البطالة التكنولوجيةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2019-10-03 17:29:19

أ.د. يعرب قحطان الدُّوري

جامعة الشارقة، الإمارات العربية المتحدة

مع بزوغ الثورة الصناعية الرابعة (Fourth Industrial Revolution)، أصبحت الأتمتة الذكية (Intelligent Automation) والروبوتات هي القوة العاملة الجديدة حيث ازداد عدد الروبوتات الصناعية العاملة في جميع أنحاء العالم إلى نحو 1.6 مليون وحدة في عام 2015، إضافة إلى زيادتها مليون وحدة إضافية بحلول عام 2019.

كما شهد عام 2015 ارتفاع مبيعات الروبوتات الصناعية بنسبة 15% وتسيدت الصين نسبة المبيعات، تليها دول الاتحاد الأوروبي. ويتبين أن إجمالي مبيعات الروبوتات الصناعية في عام 2015 تعود إلى الصين، وكوريا الجنوبية، واليابان، والولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا. وهذا ما يثير تساؤلات عديدة حول مستقبل الوظائف والموظفين.

ومن أهم القطاعات التي تستخدم الروبوتات الصناعية هي صناعة السيارات والصناعات الكهربائية والإلكترونية وصناعة المعادن والآلات. حيث استخدم 135 ألف روبوت صناعي تقريبًا (Industrial Robots) خلال السنوات الست الماضية (2010-2015) في الصناعة الأمريكية معظمها مجال صناعة السيارات.

وأشير إلى المتوسط العالمي لاستخدام الروبوتات في أسواق العمل العالمي لعام 2015 بلغ 69 روبوتًا لكل 10 آلاف موظف، وكان أكثر الأسواق كثافة هو استخدام الروبوتات في كوريا الجنوبية نتيجة وجود صناعة الإلكترونيات والصناعات الكهربائية وصناعة السيارات، تليها سنغافورة، واليابان، وألمانيا. كما أشار تقرير أصدرته مؤسسة ماكنزي (McKinsey Global Institute) في 2016، إلى أكثر المهن تعرضًا لخطر الأتمتة واستخدام الروبوتات هي في قطاعات الصناعة والخدمات الغذائية وتجارة التجزئة وقطاع الإقامة والفندقة. كذلك هناك مجموعة كبيرة من الوظائف ممكن تعرضها للأتمتة، مثل الأنشطة المرتبطة بالعمل المعرفي والإبداعي، والبرمجيات والمواد الترويجية والإعلانات. لكن تنخفض احتماليات الأتمتة في قطاعي الرعاية الصحية والتعليم.

لقد أصبح استخدام الأتمتة الذكية أمرًا حتميًا وليس خيارًا وهي إحدى سمات الثورة الصناعية الرابعة، فامتلاكها قدرًا لا مفر منه للاستفادة من المزايا في تسهيل الأعمال وزيادة الإنتاجية لتهيئة الموظفين لوظائف المستقبل.

قد يسبب التغير التكنولوجي خسائر وظيفية لكن يتفق المتفائلون على أن أن آثار التعويض تضمن عدم وجود تأثير سلبي طويل المدى على الوظائف، بينما يرى المتشائمون قد تؤدي التكنولوجيات الجديدة إلى انخفاض في العدد الإجمالي للعمال في التوظيف. لكن الغالبية الواضحة من الاقتصاديين لديهم وجهة نظر متفائلة. يذكر تقرير التنمية في 2019 الصادر عن البنك الدولي بينما الأتمتة الذكية تزيح العمال، فإن الابتكار التكنولوجي يخلق وظائف جديدة.

لكن تأثير الأتمتة الذكية يعزز الأجر للعمال ذوي المهارات العالية بينما يكون له تأثير سلبي أكبر على من لديهم منخفضة إلى متوسطة المهارات. لكن دول العالم الثالث ما تزال بعيدة عن الأتمتة الذكية. إلا أن انخفاض تكاليفها قد يجعلها تنتشر بسرعة كبيرة ما يستدعي الاستعداد لمواجهة التداعيات السلبية لاستخدام تلك التكنولوجيا في سوق العمل، لأن معظمها لا يعتمد على مجموعة متنوعة من الأنشطة الاقتصادية. إضافة إلى أن نسبة كبيرة من القوة العاملة تتشكل من أصحاب المهارات المتدنية، الأمر الذي يعرِّض تلك البلدان لاحتمالات ارتفاع معدلات البطالة، وفقدان الوظائف، لحاجتها إلى تحول استراتيجي لمواكبة التقدم التكنولوجي. يتوقع العديد من التداعيات في دول العالم الثالث ومن أبرزها:

1 -  احتمالية فقدان الوظائف: إن استخدام الأتمتة الذكية والروبوتات والتي تحل محل الإنسان في العديد من المجالات والوظائف، يعني فقدان العمال في تلك التخصصات لوظائفهم، وإحداث ما يمكن تسميته بالبطالة التكنولوجية (Technological Unemployment)، أي فقدان فرص العمل نتيجة للتطور التكنولوجي. فقد أشار المنتدى الاقتصادي العالمي أن الروبوتات ستحل محل 5 ملايين وظيفة بحلول عام 2020. لكن ينبغي الانتباه إلى وجود فروق بين الدول في حجم العمالة التي تقع في خطر الأتمتة واحتماليات فقدان الوظائف. فقد قلصت شركة (Foxconn) في 2016 حجم العمالة بالاستغناء عن 60 ألف عامل، لتحل الروبوتات محلهم لكن اعتمدت الشركة برامج تدريب لتمكين الموظفين من امتلاك مهارات إضافية مثل البحث والتطوير، ومراقبة عمليات الإنتاج، ومراقبة الجودة.

2 - التأثير على نوعية فرص العمل: تسبب التكنولوجيا الرقمية انخفاض حجم فرص العمل المتاحة على المستوى الكلي، وإحداث تغيير نوعي في الفرص المتاحة، حيث ينخفض الطلب على المهارات المنخفضة، ويتزايد الطلب على الوظائف التي تتطلب مهارة عالية أو متوسطة.

3 - تباين بين المهارات وعدم المساواة: عندما تفقد الوظائف وتنخفض فرص العمل، سيجد استقطاب الاقتصاد في سوق العمل فتجبر العمال على التنافس وظيفيًا بعدها تنخفض أجور العمال على حساب الأتمتة الذكية نتيجة ارتفاع الطلب عليها.

لذا اهتمت المؤسسات الاقتصادية الدولية مثل منظمة العمل الدولية، والمنتدى الاقتصادي الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والبنك الدولي على دراسة التوصيات اللازمة لدعم صانعي السياسات نحو اتخاذ الخطوات الاستباقية مع آثار الثورة التكنولوجية متمثلة في:

1 - تحديث التعليم: وهي مسؤولية الحكومات في تحديث المنظومة التعليمية لتصبح قادرة على توقع المهارات المستقبلية بشكل استباقي، والعمل على تضمينها في المناهج التعليمية لإكساب الطلاب المهارات اللازمة للتوافق والتكيف مع سوق العمل المستقبلي.

2 - التدريب طويل المدى: وهو شأن الشركات بالتدريب المستمر للعاملين، وإكسابهم المهارات اللازمة لأداء الأعمال، وتحقيق التوافق بين الإنسان والآلة بالشكل الذي يعمل على زيادة الإنتاجية.

3 - تقبّل العمالة المرنة أو السائلة: أي القدرة على اكتساب المهارات وتحديث ذاتها، والتكيف مع احتياجات سوق العمل.

هناك خلط شائع بين "العمل" بمعنى العبودية حيث يكون التحفيز المالي جائزة مشتركة، و"العمل" الذي ينجح فيه أيضا جميع البشر بدافع الاهتمام الإبداعي البحت. أن الاهتمام الإنساني للاستكشاف والخلق والتحسين هو موجود، لكن نظرا للضغط المستمر للمداخيل في النموذج الحالي، فإن معظم هذه الأعمال تفترض ضرورة وجود إطار للسعي وراء المال من أجل البقاء.

الشيء المثير للاهتمام هو أن نفس عملية الأتمتة الذكية تلعب دورًا كبيرًا في خلق الوفرة، حتى على الرغم من أن الشركات حاليًا، ومن باب منطق الربح، بصدد استخدامها لادخار المال. كما أن السبب الوحيد الذي يجعل الشركات تستخدم التكنولوجيا لتحل محل العمل البشري هو في المقام الأول لتوفير المال وزيادة مركزها التنافسي في الاقتصاد العالمي بدرجة معينة.

وبينما يستمر الإنسان بتحقيق مستويات عالية من التطوّر والتقدم على كافة الأصعدة التكنولوجية المختلفة، وخاصةً في مجال الآليات والروبوتات، لخدمته وتحسين ظروف حياته في هذا الكون، يرى كثير من النقاد أن لهذا التطوّر الدراماتيكي تأثيرًا خطيرًا على حياتنا المجتمعية، نحن البشر.

هناك من يرى أن الأتمتة الذكية والتطوّر التكنولوجي، يمكن أن يسخّرا لخدمة الإنسان ودعم خبراته ومهاراته. فعلى سبيل المثال، فإنّ البرامج المكتبية من محرّرات النصوص وأوراق الحسابات والجداول لم تلغِ العمل المكتبي، أو وظائف المحاسبة في الشركات بل على العكس جعلت الموظفين من محاسبين وغيرهم يتعلّمون كيفية استخدام تلك البرامج ليصبحوا أكثر إنتاجية. لقد ثبت أن التسارع التكنولوجي يساهم في تنمية الاقتصاد وخلق الثروة، لكن، وبحسب مكافي، فإنّه لا يوجد قانون اقتصادي ينص على أن الجميع سيستفيد، وبعبارة أخرى ففي صراعنا مع الآلات فأن بعضهم سيربح بينما الكثير سيخسر.


عدد القراء: 6041

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-