًا. توصل علماء الطبيعة، عندما قارنوا وقت نمو الإنسان والحيوان، إلى النتيجة نفسها: ينبغي لنا، كما يقولون، أن نعيش ما يقرب من 200 سنة. ولكن هيهات، عبثًا، تجمع قوةُ الحياةِ عصارةَ الغذاء؛ فتحرقها نار الأهواء، وتلتهمها الهموم، ويقتلها الجهل. إنَّ حماسة خيالنا، ومعرفتنا، وذكرياتنا الجاهزة دائمًا ما توقظ المشاعر وتتطلب رغبات غير مستحقة. لذا ينبغي على مرشد الشباب أنْ ينتبه هنا ويحاول منع تهور الشباب الذي لا يعرف بعد قيمة صحته <...>.
دعونا نعتز بالحياة قبل أنْ تفقد فضائلها. لِتَكُن أمثلة التاريخ، والمفهوم الحقيقي للشرف، وحب الوطن، الذي يستيقظ في سنين الشباب، تعطي مقدمًا ذلك التوجيه النبيل للعواطف وتلك القوة التي ستسمح لنا بالانتصار على رعب الموت. فمع وجود ضمادة على العينين، كما يقول روشيفوكو، لن نراه.
[VII]
توجِب علينا حكمة الخالق، التي وضعت في قلب الإنسان حبَّ الذات وحبَّ ذي القربى، أنْ نكون مستعدين في أي وقت لتقديم هذه التضحية العظيمة. ومن هنا تتدفق مبادئ الأخلاق كلها، التي هي مادة التعليم، الذي، بوصفه أهم شيء، لذا تناولتُه من الأخير، ولا أريد التحدث عنه بوصفه عِلمًا. لقد أوضح دوالو وروشيفوكولد وكنيغ كيف أنَّ الأنانية هي النابض الخفي لجميع تصرفات الإنسان في المجتمع. وإنّي أتساءل، مَن كان قادرًا على أن يصف بالكامل ما الواجبات التي تنشأ من الحب تجاه القربى. كان ثمة أناس مثل هوبز4 وهيلفيتيوس5 لا يريدون تصديق أنَّ الإنسان قد وِلِد من أجل المجتمع. لحسن الحظ، خطأهم ليس خطيراً: سيظهر أمثالهم، ربما، من وقت لآخر؛ لكنهم لن يجدوا متابعين. إذ كيف يمكن للمرء أن يشك في أنَّ خالق الكون، الذي ندركه كائنًا صالح، قد سمح من خلال أقصى جهد فحسب للعقل أنْ يحقق المعرفة، التي هي الشيء الأكثر ضرورة لرفاهية الإنسان. لا يزال بإمكاننا الاستغناء عن القوانين المكتوبة عندما تكون محفورة في قلوبنا. نحن نولد بفضائل، ويهتم الضمير بحمايتها. والأمثلة تعلِّم أفضل من التفسيرات والكتب.
[VIII]
وأنتم، يا تلاميذ هذه المؤسسة التعليمية، استخدمتم هذه الأمثلة. أنا متأكد، من أنكم، من هنا، ستحملون الحب والفضيلة وتحتفظون بهما مع الامتنان لموجهيكم. وسوف تعرفون، وستؤكد لكم خبرة الحياة أيضًا، أنَّ مجرد الشعور بالحب تجاه القربى، الحب الخالي من الغرض، والنزيه، والرغبة الحقيقية في الخير من أجلكم، قد فرض علينا العناية بتنوير عقولكم بالمعرفة، وتثبيتكم على قواعد الإيمان، وتعويدكم على الاجتهاد، والنظام، وأداء واجباتكم، والحفاظ على براءة أخلاقكم، وصيانة صحتكم وتقويتها، وإرشادكم إلى الفضائل، والإيحاء إليكم بالرغبة في المجد، والإحساس بالنُّبل، والعدالة والشرف، تلك الأمانة الصارمة المنيعة، التي من شأنها أن تقف بوجه الأمثلة المغرية للإساءة التي لا تتحقق بالعقاب.
إنكم لا تزالون غير قادرين على إعطاء القيمة الحقيقية لكلماتي، إذ لا يمكن لكل تجربة مفاجئة أن تنير عقولكم. أنتم الآن تخطون نحو النور؛ فالمعلومة الجديدة، وتنوّع الانطباعات لا تعطي مجالاً للتفكير. ولكن سيأتي الوقت الذي سيظهر فيه الماضي فجأة، في تألق الحاضر، بسحر عتمته الفاتنة، مثل نحت رقيق غير واضح على الذهب اللامع، مثل الأشياء المنعكسة في مرآة الماء الباهتة؛ عندها تتجلى في ذاكرتكم سنوات التنشئة، سنوات الصبا الخالية من الهموم، بكل ملذاتها البريئة، كصورة للسعادة الكاملة، الضائعة ضياعًا لا رجعة فيه. حينئذ ستقابل رفيقك من أيام الدراسة كأخ عزيز؛ ثم في الحديث معه حول شبابكما، ستنطقان أسماء مرشديكما بامتنان، وتعترفان كم تمنوا لكم التوفيق؛ وسوف تتعهدان بابتهاج لبعضكما البعض باتباع الأمثلة التي سمعتموها منّا.
[IX]
وأنا أودّعكم، ما عساي أن أقول، مما يعود عليكم بإفادة أكبر؟ أنتم أحسن حظاً مني، لأنكم وِلِدتم في وقت لاحق. لقد رأيتم من تاريخ الأمم أنَّ كل دولة تمرُّ بأعمار الطفولة والرجولة والشيخوخة. سيكون الشيء نفسه مع وطننا العزيز. محميًا بالقَدَر، سوف ينهض ببطء في جلاله وسوف يصل إلى ارتفاع لم تتسامَ إليه أيّ قبيلة بشرية على الأرض. عصور بطرس الأكبر ويكاتيرينا وألكساندر كانت ملحوظة؛ لكن أسعد أيام روسيا لم تأتِ بعد. لقد رأينا الفجر، الذي يبشّر بها، في الشرق؛ وبعده طلعت الشمس... بهذا أكون قد قلتُ كل شيء.
الهوامش:
1 - نيكولاي لوباتشيفسكي (1792 – 1856): تربوي روسي شهير. عمل بصفة أستاذ جامعي ثم أصبح في عام 1826رئيسَ جامعة كازان لمدة 19 سنة. وتحت إدارته ازدهرت الجامعة: مكتبة مقدمة بشكل جيد للقراء، مرصد فلكي، مختبرات فيزياء، وتأسيس مخبرين أحدهما لعلم تشريح والآخر للكيمياء. وعلى الرغم من مهامه الشاقة في تأدية أعماله الإدارية، كان يدرِّس الرياضيات والفيزياء. إضافة لذلك كان يخصص وقتًا لإلقاء محاضرات لفئة كبيرة من الشعب. وواصل أعماله الأصيلة في علمي الهندسة والجبر. (المترجم).
2 - خطاب نيكولاي لوباتشيفسكي في تجمع احتفالي لجامعة كازان في 5 يوليو 1828، في الذكرى الأولى لتوليه منصب رئيس الجامعة. نُشِرَ الخطاب لأول مرة: مجلة «بشير كازان»، كازان، 1832. (المترجم).
3 - غافريل رومانوفيتش ديرجافين (1743 - 1816): واحد من أعظم الشعراء الروس قبل ألكسندر بوشكين، وكان رجل دولة أيضًا. وعلى الرغم من عدِّ أعماله تقليدية كلاسيكية أدبية، فإن أفضل أشعاره غنيةٌ بالنقائض والأصوات المتضاربة وتشبه أعمال الشعراء الميتافيزيقيين. (المترجم).
4 - توماس هوبز (1588 - 1679): عالم رياضيات وفيلسوف إنكليزيً. يعد توماس هوبز أحد أكبر فلاسفة القرن السابع عشر بإنكلترا وأكثرهم شهرة خصوصًا في المجال القانوني حيث كان بالإضافة إلى اشتغاله بالفلسفة والأخلاق والتاريخ، فقيهًا قانونيًا ساهم بشكل كبير في بلورة كثير من الأطروحات التي تميز بها هذا القرن على المستوى السياسي والحقوقي. كما عرف بمساهمته في التأسيس لكثير من المفاهيم التي لعبت دورًا كبيرًا ليس فقط على مستوى النظرية السياسية بل كذلك على مستوى الفعل والتطبيق في كثير من البلدان وعلى رأسها مفهوم العقد الاجتماعي. (المترجم).
5 - كلود أدريان هلفتيوس (1715 - 1771): فيلسوف وموسوعي فرنسي، له نظرية تقول ان الناس كلهم يولَدون بقدرات متساوية لكن ظروف التربية والتعليم تجعلهم متفاوتين في القدرات، وأن كل نشاط عقلي صادر من الإحساس، وحتى الروح نفسها عبارة عن القدرة على الإحساس، ويعتقد أن الصالح الذاتي هو الدافع وراء تصرفات الناس. (المترجم).
تغريد
اقرأ لهذا الكاتب أيضا
- العلم الخَفي: ما اللسانيات الإدراكية؟
- خطاب لوباتشيفسكي «حول أهم مواضيع التربية»
- اللسانيات الإدراكية ودلالة مصطلح «إدراكي»
- ألكسندر نيستروغين وسلاسة الشعر الروسي المعاصر
- فيرا بولوزكوفا صوت مُمَيَّز في الشعر الروسي
- مهام الأدب في المجتمع المعاصر
- السياسة اللغوية في روسيا والعالم
- السوسير وباختين
- روح النثر الشعرية
اكتب تعليقك