قتل الأفكار الجميلةالباب: مقالات الكتاب
ناصر بن محمد الزمل |
يقول الروائي الفرنسي الشهير فيكتور هوجو: "لا يمكن لأي جيش أن يصمد أمام قوة فكرة حان وقتها"..
هناك مشكلة يتمتع بها معظم الناس دائمًا ما يميلون إلى قتل الأفكار الجميلة والإبداعية: إما في وقت مبكر جدًّا أو متأخر جدًّا، وهي تحبط وتقوض من عملية الابتكار.
وفي مجتمعاتنا العربية دائمًا نجد المحبطين مرتبكي المجازر للأفكار العظيمة بالتقليل منها وبتسخيفها.
وعلى الجانب الآخر يمكن قتل الأفكار في عقلك بوضع عدد من المعوقات كالانتقاد والخسارة أو تطلق على نفسك أسئلة تعجيزية عن هذه الفكرة .. فتقتل فكرتك قبل أن ترى النور..
دائمًا الأفكار العظيمة تولد صغيرة ثم تنمو وتتطور .. فمثلاً كيف كان حال هاتفك الجوال الذي تملكه وتدير به شؤون حياتك اليومية من خلاله قبل 20 عاماً هل هو الحال نفسه كما هو، ولو فكرت بحال الطائرة التي تستقلها وتتنقل بها في اليوم الواحد عدد من المدن قبل 100 سنة حينما طار بها الأخوين رايت هل بقيت على الحال نفسه.. أم أصبحت الأسرع من الصوت وعابرة للقارات.
العديد من الأفكار العظيمة تأتي من مصادر "جاهلة". الفكرة الأولى لكاميرا بولارويد لم تأت من عالم في مختبر إدوين لاند، ولكن جاءت من ابنته البالغة من العمر ثلاث سنوات. في عطلة في جراند كانيون في عام 1943، وسألت: لماذا لا تستطيع أن ترى الصورة التي اتخذت لها للتو؟.
وحينما تعرض أفكارك وتتوقع من الآخر التفاعل معك لكنك تصدم بجملة منه، قد تكون هي واحدة من الأسلحة القاتلة .. ثم يدير دفة الحوار إلى موضوع آخر ..
فالأفكار العظيمة تقتل بثلاثة أسلحة شائعة، هي: الحسد، والغباء، والسلطة على الأشخاص الأذكياء..
لكن لم تكن أنت الوحيد، هناك العديد من أصحاب الأفكار العظيمة مروا بهؤلاء، وجدوا الجلاد نفسه لأفكارهم..
منهم توماس أديسون حينما سمع تلك الكلمات من مستثمر بسبب ضياع وقته بعد مناقشة معه لتمويل اختراع الفونوغراف، عندما قال له: "لو سمحت! احمل هذه الألعوبة معك خارج مكتبي!...
وقد أكد أديسون نفسه: إن العبقرية تتكون من 1% إلهام و 99% عرق؟
قد تكون كلمات الإحباط معتمدة أو غير معتمدة، وقد تكون في لحظات جهل.
فمثلاً الطابعة: فهل تقدر على إحصاء عدد الوثائق المنسوخة التي تمرّ بين يديك و بين أيدي زملائك الموظفين في المكتب كلّ يوم؟ في دنيا الأعمال والمكاتب المعاصرة، تعد الناسخة photocopier إحدى اللوازم المسلّم بحضورها، وقد كانت كذلك طوال عقودٍ ماضية.
ولكن هل تعلم أنّه عندما طرق تشستر كارلسون أبواب شركات التكنولوجيا الكبرى مثل IBM و Kodak لبيع فكرته الجديدة "الطابعة" أغلقت الأبواب في وجهه؟! التي أطلقت عليها مجلة فورشن ذات مرة "أكثر المنتجات نجاحًا في التاريخ".
أخيرًا في أكتوبر من عام 1983, أعلن "كارلسون" وشركه "أوتو كورني" عن ظهور أول آلة نسخ مكتبية. ورفضت عشرون شركة اختراعه من بينها جنرال إلكتريك وآر سي إيه وأي بي إم قبل أن تشتريها شركة هالويد عام 1946, التي أضافت كلمة زيروكس لاسمه عام 1958.
تتمة القصة؟ كما قال أديسون... عرق!
بعد خمسةٍ وسبعين مليون دولار أنفقت على الأبحاث قامت شركة هالويد زيروكس غير المعروفة حينئذِ - التي هي الآن زيروكس Xerox – بإزاحة الستار عن أول ناسخات زيروكس بسعر 29500 دولار للواحدة، أو بأجرة 95 دولار شهريًّا تتضمن ألفي نسخة مجانية بالإضافة إلى الصيانة المضمونة للنسخ -الشديدة الحساسية آنئذ- لقد كان نجاحًا صاعقًا تمخّضت عنه جهودٌ استمرّت نحو خمسةٍ وعشرين عامًا.
هل تظن أن الفكرة كانت معتنقةً داخل زيروكس ومحميةً من صقيع الخارج إلى أن تنضج؟ لا يا عزيزي لم يكن الأمر بهذه السهولة! مجموعة التطوير ذاتها كانوا يشكّون بها ويكادون يرفضون العمل بها!
قال جون ديساو رئيس قسم الأبحاث والتطوير في هالويد زيروكس "أعضاء كثر في مجموعة التطوير كانوا يتردّدون إليّ ويتذمّرون من العمل على الفكرة السخيفة، التي يعتقدون بأنها لا يمكن أن تشتغل".
أجل، كلّ هذا الارتياب و التسخيف رافق نشأة المنتج ،الذي أصبح في النهاية لازمةً من لوازم العمل، و تحوّل لدى زيروكس إلى عمل بقيمة خمسة عشر ألف مليون دولار.
ماذا نتعلّم من القصة؟ لا شيء سوى: ألا تخنق أفكارك قبل أن تتيح لها الفرصة العادلة للوقوف على قدميها وإثبات جدارتها فلا يمكن محاكمة الأفكار... وهناك قرار بالسجن أو الإعدام موقّعًا سلفًا في مواجهتها.
إذا أردنا أن نكون جزءًا في نجاح الأفكار الجميلة، فيجب علينا أن نتجنّب المحاكمة المتسرّعة، وألاّ نتناولها إلاّ بموضوعيّة ونتيح للدراسة الوقت الكافي.
يرى الكاتبان جاريسكي وكايست (نيويورك، معهد التعليم الدولي 2009): «عندما يقتل عالم ويُسكت، فإننا نفقد عمرًا قضاه في التدريس والتعلّم، وكان بوسعه أن يقدم لمئات الطلاب آلاف الساعات من التعليم، وكل الفوائد التي تنجم عن ذلك بالنسبة إلى المجتمع عمومًا. ويسكت علماء آخرون بسبب الخوف، ويتردد الطلاب في متابعة التعليم، ويتضرر الوسط الفكري بأكمله، وهو الأساس الضروري لأي بلد لإقامة نموه وتنميته عليه».
«إن مقتل العالم أو حتى إسكاته يؤدي إلى قتل الأفكار – تلك الأفكار التي كان بمقدورها أن تقدم علاجات جديدة للأمراض وأن توفر النمو الاقتصادي في البلدان النامية أو تحسن أساليب نتاج الأغذية أو توفر حماية أفضل لقطاعات المجمع الأضعف».
لكن نستطيع أن نقول: أن الفاشلين لا يرون سوى المال ودائمًا يغمضون أعينهم عن عناصر النجاح وأسباب الفشل.. أما الناجحون فيركزون على عناصر التميز والنجاح ذاتها، ويدركون أن المال والشهرة يأتيان حتمًا كنتيجة ثانوية وغير متوقعه..
تغريد
اقرأ لهذا الكاتب أيضا
- جيفري بريستن بيزوس مؤسس أمازون - AMAZON.COM
- كيفين سيستروم ومايكل كرايغر مؤسسا إنستغرام INSTAGRAM
- جيمي ويلز مؤسس ويكيبديا
- بريان أكتون وجان كوم مؤسسا تطبيق واتس آب WHATSAPP
- الرواية التي أقصت صاحبها
- مالكولم جلادويل مؤلف كتاب (الاستثنائيون)
- ستيفن كينغ أسطورة الرعب
- هل حقّاً كولن ويلسون كاتبًا دجالاً؟
- ثورة الأفكار العظيمة
- قتل الأفكار الجميلة
- جماليات أغلفة الكتب
- ستيفن هوكينغ قصة عالم على كرسي متحرك
- الكتابة بلغة الآخر
- غازي القصيبي «صانع» السجالات الأدبية والفكرية
- جيمس جويس بين الأدب والمنفى
- ألبير كامو الفيلسوف العبثي
- غابرييل ماركيز روائي عاش ليروي
التعليقات 1
مقال ممتع بعنوان جذاب. ولعل في التراث العربي الاسلامي الكثير من أبيات الشعر تستحث على استكمال وإتمام المشوار في المشاريع الفكرية واهمال الحاقدين والجهلة المثبطين للأفكار. ومنها بيت الشعر الرائع: لو كل كلبٍ عوى ألقمته حجراً@ لأصبح الصخرُ مثقالاً بدينار ولندع القافلة تسير رغم نباح الكلاب ولندرك ان الإبداع هو ١٪ إ لهام و ٩٩٪ عرق وعمل شاق.
اكتب تعليقك