الكتابة بلغة الآخرالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2017-11-06 22:05:54

ناصر بن محمد الزمل

حققت بعض الأعمال الأدبية شهرة واسعة بكتابتها بلغة الآخر، مما حقق الكاتب بدوره شهرة واسعة بغير لغته الأم. مما عُدّ هذا النوع من الكتابة تحديًا كبيرًا لهم.

ولعل من أبرز العوامل التي تساعد الكاتب على إتقانه للكتابة بلغة الآخر، الإصغاء إليها أكثر من التحدث بها، وقراءة أدبها بشكل مكثف كي يستقر في العقل الباطن.

وهناك عدد من الأسماء التي كتبت بلغة الآخر مثل جوزف كونراد البولندي الأصل الذي كتب باللغة الإنجليزية وفلاديمير نابوكوف الروسي الأصل الذي كتب باللغتين الروسية والإنجليزية والذي لم يبدأ في الكتابة باللغة الإنجليزية إلا في مرحلة متأخرة نسبيًا من حياته، حيث كتب تسع روايات باللغة الروسية وعندما هاجر إلى أمريكا كتب بالإنجليزية روايته الشهيرة "لوليتا". وهنالك أيضًا صمويل بيكيت، الكاتب الإيرلندي الذي فضل الكتابة باللغة الفرنسية بعد طول مراس في الكتابة بلغته الأم، الإنجليزية.

ومن أدباء المهجر هناك الأديب جبران خليل جبران الذي يُعد أيقونة في عالم الأدب العالمي شرقًا وغربًا والذي يحتل كشاعر المرتبة الثالثة في أعلى المبيعات بعد الشاعرين الإنجليزي وليم شكسبير والفيلسوف الكاتب الصيني لاوتزه من القرن السادس قبل الميلاد.

نشر جبران الذي هاجر مع عائلته إلى أمريكا عام 1895 وكان عمره 12 سنة، أول عمل له كتبه باللغة الإنجليزية عام 1819 وهو بعنوان "المجنون" والذي تضمن قصصًا قصيرة رمزية تتمحور حول إشكالية الذات مع نفسها وعلاقتها بالآخرين. وليحقق شهرته العالمية من خلال كتابه الفلسفي "النبي" الذي نشر عام 1923.

من الكتّاب المعاصرين الذين كتبوا بلغة الآخر نجد ميلان كونديرا الذي انتقل من الكتابة باللغة التشيكية إلى اللغة الفرنسية بعد رحيله إلى فرنسا واستقراره فيها. وهناك أيضًا الشاعر الروسي الأمريكي جوزف برودسكي الذي كتب الشعر باللغتين الروسية والإنجليزية. ومن الأسماء الأقرب لنا ولثقافتنا نذكر الشاعر والروائي سليم بركات الكردي الذي قال عنه محمود درويش أنه أفضل من كتب باللغة العربية خلال العشرين عامًا الماضية. وهنالك أيضًا أمين معلوف، الروائي اللبناني، الذي فضل أن يكتب الرواية باللغة الفرنسية رغم تمكنه التام من اللغة العربية، وآسيا جبّار، والروائي المغربي الطاهر بن جلون، حين  يقول في تصريح صحفي: "إن الهجرة عند الإنسان المسلم لها معنى مقدّس، وقد يعود ذلك إلى هجرة الرسول محمد من مكة إلى المدينة بحثًا عن الأنصار بعد أن قاومه أهله رافضين دعوته".

ويضيف: "يهتمّ الأدب بالجراح قبل أن يهتمّ بالسعادة، وأعتقد أن تاريخ الهجرة موضوع يفرض نفسه على كاتب مثلي، قادم من بلاد يعيش الكثيرون من أهلها في الهجرة، وبعد أن اختلطت بالبعض من المهاجرين في بداية هجرتي إلى فرنسا، وكان ذلك مطلع السبعينيات من القرن الماضي، أعطيتُ دروسًا في محو الأميّة لعمّال مغاربة".

ويقول جاك دريدا في كتابه "أحادية الآخر اللغوية": "أنا لا أملك إلا لغة واحدة، مع ذلك فهي ليست لغتي"، ويعلن أنه أحادي اللغة قائلاً: "أحاديتي هذه كانت وستبقى بيتي، هكذا أحسبها، وهكذا أسكنها وتسكنني، وهكذا ستبقى"، ويضيف: "إن الأحادية التي أتنفّسها هنا هي بمثابة العنصر الحاسم في حياتي".

ويعتقد الكوبي إدواردو ماني أنه منفيّ على الدوام، ففي البداية غادر بلاده بسبب نظام باتيستا، ثم عاد ليغادر ثانية بسبب نظام فيدال كاسترو.

يقول ماني: "في الخمسينيات من القرن الماضي، أتيحت لي فرصة لقاء صاموئيل بيكيت في باريس، وذات يوم قلت له إني قرّرت عدم العودة إلى كوبا بصفة نهائيّة، وكنت أفكر في الكتابة بلغة أخرى غير اللغة الأم، وكان إحساسي حينذاك بأنني إن فعلت ذلك، فإنني سأقترف ذنبًا لا يغتفر. وأذكر أن بيكت فكّر طويلا، ثم أجابني قائلاً: "أنا شرعت أكتب بالفرنسيّة ذلك أن لغة جيمس جويس باتت حملاً ثقيلاً يصعب عليّ حمله".

وتبقى الكتابة بلغة الآخر هي نتيجة حتمية لا إرادية لكثرة المبدعين الذين أخرجوا من ديارهم نفيًا أو طواعية أو هناك من أراد الكتابة بلغة الآخر لتغيير صورة بلاده في ذهنية القارئ الغربي كما حدث للسيدة سالمة بنت سعيد؛ المرأة الني كتبت مذكراتها باللغة الألمانية محكومة بظروف عدة أملت عليها الكتابة بلغة الآخر. اللافت إنها حرصت في مذكراتها على إيضاح عدد من المتناقضات والمفاهيم الشائعة عن الشرق مدة وجودها في ألمانيا.

لكن لو طرحنا سؤالاً ما هي مشاعر الكاتب وهو يكتب بلغة أخرى غير لغته الأم؟ هل كان يكتب من قلبه أم من عقله؟ حسب تعبير الروائية التركية أليف شافاك التي تكتب باللغة الإنجليزية حين قالت إنها "تكتب بقلبها عندما تكتب بالتركية، وبعقلها عندما تكتب بالإنجليزية".

من ضمن الأسباب والدوافع للكتابة بلغة الآخر تختلف بين كاتب وآخر، فمنهم من حمل الهمّ القوميّ والوطنيّ وسعى لخدمة قضيّة شعبه، ومنهم من اختار لغة الآخر لأنّها اللغة الوحيدة التي يتقنها ويستطيع التّعبير بها عن نفسه، ومنهم من أراد أن يجرب ويخوض تجربة الكتابة بلغة عالميّة تتخطّى بها الحدود، ومنهم من وجد فيها آفاقًا واسعة لحريّة التّعبير التي لم يجدها في وطنه، ومنهم من أراد فضح بلاده عند الآخر وبلغته، ومنهم من تودد للغرب حتى يكون جميلاً بأعينهم. ومنهم من لديه طموحات وأفكار أخرى.

ولا يبالغ المفكر المغربي عبدالفتاح كليطو حين يقول "أن تترجم هو أن يعترف بك الجميع" وقد نضيف إلى مقولته جملة أخرى، أن تكتب بلغة عالمية هو أن تحوز اعترافًا من العالم.

 

https://twitter.com/nalzumal


عدد القراء: 7365

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-