معركة فيينا الحقيقيةالباب: مقالات الكتاب
إبراهيم عبدالله العلو مترجم سوري مقيم بمدينة يوما – ولاية أريزونا - الولايات المتحدة الأمريكية |
تأليف: داج هيربجورنسرود. مدير مركز تاريخ الأفكار. أوسلو. النرويج. مؤلف كتاب "المعرفة العالمية". (الطبعة النرويجية 2016)
ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو
اندحر الحصار العثماني عام 1683 عن أسوار فيينا ولكنه كان أبعد ما يكون عن معركة بين الإسلام والمسيحية.
كنت جالسًا في المقهى خارج أوسلو أقرأ من هاتفي النقال عندما انفجرت القنبلة. حدث ذلك عصر يوم الجمعة يوم 22 تموز(يوليو) عام 2011 في الساعة 3:25 بعد الظهر. وسرعان ما انتشرت الأنباء عن تعرض الحي الحكومي النرويجي لأضرار فادحة جراء انفجار سيارة مفخخة بـ 900 كغ من المتفجرات. قُتل ثمانية أشخاص على الفور وبدأ النقاد على التلفاز والإنترنت بتوجيه أصابع الاتهام إلى القاعدة. ولكن المشتبه به كان أقرب إلى البلاد: رجل نرويجي أشقر يبلغ من العمر 32 عام ويقطن في إحدى ضواحي العاصمة الراقية.
كان الإرهابي ذي العينين الزرقاوين اندريس بيرنج بريفيك واحدًا منا.
بعد إنفجار القنبلة جلس بريفيك في سيارته وبدأ يستمع إلى الراديو. عندما علم أن الإنفجار لم يدمر مكتب رئيس الوزراء تحرك في إتجاهي –مارًا على مبعدة أمتار قليلة من المقهى- متنكرًا بملابس شرطي. توجه إلى أوتويا وهي جزيرة على هيئة قلب حيث تجمع أفرادًا يافعين من حزب العمل النرويجي في مخيمهم الصيفي السنوي. وهناك بدأ بموجة إطلاق نار استمرت لمدة ساعة من الزمان أفضت إلى قتل 69 شخص منهم 55 من المراهقين.
كانت أصغر ضحايا بريفيك فتاة تدعى شاريدين بون أكملت عامها الرابع عشر قبل خمسة أيام وبدأت مؤخرًا مدونتها الشخصية بعنوان "إرجواني أنيق" نسبة إلى لونها المفضل وكانت تخطط لتصبح مصممة أزياء عالمية.
استيقظت شاريدين يوم 22 تموز في خيمة إرجوانية زرقاء نصبتها بيديها. قابلت عصيرة ذلك اليوم "أم الأمة" رئيسة وزراء النرويج السابقة جرو هارليم برونتلاند. إتصلت الصبية المنبهرة بوالدتها لتخبرها عن منافسة جديدة على حبها. وفي الساعة 5:29 بعد الظهر أطلق بريفيك رصاصتين على ظهر شاريدين.
ما الذي قتل شاريدين؟ الرصاصتان؟
لم تسحب الزناد. أم إصبع الإتهام؟
لم تقدح دماغ الإرهابي. أودت أفكار بريفيك المميتة بحياة 77 شخص. بررت إيديولوجيته إعدام من سماهم "بالخونة" و"الماركسيين الثقافيين" وداعمي "السيطرة المتعددة الثقافات" والتي تراءت في دماغه بالأطفال المسالمين في جزيرة أوتويا وساسة حزب العمل المستقبليين.
في الوقت الذي قابلت فيه شاريدين جرو هارليم كان بريفيك يرسل عبر بريده الإلكتروني بيانه (المانيفستو) المكون من 1500 صفحة إلى أكثر من 1000 من معارفه الإيديولوجيين. وكان القتل وسيلة لإثارة الاهتمام بإعلانه. ومن خلال اقتراف أفظع عمل إجرامي من قبل رجل بمفرده استطاع الوصول إلى الشهرة العالمية لنشر أفكاره.
أطلق بريفيك على بيانه عنوان "2083- الإعلان الأوروبي للاستقلال". وزينه برسم للصليب الأحمر لفارس الهيكل وهو ضابط صليبي من القرن الثاني عشر.
ولكن لماذا تلك السنة البعيدة- لماذا 2083؟
في العام 2083 تحل الذكرى الـ400 لمعركة فيينا التي جرت أحداثها يوم 12 أيلول (سبتمبر) عام 1683.
حاصرت الإمبراطورية العثمانية التي امتدت من شواطئ الخليج العربي إلى بودابست والمغرب مدينة فيينا لمدة شهرين. ونتيجة لذلك قام التحالف البولوني الليثواني وهو أحد أقوى القوى في أوروبا آنذاك والإمبراطورية الرومانية المقدسة وملكية هبسبورغ في فيينا بحشد القوى (وتلك هي المرة الأولى لتحالف هذه القوى المتنافسة) لدحر العثمانيين.
تخيل بريفيك مدفوعًا بما تعلمه عن تلك المعركة الأسطورية طرد مماثل للمسلمين: وكتب في بيانه "بحلول 11 أيلول عام 2083 سوف تُطرد الموجة الثالثة من الجهاد وتُمزق الهيمنة الماركسية الثقافية ودعاة التعدد الثقافي بعد 400 عام من الانتصار بمعركة فيينا يوم 11 أيلول عام 1683. وسوف يحكم الوطنيون أوروبا من جديد."
وصل البابا يوحنا بولس الثاني إلى العاصمة النمساوية في أيلول عام 1983 للاحتفال بالمئوية الثالثة لمعركة فيينا في زيارة استمرت لأربعة أيام. كانت تلك الجولة بحسب النيويورك تايمز "أرفع نقطة في احتفال النمسا بالذكرى الـ300 لرفع الحصار التركي عن فيينا بفضل الجيوش الأوربية المسيحية المتحدة بقيادة الملك البولندي جون الثالث سوبيسكي". وفي يوم 12 أيلول يوم المعركة التقى يوحنا بولس الثاني مع البولنديين المحتشدين للصلاة والذين خرجوا من بلادهم الشيوعية في كالينبيرج – على التلة التي بدأ منها سوبيسكي هجومه ضد العثمانيين. ورفع نصب تذكاري رسمي "للقادة العسكريين من فيينا حملة التقاليد" في ذلك اليوم والذي احتفل بالذكرى المئوية الثالثة لانتصار فيينا على الأتراك".
وعلى مقربة منه انتصب صرح يقول حضر الملك البولندي سوبيسكي في هذه المعركة "لإنقاذ المسيحية".
ومعركة فيينا صدام عملاق للحضارات وانتصار للمسيحية وهزيمة إسلامية.
ساعدت مثل تلك الشروح على تشكيل النظرة العالمية لبريفيك والمعتقدين بالمؤامرات الأوروعربية (والذين يظنون أن أوروبا سوف تكون مسلمة مع نهاية القرن) واليمين الأوروبي المتطرف. وأصبحت المعركة جزءً مركزيًا من أيديولوجيتهم كمرحلة تاريخية يقتدون بها لأنها تبدو نمطية لمعركة "نحن- ضدهم" الأزلية. وكما يعلن شعار المدونة النافذة المعادية للإسلام "بوابات فيينا" :"بدا خلال حصار فيينا عام 1683 أن الإسلام على وشك التغلب على المسيحية في أوروبا المسيحية. ونخوض اليوم مرحلة جديدة من حرب قديمة جدًا".
إذا تفحصنا المعركة عن كثب نستطيع فهمها بطريقة مختلفة: معركة اعتمدت على التعاون بين الأعراق. ولولا مساعدة المسلمين السُّنة من التتار المعروفين باسم ليبكا تتار لما تمكن الملك جون الثالث سوبيسكي الذي حكم التحالف البولوني الليثواني المتعدد الأديان من كسب المعركة.
أطُلق اسم التتار على الشعب شبه البدوي الناطق باللغة التركية والذي عاش على السهوب الكبيرة في القارة الأورواسيوية. وبعد "سلام منغوليا" الذي دام قرنًا من الزمن من القرن الثالث عشر(والذي يسمى أيضًا سلام التتار) وانحلال الإمبراطورية المنغولية طلبت مجموعة متميزة من المسلمين التتار والهاربين من الحاكم التركي المنغولي تيمورلينك من دوق ليثوانيا الأكبر المسيحي (ليبكا وفق لغتهم) اللجوء عام 1397. رحب الدوق فيتاوتاس وهو بطل قومي في التاريخ الليثواني بهم. وضمن لهم الحرية الدينية وحتى أعفاهم من دفع الضرائب. وبالمقابل قدم الليبكا التتار لبلدهم الجديد ومن ثم بولونيا المساعدة العسكرية وضد تيمورلينك ابتداءً.
أصبح التتار الليبكا وفرقهم للخيالة الرشيقة قوة حيوية في كل معركة في التاريخ البولندي-الليثواني: في أيلول 1939 كانت الفرقة التترية الأولى من بين آخر وحدات الجيش البولوني المحاربة للجيش الألماني النازي. وكما أعلن الرئيس البولوني برونيسلو كومورسكي في غدانسك في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2010 أثناء تخصيص أول نصب بولندي للتتار:
"شرع التتار أسلحتهم دفاعًا عن أرضهم في وجه كل عدوان على بولندا.. لقد حاربوا وطردوا الروس والسويديين وحتى الأتراك بالرغم من تشاركهم بدين وحيد-الإسلام. وبدونهم ما كان ليحدث النصر المظفر في معركة فيينا ولهذا السبب تلقاهم الملك جون الثالث سوبيسكي في أحضانه".
لقد دخل التتار قلب الملك سوبيسكي قبل ثلاثة عقود من الزمن. أُرسل في عام 1650 في مهمة دبلوماسية إلى القسطنطينية، إسطنبول اليوم، حيث تعلم اللغة التترية. وعندما هاجمت السويد العاصمة البولونية في عام 1656 كان سوبيسكي مسؤولاً عن 2000 جندي من كتيبة الخيالة التتار من القرم الذين قاموا بالدفاع عن البولنديين. كانت تلك المعركة قسمًا من "الاجتياح السويدي" حيث دمر السويديون أكثر من 100 مدينة بولونية ومثلها من الكنائس فيما وصف بأسوأ اعتداء على بولونيا قبل الحرب العالمية الثانية.
وبعد أن أصبح سوبيسكي ملكًا على الكومنولث عام 1674 أعفى التتار الليبكا من كافة الضرائب ورفع مرتباتهم لتماثل رواتب القوزاق وأعاد لهم امتيازاتهم السابقة (التي فقدوها خلال الإصلاح المضاد) بما في ذلك السماح بإعادة بناء مساجدهم. تلقى التتار إقطاعات أميرية في بودلاسيا في شرق بولونيا- إضافة إلى مقاطعات بريست وكوبرين وجرونو فيما يعرف اليوم ببيلا روسيا- لضمان متابعتهم الخدمة بتميز في جيش الكومنولث البولوني-الليثواني.
وبالتالي عندما انطلق سوبيسكي لرفع حصار فيينا عام 1683(وهو يقود جيوش الإمبراطورية الرومانية المقدسة وال هبسبورغ) أحضر معه الخيالة من المسلمين التتار الذين عملوا تحت زعامة الملازم التتري من الليبكا صموئيل مورزا كريزجيوسكي. حاربوا خلال المعركة جنبًا إلى جنب مع جنود سوبيسكي الشهيرين وارتدى تتار الليبكا أعوادًا من القش في خوذاتهم لتمييزهم عن تتار القرم الذين كانوا يحاربون في صفوف العثمانيين.
أحدث تتار الليبكا دمارًا كبيرًا من خلال استخدام تكتيهم الشهير بادعاء الهزيمة قبل التحول والانقضاض على العدو. وبعد المعركة كتب سوبيسكي لزوجته ماري سينكا من مخيم سزينوا: "يتسلى زملائنا التتار بالصقور التي أحضروها معهم ويحرسون السجناء وأثبتوا ولائهم وجدارتهم".
وثبتت الجدارة والولاء ثانية بعد ثلاثة أسابيع عندما قام سوبيسكي وقواته بتتبع القوات العثمانية المندحرة. واشتبكوا معهم في معركة باراكاني بالقرب من نهر الدانوب يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1683. وفي خلال ذلك انقطع سوبيسكي عن جنوده وكاد على وشك أن يتعرض للذبح. وأنقذه الملازم كريزجيوسكي وفق ما تقول الرواية. قام سوبيسكي بعد ذلك بترقية التتري ليبكا كريزجيوسكي إلى رتبة كولونيل وشكره في طريق عودته من اجتماع البرلمان في جرودنو.
ولا يزال الناس في البلدة يشيرون إلى الأشجار الكبيرة التي التقى وتحاور تحتها الرجلان.
أنقذ جندي مسلم حياة "محرر أوروبا" ولا يوجد حاكم يحظى بتقدير المسلمين التتار مثل جون الثالث سوبيسكي. وضمن عبر أفعاله بناء عدة مساجد في المنطقة والتي لا تزال قائمة لغاية اليوم. وسوبيسكي هو الملك الأوروبي الذي ينسب إليه ضمان المثال الوحيد لوجود مجتمع مسلم متواصل في بلد أوروبي غير مسلم... وهو مجتمع تمتع عبر الأجيال بنفس الحقوق والامتيازات لغاية اليوم" كما ذكر المؤرخ بوجسلو زاجورسكي.
كان الجانب الآخر من معركة فيينا متعدد الأديان أيضًا.
تحالف العثمانيون بقيادة السلطان المسلم السُّني محمد الرابع (1642-93) مع ملك فرنسا من الكاثوليك الروم لويس الرابع عشر (1638-1715).
اتفق العثمانيون والفرنسيون على تشكيل تحالف رسمي في بداية 1530 والذي بقي وثيقًا إلى غزو نابليون لمصر بعد 250 عامًا من ذلك التاريخ. ويعتبر التحالف الفرنسي- العثماني أطول معاهدة سلام في تاريخ فرنسا.
كان لويس الرابع عشر من الكاثوليك الروم مثل حكام إمبراطورية هبسبورغ. ولكن ذلك لم يحولهم إلى حلفاء طبيعيين لأن لويس الرابع عشر طمح ليكون أقوى ملك مسيحي في أوروبا. استخدم معركة فيينا لتعزيز مكانته وعندما اطبق العثمانيون على فيينا شتت فرنسا قوات هبسبورغ من خلال إرسال الجنود إلى جبهتهم الغربية. ولذلك أطلق عليه أعدائه لقب "المسيحي الأكثر تركية".
حاول الملك لويس الرابع عشر قبل ذلك عام 1679 دون جدوى إقناع العثمانيين بدعم الثورة المجرية ضد إمبراطورية هبسبورغ في فيينا. وكانت الشخصية التي أشعلت الثورة الأرستقراطي البروتستانتي اللوثري إميريك ثوكولي (1657-1705). عارض ثوكولي القمع المعادي للإصلاح البروتستنانتي الذي قام به الهبسبورغ الكاثوليك وتلقى الدعم من الملك الفرنسي لبدء الحرب ضد فيينا في عام 1678 مستندًا إلى الثورة المجرية وانتفاضة الفلاحين الكوروج في بداية 1670.
ولتعزيز موقفه بشكل أكبر تحالف ثوكولي اللوثري مع السلطان محمد الرابع في القسطنطينية وفي تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1682 سُمي ملكًا على هنغاريا العليا (سلوفاكيا اليوم). وأصبحت دولة تابعة تحت سلطة العثمانيين – وتدفع الخراج للسلطان لتحظى بالحرية الدينية للبروتستانت الذين لم تمنحهم الدول البابوية مثل تلك الحرية.
حارب ثوكولي وجنوده في معركة فيينا مع العثمانيين إلى جانب الدول التابعة العثمانية المسيحية والاتشيا ومولدوفا- وهما ملكيتان بروتستانتيتان شرقيتان في رومانيا اليوم. وبالرغم من أن ثوكولي وأتباعه البروتستانت كانوا مع الجانب الخاسر منحه السلطان لقب كونت وعدة إقطاعات في غلطة في تركيا اليوم حيث استقر مع زوجته.
كان ثوكولي واحدًا من عدة زعماء مسيحيين الذين طلبوا المؤازرة من السلطان في القسطنطينية. والآخر هو القوزاقي بيترو دوروشينكو (1627-98) الذي ترأس الهيتمانت القوزاقية وهي دولة في وسط أوكرانيا وحارب البولنديين عام 1660 بمساعدة تتار القرم. وافق قنصل كورسون القوزاقي في آذار (مارس) عام 1669 على إقتراح دوروشينكو للتحالف مع العثمانيين من أجل التصدي للتوغلات الروسية والبولونية.
عقدت الدول البروتستانتية الجديدة في أوروبا الغربية التي تشكلت بعد الإصلاح في بواكير القرن السادس عشر الآمال العريضة على تلقي المساعدة من المسلمين العثمانيين ضد البابا والقوى الكاثوليكية في اسبانيا وفيينا.
أرسل الملك ويليام الأول في هولندا (1533-84) "أب الأرض" عام 1566 مبعوثًا إلى السلطان سليمان القانوني طالبًا منه المساعدة ضد القمع الإسباني للرعايا البروتستانتيين. وفي عام 1574 أرسل السلطان مراد الثالث (1546-95) رسالة إلى بروتستانت هولندا وإسبانيا معلنًا أن اللوثريين والكلفينيين يتشاركون مع الإسلام السُّني أكثر من الكاثوليكية: "ومن جانبكم أنتم لا تعبدون الأصنام وأبعدتم الأصنام والصور و"الأجراس" من كنائسكم وأعلنتم عن إيمانكم من خلال الإعلان أن الله جل وعلا هو واحد أحد وأن عيسى هو رسوله..".
تشرح مثل تلك الخلفية التاريخية لماذا أسرع الملك البولندي جون الثالث سوبيسكي ومسلميه التتار لإنقاذ آل هبسبورغ في فيينا. كانت الدول البرتستانتية تفضل شهود سقوط الإمبراطورية الرومانية المقدسة على يدي العثمانيين.
حاربت الهبسبورغ والبابا وتحالفت في أغلب الأوقات مع القوات العثمانية خلال حرب الثلاثين عام (1618-1648) وهي أشد الحروب الأهلية المسيحية دموية بعد الإصلاح.
لذلك لم تكن معركة فيينا معركة بين الصليب والهلال. ولم تكن صراع حضارات وانتصار حاسم للمسيحية على الإسلام. وبدلاً من ذلك كان التتار من المسلمين السُّنة قوة حيوية في مساعدة الملك البولوني الكاثوليكي من جانب- كما تحالف اللوثريون الهنغار مع السلطان المسلم السُّني على جانب آخر. وفي النهاية كانت سنة 1683 سنة أخرى من المعارك على السلطة والنفوذ بين الدول الكبرى في أوروبا.
عبرت الولاءات كافة حدود الأديان والأعراق. لم ينقذ سوبيسكي وحلفاءه "أوروبا" أو المسيحية قط بالرغم من ادعاءات الكتب والموسوعات واللوحات. وكان حاكم الكومنولث البولوني الليثواني أكبر منقذ أوروبي للحياة والثقافة الإسلامية في شمال أوروبا. كانت معركة فيينا دراما متعددة الثقافات ومثال على التحولات المعقدة والمتناقضة في التاريخ الأوروبي. ولم يتواجد قط "الجيوش الأوروبية المسيحية المتحدة".
ولم تكن لمعركة فيينا أهمية كبرى في التاريخ الأوروبي كما يرغب البعض بالاعتقاد. وبعد عام 1683 حكم العثمانيون دول البلقان لقرنين من الزمن وبقي معظم الإغريق والبلغار والرومانيين والصرب والكروات مسيحيين كما كانوا وأكثر مسيحية اليوم من النمساويين. أما بالنسبة للعثمانيين المسلمين السُّنة فلم يكن عدوهم الأساسي ما بين القرن السادس عشر والثامن عشر أية دولة أوروبية بل الإمبراطورية الصفوية الفارسية المجاورة لهم ومدرستها الجديدة في الإسلام الشيعي الإثني عشري.
يرتكز إساءة استخدام التاريخ لبريفيك ومن هم على شاكلته على الكراهية وليس على المنطق أو الحوار أو العقل. ويجب أن نسائل أنفسنا عن مصدر تلك الكراهية. وفي النهاية يستند معظم إعلان 2083 إلى مقالات على الويكيبيديا وما تعلمه الإرهابي عن التاريخ الأوروبي. انتشرت الأفكار التي كتب عنها بريفيك اليوم كثيرًا في أوروبا وأكثر بكثير مما كانت عليه قبل سبع سنوات.
وفي مثل ذلك العالم يجب أن نتأمل قصيدة الكاتب الألماني بيرتولت بريخت التي كتبها عام 1933 بعد الاضطرابات بعنوان: "حول العنف":
اندفع الجدول العجول بعنف
ولكن لا يقوى أي كان
على تثوير أرضية النهر المحتضنة له.
تكون الأفكار رائعة في معظم الأوقات وهي السبب في وجودنا هنا ولكنها قد تتحول في بعض الأحيان إلى أفكار قاتلة ولهذا السبب لم تعد شاريدين بين ظهرانينا اليوم.
24 تموز(يوليو)، 2018.
المصدر:
https://aeon.co/essays/the-battle-of-vienna-was-not-a-fight-between-cross-and-crescent
تغريد
اكتب تعليقك