مالكولم جلادويل مؤلف كتاب (الاستثنائيون)الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2016-02-15 06:44:04

ناصر بن محمد الزمل

هل العبقرية والذكاء متوفرة في أشخاص محددين بشكل عام، أم إذا توفرت ظروف الحياة المعيشية الممتازة، وكذلك البيئة المحفزة للإبداع والاطلاع، هذا ما يحده مالكوم جلادويل المفكر الكندي الشهير في كتابه (الاستثنائيون) الذي عرض فيه العوامل التي تساهم في رفع مستويات النجاح.

ظهر الكتاب أولًا في المركز الأول في قائمة أفضل المبيعات لنيويورك تايمز (The New York Times) والعالم والبريد (The Globe and Mail) مستمسكًا بأعلى الكتب الأكثر مبيعًا لأحد عشر أسبوعًا متتاليًا. تعرض الكتاب للنقد، بأنه ذو طابع شخصي.

يرى مالكوم جلادويل، أنه على الشخص الذي يريد أن يتقن مهارة معينة ويكون خبيرًا بها، عليه أن يمارس تلك المهارة لعشرة آلاف ساعة !

ويؤكد جلادويل أن مكان وتاريخ الميلاد يعدان عاملين فارقين في منظومة النجاح، كذلك ثقافتهن التي ينتمين إليها، وموروثاتهن؛ لذلك فإن معرفتنا المجردة بطبيعة وشخصيات ناجحات لا تكفي، بل يجب معرفة ظروف النشأة، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن يرجع النجاح إلى الموهبة أو الذكاء فقط، بل إلى عدة معطيات؛ كالبيئة المحيطة، والتنشئة الاجتماعية، ودور الموجهين، وعدد ساعات التدريب، وغيرها من المكونات.

في (الاستثنائيون)، يلفت نظرنا جلادويل أن قصص النجاح التي اعتدنا سماعها طوال حياتنا المليئة بالكفاح والعبقرية ليست كما تبدو لنا؛ إنجازًا فرديًّا دون تدخل البيئة والعوامل الخارجية، بل إن العاملين السابقين يوازيان الموهبة الشخصية إن لم تفوقهما، وقابل جلادويل غيتس الذي ينحدر من عائلة غنية؛ حيث قال إن القدرة المتميزة للوصول إلى الكمبيوتر في وقت لم يكن الكمبيوتر فيه منتشر ساعده على النجاح. وكذلك أن بيل غيتس توفرت لديه فرص النجاح فهو عاش في بيئة علمية ممتازة، فوالداه على قدر كبير بمعرفة الكمبيوتر. يقول غيتس: إنه «شخص عالي الذكاء وجذاب ومحترف»، لكن لن تكون قيمته 50 مليون دولار أمريكيًّا.

بصرف النظر عن الكتاب والجدل الذي أثارته الأفكار التي طرحها فيه بين مؤيد ومعارض، إلا أن الفكرة تدور عن أثر المثابرة في جعل الفرد متفردًا في تميزه وسابقًا لأقرانه بمراحل، وهذا العنصر واحد من ثلاثة عناصر كما يذكرها الكاتب، وهي الوراثة، والفرصة، والمثابرة. وبذلك هو يحاول حل شيفرة النجاح من خلال تحليل مكوناته، التي تتمازج في خليط عبقري أو خلطة سرية، كما يحلو للبعض أن يصفها.

والملفت أن هذه القاعدة «تواتر» ذكرها على لسان عدد من كبار المدربين العالميين في التنمية البشرية، من أمثال براين تريسي، واستيفن كوفي، فما قصة الـ10000 ساعة؟

تقول القاعدة: إن كل الأسماء التي لمعت وتميزت بشكل ملفت في مجالها من الرياضيين ورجال الأعمال والتقنيين والفنانين والكتاب وغيرهم، لم يصلوا لتلك المستويات إلا بعد أن أمضوا نحو 10 آلاف ساعة يتعلمون ويمارسون المهارة لساعات ثابتة يوميًّا، وبشكل متواصل حتى تجاوزوا الوقت المشار إليه، وتجاوزوا خلالها كل الأعذار والتبريرات التي عادة ما يتكئ عليها العاديون من البشر حتى يبرروا فشلهم في تحقيق أهدافهم، إن كان لديهم أهداف في الأصل، يؤجل طلب العلم لحين توفر الوقت المناسب.

 ويؤكد جلادويل لقارئيه على أهمية موضوعه باستمرار: أن العبقرية ليست الشيء الوحيد أو الشيء الأهم الذي يحدد نجاح المرء. باستعمال حكايته ليبرر موقفه، فهو يناقش قصة كريستوفر لانغان - وصف بأنه «أذكى رجل في أمريكا»، وكذلك «أذكى رجل في العالم» من قبل وسائل الإعلام -، وهو رجل انتهى به المطاف يعمل في مزرعة أحصنة في منطقة ريفية في ميسسوري برغم أن معدل ذكاءه يعادل (195)، ويدعي جلادويل أن معدل ذكاء أينشتاين هو (150).

وينوه جلادويل على أن لانغان لم يصل إلى مستوى عالٍ من النجاح بسبب البيئة التي ترعرع فيها. دون أي شخص في حياة لانغان ودون أي شيء من خلفيته، لتساعده على أخذ الميزة من الهدايا الاستثنائية، وجب عليه أن يجد النجاح بنفسه. يقول جلادويل في كتابه «لا أحد- ليس المحترفون الرياضيون ولا المبرمجون الأغنياء، ولا حتى العباقرة- قد يستطيعون أبدًا أن يفعلوها لوحدهم».

ويقارن جلادويل بين لانغان وأوبنهايمر، والد القنبلة الذرية. منوهًا أن كليهما يمتلك القدرات الخارقة اللازمة، ليصلوا إلى النجاح في الحياة، ويناقش جلادويل أن نمو أوبنهايمر صنع فارقًا كبيرًا في حياته. أوبنهايمر كبر في أحد الأحياء الثرية في مانهاتن، وهو ابن أحد رجال الأعمال الناجح، وقد ارتاد مدرسة فيلدستون للثقافة الأخلاقية (Ethical Culture Fieldston School) في غرب سنترال براك، وقد تلقى طفولة مركزة من التهذيب.

(الاستثنائيون) يناقش أن الفرص أعطت أوبنهايمر الفرصة ليطور الذكاء العملي اللازم للنجاح. ويسوق لنا جلادويل قصة: لما كان أوبنهايمر طالبًا في جامعة كامبردج، كانت له محاولة فاشلة في تسميم معلمه، وعندما كان على وشك الطرد من الجامعة، استطاع أن يوقف قرار الإدارة، ليكمل دراسته في الجامعة باستعمال مهارات حصل عليها في تربيته التهذيبية.

قبل خاتمة الكتاب، جلادويل يكتب عن الأصل الفريد لأمه الجاميكية- جويس- سليلة العبيد الأفريقيين. جويس ارتادت كلية جامعية في لندن، حيث قابلت ووقعت في حب غراهام جلادويل، عالم رياضيات شاب. بعد الانتقال إلى كندا أصبح غراهام بروفيسورًا في الرياضيات وجويس أصبحت كاتبة. مع أن جلادويل يعترف بطموح وذكاء أمه، لكنه يذكر الفرص التي توفرت لوالديه التي ساعدتهم للحصول على حياة أفضل من الكثير من سلالة الهنود الحمر. ضربة الحظ هذه أدت إلى حصول جلادويل على منصب ناجح.

وينوه جلادويل على أن النجاح «ليس فريدًا من نوعه ولا هو غامض. بل هو قاعدة شبكة من الفرص والإرث، بعضهم استحقوها وبعضهم لا، بعضهم كسبوها وبعضهم كانوا محظوظين»، وفي نهاية الكتاب يكتب (الاستثنائيون) لم يكن سيرة ذاتية. لكن يمكنكم أن قرأته كعذر لنجاحي».

مالكولم جلادويل، مؤلف (الاستثنائيون)، كان صحفيًّا لنشرة واشنطن (The Washington Post) قبل الكتابة للنيويورك (The New Yorker). وعادة ما تتسم موضوع مقالاته – غير خيالية-، قربه من المواد الأكاديمية مكنته من الكتابة عن التجارب النفسية، والدراسات الاجتماعية.


عدد القراء: 10352

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

التعليقات 1

  • بواسطة عوض ادم من السودان
    بتاريخ 2018-02-21 13:10:13

    لقد قرأت كتابه وأعجبني طريقة تفكيره. أتمنى أن يكون خير معين للأمة.

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-