الجهاد السوري: القاعدة وداعش وتطور الثورةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2019-06-05 16:26:44

د. عمر عثمان جبق

سلطنة عمان- جامعة التقنية والعلوم التطبيقية، كلية التربية بالرستاق (قسم اللغة الإنجليزية وآدابها)

مراجعة: إما سكاي Emma Sky 

ترجمة: د. عمر عثمان جبق

 

الكتاب: "الجهاد السوري: القاعدة وداعش وتطوّر الثورة"  

المؤلف:  تشارلز آر. ليستر

الناشر: Hurst And Company Macmillan UK

عدد الصفحات: 540 صفحة.

تاريخ النشر: 2017.

ISBN-13: 978--1849048729

اللغة: الإنجليزية

عندما قمت بزيارة سوريا في يونيو من العام 2011، أي بعد أربعة أشهر على اندلاع الاحتجاجات، كان حوالي 2000 سوريًا قد قُتل. وكان السوريون الذين تحدّثت إليهم خلال تلك الزيارة واثقين أنّ بلادهم لن تنزلق إلى حربٍ أهلية كالعراق. واليوم فقد تخطّى عدد القتلى في سوريا ربع المليون، وبلغ عدد المهجّرين من منازلهم نصف تعداد السكان. يصف تشارلز آر. ليستر Charles R. Lister في كتابه "الجهاد السوري" كيف تحوّلت الثورة الشعبية المطالبة بالعدالة وحكومة أفضل إلى حرب أهلية عسيرة مع ظهور دور بارز للجهاديين.

عندما أصبح بشار الأسد رئيسًا، بعد وفاة أبيه حافظ في العام 2000، كان هناك تفاؤل أوليّ أنّ القائد الشاب سيأتي بإصلاحات. وفي السنوات القليلة الأولى من توليه الحكم، كان هناك محاولات قليلة لتحرير البلاد سياسيًا واقتصاديًا؛ فقد قام بشار الأسد بزيادة تمثيل السُنّة والمسيحيين والدروز في نظامه الذي تهيمن عليه الطائفة العلوية، وكسب ولاء النخبة من تجار دمشق مع انفراج جزئي في الاقتصاد. ولكن اتضح أنّ المستفيدين كانوا من المحسوبين على الأسد بشكل كبير، مع تزايد الظلم والجور. وقد أدت أسعار الوقود المرتفعة وشحّ الماء المتزايد إلى تدني مستويات المعيشة للطبقة الوسطى، كما ودفع الجفاف كثيرًا من المزارعين إلى الهجرة من الريف إلى المدينة حيث بدأوا يكافحون لكسب لقمة العيش.

وفي تلك الأثناء كان الأسد يحافظ على جهاز أمني منتشر في طول البلاد وعرضها، واستمر في استراتيجية أبيه "تسريب تهديدات داخلية وتصديرها"، ربما خوفًا من الانتقام لمجزرة عام 1982 التي راح ضحيتها ما بين 10.000 و 40.000 مدنيًا سنّيًّا في معقل الإخوان المسلمين مدينة "حماة". وقام الأسد بتسهيل عبور الجهاديين إلى العراق للانضمام إلى مقاومة الاحتلال الأمريكي بعد عام 2003.

أطلق حبس أطفال مدينة "درعا" في جنوب سوريا وتعذيبهم في مارس من العام 2011 شرارة الاحتجاجات السلمية، إلا أنّ ردّ الحكومة عليها كان قمعًا وحشيًا. وكان لهذا القمع أثرٌ عكسي، حيث قام السوريون بتشكيل ميليشيات لحماية أنفسهم؛ مما أدى لظهور الجيش السوري الحرّ، الذي عُرف فيما بعد بالمعارضة المعتدلة.

سعى الأسد منذ البداية لتصوير الثوّار على أنهم إرهابيون إسلاميون لكي يقوّضهم في عيون المجتمع الدولي. وقام أيضًا بإطلاق سراح الجهاديين السوريين من سجونه عن قصد ليتبوؤوا مناصب بارزة في المعارضة.  ومع نجاح الثواّر في السيطرة على مزيد من الأراضي، وجد جيش الأسد نفسه قد وصل إلى نقطة الانهيار. على الرغم من أنّ الجيش كان تحت قيادة ضباط علويين، إلا أنّ عددًا كبيرًا من الجنود المشاة كان من السّنّة؛ مما جعلهم غير موثوقين في نظر الأسد وقيادات الجيش العلوية. وبحلول عام 2013 اضطر الأسد إلى اللجوء إلى حلفائه المقرّبين جدًا، وهم إيران وحزب الله، لتزويده بعتاد بشري إضافي؛ مما أضفى طابعًا طائفيًا على الصراع.

يقوم الكاتب "ليستر" بتعقّب تطوّر الثورة شهرًا بشهر؛ من مارس 2011 حتى سبتمبر 2015. ويقوم بوصف الجماعات المسلحة العديدة بأدق التفاصيل؛ كيف أنها تتنافس فيما بينها، وتجذب دعمًا خارجيًا، وتغيّر تحالفاتها، وأحيانًا تتعاون فيما بينها، أو تتقاتل مع بعضها البعض. ويقول إنّ ظهور الجماعات الجهادية العنيفة كان نتيجة فشل المجتمع الدولي في دعم المعتدلين. ويقول أيضًا إن الجماعات الإسلامية كانت أنجح في استقطاب التجنيد لأنّ تنظيمها والتزامها وتمويلها كان أفضل. ويقارنها بالجيش السوري الحرّ التي كانت قاعدته متمركزة خارج البلاد جنوب تركيا، والذي كان دعمه المالي يأتي من متبرعين مختلفين، لديهم مصالح مختلفة؛ مما أدى إلى إفراز فصائل تتنافس فيما بينها.

يؤرّخ "ليستر" وصول داعش في ربيع عام 2013. ففي العراق كان لفشل المجتمع الدولي في تأييد نتائج انتخابات عام 2010 ودعم كلّ من إيران والولايات المتحدة رئيس الوزراء الشيعي الطائفي "نوري المالكي" لولاية ثانية كان لكل ذلك آثارٌ كارثية على المنطقة. فقد اتهم "المالكي" السياسيين السنّة بالإرهاب، وأقصاهم عن العملية السياسية. كما وتوقّف عن دفع رواتب "الصحوة" (الصحوة السنية) التي هزمت القاعدة في العراق أثناء قتالها إلى جانب القوات الأمريكية خلال عمليات 2007. و نفّذ "المالكي" اعتقالات جماعية بحقّ السنّة. لقد شكلت هذا الأعمال البيئة التي ساعدت على نهوض داعش من رماد القاعدة في العراق؛ فقدّمت نفسها على أنها المدافع عن السنّة، وامتدت آنذاك إلى سوريا.

وحسب وصف "ليستر" فإنّ داعش كان يخشى أن تطعنه "الصحوة" في الظهر مرة أخرى، و كان يحاول قمع أي معارضة محتملة من خلال التهديد العنيف. وفي الوقت نفسه، كان داعش يسعى إلى استحواذ الأراضي، وحكمها من خلال كسب "قلوب وعقول" السكان المحليين. ففي حلب، على سبيل المثال، قام داعش بإجراء "أيام المرح" حيث "كان يشجع الأطفال والبالغين على المشاركة في ألعاب تفاعلية. فقد كان هناك تحدٍ للأطفال لالتهام الآيس كريم والبطيخ بسرعة، واختبارٌ لإلمامهم بالقرآن، وكان يمنح الجوائز للفائزين. بينما كان الرجال يشاركون في ألعاب الكراسي الموسيقية ومصارعة اليدين وشدّ الحبل."

كان الأسد قادرًا على الاستفادة كثيرًا من المنافسات الداخلية للمعارضة. فقد أدّى الاقتتال الداخلي في سوريا، بين داعش وجبهة النصرة التابعة للقاعدة، على سبيل المثال، إلى انفصالهما، و إلى تنصّل القاعدة من داعش في فبراير من العام 2014. و يصف "ليستر" كيف أنّ في عام 2014 "كان المتطرّفون والمعتدلون يتقاتلون فيما بينهم، وكان قتال النظام قد انخفض إلى المرتبة الثانية."

إنّ معرفة "ليستر" بمختلف الجماعات مبهرة؛ فقد كان زميلاً زائرًا إلى مركز بروكينجز الدوحة Brookings Doha Center، وقابل قادة أكثر من مائة فصيل معارض. ويقدّر "ليستر" وجود ما لا يقلّ عن 150.000 ثائر ضمن حوالي 1500 جماعة أو فصيل. وعلى مدار الحرب الأهلية، يقدّر الكاتب أيضًا وصول ما لا يقلّ عن 30.000 مقاتل أجنبي من أكثر من 100 بلد إلى سوريا للقتال.

لا يعدّ كتاب "الجهاد السوري" مريحًا وسهلاً بسبب مستوى التفاصيل التي فيه بشكل رئيسي؛ فهو ليس للقارئ العام الذي يسعى للحصول على فهم كليّ للحرب الأهلية السورية، ولكنه دليل لا يمكن الاستغناء عنه للفصائل الجهادية المختلفة. ويعدّ قيمًا جدًا لطلاب الحروب الأهلية المقارنة لأنّهم سيميزون الأنماط المألوفة لطريقة تجنيد الأفراد، وطريقة ردّ الأنظمة الحاكمة، وطريقة تشكيل الجماعات وتنظيمها وتمويلها ودوافع الناس للانضمام إليها، والتكتيكات الحربية القتالية التي تستعملها.

ما هو الدرس الذي ينبغي للولايات المتحدة استخلاصه من سوريا؟ بالتأكيد ليس أنّ الدافع الرئيس للصراع هو "الأحقاد القديمة" التي يعود تاريخها إلى الشرخ في الإسلام في القرن السابع. و يعلّق "ليستر" قائلاً إنّ ظهور داعش وتمددها "قد كشف عن التهديد الحقيقي الذي يمثله عدم الاستقرار السياسي وانهيار الدولة". إنّ الحرب الأهلية تحدث في بيئة تكون فيها شرعية النظام على المحكّ، وفي وسط صراع جيوسياسي بين إيران التي تستغل الدّين لحشد الدعم والمملكة العربية السعودية.

كما حدث في العراق، فإن الولايات المتحدة تضيّع العديد من الفرص التي تساعد على التأثير في نتائج أفضل في سوريا. في حين كانت إدارة الرئيس السابق أوباما تقيّم كلفة التدخل، إلا أنّ "ليستر" يلوم عدم دراستها التبعات المحتملة لإخفاقها في دعم المعارضة المسلحة المعتدلة دراسةً صادقة. ومع ذلك، فإن اللوم الأكبر ينبغي إلقاؤه على بشار الأسد نفسه الذي كان غير مستعدٍ وغير قابلٍ للإصلاح، في حين يصوّر نفسه البديل الوحيد لداعش، وسط الفوضى التي ساعد هو على تشكيلها. وتبقى المأساة مأساة الشعب السوري الذي يستمر في دفع الثمن.

 

الهوامش:

1- إما سكاي مديرة برنامج "زملاء ييل العالميين Yale World Fellows"، و مؤلفة كتاب "كشف النقاب عن الآمال الكبيرة والفرص الضائعة في العراق". 

2- موقع المراجعة باللغة الأصل:

https://www.nytimes.com/2016/03/20/books/review/the-syrian-jihad-by-charles-r-lister.html

 


عدد القراء: 5715

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-