تعريب معامل التأثيرالباب: مقالات الكتاب
أ.د. يعرب قحطان الدُّوري جامعة الشارقة، الإمارات العربية المتحدة |
مع تزايد عدد المجلات العلمية بكافة تخصصاتها وعدد الباحثين في كافة أنحاء العالم ولغرض تمييزهم بنشاطهم البحثي والأكاديمي، كان لا بد من معيار أو مقياس ضروري لهذا الغرض لإبراز نتاجهم العلمي وعملهم الإبداعي، من هنا نشأت فكرة "معامل التّأثير"، وهو مقياس لأهميّة المجلات العلميّة المُحكّمة في مجال تخصّصها البحثي. وهذا المعامل يعكس مدى اعتماد الأبحاث العلميّة ورصانتها التي تُنشر حديثًا على عدد المرّات التي يُشار فيها إلى البحوث المنشورة سابقاً في تلك المجلات، واعتمادها مصادر لمعلوماتها، وبذلك تُعدّ المجلة التي تملك معامل تأثير مرتفع من المجلات المهمة في مجال تخصصها.
تاريخيًا، ظهرت أول فهرسة للاقتباس من المجلات العلمية في عام 1960م من معهد "يوجين جارفيلد" للمعلومات العلمية (ISI). تلتها في بداية الثمانينيات معهد المعلومات العلمية باستخدام فهرسة الاقتباس لتحديد معامل التأثير للمجلة العلمية (IF)، وتم استخدام هذا المعيار كأساس لترتيب المجلات العلمية. فتنبّه الباحثون إلى النشر العلمي آخذين في عين الاعتبار معامل التأثير حسب كل تخصص. أن مبتكر معامل التأثير (Impact factor) أو (IF) هو "يوجين جارفيلد"، وهو مقياس لأهمية المجلات العلمية المحكمة بما يعكس بالمنفعة العلمية على المؤلف والنشر على حد سواء ، كما يعكس مدى إشارة الأبحاث الجديدة للأبحاث التي نشرت سابقًا في تلك المجلة أو التخصص والاستشهاد بها، وبذلك تكون المجلة التي لها معامل تأثير مرتفع مجلة متميزة ومهمة، فيتم الإشارة إلى أبحاثها والاستشهاد بها بشكل كبير.
مع مطلع التسعينيات، اعتمد مسمى شبكة العلوم (Web of Science) للنسخة الإلكترونية للفهرسة بعدما أشترت تومسون العلمية (Thomson Scientific) معهد المعلومات العلمية، ليضم أكثر من 10000 مجلة علمية في حينها والتي تضم المجلات المفتوحة الحصول عليها أو المجانية (Open Access Journals). وبالمقابل قامت مؤسسة السيفير عام 2004 بعمل فهرسة سكوبس (Scopus)، والتي ضمت أكثر من 15000 مجلة في حينها، وكذلك قامت شركة جوجل بفهرسة خاصة بها عبر موقعها جوجل سكولار (Google Scholar) ليوفر فهرسة للمجلات والأبحاث على الإنترنت الأكثر انتشارًا. أما حساب معامل التأثير فتقوم به حاليًا مؤسسة (تومسون رويترز) بشكل سنوي للمجلات العلمية المحكمة المسجلة عندها حسب تقارير استشهاد المجلات، وكذلك تصنيف المجلات وفق معاملات التأثير. ولذا يبقى معامل التأثير للمجلة هو الأشهر والأهم للمجلة والباحث على حد سواء مما جعل مقياس معامل التأثير معيارًا في غاية الأهمية عالميًا.
يتم حساب معامل التأثير بطريقة بسيطة ولكنها هامة وهو حساب معدل عدد المرات التي تم الاستشهاد فيها في تلك المجلة خلال السنتين الماضيتين، فإذا كان معامل التأثير لمجلة ما هو 4 في عام 2019 مثلاً تكون الأبحاث التي نشرت في السنوات 2018 و2017 في تلك المجلة قد تم الاستشهاد بأبحاثها بمعدل 4 استشهادات لكل بحث، وحسب المعادلة الرياضية التالية:
مجموع عدد الاستشهادات التي حصلت عليها
في تلك المجلة خلال الأعوام 2018 و2017
معامل التأثير = __________________________________
عدد الأبحاث التي نشرت في المجلة خلال الأعوام 2018 و2017
ولا يمكن حساب معامل التأثير لمجلة ما إلا بعد مرورها بسلسلة من التسجيلات المفهرسة بـ Scopus و Clarivate سابقًا (ISI) بشرط دورية المجلة والحفاظ على ثوابت النشر وأخلاقية الباحثين. وربما يتأثر معامل التأثير صعودًا أو نزولاً حسب عدد الاقتباسات لأي منشور خلال سنة معينة، لأن طريقة حساب معامل التأثير مرتبطة بالفترة الزمنية المنصوص عليها طريقة الحساب، وعليه فإن تقارير استشهادات المجلات تورد قيمًا لمعامل التأثير خلال فترة خمس سنوات. ولا بد من الإشارة إلى أن معامل التأثير مرتبط بالمجال التخصصي للمجلة التي سجلت عليه منذ اليوم الأول كمجلة علميّة مُحكّمة، فربما تتغير نسبة الاستشهاد في أول سنتين من تاريخ نشر البحث بين 1-3 بالمئة في المجلات المتخصصة في الرياضيات والفيزياء، بينما تتراوح بين 5-8 بالمئة في المجلات المتخصصة في علوم الأحياء.
هنا لا بد من التفكير مليًا بمبادرة جديدة ومبتكرة نسميها "معامل التأثير العربي"، وهو معامل يعبّر عن الهوية العربية للمجلات التي تصدر باللغة العربية (خصوصًا في تخصص اللغة العربية والشريعة الإسلامية) وفي داخل الوطن العربي الكبير، ولا بأس أن يمنح لمن يرغب من المجلات العالمية الأجنبية في حالة الطلب. والذي يوفر تقييم كمي ونوعي لتصنيف المجلات العربية لأغراض التقييم الأكاديمي والبحثي بهدف التميز. كما يستخدم لتقييم جودة هذه المجلات. وبنفس الطريقة يعتمد التقييم بعدد الاستشهادات بالبحوث الصادرة في هذه المجلات من بقية المجلات، إضافة إلى معايير تمييزية مثل كونه بحث أصيل أو قيّم، ورصانة هيئة التحرير لتلك المجلة، وسمعة وشهرة الناشر، ونسبة قبول, رفض الأبحاث مع المحافظة على دورية صدور المجلة، وطريقة التحكيم مع الالتزام بأخلاقيات النشر العلمي. وهنا نلفت الإشارة إلى ضرورة أن يكون للمجلة رقم تصنيف دولي للنسختين الورقية والإلكترونية، وللمجلة موقع إليكتروني مفصّل، يحوي هيئة التحرير، وعناوين المراسلة، وقواعد النشر، وأخلاقيات النشر، والملكية الفكرية، وصدورها بشكل دوري، وتوزيع جغرافي للأبحاث المنشورة مع ضوابط تعيين هيئة التحرير بشكل متميز.
وللحفاظ على مستقبل أفضل لمعامل التأثير العربي، يشترط على المؤلفين الاستشهاد بأبحاث غيرهم في مؤلفاتهم وأبحاثهم ليعطي رصانة علمية كبيرة للمؤلف والمجلة على حد سواء مما يعزز الثقة بالناشر والمجلة أيضًا وخصوصًا لدى قواعد البيانات المسؤولة عن الفهرسة.
ولا بد من الاستفادة من تجارب الآخرين في موضوع معامل التأثير، فمثلاً أصدرت الجمعية الأوروبية للمحررين العلميين EASE بياناً تنصح فيه باستخدام معامل التأثير (وبحذر) لقياس ومقارنة المجلات العلمية المحكمة فقط، وليس لتقييم أبحاث أو باحثين معينين. أن عدم وجود معايير أخرى للمجلات العلمية سوف يؤدي إلى الضغط على المجلات العلمية غير المجانية ويجبرها على التحول إلى مجلات مجانية. وبالحقيقة يتواصل التفكير في إيجاد مؤشر جديد لجودة المجلات والبحوث المنشورة، وما تزال المحاولات جادة لهذا الغرض. وهذه فرصة فعلية لتحديد معامل التأثير العربي للمجلات العربية للحاق بهذا التطور المتسارع في عالم النشر والبحث العلمي، مستفيدين من التجارب السابقة الناجحة، ومرحلة جديدة لتأسيس المجلات العلمية العربية في الجامعات والمراكز البحثية في الوطن العربي والتي تكون مدعاة للتنافس العلمي العربي وربما العالمي.
يوفر معامل التأثير العربى تقيم كمي ونوعي لترتيب وتقييم وتصنيف المجلات التى تصدر باللغة العربية لغرض التميز الأكاديمي والبحث الآنف الذكر. ويستخدم المعامل لتقييم جودة المجلات من خلال النظر في استعراض عدد الاستشهادات بالبحوث المنشورة والأصالة والجودة العلمية والتقنية والنوعية وضوابط النشر العلمى. ومن خلال نخبة من العلماء المتخصصين فى المجالات المختلفة، نتبع أسلوب التحليل المتعمق ومعدلات القبول والرفض لإدراج المجلات فى هذا التصنيف من عدمه. لذا نوده اهتمامنا إلى أصحاب القرار والشأن الرسميين على النهوض بالنشاط العلمي العربي في مختلف سياقاته، برعاية معامل التأثير العربى لاستكشاف ملامح الإنتاج الفكري العربي في تخصصاته الموضوعية المتعددة، وبعض ملامح الشخصية العلمية للمجتمعات العربية في ضوء ما تنشره من نتاج فكري على العموم أو من خلال أحد مصادره، وإضافة مراجعة الاتجاهات الجارية في قياسات المعلومات في عالمنا المعاصر، ودراسة التجارب العالمية والوطنية في إنشاء الأدوات المعتمدة في تقييم وقياس أداء النشاط العلمي. وبذا هي دعوة جميع المهتمين بالنشاط والنشر العلمي في العالم العربي وخارجه، والمهتمين بالتصنيفات الدولية للجامعات والدوريات التخصصية وغيرهما من عناصر الاتصال العلمي؛ والنهوض والارتقاء بما يصب في تطور المجتمع العلمي العربي ووضعه على خريطة النشاط العلمي العالمي.
تغريد
اقرأ لهذا الكاتب أيضا
- أنهار خفية أم مياه جوفية: نظرة تراثية
- المدهش عند المصريين القدماء
- دبلوماسية العلوم
- الطاقة الشمسية في المشرق والمغرب العربي
- تعريب معامل التأثير
- البطالة التكنولوجية
- تهافت التكنولوجيا في زمن الكورونا
- العلم والإيمان
- وَهْم التكنولوجيا
- التعليم عن بعد والتنمية المستدامة
- مساهمة النانوتكنولوجي في التجديد التكنولوجي
- البحث العلمي التجاري في العراق
- ثقافة الإتقان في البحث العلمي
- قصة اكتشاف مادة الجرافين النانوية وجائزة نوبل
- التحفيز العلمي وجائزة نوبل
- أهمية الكتابة العلمية في اللغة العربية
- آفاق التكنولوجيا العميقة
- ضرورة إصلاح التعليم العالي والبحث العلمي في العراق
اكتب تعليقك