حرب الضحك عند نيتشهالباب: مقالات الكتاب
د. عبدالرحمن إكيدر المغرب |
فيليب أغنود
Philippe Arnaud
ترجمة: د. عبدالرحمن إكيدر
تكمن قوة نيتشه في ضحكه، يقول في مقال يشجب فيه (عبادة المعاناة) : «سوف أجرؤ على إقامة تسلسل هرمي للفلاسفة وفقًا لنوعية ضحكهم». فمن هم هؤلاء المفكرين بالنسبة لهذا الفيلسوف الألماني «القادرين على الانفجار من الضحك الذهبي؟». إن معظم هؤلاء الكتاب والفلاسفة فرنسيين، من أمثال: مونتين Montaigne، لاروشيفوكلود La Rochefouclaud، لابروييرLa Bruyère ، فونتينيل Fontenelle ... وبالطبع فولتير Voltaire، يكتب نيتشه في إهدائه لكتاب (إنسان مفرط في إنسانيته) Humain, trop humain: «كتبهم ترتفع فوق الاختلافات في الذوق الوطني والفروق الدقيقة الفلسفية».
بالنسبة لنيتشه، فإن الضحك مسألة جدية. إنه يعتبر الضحك «حربًا» و«انتصارًا»، إن له مغزى ودلالة. فـ«عندما يضحك الإنسان بأعلى صوته، فإنه يفوق في الابتذال جميع الحيوانات». يجب على المرء البهيج حقًّا «أن يلغي الضحك الصاخب». ذلك أن الضحك هو معركة ضد الذات، قبل أي شيء.
ولد فريدريش نيتشه سنة 1844 في روكينRocken ، التابعة لولاية ساكسونيا أنهالت Saxe-Anhalt، التي ليست بعيدة عن لايبزيغ Leipzig ، وتوفي في فايمار Weimar سنة 1900. وقد كانت مساهمته الفلسفية الأكثر فائدة (على الأقل في الحياة اليومية)، وذلك في نقده للأخلاق، فهو يرى في الاستياء وروح الانتقام النطاق الخفي لكل ما هو أخلاقي.
بالنسبة لنيتشه، فإن الإنسان المستاء هو «الإنسان الأخير». وهذا الأخير هو صورة من العدمية التي تهدد الثقافة الغربية. إن "الإنسان الأخير" يريد شيئًا أكثر من الأمن، وهو يعارض باستمرار إرادة السلطة، التي هي من حكر "الإنسان الخارق". يلاحظ نيتشه في (علم المرح) Le Gai Savoir "أن الجنس البشري دائمًا يُصدر مراسيم، من وقت لآخر: «هناك شيء ليس لنا الحق فيه بالضحك!»، ولذلك فمن المهم أن نعرف الضحك. كما يجب على المرء أن «يضحك على الحكماء المتقشفين». ويضيف: «حتى الطفل يجد دائما شيئا يضحك عليه». وفيه هذا نوع من الإثارة، : ف«أيُّ حقيقة لا تجلب على الأقل ضحكا هي حقيقة كاذبة».
إن نيتشه ليس بالكاتب الذي يصعب فهمه، خلافا لتلك لأفكار الراسخة حوله. إننا نضحك عندما نقرؤه، أما هو، فيضحك كثيرا على نفسه. وهذا أمر ناذر الحدوث عند الفلاسفة. إنه «متهور في عقله»، أشبه ما يكون ب«العنقاء»، أو«متسلق الجبال»، أو«متسلق مبتدئ»، أو «شخص مثير للسخرية»، ... والذي «يحوم فوق الغيوم». إن سخريته ليست بالمتشائمة، بل إنها مدمِرة. إن ضحكه ليس «نهاية العالم من الضحك»، أو مثل ذروة الحدث، أو الشهب النارية.
يكتب نيتشه في (ما وراء الخير والشر) Par-delà le bien et le mal : «نحن مستعدون لكرنفال من النمط العظيم، حيث الشظايا من الضحك، والفرحة الجنونية، في مهرجان تنكري، والجرائم المتجاوزة للغباء الفادح، والسخرية الأرسطوفانية التي تنتهك الكون». ويذكرنا نيتشه في هذا السياق بأن أرسطوفانيس Aristophane شاعر هزلي يوناني عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، والذي سخر من سقراط في أعماله المسرحية. تجدون العصر وضيعًا، ومبتذلاً، وبدناءة تجارية؟ لذا يدعونا الفيلسوف لنتجاهل الغباء ببرنامج واسع النطاق! كما قال الجنرال ديغولDe Gaulle لقائد الفرقة الثانية المدرعة المارشال ليكليرك Leclerc الذي كتب على سيارته جيب: «الموت للأوغاد».
يحفر نيتشه التماثيل، يفجر الأصنام من قاعدتها. إن تمرده هذا مبتهج. يجب علينا الاستماع إليه عندما يقول: «فيكتور هيكو Victor Hugo : أو المنارة التي على حافة المحيط»، و«جورج ساند George Sand: البقرة التي تدر الحليب الجيد»، و«ميشلي Michelet: الحماس في ذراع القميص»، و«ليزي Liszt: الأسلوب الشائع ... بعد النساء». إن جوته Goethe - الرجل الألماني العظيم، الذي يعجب به الكل - «يعانق الغيوم غالبًا أكثر مما نرغب نحن فيه». يرى في ألمانيا «امرأة عجوزة محافظة ومثيرة للسخرية». أما شبنهاور Schopenhauer فإنه «يمشي في الرموز بدل المشي على الأشياء ذاتها». ماذا يعتقده نيتشه تجاه فاغنر Wagner، الذي كان صديقًا له، قبل أن يتشاجر معه نهائيًا؟ «يكتب نيتشه: أحتاج إلى أقراص جيغوديل Géraudel، للاستماع إلى فاغنر» (أقراص جيغوديل هي أقراص سعال تصلح لأمراض الجهاز التنفسي). ثم يضيف: فاغنر «مضطرب عصبي». إنه ينجذب إلى المرض مثل ما ينجذب «النباتي إلى الخضر»، إنه "مغناطيس"؛ و«رامٍ للغمزات»، و«ممثل متكلف غير بارع» مثل هيكو.
يعتقد نتيتشه أنه مازال هناك مستقبل للضحك. لقد حلم طيلة حياته بالضحك "عاليًا". يكتب في نهاية مؤلفه (إنسان مفرط في إنسانية): «إن الصمت بين الأصدقاء هو ذهب، لكن الضحك الجيد والطري هو أكثر من ذلك بكثير». ويكتب أيضا، باللغة الألمانية lieblich laut: يجب على المرء أن يضحك «بصوت عال وجميل».
بالنسبة لهذا الفيلسوف، فإن هذا الضحك هو بمثابة «بقايا الطبيعة»، ويجب أن يكون محميًا، مثل الحيتان التي توشك الآن على الانقراض، والتي كما هو معروف جيدًا، فهي تضحك طوال الوقت.
الهوامش:
عنوان المقال :
Nietzsche - La guerre du rire
مقتبس من :
Filippe Arnaud,Le Rire Des Philosophes, Arléa, Paris, Février 2017,pp 139- 144.
تغريد
اقرأ لهذا الكاتب أيضا
- شبنهاور: العالم مثل مزحة سيئة
- فوكو المكتبة المنزلقة (عن معرفته الواسعة وبعض الحكايات عن ضحكه الأسطوري)
- حرب الضحك عند نيتشه
- خمسة مفاتيح لإطالة أمد الصداقة
- هل بالإمكان استبدال العلاج النفسي بالتنمية الذاتية؟
- النرويج وسنغافورة: مدرستان نموذجيتان
- هل يوجد فعلاً عقل اجتماعي؟
- كاميناندو: الطبيعة فضاء للتعلم
- كيف تمنحنا صور الطبيعة الإثارة والبهجة؟
- العيش مع موتانا: حكايات وأقاصيص
- مجتمع الاتصال وتطورات التفكير الطارئة
- بين البنغال وروسيا .. مصير امرأتين
- حجر رشيد في ذكرى مئويته الثانية
اكتب تعليقك