كيف نصوّر أنفسنا نحن العرب والمسلمين وكيف يصوّرنا العالم؟الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2023-01-30 07:38:05

د. عمر عثمان جبق

سلطنة عمان- جامعة التقنية والعلوم التطبيقية، كلية التربية بالرستاق (قسم اللغة الإنجليزية وآدابها)

لا بد أن نُقرّ بأنّ فهمنا لأنفسنا فهمًا صحيحًا يقود بالضرورة إلى تصوير أنفسنا للعالم الخارجي تصويرًا صحيحًا أيضًا. والإنسان عبارة عن مجموعِ القيم والأفكار والتخيّلات التي يمتلكها، والتي يكتسبها من الوسط المحيط الذي يعيش فيه، ويتفاعل معه ويتأثر به ويؤثر به أيضًا. وفي مجتمعاتنا العربية، والمسلمة بشكل خاصّ، هناك تركيز كبير ومستمر على الجانب الديني منذ دخول الأطفال المدارس حتى تخرّجهم من الجامعات ويستمر خلال فترة حياتهم أيضًا، وهذا شيء إيجابي لو كان يخلو من التوجيه نحو فهمٍ معيّن لفئة معينة للدين لا تعادي ولا تُقصي من لا يتبنّى فكرها وفهمها من الانتماء إلى الإسلام،  وللأسف الشديد يتمّ توجيه الأطفال منذ نعومة أظفارهم نحو فهمٍ خاص للدّين قد يكون وراءه أهداف وغايات مادية أو سياسية أو غيرها، وهذا الفهم يختلف من بلد عربي مسلم إلى بلد عربي مسلم آخر، ومن فكرٍ إلى فكر داخل البلد الواحد؛ ومما يزيد الطين بلة أنّ هذا التوجيه بعيدٌ كل البعد عن أوامر الله ونواهيه التي حفظها الله تعالى في كتابه العزيز، مصدر كلّ القيم والأخلاق التي نحتاجها كي نحيا حياة سعيدة. ولو تعمّقنا أكثر في الفهم الخاص للدين الحنيف لكل بلد عربي مسلم لوجدنا مذاهبًا وأحزابًا ونِحَلًا لا يمكن حصرها، وكلّ واحدٍ منها يعتقد أنه على الطريق المستقيم، وما سواه فئات ضالّة شاردة يقوم بمعاداتها ودعوة أنصاره إلى مقاطعتها وتجنّبها. ولو قرأ هؤلاء الناطقون باسم مذاهبهم ونِحَلهم وأنصارهم كتاب الله وفهموه كما ينبغي لعلموا حق العلم أنّ الله يأمرهم  بالوحدة ونبذ الفرقة ويحذرهم منها ومن عواقبها، ويروي لنا أخبار الأمم من قبلنا التي تفرّقت واختلفت فخسرت وخابت في الدنيا وفي الآخرة  (وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ) (آل عمران – 105).

وما نراه في هذه الفترة العصيبة التي يمرّ فيها العالم أجمع من صراعات دولية وجراحات مفتوحة في بعض الدول العربية المسلمة يعود سببها الرئيس إلى وجود هذه الفِرَق والأحزاب والجماعات الدينية التي تدّعي أنها تمثّل الإسلام والمسلمين وتتحدّث باسمهم، والحقيقة أنّ معظم المسلمين لا ينتمون إليها ولا يقرّون بها. ونحن نعيش في عصرٍ رقمي يعرف فيه العالم كل شاردة وواردة عنّا وعن تلك الفرق والمذاهب والنِحَل، ويعلم ما تفعله فيما بينها ويرحّب بذلك، ويشجّع عليه لأنّه يقدّم له مكاسب كثيرة مجانًا ويبرّر تدخله إن لزم الأمر. وإذا كنّا نحن العرب والمسلمين لا نرحم بعضنا البعض ولا يقبل بعضنا الآخر، فلا غرابة ولا استغراب إذا وجدنا أنّ العالم لا يقبلنا ولا يرحمنا! كما أن العالم ليس غبيًا ليعتقد أننا نحبّه ونحترمه ونوقّره ونقبله؛ فهو يسمع ويرى ما تقوله تلك الفرق والجماعات والأحزاب عنه، ويعلم أنه لا يرحم بعضها بعضًا، ويدرك جيدًا أنها لن ترحمه أيضًا إن استطاعت إلى ذلك سبيلًا. هكذا نصوّر أنفسنا، أو بالأحرى يتم تصويرنا للعالم من أبناء ديننا الذين تفرّقوا إلى أحزاب وجماعات متناحرة ومتخاصة؛ فلا ينبغي لنا أن نستغرب عندما نرى العالم الغربي والشرقي يتبنّى هذه الصور القاتمة، ويروّجها في مجتمعاته المحلية ووسائل إعلامه العالمية؛ فنرى صورة الإنسان العربي المسلم في وسائل إعلامهم في أسوأ أشكالها؛ فالعربي المسلم متطرّف، إرهابي، متعصّب، شهواني، غبي، متناقض، مادّي، متسلّط، وغير ذلك من الصفات السلبية القاسية الجائرة التي لايمكن أن تمثّل الأغلبية الساحقة من العرب والمسلمين، ولكنها للأسف التصقت بهم. ولنا أن نتخيّل صعوبة، وربما استحالة، تغيير هذه الصور التي أصبحت نمطية على المدى القصير. كيف لنا أن نطلب من العالم التوقّف عن نشر هذه الصور الجائرة والمسيئة، ونحن ما نزال نعيشها ونروّج لها فيما بيننا؟ 

(إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ ) (الرعد – 11).

أعتقد أنه ينبغي على الحكومات العربية المسلمة أن تعي أنّ لها دورًا كبيرًا في المساهمة في تغيير هذه الصور تغييرًا جذريًا من خلال الأدوات الفاعلة والمؤثرة التي تمتلكها: من مناهج التعليم في كافة مراحله، والوزارات الدينية والقضائية والإعلامية والترفيهية التي تشرف عليها. ينبغي لحكوماتنا أيضًا أن تضع المسؤول والموظف المناسب في المكان المناسب، وفق مؤهلاته وخبراته وأفكاره، خاصّة المتعلقة بالدّين والأخلاق، حتى يكون صورة سليمة له ولأبناء جلدته. ولابدّ من نشر ثقافة قبول الذات وقبول الآخر المختلف عن ذاتنا بفكره وعقيدته والذي يعيش بيننا، وقد يكون هذا الآخر من أهلنا وأقاربنا ومعارفنا وزملائنا في العمل، فعندما نقبل ذواتنا ونقدّرها ونعيش معها بسلام واطمئنان يمكننا قبول الآخر واحترامه والعيش معه بسلام أيضًا. التغيير ليس سهلًا؛ بل يحتاج عزيمةً ووقتًا وجهدًا، ولكن لا بد منه إذا كنا نريد لأولادنا وأجيالنا القادمة أن تحيا في عالم لا يحمل تصوّرات سلبية مسبقة عنهم، يحكم عليهم من خلالها ويؤطرهم بها. وأعتقد أنّ هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الأبوين؛ فهما اللذان يغذّيان أولادهما بالمعرفة الأولية الضرورية، وهما اللذان يغرسان القيم الدينية والأخلاق الحميدة فيهم. وعليهما الجلوس مع أولادهما والتحدّث معهم في كل شيء، ومصادقتهم وتوعيتهم وتحذيرهم من الانجرار وراء تلك الفرق والأحزاب والمِلل الدينية التي لا تمثّل المسلمين، وبذلك ستختفي هذه الفرق بإذن الله رويدًا رويدًا عندما لا تجد من ينتمي إليها. ويشترك في هذه المسؤولية أيضًا المعلمون في المرحلة التعليمية الأساسية قبل مرحلة التعليم الجامعي؛ فلهم دور كبير في نشر الفكر السليم بين طلابهم، ولعلّ الطالب يستمع إلى كلام معلميه ويقتنع به أكثر من كلام والديه في بعض الأحيان، وبعض الطلاب يتّخذون من معلميهم قدوة يحتذون بها ويتبنون أفكارها. ولابد من انفتاح الأهل والمعلمين على طلابهم وأولادهم، وتقبّل النقاش معهم وتحمّل أسئلتهم ونقاشاتهم، لاسيما الدينية الحسّاسة، وتبيان أهمية الحوار وعرض أفكار مختلفة دون خوف أو مجاملة بغرض الاستفادة؛ فعندما يجد الأولاد والطلاب آذانًا صاغية من أهلهم وذويهم ومعلميهم فلن يفكّروا أبدًا باللجوء إلى أي أحد خارج هذه الدائرة المقرّبة التي يثقون بها ويحبّونها لأنّهم يعلمون أنها تبادلهم نفس المشاعر والأحاسيس والثقة.

ولايُقصد من هذا الكلام أنّ يتبنى الأولاد والطلاب أفكار آبائهم ومعلميهم فيصبحون نسخًا متكررة عنهم، بل المقصود أن يشعر الأولاد والطلاب بحرية التعبير عما يجول في خاطرهم دون الخوف من العقاب أو الجفاء والقطيعة. فالاختلاف في الرأي موجود منذ الأزل، ولايجب أن يترتّب عليه إجراءات عقابية طالما أنه لايدعو إلى فرض الرأي بالقوّة أو تعنيف أو تجريم من لايقبل به. وهكذا يتضّح أن تشكيل صورة صادقة للإنسان العربي المسلم أشبه برسم لوحة يشترك فيها أكثر من ريشة وأكثرمن لون حتى تخرج اللوحة بألوان زاهية وملامح واضح ودقيقة، فالأهل والمعلمون والمناهج التعليمية هي تلك الريش والألوان التي تساهم في رسم الصورة التي يبدو عليها أولادنا وطلابنا. ولابد من هذه الصورة، بعد أن ساهم في تشكيلها أكثر الناس حرصًا ومحبةً، أن تخرج للعالم بألوان جذّابة وتفاصيل دقيقة تعكس جمال صاحبها فيراها العالم جميلةً أنيقة كما هي في الواقع والحقيقة، وليس خلافًا لما هي عليه. نريد أن نرى صورتنا جميلة ليراها العالم من حولنا جميلة، وكما يقال لايجب أن نلوم الآخرين عن الانطباع الذي يأخذونه أو يشكلونه عنّا فهو ردة فعل وانعكاس لما يرونه منّا. ومما يدفع إلى التفاؤل، بالرغم من كل ما يحدث، وجود صور كثيرة مُشرِقة ومُشرِّفة لأعداد كبيرة من الشباب العربي المسلم في الغرب والشرق، وهم يتفوقون في كافة المجالات العلمية والعملية مع الاحتفاظ بهويتهم العربية المسلمة فيحتفل بهم الإعلام الغربي والشرقي أيّما احتفال ويكرّمهم أيّما تكريم ويدعو المجتمع للاقتداء بهم. وباختصار، نحن المسؤولون عن صورتنا أمام الآخر والعالم فهم يرونها كما هي؛ فإن كانت إيجابية مشرقة امتدحوها وأثنوا عليها وسوّقوها على أنها جديرة بالاقتداء، وإن كانت غير ذلك سخروا منها وشهّروا بها وحذروا منها.


عدد القراء: 2302

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-