المدهش عند المصريين القدماءالباب: مقالات الكتاب
أ.د. يعرب قحطان الدُّوري جامعة الشارقة، الإمارات العربية المتحدة |
أ.د. يعرب قحطان الدُّوري1
الحضارة هي كل ما ينتجه عقل الإنسان من فنون وعلوم وآداب وفلسفة وتشريع، والقدرة على الاستفادة من هذه الحصيلة. ويقسّم المؤرخون تاريخ الإنسانية إلى عصور، فهناك عصر ما قبل التاريخ، والعصور التاريخية. لقد تميزت الحضارة المصرية القديمة خلال حقبها التاريخية المتعاقبة منذ أقدم العصور بالاهتمام البالغ بالهندسة والتكنولوجيا والحِرف الدقيقة في كل مناحي الحياة، حيث اتضح ذلك مما تركه المصريون القدماء من آثار تدل على عظمتهم. منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، كان لدى قدماء المصريين نظم في القياسات الهندسية للأطوال والحجوم والأوزان. قياس الأطوال بوسائل مثل الكف والشبر وطول الذراع، وكانت هناك مسطرة رسمية أو نمطية لتلك الوحدات. كما كانت هناك وحدة لقياس الحجوم تسمي هون، وعشرة أمثالها يسمي هيكات، ووحدة للوزن تسمي بيكا. وعرض المصري القديم الميزان المعروف بشكله الآن، كما استخدم المصريون القدماء الساعة الشمسية والمائية لقياس الزمن، وعرفوا فائدة التزييت واستخدمه في نقل الحجارة، وترك آثارًا هائلة من فن النحت فكان التمثال النصفي للملكة نفرتيتي من أروع الأمثلة للنحت في العالم.
والعمارة المصرية القديمة يوضحها المعابد ذات الأعمدة الضخمة بما عليها من زخارف على هيئة زهرة اللوتس، والنقوش ذات الألوان الزاهية في الأقصر ووادي الملوك والملكات، ومعبد إسنا، حيث توجد المسلات الفرعونية بما عليها من رسومات ونقوش. كما أن أهرامات الجيزة إحدى العجائب المعمارية المصرية القديمة التي تعد أضخم بناء في العالم. وصنع المصريون القدماء أقدم عربة بعجلات حيث تم العثور عليها كاملة في أحد القبور. وهي تحفة فنية رائعة، وتتكون من عدة أجزاء يتم تجميعها بخبرة ودقة، وهي المحور، وفراغ المحور، والكلابات للدعامات، والمحيط الخشبي الخارجي للعجلة. كما اخترع المصري القديم المنضدة الدائرية أو العجلة الفخارية لتشكيل الطمي بعملية الدوران. واستخدموا الأبراج والسلالم المستخدمة في البناء. وكانت هناك أدوات من الخشب والنحاس لعمليات الغزل والتفصيل2 . استطاع المصريون القدماء نقل ملايين الكتل الحجرية، التي تزن الواحدة منها أطنانًا، لبناء هرم يزن ستة ملايين وخمسمائة ألف طن يمكن رؤيته من الفضاء، في فترة استغرقت 20 عامًا، فكيف فعلوا ذلك، وما التكنولوجيا التي استخدموها، وما المصانع أو المعدات الثقيلة المساهمة في البناء بهذه العظمة من الدقة والفخامة.
نظرية بناء الأهرامات
بعد نجاح الوحدة السياسية لمصر القديمة في عهد أول أسرة حاكمة، وقد قويت وحدة البلاد في عهد الأسرة الثانية، وشهدت مصر تقدمًا في جميع نواحي الحياة، كما تطور استعمال الكتابة المصرية القديمة التي سماها الإغريق "الهيروغليفية". أصبحت مصر مهيأة لاستقبال عصر جديد، هو عصر الدولة القديمة. يطلق المؤرخون على عصر الدولة القديمة اسم "عصر بناة الأهرام"، إشارة إلى تلك الأهرامات الضخمة التي نراها جميعًا، والتي بنيت في بطن الصحراء على يمين الوادي، من إقليم الفيوم جنوبًا إلى الجيزة شمالاً. ولكن لماذا بنيت الأهرامات وما هو الغرض منها؟ ترجع الفكرة في بناء الأهرامات إلى اعتقاد المصريين القدماء في خلود الروح، وإلى اعتقادهم في البعث مرة أخرى وبوجود حياة أبدية. لهذا بنى المصريون القدماء مقبرة حصينة توضع فيها الجثة بعد تحنيطها، وتزود بمجموعة كاملة من حاجيات الميت كالأدوات وقطع الأثاث وأنواع الأطعمة والشراب التي كان يستعملها في حياته، حتى إذا ما جاءت الروح وحلت في الجثة، عاد الإنسان إلى حياته الأبدية. ونقشت جدران المقبرة بالمناظر المعتادة، لتدخل السرور على الميت. كانت مصر على جانب كبير من الخير والرخاء، وكان الأمن سائدًا وحياة الناس هادئة مستقرة. وازدهرت الآداب والعلوم والفنون. كما رافقت ذلك حركة بناء ضخمة، وذلك بفضل ما توافر لمصر من ثروات طبيعية. وهكذا عاشت مصر أزهى عصورها في عصر الدولة القديمة، ذلك العصر الذي اجتمع فيه نشاط الفكر إلى جانب نشاط العمل والتنفيذ4.
لكن إذا أردنا معرفة السر في بناء الاهرامات علينا التعمق في قراءة الفكر اللاهوتي للمصريين القدماء. فالهرم مرتبط بالنظرية القديمة للوجود. نظرة تفسرها أسطورة أجدواد Ogdoad المبنية على أربعة عناصر وهي الماء والشروق والهواء والروح. تلك عناصر الوجود عند المصريين القدماء، وإذا ما تم توفير العناصر الثلاثة الأولى داخل الهرم لم يبق سوى انتظار عودة الروح لتنطلق الحياة الجديدة في دورة وجودية لا تنتهي، أو نظرية عاد الوجودية وهي نظرية مبنية على فكرة الخلود. يخبرنا القرآن الكريم عن الرغبة القوية عند العاديين في الخلود (وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ)5 لذلك فالأهرامات ليست قبورًا ولم توجد لهذا الغرض، بل كانت بوابة تمكن الروح من العبور إلى عالم الخلود، ثم العودة إلى عالم الوجود. أي إنها وسيلة اتصال بين الأرض والسماء. أما التابوت الذي وجد داخل ما يسمى بـ "غرفة الملك" فهو غالبًا تابوت العهد عند المصريين القدماء. فالتابوت هو المكان الذي عادة ما تحفظ فيه الأشياء الثمينة وليس أثمن من رسالة عقائدية يؤمن الناس بها إنها رسالة الرب. وإذا علمنا أن الملك "خوفو" كان في حياته يبحث عن كتاب الحكمة الذي تركه (توت) أو نون. وأن الشكل الهرمي في الشكل 1 المسمى (بن بن) يشير إلى البعث، فاكتملت بذلك عناصر نظرية بناء الأهرامات6.
جاء في كتاب رسالة أبي الهول لمؤلفه جراهام هانكوك وروبرت بوفال: أن أبا الهول (شكل 2) بني في ذات الوقت مع اهرامات الجيزة الثلاثة قبل 12500 سنة7.
نظر المصريون القدماء إلى Atum باعتباره الإله الابن أول إله يسكن في الأرض. وإلى Ptah الإله الأب أول إله في السماء. ونظروا إلى ملوكهم بوصفهم الأمناء الذين تتجسد فيهم روح الإله. يُروى أن الأمير الشاب رأى في المنام حارس المشرق (أبو الهول) الذي بشره بأنه سيعتلي عرش مصر. كما هو مدون على لوحة الحلم (شكل 3) التي تقول: أي بني انظر إلي بتمعن، أنا أبوك حار إم خو خبري رع آتوم. والتي تعني حارس المشرق حبر الرب آدم8.
يُطلق لقب غنم خوفو Khnum khufu على باني الهرم الأكبر كما في الشكل 4. قد يقرأ البعض الكلمة الأولى على أنها مغنم ومغانم وهو تعبير عن الحرب. وكلمة خوفو تعبر عن الخوف. والنتيجة غانم الخوف بمعنى الذي يزرع الخوف في قلوب أعدائه. وهو لقب يليق بشخصية رجل مثل باني الهرم الذي عرف بشدته وبطشه. وبالبحث في أسماء آلهة مصر القديمة نجدهم يصورونه بجسد رجل ورأس خروف. يقولون أنه رب الآلهة والناس. وعندئذ نستطيع القول أن الهرم الأكبر يمثل الإله الأب. وبالبحث المعمق في معنى كلمة خُنم نجد أصلها (أمّن من الأمن). وهي الأقرب إلى (أمّن من خوف). كما نقرأ في قوله تعالى: (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)9. كما يطلق على باني الهرم الأوسط Khafre وتعني حبر رب العالمين وتمثل الإله الابن. أما الهرم الأصغر Menkare فتعني أمين قول الرب، وتمثل الروح الأمين للمصريين القدماء10.
أبيدوس
وهي عابد الوادي Abydos من أهم المدن التاريخية وأقدمها وكانت عاصمة مصر العليا (شكل 5). ارتبط اسمها بمعبد إيزيريس Osireion حيث استخدمت حجارة كبيرة مما يدل على المراحل المبكرة جدًّا في بنائه. وهناك إشارة تدل على أن تاريخه يعود إلى زمن ما بين عاد وثمود حسب الأسماء المنقوشة على جدران المعبد11. كما جاء في القرآن الكريم: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ)12.
إن الذين بنوا هذه المباني كانوا أشد منا قوةً وباسًا. فمَنْ مِن بني البشر اليوم يستطيع تحريك حجارة بحجم ضخم يزيد وزنها عن 100 طن13، أو تقطع بمهارة عالية وتحرك مسافة 900 كم14. إن البنية الجسمانية القوية هي التي تستطيع ذلك. كما نقرأ في قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)15.
وكذلك قوله سبحانه: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ)16.
فيصبح بالتأكيد إن من قام بهذه المهمة هم أناس بحجم عملاق تمكنوا من حمل الحجارة الكبيرة وتحريكها بسهولة17 (شكل 6). أنهم قوم عاد الذي أخبرنا عنهم القرآن الكريم. قال سبحانه: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) 18. وقوله تعالى: (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)19.
فأحجام أولئك لم تكن طبيعية بالنسبة لنا، ولم تكن بحجم آدم عليه السلام، بل كانوا وسطًا بين الاثنين. وزادهم الله في الخلق بسطة (شكل 7). جاء في الحديث الصحيح، روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خلق الله عز وجل آدم على صورته طوله ستون ذراعًا. فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر. وهم نفر من الملائكة جلوس. فاستمع ما يجيبونك. فإنها تحيتك وتحية ذريتك. قال فذهب فقال السلام عليكم. فقالوا السلام عليك ورحمة الله. قال فزادوه ورحمة الله. قال فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعًا. فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن20.
ويدعم هذا الأمر بارتفاع مدخل الهرم بارتفاع 17 مترًا مقارنة بالمدخل الذي حُفر في عهد الخليفة المأمون كما في الشكل 8، للدلالة على أحجام اولئك العمالقة21.
كذلك عرض مدخل الهرم بـ 3 أمتار وارتفاعه بـ 10 أمتار، يدعم هذا الافتراض كما موضح في الشكل 9 22.
لقد امتاز عمل المصريين القدماء بالدقة والمهارة العالية هندسيًّا وحسابيًّا (شكل 10) ولولا هذا ما صمدت انجازاتهم آلاف السنين فأصبحت تراثًا إنسانيًّا تقف له البشرية احترامًا وتقديرًا23، بل أكد عليه القرآن الكريم في سورة الشعراء: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)24.
كما استدل على ذلك من حياتهم اليومية حيث استخدموا الأواني الحجرية المواكبة لمساكنهم المبنية من الحجر. هذه الأواني والمباني المبنية من الطين من مرحلة ما قبل السلالة الأولى تدل على أن المصريين القدماء استخدموا الطين في البناء قبل استخدام الحجارة. لأنه ووفقًا لمختصي الدراسات المصرية القديمة فإن النقلة من استخدم الطين إلى الحجارة حدثت في زمن زوسر الملك الثالث من الأسرة الثالثة وهو الذي بنى أول هرم حجري في نظر العلماء.25 كما أن هذه الأواني الحجرية تمت صناعتها بتكنولوجيا راقية لم نعرفها في يومنا المعاصر، وفي عهد مبكر من الحضارة المصرية القديمة، سبقت بكثير عهد فرعون موسى26.
أما المسلات فكانت تنحت في الصخر بشكل أفقي (شكل 11) ثم تنقل قطعة واحدة لتثبت عموديًّا في موقعها الذي عادة ما يبعد مئات الأميال عن المحجر. وبقياس اليوم، إذا أردنا نقل مسلة من هذه المسلات العملاقة فالطريق الوحيدة هي أن نقوم بتقطيعها ثم إعادة تركيبها من جديد27 .
نحن أمام معجزة حقيقية لا يمكن تفسيرها بمقاييس الحجم البشري اليوم وإمكاناتنا الحالية. حيث يوجد ما معدله 7 مليون صخرة مختلفة الأحجام يصل وزنها إلى 70 طن استخدمت في بناء الأهرامات الثلاثة28. هذه الصخور قطعت ونحتت ونقلت من أماكن بعيدة ورتبت بشكل هندسي مضبوط استقر على مدى آلاف السنين. مثل هذا العمل نعجز عنه اليوم برغم التكنولوجيا المتوفرة لدينا. فلا نجد غير تفسير وحيد هو أن من صنع هذه الآثار لم يكونوا بأحجامنا اليوم، بل إنهم عمالقة يتراوح أحجامهم ما بين 6 و15 مترًا (الشكل 7). كما يلزم الإشارة إلى الباحث عزالدين كزابر في بحثه المعنون: طول آدم والإنسان ومنحنى نقصانه مع الزمن. حيث أشار إلى إن مسالة طول القدماء يلزمنا طرح السؤال التالي: هل يلزم طول عمر آدم وذريته أن تكون صفاتهم البدنية على غير ما نعهده الآن؟ أم أن طول العمر وهيئة الجسم مسألتان منفصلتان ولا علاقة بينهما؟ يمكن القول بناء على الشواهد، إن الإنسان الأول الذي يتجاوز عمره المئات من السنين وقد يصل إلى أكثر من ألف سنة، مثل نوح عليه السلام الذي (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) 29، لا يكون بدنه مماثلاً للبدن الحالي. لذلك نتوصل إلى ضرورة أن يواكب عمر الإنسان بدنًا يتحمل حياة خاصة، فالعلاقة مطردة بين طول العمر وطول البدن30.
أدوات البناء للأحجار الضخمة
لم نعلم لحد الآن منذ آلاف السنين الكثير عن المصريين القدماء الذين بنوا حضارتهم العظيمة، فما هي الوسائل التي بنوا فيها، ومن قام بذلك، وكيف عملوا ذلك. فمن خلال الصناديق الموضوع في داخل الأهرامات الثلاثة يفترض البناء قد تم في عهد السلالة الرابعة، قبل 4500 سنة. ولهذا مطالبون بالسؤال كيف أن المصريين القدماء لم يغيروا أدوات التقطيع مثلاً على امتداد ألف سنة تقريبًا. لذا وجدنا أن هؤلاء القوم لم يكونوا من الغباء مطلقًا، بل كانوا عباقرة حقيقيين في كل إنجازاتهم. وفي الوقت نفسه نتعجب للقدرة الهائلة والمبدعة حيث لم يُسألوا كيف أدوا عملهم ببراعة، وبدون آلام وأضرار، وبأقل الجهود المطلوبة، وبدون الحاجة لأوقات إضافية لإتمام العمل اللازم. فإن كان هناك لغز محير عمله المصريون القدماء، فلما النموذج الأثري القائم منذ آلاف السنين ما يزال شاخصًا وواقفًا أمام دهشة المختصين بالدراسات الآثارية والمصرية القديمة.
علمنا من خلال الدراسات السابقة31 أن المواد التي أستعملها المصريون القدماء هي موجودة ومتوفرة في الطبيعة دون الحاجة لتطويرها أو تحويرها، وموجودة حاليًّا في المتحف المصري بالقاهرة ومتحف الأقصر في أسوان منها: عجلات خشبية، ومثاقب خشبية، وزلاجات خشبية، ومطارق خشبية. إضافة إلى مناحت نحاسية، ومناشير نحاسية، ومثاقب نحاسية، وفؤوس ومطارق نحاسية، وزلاجات ومحاور نحاسية. لكن السؤال المطروح، كيف يمكن للمعادن الخفيفة كالنحاس قطع أحجار قاسية كالغرانيت؟ كان التصور القديم أن الفتحات المصنوعة في حجر الغرانيت يُدخل فيه الخشب حتى يغمر في الماء فيمتصها الخشب فيتشقق الحجر تدريجيًّا. لكن المختصون بالدراسات المصرية القديمة لهم رأيهم الخاص، حيث أدوات النحت متوفرة وقتئذٍ والتي لعبت دورًا هامًا في تهيئة القطع الأثرية في محاجر أسوان. لكن الشيء المؤسف، هل هذه الأدوات وحدها التي أنجزت العمل كما نراه اليوم. فالمناحت النحاسية ليست كافية لقطع أحجار الغرانيت الصلبة. فمثلاً المدقات والمطارق قد تؤدي إلى تهشيم الأحجار تدريجيًّا فتتلفها مما لا يستفاد منها لاحقًا. ولغرض التوضيح الأفضل لا بد من متخصصين بالأعمال التطبيقية لشرح كيفية بناء هذه الآثار الفخمة القديمة. المؤكد أن جهودًا مضنيةً قد أدت فعلها لتوضيح عمل الأدوات البسيطة المؤدية لهذه الأعمال القديمة32. لشرح السبل اللازمة لعمل القطع الأثرية والمنحوتات من قبل المصريين القدماء ولنقتنع أن هذه الطرق والوسائل هي حقيقية وصائبة، لا بد من أتباع الطرق التالية:
1 - يجب أن يملك الخبراء التجريبيون الحاليون الدراية الكاملة للتشخيص السليم للقطع الأثرية.
2 - وصف حقيقي نظري للطرق المستعملة من قبل المصريين القدماء.
3 - تفضيل العمل ووصفه أنه الأصعب.
4 - مقارنة النتائج التجريبية بالقطع الأثرية الأصلية من كل جوانب التشخيص الدقيق.
ففي كل الحالات تمكن الخبراء التجريبيون من انجاز النقطتين 2و3. لكن بالرغم من محاولات الاقناع والشروحات، كان الوصول إلى النقطتين 1و4 يغلفهما النقص بالشيء. ما تعلمناه فعليًّا هو أن المصريين القدماء استعملوا أدوات بسيطة بالمعادن المتوفرة يومئذٍ مثل النحاس والذهب والفضة والمستعملة في بناء الأهرامات الثلاثة في حقبة السلالة الرابعة. وأن تجارب الجلخ هي المستعملة في تهيئة الأحجار للبناء. وأن المصريين القدماء لم يطوروا طرق استخلاص المواد الخام الضرورية لإنتاج الحديد والفولاذ مثلاً. حيث استخدموا الحديد المتوفر على الأرض فقط. ومع ذلك فوسائل البناء المحنكة المصنوعة من الحديد والفولاذ لم تستكشف بعد وتثبت في سجل الآثار. وما وجد لحد الآن لم يكن ملائمًا بما يكفي لشرح صنع القطع الأثرية والنصب العملاقة. بقي السؤال الأكثر إلحاحًا وهو كيف تمكن المصريون القدماء من قطع الأحجار الصلبة بكل كفاءة ومهارة لحل اللغز الذي بقي قائمًا آلاف السنين33. هنا يجب فهم من أين أتى هؤلاء الصناعيون المهرة، وما هي أوصافهم. حيث الجواب يتطابق مع ما طرحناه في نظرية بناء الأهرامات المنبثقة عن قراءة الفكر اللاهوتي، وهو حجم الأجسام البشرية الضخمة التي يتراوح طولها ما بين 6 إلى 15 مترًا يجعلها قادرة على القيام بكل عمل جسيم حسب وجهة نظرنا، وبسيطة حسب وجهة نظرهم من عمليات تقطيع الصخر الصلب ذو الوزن الكبير التي تزيد عن 100 طن، وبقياسات هندسية فائقة، وحمله مسافات بعيدة جدًا تصل إلى 900 كم، ورفعه عاليًا بمسافات تصل إلى 147م كما في قمة هرم خوفو (شكل 4).
الهوامش:
1 - البريد الإلكتروني: yaldouri@yahoo.com.
2 - التكنولوجيا عند قدماء المصريين، د. محمد عبد المحسن سيد.
3 - الرمال المبللة.
4 - موسوعة الحضارة المصرية القديمة.
5 - سورة الشعراء، 129.
6 - التاريخ المصري القديم، ص 93.
7 - The Message of the sphinx, page 77.
8 - التاريخ المصري القديم، ص 95.
9 - سورة قريش، 4.
10 - التاريخ المصري القديم، ص 97.
11 -التاريخ المصري القديم، ص 101.
12 - سورة الفجر، 6-10.
13 - The land of Osiris, page 67.
14 - The revelation of the pyramids.
15 - سورة الروم، 9.
16 - سورة غافر، 21.
17 - A different story about ancient Egypt and our origins.
18 - سورة فصلت، 15.
19 - سورة الأعراف، 69.
20 - صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم 2841.
21 - The revelation of the pyramids.
22 - المصدر السابق.
23 - Adaptation from lost technologies.
24 - سورة الشعراء، 128-135.
25 - The Gods of Egypt.
26 - Serpent in the sky, page 85.
27 - التاريخ المصري القديم، ص 114.
28 - Counting number of stones in the pyramid.
29 - سورة العنكبوت، 14.
30 - عُمْر البشرية.
31 - Lost technologies, page 199.
32 - Experiments in archaeology, page 133.
33 - Lost technologies, page 204.
المصادر العربية:
- القرآن الكريم
- التاريخ المصري القديم، حسن عمر فتاح، سلسلة إصدارات الهيئة المغربية للإعجاز العلمي، الطبعة الأولى، المغرب، 1435هـ - 2014م
- التكنولوجيا عند قدماء المصريين، د. محمد عبد المحسن سيد، جريدة الأهرام، العدد 44646، السنة 133، 2 مارس 2009
- الرمال المبللة: أبسط أسرار بناء الأهرامات، علاء البشبيشي، http://www.sasapost.com/simple-way-egyptians-moved-massive-pyramid-stones-without-modern-technology/.
- http://defense-arab.com/vb/threads/71765/page-8
- صحيح مسلم (المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، حققه: محمد فؤاد عبدالباقي، الناشر: دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه - الطبعة الأولى، 1374هـ
- عُمْر البشرية، ومنحنى نقصان عُمْر الإنسان، http://kazaaber.blogspot.com/2012/11/blog-post.html
- موسوعة الحضارة المصرية القديمة، http://dr-rahmh.ahlamontada.com/t159-topic
المصادر الأجنبية:
- A different story about ancient Egypt and our origins, https://m.youtube.com/watch?v=ugWCRliG4Rg
- Adaptation from lost technologies of ancient Egypt: Advanced engineering in the temples of the Pharaohs, http://www.gizapower.com/LoTeAnArticle.htm
- Counting number of stones in the pyramid, http://www.egyptorigins.org/numberofstones.htm
- Experiments in archaeology: stoneworking technology in ancient Egypt, Denys A. Stocks, Routledge, UK, 2003
- Lost technologies of ancient Egypt, Christopher Dunn, Bear & Company, USA, 2010
- Serpent in the sky: The high wisdom of ancient Egypt, John Anthony West, Quest Books, USA, 1993
- The Gods of Egypt, https://m.youtube.com/watch?v=ffKaHwnmNXc
- The land of Osiris: An introduction to khemitology, Stephen S. Mahler, Adventures Unlimited Press, 2002
- The message of the sphinx: A quest for the hidden legacy of mankind, Graham Hancock and Robert Bauval, Crown Publishing Group, New York, 1996
- The revelation of the pyramids, http://vimeo.com/65293943
تغريد
اقرأ لهذا الكاتب أيضا
- أنهار خفية أم مياه جوفية: نظرة تراثية
- المدهش عند المصريين القدماء
- دبلوماسية العلوم
- الطاقة الشمسية في المشرق والمغرب العربي
- تعريب معامل التأثير
- البطالة التكنولوجية
- تهافت التكنولوجيا في زمن الكورونا
- العلم والإيمان
- وَهْم التكنولوجيا
- التعليم عن بعد والتنمية المستدامة
- مساهمة النانوتكنولوجي في التجديد التكنولوجي
- البحث العلمي التجاري في العراق
- ثقافة الإتقان في البحث العلمي
- قصة اكتشاف مادة الجرافين النانوية وجائزة نوبل
- التحفيز العلمي وجائزة نوبل
- أهمية الكتابة العلمية في اللغة العربية
- آفاق التكنولوجيا العميقة
- ضرورة إصلاح التعليم العالي والبحث العلمي في العراق
اكتب تعليقك