غازي القصيبي «صانع» السجالات الأدبية والفكريةالباب: وجوه

نشر بتاريخ: 2023-09-29 14:07:36

ناصر بن محمد الزمل

يشكل الدكتور غازي القصيبي Ghazi Al Gosaibi علامة فارقة في جبين المجتمع العربي والسعودي المعاصر تحديدًا لما يمثله من ظاهرة نادرة تعدت الأدب والشعر والكتابة إلى تقلد المناصب الأكاديمية والوزارية والحقائب الدبلوماسية كأول شخصية عربية تجمع بين خبايا العمل السياسي الوطني والفلسفة الشعرية المتخمة بالعذوبة والجمال والفكر المخضب بالرؤية الواقعية للأحداث وتلاحق الأزمات، وكذلك «صانع» سجالات في السياسة والأدب والشعر والفكر...

ذكره معلمه والأديب الراحل عبد الله بن محمد الطائي ضمن الشعراء المجددين في كتابه (دراسات عن الخليج العربي) قائلاً:

«أخط اسم غازي القصيبي، وأشعر أن قلبي يقول ها أنت أمام مدخل مدينة المجددين، وأطلقت عليه عندما أصدر ديوانه أشعار من جزائر اللؤلؤ الدم الجديد، وكان فعلاً دماً جديداً سمعناه يهتف بالشعر في الستينيات، ولم يقف، بل سار مصعداً، يجدد في أسلوب شعره، وألفاظه ومواضيعه».

الحياة المبكرة

في بيئة حزينة كانت ولادته، التي وافقت اليوم الثاني من شهر مارس عام 1940 في الأحساء وينحدر من إحدى أقدم وأغنى العائلات التجارية في المملكة العربية السعودية والبحرين، ذلك الجو الكئيب كانت له مسبباته، فبعد تسعة أشهر من ولادة (غازي) توفيت والدته، وقبل ولادته بقليل كان جده لوالدته قد توفي أيضاً، وإلى جانب هذا كله كان بلا أقران أو أطفال بعمره يؤنسونه. في ذلك الجو، يقول غازي، «ترعرعت متأرجحاً بين قطبين أولهما أبي وكان يتسم بالشدة والصرامة (كان الخروج إلى الشارع محرّماً على سبيل المثال)، وثانيهما جدتي لأمي، وكانت تتصف بالحنان المفرط والشفقة المتناهية على (الصغير اليتيم)». ولكن، لم يكن لوجود هذين المعسكرين، في حياة غازي الطفل، تأثير سلبي كما قد يُتوقع، بل خرج من ذلك المأزق بمبدأ إداري يجزم بأن «السلطة بلا حزم، تؤدي إلى تسيب خطر، وأن الحزم، بلا رحمة، يؤدي إلى طغيان أشد خطورة»، هذا المبدأ، الذي عايشه غازي الطفل، طبقه غازي المدير وغازي الوزير وغازي السفير أيضاً، فكان على ما يبدو، سبباً في نجاحاته المتواصلة في المجال الإداري. إلا أننا لا ندري بالضبط، ماذا كان أثر تلك النشأة لدى غازي الأديب.

على أي حال، لم يستمر جو الكآبة ذاك، ولم تستبد به العزلة طويلاً، بل ساعدته المدرسة على أن يتحرر من تلك الصبغة التي نشأ بها، ليجد نفسه مع الدراسة، بين أصدقاء متعددون ووسط صحبة جميلة. وفي المنامة كانت بداية مشواره الدراسي، حتى أنهى الثانوية.

تعليمه الجامعي

حزم حقائبه نحو مصر، وإلى القاهرة بالتحديد، وفي جامعتها انتظم في كلية الحقوق، وبعد أن أنهى فترة الدراسة هناك، والتي يصفها بأنها «غنية بلا حدود» - ويبدو أنها كذلك بالفعل إذ (يُقال) أن رواية «شقة الحرية» التي كتبها، والتي كانت هي الأخرى غنية بلا حدود، تحكي التجربة الواقعية لغازي أثناء دراسته في القاهرة.

بعد ذلك، عاد إلى السعودية يحمل معه شهادة البكالوريوس في القانون، وكان في تخطيطه أن يواصل دراسته في الخارج، وأصرّ على ذلك رغم العروض الوظيفية الحكومية التي وصلته، وكان أهمّها عرضاً يكون بموجبه مديراً عاماً للإدارة القانونية في وزارة البترول والثروة المعدنية والتي كان يحمل حقيبتها آنذاك عبد الله الطريقي، إلا أنه رفضه مقدماً طموح مواصلة الدراسة على ما سواه. وكان أباه حينها قد عرض عليه الدخول في التجارة، معه ومع إخوته، إلا أنه اعتذر من أبيه عن ذلك أيضاً، فما كان من الأب «شديد الاحترام لاستقلال أولاده» كما يصفه ابنه، إلا أن يقدّر هذه الرغبة، بل ويساعده عبر وساطاته بتدبير أمر ابتعاثه الحكومي إلى الخارج، وهذا ما تم.

وفي 1962، ونحو لوس أنجلوس في الولايات المتحدة الأمريكية، كانت الوجهة هذه المرة، وفي جامعة جنوب كاليفورنيا العريقة، قضى ثلاث سنوات تتوّجت بحصوله على درجة الماجستير في العلاقات الدولية.

وفي أمريكا وأثناء دراسة الماجستير، جرّب غازي منصباً إدارياً للمرة الأولى، وذلك بعد فوزه «بأغلبية ساحقة» في انتخابات جمعية الطلاب العرب في الجامعة، وبعد رئاسته لها بأشهر أصبحت الجمعية ذات نشاط خلاق، بعد أن كانت الفرقة سمتها نظراً للوضع الذي كان يعيشه العالم العربي آنذاك والذي يؤثر بالطبع على أحوال الطلاب العرب.

«العودة إلى الوطن، والعمل استاذاً جامعياً ثم إكمال الدراسة والحصول على الدكتوراه بعد فترة عملية»، كان قرار غازي من بين خيارات عدة، فعاد إلى الرياض عام 1964، وإلى جامعتها (جامعة الملك سعود حالياً) تقدّم آملاً بالتدريس الجامعي في كلية التجارة (إدارة الأعمال حالياً)، ولكن السنة الدراسية كانت قد بدأت قبل وصوله، ما جعل أمله يتأجل قليلاً حتى السنة التالية، وفي تلك الأثناء، قضى غازي ساعات عمله اليومية في مكتبة الكلية (بلا عمل رسمي)، وقبيل فترة الامتحانات الجامعية جاء الفرج، حاملاً معه مكتباً متواضعاً ومهمة عملية، لم تكن سوى لصق صور الطلاب على استمارات الامتحان! وقام حامل الماجستير في العلاقات الدولية بتلك المهمة عن طيب خاطر.

وقبل بدء السنة التالية، طلب منه عميد الكلية أن يجهّز نفسه لتدريس مادتي مبادئ القانون ومبادئ الإدارة العامة، إلا أنه وقبيل بدء الدراسة فوجئ الأستاذ الجامعي الجديد بأنه عضو في لجنة السلام السعودية - اليمنية، التي نصت عليها اتفاقية جدة لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن، وكان أن رشح اسمه كمستشار قانوني في الجانب السعودي من اللجنة، دون علمه، ليأتي أمر الملك فيصل باعتماد أسماء أعضاء اللجنة، فلم يكن هناك بدّ من الانصياع لهكذا عضوية. ومع أوائل العام 1966 كانت مهمة اللجنة قد انتهت ليعود المستشار القانوني السياسي إلى أروقة الجامعة، وكلف حينها بتدريس سبع مواد مختلفة. وفي 1967 غادر نحو لندن، ليحضّر الدكتوراه هناك، وكتب رسالته حول حرب اليمن، ثم عاد إلى الرياض في 1971، ولكنه قد أصبح (الدكتور) غازي، ليبدأ مشواره العملي، ويصل إلى مجلس الوزراء بعد أربع سنوات في التشكيل الوزاري الذي صدر عام 1975.

حياته الأكاديمية

مع بداية العام 1971 عاد الدكتور غازي القصيبي للعمل في الجامعة بعد أن حصل على درجة الدكتوراه من لندن في المملكة المتحدة، وأدار بعد عودته بقليل مكتبا للاستشارات القانونية كان يعود لأحد أصدقاءه، ومن خلال هذه التجربة التي يعترف الدكتور غازي بأنه لم يوفق فيها تجاريا، يبدو أنه وفق بشأن آخر، وهو التعرف على طبيعة المجتمع السعودي بشكلٍ أقرب من خلال تعامله مع زبائن المكتب.

في تلك الفترة أيضا كانت الفرصة قد سنحت للكتابة بشكل نصف شهري في جريدة الرياض، مع إعداد برنامج تلفزيوني أسبوعي يتابع المستجدات في العلاقات الدولية، وكان لظهوره الإعلامي دور في ترسيخ هذا الاسم في ذاكرة العامة. وفي تلك الأثناء كذلك شارك القصيبي مع مجموعة لجان حكومية كانت بحاجة لمستشارين قانونيين ومفاوضين مؤهلين، من ضمنها لجان في وزارة الدفاع والطيران ولجان في وزارة المالية والاقتصاد الوطني وغيرها.

في تلك الحقبة من بداية المشوار العملي الحقيقي، كان لابد وأن يكون لبزوغ هذا الاسم ثمن، وكان كذلك بالفعل إذ انطلقت أقاويل حول «عاشق الأضواء» و«عاشق الظهور»، ويعلق الدكتور غازي على ذلك بالقول: «تعلمت في تلك الأيام ولم أنس قط، أنه إذا كان ثمن الفشل باهضاً، فللنجاح بدوره ثمنه المرتفع... أعزو السبب - لظهور هذه الأقاويل- إلى نزعة فطرية في نفوس البشر، تنفر من الإنسان المختلف، الإنسان الذي لا يتصرف كما يتصرفون».

وبعد أقل من عام، كان على الأستاذ الجامعي أن يتحول عميداً لكلية التجارة وهو المنصب الذي رفضه إلا بشرط هو ألا يستمر في المنصب أكثر من عامين غير قابلة للتجديد، فكانت الموافقة على شرطه هذا إلى جانب شروط أخرى رحب بها مدير الجامعة. وبدأت تنمو الإصلاحات في الكلية ونظامها وسياستها بشكلٍ مستمر وبنشاط لا يتوقف. حتى عاد أستاذاً جامعياً بعد عامين.

حياته السياسية

وفي 1973، كان القرار الهام، الانتقال من الحياة الأكاديمية إلى الخدمة العامة، في المؤسسة العامة للسكة الحديدية، وكان سبق أن عرض عليه الأمير نايف وزير الداخلية أن يعمل مديراً عاماً للجوازات والجنسية، ولكنه رفض، أما إدارة مؤسسة السكة الحديدية «فأثارت شهية الإداري الذي ولد داخل الأكاديمي»، على حد وصف الدكتور غازي.

و قبل أن يتضح له أنه بدأ شيئاً فشيئاً يتحول إلى «وزير تحت التمرين»، كان قد التقى مرات عدة مع الأمير فهد (آنذاك)، حتى أنه شرح له في إحدى المرات فلسفة المملكة التنموية، وكأن ذاك درس للطالب النجيب لينتقل نحو مجلس الوزراء، وهذا ما حدث بالفعل في عام 1975، ضمن التشكيل الوزاري الجديد، إذ عُيّن وزيراً لوزارة الصناعة والكهرباء، ويذكر المواطن من ذلك الجيل أن الكهرباء حينها دخلت كل منزل أو على الأقل غالبية المنازل في السعودية وخلال فترة وجيزة، كذلك كان من أهم إنجازات تلك الفترة نشوء شركة «سابك» عملاق البتروكيماويات السعودي. وكانت قد ظهرت آنذاك العلامة المميزة لـ غازي القصيبي: الزيارات المفاجئة.

يعترف غازي الوزير، أنه لم يكن بوسعه تحقيق ما حققه لولا «الحظوة» التي نالها لدى القيادة السياسية للبلد، وهذه الحظوة لم تكن بالطبع لتأتي من فراغ، وتوطدت أكثر مع الأمير فهد، ولي العهد. وفي يوم من أواخر العام 1981، كان الأمير فهد قد قرر تعيين غازي وزيراً للصحة، وهو ما تم بعد تولي الملك فهد مقاليد الحكم عام 1982، ويقول الوزير الجديد، حينها، في هذا الشأن: «كانت ثقة الملك المطلقة، التي عبر عنها شخصياً وفي أكثر من وسيلة ومناسبة، هي سلاحي الأول والأخير في معارك وزارة الصحة»، وفي تلك الوزارة كانت التغيرات حثيثة ومتلاحقة، نحو الأفضل بالطبع، ظهر غازي في تلك التغيرات كإنسان أكثر من كونه وزير أو إداري، وربما كان لطبيعة العمل الإنساني في وزارة الصحة دور كبير في هذا.

كان من الأمثلة على ذلك، إنشاء جمعية أصدقاء المرضى، إنشاء برنامج يقوم على إهداء والدي كل طفل يولد في مستشفيات الوزارة، صورة لوليدهم بعد ولادته مباشرة، مع قاموس للأسماء العربية! هذا فضلاً عن تعزيز عملية التبرع بالدم وبث ثقافتها وتحفيز المواطنين نحوها، كذلك ظهرت لمسات روحانية كتعليق آيات من القرآن داخل المستشفيات وتوزيع المصاحف على المرضى المنومين.

ولكن الأكيد، أنه ومع كل تلك النجاحات التي ما زالت آثار نتائجها باقية حتى اليوم، لم تكن النهاية سعيدة! إذ صدر أمر ملكي بإعفاء الوزير القصيبي من وزارة الصحة، وكان ذلك في أواسط عام 1984، يقول غازي عن الإعفاء أنه كان «دراما إنسانية معقدة»، وكانت قصيدة (سيف الدولة الحمداني) قد دقت الوتد الأخير (أو هي كل الأوتاد) في العلاقة الودية بين الوزير ورئيسه في مجلس الوزراء الملك فهد.

وبعد شهر واحد فقط، صدر تعيينه سفيراً للملكة في دولة البحرين، بناءً على رغبته، وبقي كذلك لثماني سنوات، حتى صدر قرار تعيينه - بعد استشارته- سفيراً للمملكة في بريطانيا، وظل هناك طوال إحدى عشرة سنة، ليعود من السلك الدبلوماسي نحو الوزارة، وزيراً للمياه ثم المياه والكهرباء بعد أن دمجتا في وزارة واحدة، لينتقل مؤخراً نحو وزارة العمل، التي ما زالت ترضخ للمُصلح، وإن لم يتبق إلا قليل من درب الخروج من الأزمة.

الحياة الأدبية

كان لغازي ميول أدبية جادة، ترجمها عبر دواوين أشعار كثيرة، وروايات أكثر، وربما يعدّ بسببها أحد أشهر الأدباء في السعودية، ويظل رمزاً أو نموذجاً جيداً لدى الشباب منهم، وكالعادة، فالمبدعين لابد وأن تحاصرهم نظرات الشك، وتلقى إليهم تهم لها أول لكنها بلا آخر، لا سيما وأن متذوقي الأدب قلة، ومحبي حديث الوعاظ المتحمّسين غالبية، وابتدأت تلك المشاحنات من جانب الوعاظ مع إصداره لديوانه الشعري الثالث «معركة بلا راية» عام 1970، إذ ساروا في وفود وعلى مدى أسابيع عدة، نحو الملك فيصل لمطالبته بمنع الديوان من التداول، وتأديب الشاعر، فأحال الملك فيصل، الديوان، لمستشاريه ليطلعوا عليه ويأتوه بالنتيجة، فكان أن رأى المستشارون أنه ديوان شعر عادي لا يختلف عن أي ديوان شعر عربي آخر، إلا أن الضجة لم تتوقف حول الديوان واستمرت الوفود بالتقادم للملك فيصل، فما كان منه سوى أن شكل لجنة ضمت وزير العدل ووزير المعارف ووزير الحج والأوقاف، لدراسة الديوان أو محاكمته بالأصح، وانتهت اللجنة إلى أن ليس في الديوان ما يمس الدين أو الخلق، ولا تمر هذه الحادثة في ذهن القصيبي إلا ويتذكر موقف الملك عبدالله بن عبد العزيز من هذه القضية، إذ يقول غازي: «سمعت من أحد المقربين إليه أنه اتخذ خلال الأزمة موقفاً نبيلاً وحث الملك فيصل على عدم الاستجابة إلى مطالب الغاضبين المتشنجة».

نشر القصيبي أكثر من 60 كتاباً في الشعر والرواية والفكر. نُشرت أول تحفة فنية له عام 1977، «من المشرق والصحراء». بل إن روايتين من رواياته تُرجمت إلى الإنجليزية: «سبعة» و«شقة الحرية».

استند في أعماله إلى مواضيع الحب والفساد والمحرمات وأحوال الدول العربية. كما تحدث ضد الإرهاب والتطرف، ويسعى باستمرار إلى الإصلاح والتعليم والنمو.

غالباً ما كانت أشعاره تعكس وطنيته. كتب قصيدة في افتتاح جسر الملك فهد 1986، ويقول في هذه القصيدة:

درب من العشق لا درب من الحجر

                هـذا الذي طــار بالــواحـــــات للـجـــــزر

سـاق الخيام إلى الشـطآن فانزلـقــت

                 عبر  المياه  شــــراع أبيض الخَــفَـــر

ماذا أرى؟  زورق  في الماء  مـنـدفــع

                أم  أنه  جمـلٌ  مــا مــل من ســـفـر؟

وهـذه  أغـنـيات  الـغـوص  في  أذني

                    أم الحداةُ شَدَوا بالشعرِ في السَحَرِ

واستيقظت نخلة ٌ وَسنَى تُوَشوشُني

                من طــوَّقَ النخلَ بالأصداف والدُررِ؟

نسيتُ  أين  أنا  إن  الـريـاض هــنــا

                   مع  المنامـــةِ  مـشــغـولانِ بالــسـمَـرِ

تحدث من خلالها عن العلاقة القوية بين السعودية والبحرين بكل فخر وانتصار . استخدم قصائده كوسيلة لإيصال الرسالة والتحدث عن القضايا المعاصرة. ملأت كلماته الناس بإحساس كبير بالحماسة والحيوية، وفتحت أفكاره الأبواب لأصحاب الرؤى المعاصرين.

وتوالت الإصدارات بين دواوين الشعر والروايات والكتب الفكرية، ومن دواوينه الشعرية: «الحمى» 1983 alhumaa، «صوت من الخليج» 1998 A voice from the Gulf، «الأشج» 2001 al'ashaj، «اللون عن الأوراد» 2000، «أشعار من جزائر اللؤلؤ»، «سحيم» 1996 Suhaim، و«للشهداء» 2002  alshuhada.

ومن رواياته «شقة الحرية» 1994 Shiqqat al-hurriyah تروي واقع الشباب العربي من 1948 إلى 1967، حيث تعيش شخصياته في شقة في القاهرة وسط أجواء فكرية وسياسية عاصفة، ولكل منها اتجاهه الفكري الخاص. طوال الأحداث، كل واحد منهم لديه قصته البطولية الخاصة. «العصفورية» 1996 Al-'Usfuriyah، «سبعة» 1998 Sab'ah تقدم الرواية صورة ساخرة للواقع العربي، ممثلة بسبع شخصيات لها أفكار وأعمال مختلفة، لكنها بالمثل تلاحق سيدة تعمل مذيعة تلفزيونية. في النهاية، توقع جميع الشخصيات كضحايا لها، «هما» 2001 Huma، «سعادة السفير» 2003 Sa'adat Alsafeer، «دنسكو» 2000 Danasku، «سلمى» 2002 Salmá، «أبو شلاخ البرمائي» 2000 Abu Shallakh al-Barmaoi، «رجل جاء وذهب» 2005 Rajul Jaa wa-Dhahab، «الجنية» 2007 Al-Jinniyah، آخر أعماله كانت «الزهايمر» 2010 Alzahaymar التي نشرت بعد وفاته.

وفي المجال الفكري له من المؤلفات: «التنمية وجهاً لوجه» 1989، «الأسئلة الكبرى» 2004، «الغزو الثقافي» 2006، «أمريكا والسعودية حملة إعلامية أم مواجهة سياسية» 2002 الذي تناول فيه العلاقات السعودية الأمريكية بعد هجمات سبتمبر/أيلول 2001، «ثورة في السنة النبوية» 2003، «حياة في الإدارة» 1999 الكتاب الذي وثق فيه سيرته الإدارية والذي حقق مبيعات عالية، وكذلك كتاب «الوزير المرافق» 2010 الذي وثق فيه سيرته كمسؤول في وزارة من خلال بعثات الوفود الرسمية ومرافقته للضيوف الرسميين، «من هم الشعراء الذين يتبعهم الغاوون» 1996.

وله إسهامات صحافية متنوعة أشهرها سلسلة مقالات «في عين العاصفة»، التي نُشرَت في جريدة الشرق الأوسط إبان حرب الخليج الثانية، التي نشرت مؤخراً في كتاب.

ومن ترجماته عن الإنجليزية «العلاقات الدولية» 1984، «المؤمن الصادق» 2010 للمؤلف ايريك هوفر.

وأحدثت معظم مؤلفات الشاعر والروائي والمفكر غازي القصيبي ضجة كبرى حال طبعها، وكثير منها مُنع من التداول في السعودية لا سيما الروايات، حتى أعلن وزير الثقافة والإعلام السعودي الدكتور عبد العزيز خوجة في 31 يوليو 2010 عبر صفحته في «فيس بوك»، أنه «تم التوجيه بفسح جميع كتب وزير العمل والشاعر السعودي الدكتور غازي القصيبي، الذي قدم عبر عطاء شعري وروائي وابداعي على مدى نصف قرن من الزمان، انتاجاً غزيراً وضعه في صدارة التنويريين العرب، وليس لائقاً ألا تتوفر نتاجاته الفكرية والأدبية في مكتباتنا».

وعلى المستوى الروائي يكاد يُجمع المهتمين بأن روايتي «شقة الحرية» و«العصفورية»، هما أهم وأفضل وأشهر ما كتب القصيبي، في حين احتفظ ديوان «معركة بلا راية» بمرتبته المتقدمة بين دواوين الشعر الأخرى، وفي المؤلفات الأخرى، يبقى «حياة في الإدارة» 1998 واحداً من الكتب التي حققت انتشاراً كبيراً رغم أن ثقافة القراءة كانت شبه معدومة حينها في المجتمع.

ولا يزال غازي منذ البدء متواصلاً مع المشهد الثقافي السعودي عبر إصداراته شبه السنوية، وأثار ضجة أخرى مؤخراً عندما قدّم لرواية «بنات الرياض» للروائية السعودية رجاء الصانع، وهي الرواية التي تواجه مصيراً يكاد يقترب من مصير «معركة بلا راية» عند صدوره.

وفي الشأن الأدبي، لا تخلو سيرة غازي الوزير من مواقف طريفة تسبب بها غازي الأديب، إذ يروي القصيبي أنه في أحد الأيام إبان وزارته في الكهرباء والصناعة حصل انقطاع للكهرباء في أحد أحياء الرياض، وكان القصيبي يذهب إلى مقر الشركة ويتلقى الشكاوى الهاتفية مع موظفي السنترال كلما حدث انقطاع، فلما كان ذاك اليوم، وأثناء تلقيه للاتصالات على سنترال الشركة، حادثه مواطن غاضب قائلاً: «قل لوزيركم الشاعر أنه لو ترك شعره واهتم بعمله لما انقطعت الكهرباء عن الرياض»، يقول غازي، «فقلت له ببساطة: شكراً.. وصلت الرسالة! فقال: ماذا تعني؟ قلت: أنا الوزير! قال: أحلف بالله! فقلت: والله. وكانت هناك لحظة صمت في الجانب الآخر قبل أن تهوي السماعة».

القصيبي والنزاعات الفكرية

دارت نزاعات فكرية ثقافية بين غازي ومجموعة من الصحويين في أواسط التسعينيات، حولها الصحويون من اختلافات إلى خلافات، ووصلوا فيها إلى مراحل متقدمة من الطعن في غازي عبر المنشورات والمنابر وأشرطة الكاسيت، فأصدر غازي حينها كتاباً بعنوان «حتى لا تكون فتنة» وهو بمثابة الرسالة، يوجهها نحو من جعلوا أنفسهم خصوماً له، وانتهت تلك المرحلة بسلام.

ورغم أن البعض يرى أدب غازي متطرفاً نحو اليسار، إلا أن لآخرين رأيهم بأنه متطرفاً لليمين، لا سيما في أدبياته الأخيرة، وخصوصاً قصيدة الشهداء (نص قصيدة الشهداء)، التي مجّد فيها غازي للعمليات الانتحارية (في فلسطين)، وأشاع بعضهم حينها أنها كانت سبباً لتدهور علاقاته الدبلوماسية في بريطانيا، فكان أن نقل من السفارة عائداً إلى الوزارة، وذلك بعد نحو عام من نشر القصيدة.

وهنا يستشهد القصيبي بقول الأديب السوري محمد الماغوط: «ما من موهبة تمر بدون عقاب» ويضيف عليها: «وما من موقف يمر بلا ثمن!».

مر القصيبي بمواقف حرج، ويوم كان موجهاً نقده للقوى الدينية ويكاد يكون بمفرده آنذاك، ترصده الوشاة، لإبعاده عن الملك فهد بن عبدالعزيز، وكان المسؤول المقرب منه، فضاق به الأمر ونشر قصيدته الشهيرة بين السعوديين، حيث جعل من الملك سيف الدولة وهو أبوالطيب المتنبي، ونشرها في صحيفة الجزيرة السعودية، وكان حينها وزيراً للصحة، فأعفي على إثرها من الوزارة، وكان عنوانها «رسالة المتنبي الأخيرة لسيف الدولة»، ومطلعها: بيني وبينك ألف واش ينعب/ فعلام أسهب في الغناء وأطنب/ صوتي يضيع ولا تحس برجعه/ ولقد عهدتك حين أنشد تطرب. كذلك أعفي حينها خالد المالك رئيس تحرير الصحيفة من منصبه.

الجوائز

منح وسام الكويت ذو الوشاح من الطبقة الممتازة 1992.

منح وسام الملك عبدالعزيز وعدداً من الأوسمة الرفيعة من دول عربية وعالمية.

الرحيل

في 15 أغسطس 2010 الذي وافق يوم الخامس من شهر رمضان؛ حيث توفي القصيبي بهدوء تاركاً وراءه أعماله العظيمة ليروي للأجيال القادمة قصص كاتب موهوب ودبلوماسي ناجح ومدير فريد. رحلته التي دامت 70 عاماً نادراً ما يقوم بها شخص واحد. إضافة إلى تعيينه وزيراً أربع مرات وسفير مرتين، ترك القصيبي إرثاً أدبياً متميزاً. أوضح قدرته على التفوق في سياقات مختلفة عندما أخبر أحد المحاورين «لقد وجدت أنني مرتبط عاطفياً بكل وظيفة تم تكليفها بها».

كانت حياة القصيبي مؤثرة للغاية في العالم العربي لدرجة أن الحزن طغى على الدول العربية بعد وفاته. لا يقتصر الأمر على الأماكن، بل يمتد أيضاً إلى الأجيال المختلفة، كما يتضح من حرص الشباب العربي على كتابة نعي على مدوناتهم وملفاتهم الشخصية. يقول القصيبي في كتابه «حياة في الإدارة»: «لقد بذلت قصارى جهدي في كل وظيفة تم تكليفي بها لخدمة المواطنين. لقد خدمت هذا الجيل، لكن الأجيال القادمة التي لن أتشرف برؤيتها أو خدمتها، لا يسعني إلا أن أقدم قصة هذه الخدمة بكثير من الحب والصلوات».

في كل مكان، تركت حياة القصيبي أثراً لا يُنسى وتشاركت الذكريات مع الآخرين. كان عراب التجديد ماهراً في الموازنة بين منصبه الرسمي ومكانته الشعبية.


عدد القراء: 4123

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-