ثورة الأفكار العظيمةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2016-11-25 01:47:39

ناصر بن محمد الزمل

"الأفكار العظيمة غالبًا ما تلقى معارضة شديدة من أصحاب العقول العادية"

ألبرت أينشتاين

 

هل كان يعلم العالم البريطاني تيم بيرنرزلي مبتكر الويب ماذا سيفعل ابتكاره بالبشرية؟ حينما غير هذا الابتكار الحياة البشرية، مما جعل التواصل أمرًا في غاية السهولة، وبعده جاء ستيف جوبز الذي غير مفهوم الاتصال إلى تواصل بين البشرية؛ حيث بدأت معه وسائل التواصل الاجتماعي الذي أحدث ثورة رقمية غير من عادات الناس. وقبله أكثر بمئة عام حينما طور الأخوين رايت اخترع الطائرة، وقبل الأخوين رايت حينما اخترع العالم الانجليزي هاينرش غوبيل المصباح الكهربائي وقام أديسون بتصنيعه تجاريًّا الذي أضاء العتمة وأطلق التفكير.

لكن لو تساءلنا: ما الفرق بين فكرة جيدة وفكرة عظيمة؟ الأفكار الجيدة تأتي جنبًا إلى جنب في كل وقت، وتساعد الناس على حل المشاكلات البسيطة في العمل والحياة اليومية. لكن الأفكار العظيمة تظهر بأقل كثيرًا وتتطلب المزيد من العمل القليل لتنفيذه.

الأفكار العظيمة ليست بالضرورة نتيجة مؤسسات الفكر والرأي الذين يتقاضون أجورًا مرتفعة، لكنها في كثير من الأحيان تأتي في لحظات غير متوقعة إلهام تساعد على الإبداع.

في مناطق ثلاث متباعدة نسبيًّا في العالم تتحدد ببقعة من شرق آسيا وفي المنطقة المسماة بالهلال الخصيب أو بلاد ما بين النهرين وفي وادي النيل توصّل البشر إلى عدة اختراعات خلال حقبة زمنية قصيرة جدًّا.

إن الكتابة والحساب والتنظيم الاجتماعي والسياسي وتأسيس المدن وما شهدته من نشاط تجاري كبير، كانت كلها اختراعات حاسمة ولّدت الثقافات الإنسانية النشيطة.

إن ما نعرفه الآن بشكل واضح هو أن الأفكار الإبداعية لا تراودنا تلقائيًّا من لحظة لأخرى، على الرغم من أن هذا ما يبدو لنا. إن عقولنا تبني هذه الأفكار من سلسلة من العلاقات والصلات، أحيانًا يستغرق تكوينها مدة كبيرة من الزمن. عندما نتفحص العملية الإبداعية بتفصيل أكثر، سنكتشف أن التفكير الإبداعي عادة ما يبنى على لمحات مضيئة -أو سلسلة من اللمحات- من موقف أو مشكلة تلهم العقل لإحداث قفزة أو عدة قفزات غير متوقعة. وينتج عن هذا تشكيل جديد تمامًا من الأفكار الموجودة مسبقًا. هذه التوليفة الطازجة من الأفكار التي تتفاعل فيها عدة مفاهيم -غير متصلة ببعضها- لتكون فكرة كبيرة أو حلًا إبداعيًّا. وهذه هي اللحظة المشهور بلحظة "وجدتها" عندما يبدو كأنما أضاء مصباح ما في رؤوسنا.

وقد اتفق المفكرون والعلماء بأن الأفكار لها تأثير قوي في تغيير حياة البشرية نحو الأفضل، وكل ما نراه اليوم في حياتنا من أشياء مميزة لم تكن سوى فكرة في عقول أصحابها. ومن الأمثلة في القرن العشرين على قوة الأفكار في تغيير حياتنا بصورة أجمل، نجد العالم الإنجليزي آلان تورينج الذي ولد تقريبا منذ 100 عام، ساهمت أفكاره في الرياضيات التي قدمها في كسر الشفرة السرية التي استعملتها قوات البحرية الألمانية في الحرب العالمية الثانية، كذلك ساهمت أبحاثه وأفكاره في تطوير الحواسيب.

ومن الأمثلة كذلك عالم الرياضيات الهنغاري بول إيردوش، الذي تأثر في بداية حياته من صعوبة ظروفه إلا من ثراء الأفكار التي كان يحملها في دماغه، و تضامن بعض أصدقائه، ما جعل منه أحد علماء الرياضيات الأكثر تأثيرًا في القرن العشرين. كما نجد عالم الفيزياء الهنغاري ليو سيلار - الذي كان أول من اقترح فكرة استعمال الطاقة النووية في الحرب سنة 1933.

هنا تتضح لنا قوة تأثير الأفكار العظيمة على عالمنا، جميع المؤسسات البحثية عبر العالم يتم قياس مدى تأثيرها عبر الأفكار الجديدة التي تقدمها على شكل أوراق بحثية. ولكن كيف نشأت تلك الأفكار العظيمة؟

ونرى اليوم العديد من المخترعين الذين أطلقوا أفكارهم التي بدت  صغيرة آنذاك إلا أنها اليوم من الأفكار العظيمة والكبيرة أيضًا لكنها بدأت محاولة ومغامرة.

 وهكذا هي الأفكار العظيمة تبدأ بفكرة وقد تنتهي بنسق حياة، السيارة الطائرة، الكهرباء، التكييف، علاج الأمراض المستعصية، وكل الابتكارات التي أصبحت تسير الحياة، وتنظم مجرياتها، وآخرها البرامج الإلكترونية التي صارت أساسية نتعاطاها كما نتعاطى الماء بين دقيقة وأخرى.

 ولا تخلو الفنون التي تعد من الأفكار الإبداعية التي عرفها المتذوق ففي أوروبا نجد لوحات جوهانز فيرمير ووليام تورنر وكلود مونيه وفانسان فان غوغ ورسومات ليوناردو دوفنشي وتماثيل مايكل انجلو.

 ومن "الأفكار العظيمة" كان البحث عن طريقة بسيطة لتوزيع النصوص المكتوبة باليد على أكبر عدد ممكن من البشر وراء ولوج المسالك المعرفية التي أدت إلى اختراع المطبعة.

هكذا كان عمل "غوتنبرغ" هو المحطة الكبرى التي توّجت أفكارًا كانت تجول في ذهن الكثير من المغمورين الذين لا يسمع بهم أحد اليوم. وبالتأكيد في هذا السياق أن المخترعين الكبار هم ثمرة "جهد جماعي".

ومن الأفكار العظيمة التي أدت إلى انقلاب ثوري في حياة البشرية التسلسل المعرفي والبحث حول اكتشافات ومخترعات متنوعة مثل اختراع الكهرباء وسبل التواصل والمواصلات الجديدة وأسرار "الغرفة المظلمة" وتقنيات التصوير.

الأفكار العظيمة تأتي من أي مكان وليست بالضرورة محتكرة على بلد ما أو شعب ما، ما حدث للعالم الفيزيائي الهندي سوبرا هامانيانر شاندر اسيخار.

في عام 1935، عندما تحدى هذا العالم الهندي، وهو يبلغ من العمر 26 عامًا، الفكر التقليدي السائد باقتراح نظرية ثورية تنطوي على إحداث تغيير جوهري تثبت وجود ثقوب سوداء. فقد طرح فكرته أمام الجمعية الفلكية الملكية في المملكة المتحدة، التي وجد أعضاؤها صعوبة بالغة في الإيمان بالدليل الذي قدمه.

هل كان ذلك لأنه صغير السن؟ هل لأنه من الهند؟ هل لأنه كان يتحدى الأعراف الراسخة؟ أم لأن البعض، لأسباب تتعلق به، لم يتمكن من الإقرار بأن الأفكار الجيدة يمكن أن تأتي من مصادر غير متوقعة؟ ولم يتم الاعتراف بإسهاماته فيما يتعلق بأهمية العمليات الفيزيائية في بنية وتحور النجوم سوى عام 1983 (E)، حيث حصل في ذلك العام على جائزة نوبل في الفيزياء.

يقول عالم الرياضيات هنري بوانكري  عن كيفية إلهامه ونشأة فكرة مبرهنة عظيمة في دماغه كنت مشمئزًا من إخفاقاتي المتوالية، لذلك قررت أن أنسى كل شيء وأقوم بقضاء بعض الأيام في شاطئ البحر، وأن أفكر في أشياء غير أبحاثي.. وفي يوم ما و أنا أقوم بالتنزه في جرف أتتني الفكرة بطابع من البساطة الفهم والدقة المتناهية.


عدد القراء: 6912

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-